عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

28 عاما على رحيل ثائر الجنوب "‬أمل دنقل‮"


أيها الواقفون علي حافة المذبحة

أشهروا أسلحتكم

‮ ‬سقط الموت وانفراط كالمسبحة

والدم انساب فوق الوشاح

المنازل أضرحة

والزنازين أضرحة

والمدي أضرحة

فارفعوا الأسلحة

بهذه الكلمات تعني ثوار‮ ‬25‮ ‬يناير وكأن أمل دنقل في ذاكرة الـ‮ ‬28‮ ‬كان موجوداً‮ ‬معهم في ميدان التحرير من خلال تلك القصيدة التي هي واحدة من أهم قصائد الرفض السياسي وغيرها من الأعمال التي مازالت محفورة في الأذهان في الجنوب وبالتحديد في محافظة قنا أقصي جنوب الصعيد كانت قرية القلعة علي موعد باستقبال مولد شاعر جديد عام‮ ‬1940‮ ‬ومنها أخذ الكثير من طباعه حتي أن المبدعين أطلقوا عليه لقب الجنوبي لأنه كان يحتفظ بداخله بأصالة الجنوب وخصوصيته وحديثه وصراحته واخلاصه وعزة نفسه فأسماه والده أمل في العام الذي حصل فيه علي شهادة العالمية من الأزهر الشريف والتي تعادل درجة الدكتوراه تيمنا به أن يصبح هذا الابن شخصاً‮ ‬مختلفاً‮ ‬عن الآخرين في المستقبل وكان والده يكتب الشعر العمودي ويمتلك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة وذخائر التراث العربي ما أثر كثيراً‮ ‬في أمل دنقل في تكوين اللبنة الاولي له كقارئ نهم ومن ثم ككاتب ومبدع حقيقي،‮ ‬تقول الكاتبة عبلة الرويني زوجة أمل دنقل كان أمل ثائرا علي كل شيء حوله متمرداً‮ ‬منذ نعومة أظافره فوضوي يحكمه المنطق بسيط صريح وخفي في آن واحد،‮ ‬انفعالي،‮ ‬وكتوم،‮ ‬لا تدرك ما في داخله ابداً‮ ‬يملأ الاماكن صخباً‮ ‬وسخرية وضحكا ومزاحاً‮ ‬صامتاً‮ ‬الي حد الشرود يفكر مرة او مرتين في ردود افعاله وأفعال الاخرين،‮ ‬استعراض يتيه بنفسه في كبرياء لافت للأنظار،‮ ‬صخري شديد الصلابة لا يخشي شيئا ولا يعرف الخوف أبداً،‮ ‬لكن من السهل ايلام قلبه،‮ ‬صعيدي محافظ،‮ ‬عنيد لا يتزحزح عما في رأسه،‮ ‬وقضيته هي الحرية،‮ ‬عاشق للحياة،‮ ‬مقاوم عنيد يحلم بالمستقبل والغد والماضي،‮ ‬كان يدرك دائما أن قوته في شعره،‮ ‬صعلوك لا يري الشمس الا نادراً‮ ‬والنهار يقضيه نوماً‮ ‬طويلاً‮ ‬يقرأ في أي مكان شاء في استغراق تام وسط بحيرة من الأوراق والكتب والجرائد والاقلام يكتب في كل مكان في المقهي،‮ ‬في الشارع فوق مقعد في المنزل ينفق كل أمواله في ليلة واحدة ثم ينام جوعاً‮ ‬في الليلة التالية لا يوجد له عنوان محدد سوي مقهي ريش،‮ ‬واتيليه القاهرة ودار الأدباء يقاسم أصدقاءه‮ ‬غرفاتهم ونصف السرير ونصف الرغيف والكتب المستعارة لا يحب منطقة الوسط،‮ ‬يحب ويكره،‮ ‬يحب إلي درجة أنه ينسي شجارك معه ويكره الي درجة النسيان وإلغاء الشخص تماماً،‮ ‬يبحث عن لفت الأنظار إليه دائما يهوي‮ ‬الملابس الغريبة والألوان الخاصة،‮ ‬يخاصم أصدقاءه إذا دخل عليهم فلم يتهللوا واقفين جميعاً‮ ‬في فرحة بلقائه يقتحم الآخرين اقتحاما ويبادرهم بالسؤال المباغت في أشد مناطق خصوصياتهم وكأن الحياء لم يمر بباله لكنه يرفض منطق السؤال له فلا‮ ‬يسمح لأحد باقتحامه ومحاولة التفتيش في داخله،‮ ‬يهوي المشاحنات الكلامية والمداعبات الحادة في جرأة مستفزة،‮ ‬لاعب شطرنج ماهر يحرك جنوده بدقة،‮ ‬ولاعب طاولة عنيد ومشاكس كنا نتشاجر في اليوم الواحد مرات عديدة يهزمني‮ ‬لكن الامر يصبح مأساة بانتصاري أهتف في وجهه‮ "‬انتصرنا‮.. ‬انتصرنا‮" ‬فيقلب رقعة الشطرنج ويرمي زهر الطاولة ويغضب ويخاصم انتصاري ثم يطالبني بعد قليل باللعب مرة اخري،‮ ‬كان شديد الصلابة كالجرانيت الصخري لا يهتز سريعاً‮ ‬بل يصبح من الصعب ادراك طبيعة الفرح أو الحزب من ملامح وجهة ومن نظرات عينيه لا يفصح عن مشاعره،‮ ‬اسماه الصديق الشاعر حسن توفيق‮ "‬هرقل‮" ‬واسماه الصديق الدكتور جابر عصفور‮ "‬سبارتاكوس‮" ‬فهو الثائر دائما‮.‬

ويكشف صالح دنقل ممثل وكاتب مسرحي سراً‮ ‬جديداً‮ ‬في حياة امل دنقل عرفه سنة‮ ‬2003‮ ‬أثناء انعقاد مؤتمر مرور‮ ‬20‮ ‬سنة علي وفاة أمل دنقل في مركز الابداع أنه اثناء الافتتاح الذي ألقاه الدكتور جابر عصفور رئيس المجلس الأعلي للثقافة جلس بجواري رجل يقترب من الستين عاما وبعد الندوة لاحظ هذا الرجل أني أقف مع كل أقارب أمل الذين حضروا سألني انت قريب المرحوم أمل وعرفته بنفسي وسرد لي حكاية وشيء أول مرة اسمعه أنه في نهاية‮ ‬1980‮ ‬وكانت بداية مرض أمل بالسرطان عرض الرئيس السادات علي أمل دنقل رئاسة هيئة الكتاب بمرتب وزير بشرط أن ينكر قصيدة لا تصالح،‮ ‬وأن يكتب قصيدة جديدة للسلام ورجل السلام وذلك عن طريق الوزير محمد عبد الحميد رضوان وزير الثقافة في ذلك الوقت فرفض امل وكانت سببا في شرخ العلاقة بين الاثنين حتي شهر يونيه‮ ‬1983‮ ‬زار الوزير أمل في المستشفي بعد الاهتمام العربي الكبير بمرض امل‮.‬

ويذكر لنا أنس دنقل شقيق الشاعر انه في شهر فبراير عام‮ ‬1973‮ ‬عندما قام الرئيس السادات بعزل مجموعة من الكتاب والأدباء وكان أمل وقتها يعمل بمجلة الاذاعة تم فصله،‮ ‬وتلقي عرضاً‮ ‬من الحكومة الليبية والرئيس معمر القذافي للعمل والاقامة في ليبيا براتب مغر جداً‮ ‬وفوجئت بأمل ذات يوم يرتدي حذاءه ويضع فيه ورقة وهي خطاب العمل والدعوة الي ليبيا وكان أمل يضع بعض الورق في حذائه لأنه نقص وزنه جداً‮ ‬مع المرض واصبحت الأحذية واسعة وعاتبته وقلت له من المفروض أن تسافر لتحسين وضعك المادي‮ ‬غضب مني وقال ان معظم الأنظمة العربية اسوء مما تعرف في مصر وأنني لا يمكن أن أبيع شعري،‮ ‬وكان له صديق شاعر معروف يكتب اشعاراً‮ ‬رومانسية ويلقيها في الاذاعة المصرية في البرامج المختلفة وعندما طلبت منه أن يكتب مثل هذه الأشعار وهي اشعار سهلة تساعد علي الانتشار قال لي إن هذه الأشعار وهؤلاء الشعراء ستكشفهم الأيام‮.‬

ويصف الشاعر شاذلي دنقل أمل بأنه كان مليئا بالصدق والكرامة والرجولة الحقيقية والتمرد والاخلاص الحقيقي للشعر واستمر في كتابة الشعر كالفارس الذي يجوب البلاد وظل متميزاً‮ ‬ورافضاً‮ ‬لكل اشكال القمع والديكتاتورية ومخلصاً‮ ‬لشعره وابداعه محباً‮ ‬لبلده يكره الذل ويرفض الخنوع ويأبي ان يعيش مغمض العينين عن المساوئ حوله لذا أصبح خالداً‮ ‬بشعره وابداعه‮.‬