عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اغتيال الثورة

 

مشهدان متشابهان.. رأيتهما من نفس المكان.. ولكنها متناقضان تمام التناقض في المعني والتأثير.

الأول عقب صلاة الجمعة يوم 11 فبراير 2011، وبالتحديد من فوق كوبري أكتوبر في منطقة غمرة.. حينما كان عدة آلاف من المصريين في طريقهم من ميدان التحرير إلي قصر الرئاسة بمصر الجديدة للانضمام لعدة آلاف آخرين متظاهرين هناك.. رأيتهم كلهم عزم وتصميم علي عزل الرئيس السابق حسني مبارك.. والالاف التي كانت تسير علي أرجلها، لم تكن تختلف عن الملايين الذين فضلوا البقاء في ميدان التحرير أو الذين تظاهروا في ميادين أخري بمختلف المحافظات.. كلهم بلا إستثناء كانوا يحملون العلم المصري.. أغنياء وفقراء.. مسلمين وأقباطاً.. رجالاً ونساء.. شيوخاً وشباباً.. لا فرق.. كلهم شعب واحد لديه هدف واحد.. ووقتها تأكدت أن هذا اليوم هو الاخير في فترة حكم مبارك.. فلا يستطيع حاكم مهما بلغت قوته وجبروته أن يواجه كل هذه الملايين الذين تملأهم عزيمة جبارة، ومتماسكون، ومتحدون لهذه الدرجة.

أما المشهد الثاني، فكان عقب صلاة الجمعة يوم 29 ابريل 2011، ومن نفس المكان فوق كوبري اكتوبر، حيث شاهدت آلافاً من السلفيين المصريين قادمين من مسجد الفتح للالتقاء بآلاف آخرين قادمين من مسجد النور، ليلتقي الفريقان أمام كاتدرائية العباسية مطالبين بالافراج عن كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين.. وهؤلاء القادمون من مسجد النور كانوا قد شهدوا قبل ذلك بساعة موقعة الإطاحة بشيخ المسجد التابع للأوقاف ليحل محله شيخ سلفي ليخطب الجمعة، ووقف الشيخ السلفي ليفتي بأن من يصلي خلف شيوخ الأوقاف تبطل صلاته.. ونسي هذا الشيخ مشهد شيوخ الأوقاف وهم واقفون بملابسهم الازهرية في ميدان التحرير قبل ذلك بشهور، كما نسي المتظاهرون كل مشاكل مصر ولم يتبق منها سوي مشكلة وفاء وكاميليا.

شتان بين المشهدين.. ففي يناير، حقق الشعب هدفه بوحدته.. وسقط أعتي وأقوي الانظمة البوليسية في المنطقة خلال 18 يوماً فقط.. مشهد يبعث علي الفخر والاحترام، ويجبر العالم علي إجلال المصريين والاعتبار لوزن مصر.. مشهد أثار الرعب في قلوب الاسرائيليين الذين كانوا يظنون أن شعب مصر قد فقد هيبته واحترامه وتوازنه، ففوجئوا به ينتفض كالمارد، فتعيد اسرائيل كل حساباتها معه..

أما في إبريل.. فقد تمزقنا وانقسمنا فرقاً وأشياعاً.. كل فريق مشغول بهدف خاص به.. فبين المشهدين كان الأقباط يحملون الصليب في مظاهرة واستمرت أياما أمام مبني

التليفزيون.. ثم أبناء قنا يقطعون خط السكك الحديدية اعتراضا علي المحافظ.. وانتهي المطاف بالسلفيين يتظاهرون من أجل كاميليا ووفاء.. وهذا المشهد الذي يعكس تمزقاً بين فئات الشعب المصري، واختلافاً في الاهداف، لا يمكن أن يؤدي لأي نجاح.. والحقيقة أن هذه القضية ظلت مغلقة طوال العهد الماضي، ولا أدري لماذا لا يتم تشكيل لجنة لمعالجة مثل هذه القضايا حتي لا ننشغل بها عن مستقبل الدولة.

الثورة لم تنجح حتي الآن إلا في مرحلتها الأولي فقط وهي الإطاحة بالرئيس السابق ونظامه أما الاهم فهي المراحل التالية، وكلها لن تتحقق إلا إذا استمر المجتمع المصري علي نفس وحدته التي بدأ بها حتي يحافظ علي قوته وقدرته علي تحقيق الأهداف .. وأنا الان مثل غالبية المصريين لم نعد نشعر بالتفاؤل الذي كنا نشعر به قبل أسابيع وبخاصة بعد تنحية الرئيس السابق.. فقد أصبحت مصر فرقاً متنافرة بعد أن كانت فريقاً واحداً.. بل إن الفريق الواحد منهم ينقسم من داخله لفرق أصغر وتتضاءل الأهداف لأصغر ما يمكن..

يا سادة.. يجب أن ننتبه.. فما تحقق هو المرحلة الأولي فقط من الثورة.. والمشوار طويل.. ولن ينته إلا بالوصول إلي دولة مدنية حديثة علي أسس ديمقراطية سليمة.. وهذا يحتاج وحدة أكبر من تلك التي تحققت في المرحلة الأولي.. ولو اكتفينا بالنجاح الذي تحقق في المرحلة الأولي فقط فسيكون ذلك خراباً علي مصر كلها.. ووقتها نقول بملء الفم .. إن الثورة فشلت.. وإننا نحتاج إلي ثورة اخري.. ياسادة.. ما يحدث الآن إغتيال للثورة.

[email protected]