رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يمامـة علي الطريق

لم أكن أتوقع أو يخطر علي ذهني أن هذا السواد المُلقي علي الطريق فتاة!!..

الحكاية بدأت أثناء مروري في شارع في قلب العاصمة..  هذا الشارع الذي ينبض بالحياة ولا يختفي منه المارة ليلاً أو نهاراً أو تغيب عن حياته السيارات وضجيج الناس..  وفجأة ودون سابق انذار لمحت عيني سواداً ملقي علي الطريق..  تخيلت  في البداية أنه كيس من القمامة ألقاه شخص لا يعرف الاحترام ولا النظافة أو لأن المحافظة  التي ينتمي إليها الشارع لم توفر صناديق قمامة كافية  فاضطر صاحب هذا الكيس أن يفعل ما فعل.
اقتربت منه فابتعدت عنه لأني وجدت أن هذا الكيس الأسود فتاة ملقاة علي الطريق في شكل غريب كأنها نائمة في سكون غريب، واستسلام للموت الحتمي للهروب من الحياة، هذه الفتاة في منتصف العشرينيات من عمرها وهبها الله قدرا من الجمال..   المهم بدأت في  إعطاء إشارة الانتظار لمن خلفي  ووقفت علي جانب الطريق..  وعدت إليها فوجدت الناس وقد التفوا من حولها ورفعوها من قلب الطريق إلي جانبه علي الجزء الآمن من الرصيف  .. 
ووجدت سائق تاكسي يصرخ  «انت خبطتها!!»  في إشاره اتهام واضحة وكأنه رأي الفاعل الذي هرب ،   لم أعرف إلي من يوجه الاتهام..  إلي الناس الملتفة حولها والتي  تحاول إنقاذها.. أم لشخص هرب بعيداً عن أعين الناس بعد فعلته الخسيسة..  المهم أن سائق التاكسي نفسه لم يقف أصلاً!!…
ووصلت إليها وسألت الجمع الملتف حولها عما دار أو سبب حدوث هذا المشهد..   فوجدت  أنها قد أصيبت بحالة إغماء ولم يصدمها  أحد.. 
تبدو القصة بسيطة ولا داعي لذكرها لأنها تحدث مرات ومرات، وقد يري البعض حوادث أغرب منها وأفظع ولكن لهذه الأسباب  كتبت  لكم هذه القصة: 
أولاً: مبدأ الاتهام العام السائد بين الناس في مصر الآن ،  الجميع يتهم الجميع بدليل أو بدون دليل، وهذا ما فعله صاحب التاكسي الذي ألقي اتهاماً ولم يقف ولم يتيقن من الحقيقة..  هذا الاتهام العشوائي  لو سمعه أحد المارة واشتبه في أحد أياً  كان هذا الشخص  المشتبه فيه..  وتجمع الناس كعادتها حوله وحاولوا الفتك به دون دليل أو تروٍ، وأصبح الجميع يسب ويلعن هذا المتهم البرىء ودارت عجلة الضرب والطحن  واللكمات والشتائم لمجرد كلمة ألقاها  شخص غير مسئول، وأنتم تعرفون جميعاً طبيعه العقل الجمعي في هذه المناسبات  ماذا يفعل وقتها.
ثانياً: أن وضع إلقاء هذه الفتاة علي الطريق ومرور بعض السيارات بجوارها دون توقف يقول إنه أصبح الكثير منا  بلا رحمة أو شفقة أياً كانت الأسباب والتفسيرات 

التي جعلتهم في هذا الوضع من البعد عن  الرحمة أوالمبررات التي  نزعت من قلوبهم الشفقة..  سواء كانت  أمنية..  هواجس..  أو مجرد الخوف من تحمل المسئولية …. المهم أننا تركنا روحاً في أمس الحاجه إلي الإنقاذ..  قد تموت هذه الفتاة،  لأنها لم تجد من يساعدها واللحظات هنا مهمة وفارقة بين الحياة والموت.
ثالثاً: بعض الناس الذين  تجمعواحولها  وحاولوا إغاثتها يقول أن الخير سيظل في مصر ركناً أصيلاً فيها وفي وجدانها  ولن يموت أبداً برغم قسوة البعض ، وبرغم  كل ما يعانيه الناس من ظروف معيشية  صعبة  أو أزمات تجعل «جزمجي» يفقأ عين زوجته ويتحول إلي مجرم  بسبب غلاء الحياه  وقسوه الأيام.
رابعاً: طريقة إلقاء هذه اليمامة في الطريق تثير شكوك البعض عن حيل النصابين لسرقة الناس، لدرجة أن أحد المقربين قال لي فور سماعه هذه الواقعة إن هذه طريقه جديدة للنصب والاحتيال والسرقة، وقد شهد مواقف مماثلة وشبيهة بما حكيت له من قبل وحذرني من الوقوف مرة أخري حتي لا أقع في شباك النصب أو السرقة أوتتعرض حياتي للخطر.
كل ماسبق يقول إننا مجتمع فيه كل شئ ، أصبحنا في مجتمع يشك في كل شئ، أصبحنا نفسر الأحداث علي الهوي، وبالقدر الذي نريده نحن، نعطي الأسباب التي توصلنا إلي النتائج التي نريدها نحن  فقط.
خلاصه القول إنني وجدت فتاه أشبه باليمامة البريئة ملقاة علي الطريق في وضع غريب لم أشاهده من قبل ولا أعرف الأسباب التي جعلتها في هذا الوضع ولم أعرف حتي الآن ولكني استكملت حياتي  وعدت إلي «مفرمة»  الحياة اليومية، هكذا أصبحت حياتنا جميعاً، الجميع مشغول بيومياته متناسياً أننا نحيا جميعاً في وطن واحد.

[email protected] .com