رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أزمة ثقة

صحيح أن المصريين يرغبون في العودة لحياتهم الطبيعية.. وصحيح أن النظام تراجع عن ثوابته وقبل ببعض مطالب الإصلاح.. ولكن دعوات ترك المتظاهرين لميدان التحرير لم ولن تقابل باستجابة كبيرة.

 

اعذروا المتظاهرين.. فلديهم كل الحق.

لقد ظل النظام الحاكم رافضاً لكل دعوات الإصلاح عبر 30 عاماً.. سألنا: لماذا لم يتم تعيين نائب لرئيس الجمهورية؟ فكان الرد يأتينا دائماً، أن الرئيس لم يجد أحداً يصلح لتولي هذا المنصب، وأحياناً أن الرئيس يبحث ويدرس، وأحياناً أن الرئيس لا يريد أن يفرض شخصاً بعينه كنائب علي الشعب. فهل يستطيع هؤلاء الشباب الثقة في النظام حينما يعين نائباً للرئيس بسبب المظاهرات؟!

لقد ظل النظام الحاكم سعيداً بتزوير كل الانتخابات التي تمت في عهده، ولم يكن يستمع لمن يلفتوا انتباهه لخطورة ذلك.. كان يغض الطرف عن استخدام المال والبلطجة، حتي يتمكن نواب الحزب الوطني الحاكم من الحصول علي الأغلبية.. ووصل الأمر ذروته في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، ولم يخجل النظام من الفخر بأن نتيجة حزبه تجاوزت 95٪ بالتزوير.. بل إن الرئيس نفسه استقبل دعوة النواب الغاضبين من التزوير بتشكيل برلمان موازٍ، قائلاً: »خليهم يتسلوا«.. فهل يستطيع هؤلاء الشباب الثقة في النظام لمجرد أنه قرر فجأة الاستجابة لقرارات محكمة النقض، فيما يتعلق بصحة العضوية لنواب مجلس الشعب؟!

لقد ظل هذا النظام حامياً للمفسدين وجاذباً لهم طوال 30 عاماً، وأصبحت شلة المنتفعين منه تتصرف في البلاد كيفما تشاء، وتتحكم في العباد لمصالحها، فزادت الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وتحدث كل أمين في هذا البلد عن هذا الزواج الباطل بين السلطة والثروة.. لم يستمع النظام لصرخات المواطنين 30 عاماً كاملة من هذا الفساد الذي أثار الفتنة الطبقية.. فهل يستطيع هؤلاء الشباب أن يصدقوا هذا النظام، لمجرد أنه أعلن فجأة أنه سيحارب الفساد، أو لأنه منع بعض الوزراء من السفر وجمد أرصدتهم بالبنوك احترازياً؟!

لقد ظل هذا النظام رافضاً تماماً الاستجابة لمطالب تعديل أو تغيير الدستور طوال 30 عاماً.. وبخاصة المادة 77 التي تسمح للرئيس أن يظل رئيساً مدي الحياة.. وحينما أراد النظام أن يتلاعب، قام بتعديل المادة 76 ليتحول الاستفتاء علي رئيس الجمهورية إلي انتخاب، ثم عدلها مرة أخري مع 33 مادة تضع قيوداً أكبر علي الترشح للرئاسة، وخفف الإشراف القضائي، ولم يقترب النظام في تعديلاته من المادة 77 التي تضمن تداول السلطة، وتضع أملاً للقوي السياسية في الوصول إليها.. فهل يستطيع هؤلاء الشباب الثقة في النظام، حينما يقرر فجأة النظر لهذه المادة؟!

لقد ظل هذا النظام رافضاً لأي دعوات للإصلاح عبر 30 عاماً كاملة.. فكيف يمكن الثقة فيه لمجرد أنه استجاب لبعضها تحت ضغط المظاهرات التي لم يتوقعها؟!

المؤكد أن رصيد عدم الثقة في النظام ضخم للغاية عند هؤلاء الشباب الذين سقطوا من كل الحسابات.. والمؤكد أنهم ليسوا من السذاجة لمجرد أن يدعوهم نفس هذا النظام للرحيل فيرحلوا بهدوء.. فهم يدركون أن النظام استجاب لهم تحت ضغط، ومعرفتهم الوثيقة به وبألاعيبه تجعلهم يعرفون أنهم لو غادروا ميدان التحرير، فسوف يتعرضون للانتقام، أو أن النظام سوف يلتف علي مطالبهم بأي شكل من الأشكال.

نعم.. نحن نريد العودة لحياتنا الطبيعية.. ولكننا نريد أيضاً ضمانات من النظام بإجراء الإصلاحات الدستورية والسياسية التي أعلن عنها.. نريد ضمانات بإجراء الاستفتاءات والانتخابات القادمة كلها ببطاقة الرقم القومي، وتحت إشراف قضائي كامل وبرقابة دولية، وبعيداً عن أي مظاهر لاستخدام النفوذ أو المال أو البلطجة، ونريد أن يتخلي الرئيس عن رئاسته للحزب الوطني نهائياً، كما نريد أن تتضمن التعديلات الدستورية أن يتخلي أي رئيس قادم عن هويته الحزبية فور توليه الرئاسة.

اعذروا هذا الشباب الواعي المحترم والمشرف الذي تمكن من إحداث تغيير عجز عن تحقيقه الجميع عبر 30 عاماً.

اعذروا هؤلاء الشباب.. فهم لا يثقون في النظام، وربما متأكدون أنهم لو تركوا ميدان التحرير الآن، فإن النظام سوف يلتف حول الإصلاحات، وربما يعود بها لنقطة الصفر مرة أخري، ووقتها سيكونون قد تعرضوا للتنكيل والانتقام، ولن يتمكنوا من التجمع للتظاهر مرة أخري.. ولهذا يجدون في رحيل النظام ضماناً لهم.

اعذروهم.. وحاولوا أن تجعلوهم يثقون ولو مرة واحدة.. فحينما لا تتوفر الثقة عبر 30 عاماً، لا يمكن أن تعود خلال 10 أيام.

[email protected]