رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شاهد.. التراث المشوه لتماثيل مشاهير مصر

الإهمال يضرب تماثيل
الإهمال يضرب تماثيل المشاهير

التراث والفن من أهم أعمدة حضارات الدول، والمحافظة عليهما والعمل على تطويرهما وتجديدهما دليل على رقي الشعوب، والتمثال هو جامع لهما في آن واحد ويمثل أحد أهم المعالم التاريخية في الدولة، وتميزت مصر منذ القدم بوضع تماثيل لشخصيات أثروا في تاريخها بالميادين العامة، تخليدًا لذكراهم والأمجاد التي قدموها للوطن.

 

واستكمالا لسلسلة الإهمال التي تعاني منها مصر، شهدت العديد من التماثيل حالة يرثى لها من التدهور وعدم العناية بها، حيث أصبحت أشبهه بالمدفونة تحت التراب؛ نظرًا للغبار الذي يكسوها ويطمس ملامحها، كما حلت كتابات العشاق وأصحاب المواقف السياسية محل الألوان الحقيقية للتماثيل، علاوة على فضلات الطيور التي أستقرت على رؤوس أشهر الأدباء والساسة المصريين، وانتشار القمامة وبائعي الشاي في محيط بعضهم.

 

ورصدت "بوابة الوفد" عدد من التماثيل بميادين القاهرة الكبرى، لإلقاء الضوء على تراث مصر المشوهة، ومحاولة للفت أنظار المسئوليين بالدولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الآوان.

 

تمثال إبراهيم باشا

يوجد بميدان الأوبرا في وسط البلد، وهو من صنع الفنان الفرنسى "كورديية" بناءًا على أمر الخديوى إسماعيل عام 1872 م.

وأصبح التمثال الآن مغطى بالغبار من كل النواحي، بشكل لا يليق بتاريخ هذا الرجل، ولا يمثل واجهة مشرفة للقاهرة، كما أمتلأت الحديقة المحيطة به بالباعة، والأواني التي يستخدمها صانعي الشاي، بالإضافة للقمامة والمخلفات التي يتركها ورائهم الجالسين بالحديقة.

أما عن إبراهيم باشا، فهو ولد عام 1789 في نصرتلي بتركيا، وهو الأبن الأكبر لوالي مصر محمد علي باشا، تميز ببراعته في الحروب، حيث كان قائدًا محنكًا من الطراز الرفيع، وقائد لحملة عسكرية ضخمة على وسط الجزيرة العربية وقضى على الدولة السعودية الأولى، الأمر الذي جعل جميع ملوك المملكة العربية السعودية لا يحبونه هو وعائلته.

ومن أهم الحروب التي قام بها، الحرب في السودان، وحرب المورة، وحملته على بلاد الشام، وتم تعينه نائبًا عن والده في عام 1848، ولكنه توفي قبل والده في العام ذاته.

 

تمثال محمد فريد

يقع تمثال محمد فريد بميدان عرف بأسمه في منطقة عابدين، فعند الخروج من محطة مترو محمد نجيب أول ما يلفت أنتباهك هو التمثال الذي يقف شامخًا وسط الميدان ليعبر عن وطنية صاحبه الذي طالما دافع عن حرية بلده مصر.

وكغيره من تماثيل القاهرة، دفن تحت التراب وكأنه حاملًا هم وطنه على عاتقه حتى بعد مماته.

ولد السياسي المصري محمد فريد بالقاهرة 20 يناير 1868، أستمر يدعو بالجلاء ويطالب بالدستور حتى وافته المنية في ألمانيا 15 نوفمبر 1919.

أنشأ أول نقابة للعمال سنة 1909، فهو من أسس حركة النقابات بمصر، وعرفت مصر علي يديه المظاهرات الشعبية المنظمة، ووضع صيغة موحدة للدستور ونجح في جمع توقيعات المصريين عليها.

وأعد مؤتمر لبحث المسألة المصرية بباريس، وأنفق عليه من أمواله الخاصة، لإيصال صوت القضية المصرية إلى العالم، وبعد عودته حكم عليه بالسجن لمدة 6 أشهر قضاها جميعًا، وأنتهى به المطاف إلى خروجه من مصر سرًا وقضى باقي حياته بألمانيا مستمرًا في الدفاع عن حرية بلده حتى توفى.

 

تمثال طلعت حرب

يقع تمثال طلعت حرب بميدان عرف بأسمه في وسط البلد، يقف في كبرياء وعزة في ملتقى شارع طلعت حرب وشارع محمد صبرى ابوعلم وشارع قصر النيل وشارع محمد بسيوني، منذ أن أمر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بوضعه في ميدان سليمان باشا سابقًا وإطلاق أسمه على الميدان، وحُفر أسفله بأرقام غائرة (1876 – 1941) وهما تاريخي ميلاد ووفاة رجل من أهم أعلام الاقتصاد المصري.

ويحل بالتمثال حالة سيئة من عدم العناية به، حيث تراكم الغبار على أبو الاقتصاد المصري حتى أصبح جزء لا يتجزأ من التمثال، كما ظهر عليه التشققات، وأصبحت كوضوح الشمس تجذب إنتباه كل من نظر إليه، فهل هذه الحالة تليق بتمثال لقيمة وقامة كطلعت حرب صاحب التاريخ الشهير والإنجازات الرائعة في اقتصاد مصر.

ولد محمد طلعت حرب 25 نوفمبر 1876، بحي الجمالية في رحاب مقام حفيد رسول الله (ص) الحسين بن علي، وحصل على شهادة مدرسة الحقوق عام 1889، وحرص على الإبحار في علم الاقتصاد.

وقام بإصدار كتاب تحت عنوان "علاج مصر الاقتصادي"، وتضمن فكرته في ضرورة إنشاء بنك للمصريين لخدمه المشاريع الاقتصادية في مصر والنظر في المشكلات الاجتماعية، لذا تحمس الكثيرون للفكرة بالرغم من معارضة السلطات الإنجليزية، وتقرر بالفعل تنفيذ فكرة حرب في إنشاء بنك مصر، لكن هذه الجهود تعطلت بسبب الحرب العالمية الأولى، وعادت فكرة إنشاء البنك من جديد عقب قيام ثورة 1919.

وفي يوم الثلاثاء 13 ابريل سنه 1920، نشرت الوقائع المصرية في الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى "بنك مصر"، وفي 10 مايو من العام ذاته تم افتتاح البنك رسميًا، ومن هنا بدأ رحلته في تمصير الاقتصاد المصري، وتعد هذه الخطوة نقطة فاصلة في تاريخ مصر.

وتوفي رجل الاقتصاد الأول بمصر، في 13 أغسطس 1941 في قرية تابعة لفارسكور بدمياط، بعد سلسلة طويلة من المشروعات التي أحدثت طفرة في الاقتصاد، والجهود السياسية، والمساهمات الأدبية والثقافية والفنية.

 

تمثال لاظوغلي

تمثال يقع في وسط القاهرة لشخصية هي الأبرز في عهد محمد علي، حيث كان رجلًا غير عاديًا على الإطلاق، وهو لاظوغلي باشا، وزير مالية محنك وسياسي من الطراز الرفيع، وحاله لا يختلف كثيرًا عن تماثيل الشخصيات الهامة السالف ذكرها.

جاء إلى مصر برفقة محمد علي باشا في أواخر القرن 18 وإليه تنسب فكرة مذبحة القلعة الشهيرة للتخلص من المماليك، وشغل لاظوغلي باشا منصب رئيس وزراء مصر عام 1808 وظل في منصبه هذا 15 عامًا.

وصنع التمثال الفنان الفرنسي "جاك مار" عام 1872م، بعد أن قررت الحكومة المصرية عمل تماثيل لكبار الشخصيات في الدولة في عهد محمد علي، وكان أحد أهم هؤلاء الكبار محمد لاظوغلي باشا، وتم وضعه في ميدان عرف بأسمه.

 

تمثال عمر مكرم

يقع تمثال عمر مكرم أمام مسجده الشهير بميدان التحرير، ليكون شاهدًا على نضال هذا الرجل ضد الاحتلال الأجنبي واستبداد الولاة وظلمهم.

تعرض التمثال لعملية أكسدة شديدة، حيث تحولت أجزاء منه إلى اللون الأحمر الناري،

فضلًا عن تكدس الأتربة عليه وعدم العناية به، مما أدي إلى ظهوره في مشهد غير لائق تمامًا، وخاصة مع وقوعه في منطقة تعكس صورة مصر للعالم كله مثل ميدان التحرير.

تعلم الزعيم الشعبي عمر مكرم بالأزهر الشريف، وتولى نقابة الاشراف بمصر، كما قاوم الفرنسيين في ثورة القاهرة الثانية عام 1800، وتمكن هو ورجال الدين من خلع خورشيد باشا وتولية محمد علي شئون البلاد بدلًا منه.

وقاد المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر الإنجليزية 1807م، وتمكنوا من هزيمة الحملة  في الحماد ورشيد، مما أضطر فريزر إلى الجلاء عن مصر، كما  قاد النضال الشعبي ضد مظالم الأمراء المماليك عام 1804.

وقام محمد علي بفرض ضرائب جديدة على الشعب، وأعد حسابًا ليرسله إلي الدولة العثمانية يشتمل علي أوجه الصرف، ويثبت أنه صرف مبالغ معينة جباها من البلاد بناء علي أوامر قديمة وأراد يبرهن علي صدق رسالته، فطلب من زعماء المصريين أن يوقعوا علي ذلك الحساب كشهادة منهم على صدق ما جاء به، إلا أن عمر مكرم امتنع عن التوقيع وشكك في محتوياته، لذا أستدعاه محمد على، ولكنه رفض قائلًا: "إن كان ولا بد، فأجتمع به في بيت السادات"، ولذلك تم خلعه من نقابة الأشراف.

 

تمثال أحمد شوقي

يقع تمثال أحمد شوقي بميدان الأورمان، فعند الدخول إلى حي الدقي تجد أمير الشعراء جالس على مقعده في وقار شديد، ولكن هناك ما يعكر صفوه، حيث عشش الإهمال على تمثال شاعر القصر، فعند مروري في كل صباح من أمامه تنتابني حسرة وغصة في قلبي على ما حل به وبغيره من مشاهير مصر، فمن المسئول عن هذه الكارثة التي تحل بهؤلاء العظماء.

ولد شوقي في 16  أكتوبر 1868، بحي الحنفي في القاهرة، وكانت جدته لأمه وصيفة في قصر الخديو إسماعيل، وتكفلت بتربيته ولذا نشأ معها في القصر، والتحق بمدرسة الحقوق سنة 1885م، ولكنه  أهتم بالشعر منذ طفولته.

وسافر إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق، وكانت تلك السفرة هي نقطة التحول في حياة أمير الشعراء، حيث تشكل وجدانه وفكره، ولقب بشاعر القصر لأنه توجه إلى مديح الأسرة الحاكمة لاسيما الخديوي عباس، وتم نفيه إلى اسبانيا عقب عزل الخديوي.

وبدأ شوقي يوظف شعره في الكفاح الوطني وأنضم لصفوف الشعب في السعي وراء التحرر من الاحتلال، وظهرت مشاعر الحزن التي كانت تتملكه لبعده عن وطنه في المنفى في أشعاره، ومن هنا أصبح يلقب أيضًا بشاعر الشعب.

و اشتهر بأنه شاعر يكتب من الوجدان في كثير من المواضيع، فكتب في مديح النبي محمد "صل الله عليه وسلم"، وتوفي 14 أكتوبر 1932م.

 

من المسئول عن الإهمال الذي يحل بالتماثيل في الميادين؟

 

قال الدكتور حمدي أبو المعاطي، نقيب الفنانيين التشكيليين، إن مسئولية صيانة التماثيل ترجع إلى المحافظة والأجهزة المحلية بها، ولكن النقابة أرسلت لجميع المحافظين بأنه عند تطوير أية تماثيل يتم الرجوع أولًا إلى وزارة الثقافة وجهاز التنسيق الحضاري حرصًا منهم على الحفاظ على التراث.

وأضاف أبو المعاطي، في تصريحه لـ"بوابة الوفد"، أنه لا يوجد استجابة من المحافظين تمامًا، مخاطبًا وزارة الثقافة بالاهتمام بالموضوع والإرسال لمحافظات الجمهورية، للحفاظ على التماثيل التي تمثل وتخلد تاريخ مصر.

ولفت أبو المعاطي، إلى أنه هناك قرار صدر عن مجلس الوزراء يحظر من إحداث تجديد لأي تمثال إلا بالرجوع لوزارة الثقافة والتنسيق مع نقابة الفنانيين التشكيليين، فالنقابة هي المختصة بذلك ودورها تقديم الخبرات، مؤكدًا أن قطاع الفنون التشكيلية يخدم على الفن التشكيلي.

فيما أكد المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري، أن كل ما يوجد في الفراغ العام هو مسئولية المحافظة والمحليات، ولكن نتيجة ما حدث من تشوهات لعدد من التماثيل خلال الفترة الماضية، مطالبًا الجهاز بالرجوع لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة عند صيانة أحد التماثيل لاختيار المواد المناسبة له، من أجل الحفاظ على رونقه ومظهره الجمالي.

وفي النهاية، إتضح من المسئول عن الإهمال الذي يعشش على رؤوس مشاهير مصر، ونرجو من وزارة الثقافة إتخاذ خطوات سريعة لإصلاح ما تم إفساده.