جرح وليس ورماً
فجأة وبلا مقدمات ظهر طفل صغير, ضئيل الحجم, يفتح عيناً ليري بها طريقة والأخري مغلقة من حرارة الشمس وشدتها, يحمل علي كتفه أكياساً من الحلوي خفيفة الوزن كبيرة الحجم, تغطي رأسه وشعره, تساند إحدي يديه كتفه في حمل أكياس الحلوي والأخري ممسكة مع فمه «صفارة»
ليُسمع بها الناس نداءه لأنه يعلم جيداً أن صوته الضعيف لن يسمعه أحد, وأن صرخاته لن تكون أعلي من ضجيج الناس في الشوارع وأن السيارات التي يسير بينها ليستطيع أن يكون حياً لن ترحمه أو تسمعه أو تتعاطف معه لأنه من أطفال الشوارع!!, المهم أن الطفل فاجأني وسألني «حلاوة يا عمو؟».. انتبهت لكلامه ثم تلونت الاشارة باللون الأخضر واشتريت كيس الحلوي واشتريت فوقه مرارة الحياة التي تجعل طفلاً لم يتجاوز عمره الخمس سنوات يعمل ليأكل, وظهرت أمامي صور أطفال الشوارع التي يشير بعض الخبراء إلي بلوغ عددهم المليون, هذا الرقم الضخم بضخامة المشكلة يزداد يوما بعد الآخر, رأيت صور الأطفال وهي تتناثر أمامي في الطريق, بنت جميلة هنا لا ذنب لها سوي أن تري صورة مستقبلها في صورة أمها, وولد هناك يسابق السيارات ليفوز بجنيه أو جزء من طعام أو شربة عصير في يد قائد السيارة, وولد آخر يجلس علي الرصيف ويحتمي بالورق من برودة الأيام ويمسك برغيف خبز عثر عليه بعد مشقة من تلال القمامة التي تملأ الشوارع، البيت هو الشارع, العمل والتسول والبلطجة في الشارع, الملبس والمأكل والمشرب في الشارع, جحود الناس وعطفهم أيضاً في الشارع, هؤلاء الأطفال جرح في هذا المجتمع لابد أن نعالجه ونجد له الدواء, جرح ليس لهم ولا لنا أي ذنب فيه سوي أننا نعيش في هذا المجتمع ونتعامل مع مسئولين لا يقدمون حلاً ولا يؤخرون, جرح لابد أن يُشفي وأن يتوافر العلاج السليم بعد التشخيص الصحيح له عند الحكومة أولاً والمجالس المتخصصة ثانياً، تلك المجالس التي تتخصص في رعاية الأطفال ويدخل في نطاق عملها واهتماماتها كل ما يتعلق بالطفل, ولا تسألني كيف يتوفر هذا الدواء وسط ما تمر به مصر من العنف والقتل والتربص والتصيد والإرهاب والتسريبات والارتباك, ولكني سأقول لك بمنتهي البساطة إذا سألتني هذا السؤال إن البحث عن الحل مسئولية ووظيفة الحكومة ورجالها ومجالسها لأنها في النهاية تلك مسئوليتهم التي قبلوا بها, وهذا عملهم الذي وافقوا عليه علي اعتبار أن الكراسي في مصر