رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«جرائم الثأر».. وداعاً لسنوات الدم

جرائم الثأر
جرائم الثأر

الثأر.. سلسال الدم الذى ظل يجرى جيلًا بعد جيل على مدى عقود طويلة بدأ ينفرط، وبرك الدم بدأت تجف.

 

وحسب تأكيدات أعضاء لجان المصالحات الثأرية، فإن قضايا الثأر انخفضت بنسبة 80% عن السنوات الماضية، كما أن الجيل الجديد من الشباب، لديه تغيرات واضحة فى تفكيره، نتيجة التطور العلمى والتكنولوجى الذى يشهده العالم كله، والذى ألقى بظلاله على محافظات الصعيد، بدليل أن الشباب يقبل الصلح فى قضايا الثأر، وبحسب رجال المصالحات، فقد تم الصلح فى 120 حالة نزاع ثأرى فى محافظات الصعيد خلال السنوات العشر الأخيرة.

 

واللافت للنظر أن لجان المصالحة الثأرية تضم عناصر نسائية، بعد إدراك دور المرأة فى الصعيد، فى قبول ورفض المصالحات، حيث تلعب المرأة فى الصعيد دور المحرك القوى فى اتخاذ القرار بنسبة تصل إلى 70% بحسب رجال المصالحات الثأرية، ولكن دورها دائمًا ما يكون فى الخفاء، ليشعر الرجل بأن القرار نابع من داخله.

 

الملف التالى يرصد ما جرى فى جرائم الثأر وسر تراجع معدلاته، ويكشف سبل القضاء النهائى على هذه الجريمة التى تتوارثها الأجيال.

 

الكبار يخططون.. والشباب ينفذون

 

الثأر هو قتل عمد من أجل الانتقام من قاتل أو أسرته أو عائلته، وليس شرطًا أن يكون الضحية هو الجانى الأصلى ولكن من الممكن أن يكون شخصًا آخر من عائلته، وفى كثير من الأحيان يتم قتل أفضل شخص فى عائلة القاتل ويبقى القاتل الحقيقى حرًا طليقًا!

 

والثأر عملية جماعية ومجتمعية منظمة ومخططة ويتحدد دور كل فرد فيها، وهو من الجرائم الخطيرة التى عانت منها المجتمعات، حيث إنها قديمة قدم الوجود البشرى، ومعوق أساسى للتنمية والتطوير.

 

وتشير دراسة بعنوان «المتغيرات الاجتماعية والفيزيقية المرتبطة بجريمة الأخذ بالثأر» أعدها الباحثون، حاتم عبدالمنعم أحمد وأحمد فخرى هانى وأيمن عليو حسنين، بمعهد الدراسات والبحوث البيئية بجامعة عين شمس، أنه برغم تعرض المجتمع المصرى لمتغيرات تكنولوجية عديدة، ورغم هجرة قطاع غير قليل من أبناء الصعيد لمحافظات الحضر وكذلك سفرهم للعمل فى الدول الأجنبية، إلا أن الثقافة التقليدية لا تزال هى السائدة فى المجتمع بما تحمله من عادات وقيم وتقاليد.

 

وقالت الدراسة: إن الثأر إحدى أهم العادات والتقاليد فى صعيد مصر التى تنتشر وبشكل ملحوظ مهددة سلامة وسكينة وأمن المجتمع كما تعد من معوقات التنمية والتطوير، فضلًا عن أنه من أعقد الجرائم التى تؤدى إلى سفك دماء الكثير من الأبرياء.

 

وأكدت الدراسة أن النزاعات القبلية والعائلية خاصة فى مجتمع الصعيد الذى يتميز بالعصبية، كانت وقودًا لإشعال جرائم الثأر، التى كادت أن تصل إلى إبادة جماعية فى بعض العائلات ولم تستطع النظم القانونية مكافحتها، مما أتاح لها الاستمرارية رغم الجهود المبذولة لمقاومتها.

 

وقالت الدراسة: إن الأخذ بالثأر ظاهرة تتفشى فى صعيد مصر بشكل عام، وتعد محافظة أسيوط الأولى على مستوى الجمهورية فى ارتفاع نسبة جرائم الأخذ بالثأر، تليها محافظة قنا.

محافظة قنا

وأوضحت الدراسة أن كبار السن من أهم المحرضين على جرائم الثأر فى القرى والنجوع، والسيدات العجائز- على وجه التحديد- يلعبن دورًا مهمًا فى التحريض على الثأر، ثم يأتى بعد ذلك الرجال الذين لهم الدور الأكبر فى اتخاذ القرار والتخطيط، وبينما يتولى صغار السن من الشباب التنفيذ.

 

وأشارت الدراسة إلى أن الرجال وخاصة الأكبر سنًا أكثر تمسكاً بالثقافة الثأرية وهم العقل المدبر فى الجرائم الثأرية، ومهمة التنفيذ تقع على عاتق الشباب، أما المرأة فهى المحرض الأول على فكرة الثأر سواء كانت أمًا أو زوجة أو أختًا، وتزداد فكرة التحريض إذا كانت المرأة من كبار السن ولا تحظى بقدر وافٍ من التعليم، مع وجود بيئة تتشبع بفكرة الثأر، وعندما لم تجد من يأخذ لها بثأرها فإنها تقوم هى بأخذه بنفسها.

 

وأضافت الدراسة أن أصحاب المؤهلات العليا أكثر تفهماً وأقل تمسكاً بفكرة الثأر، وأن أصحاب المؤهلات المتوسطة ودون المتوسطة أكثر تمسكاً بهذه العادة.

 

كما أضافت الدراسة أن العائلات الغنية قد تكون أسرع فى أخذ الثأر لامتلاكها المال والسلاح، كما تصر العائلات الفقيرة على أخذ الثأر رغم عدم وجود الدخل وضعف الإمكانيات وذلك لوجود فكرة أن الثأر بمنزلة القانون الصارم الذى يجب أن يقبله المجتمع.

 

وكشفت الدراسة عن أن معدلات جريمة الأخذ بالثأر أكثر حدوثاً فى المجتمع الريفى القبلى أكثر من المجتمع الحضرى.

 

 وأن الذين يعملون فى السياحة بسبب الاتصال الثقافى والاختلاط بالأجانب أقل تمسكًا بمفهوم الأخذ بالثأر، حيث تزداد سلطة القانون على سلطة العرف مما أثر على تغيير الفكر والرأى حول موضوع الثأر سواء من الإنسان أو حتى فى الممتلكات.

 

وأوصت الدراسة بسرعة تشكيل محاكم خاصة سريعة للفصل فى قضايا الثأر، على أن تتشكل هذه المحاكم من قضاة عرفيين مهمتهم تقريب وجهات النظر بين القبائل المتصارعة، والسعى للصلح بين الأفراد وتوضح لهم دور هذه المحاكم التى تتولى عنهم مسئولية الثأر والاقتصاص لهم، أما القضاة الرسميون فوظيفتهم تطبيق القانون لكن فى ثوب العرف والعادات والتقاليد حتى يتقبل أبناء الصعيد هذه الأحكام. ويعطى لجميع القضاة صفة الرسمية لهذه القرارات حتى يتم الصلح.

 

وطالبت الدراسة بدعم التعليم فى جميع قرى الصعيد والاهتمام بالتعليم العالى، حيث إن أصحاب المؤهلات العليا أقل اهتماماً وتمسكاً بفكرة الأخذ بالثأر فى الصعيد، مشددة على ضرورة أن تشمل خطط التنمية الشاملة كل مناطق الصعيد، مع توفير فرص عمل للشباب والقضاء على الفقر والبطالة.

 

كما طالبت الدراسة الاهتمام بالمرأة فى الصعيد من خلال برامج توعية والاهتمام بالمجالس العرفية على أن تكون تحت رعاية محافظ الإقليم، وعلى أن تتبنى المحافظة رسميًا لقاءات واجتماعات دورية لمشايخ وكبار العائلات وأعضاء لجان المصالحات للتصدى لفكرة الثأر حتى يتم القضاء عليها نهائياً، إضافة إلى تشديد القبضة الأمنية وجمع الأسلحة غير المرخصة مما يساعد على الحد من انتشار جرائم الثأر.

 

جلسات الصلح.. مفاوضات شاقة ونهايات سعيدة

 

على مدى عقود طويلة انتشر الثأر فى الصعيد، حتى ترسخ فى عقول ملايين المصريين، حتى ولو كان القتل حدث عن طريق الخطأ، فلابد من قتل القاتل نفسه أو أحد أقاربه، لتبدأ معركة يسقط فيها عشرات القتلى.

 

الدكتور أحمد الكلحى، المتحدث الرسمى باسم لجان المصالحات الثأرية بالصعيد، يؤكد أن محافظات الصعيد مازالت فى حاجة ماسة لتضافر جهود مؤسسات الدولة وأعضاء البرلمان وحكماء مصر، للقضاء على الثأر الذى خرب آلاف البيوت و«يَتَّم» الكثير من الأطفال و«رمَّل» النساء.

 

وقال إن الصعيد يحتاج لردم بؤر الدماء، الشهيرة بـ«الثأر» خاصة أن قتل النفس من أكبر الجرائم، وتحرمه كل الأديان السماوية.

 

وأضاف أن لجان المصالحات تجوب نجوع وقرى الصعيد، لإنهاء الخصومات الثأرية، ونجحت بالفعل فى إنهاء 120 حالة نزاع ثأرى خلال السنوات العشر الماضية.

وأوضح «الكلحى» أن من أبرز القضايا الثأر التى نجحت اللجنة فى إنهائها، حالة الثأر بين عائلتى الهلالية والدابودية التى سقط فيها 27 قتيلًا، وصلح عائلتى السحالوة والمخالفة بفرشوط بعد صراع سقط على أثره 12 قتيلًا، وصلح عائلتى الطويل والغنايم والتى سقط منهما 17 قتيلًا.

 

وقال: إن لجان المصالحات تضم عقلاء المحافظة التى بها حالة الثأر المراد إنهاؤها، كما تضم أساتذة جامعة ونواب برلمان ورجال دين، وتبدأ عملها عن فور علمها بالمشكلة أو بدعوة أهل الخير لهم لحل تلك المشكلة أو بدعوة أحد أطراف النزاع لإنهاء الخصومة أو بتكليف من الأمن، ونذهب إلى العائلة الذى وقع منها القتيل أولًا ثم نجلس مع كل طرف من أطراف المشكلة على حدة، ونسجل كل ما نسمع وكل ما يحدث ونبحث أسباب المشكلة وطلبات كل طرف، وإذا تقبل كل الأطراف الصلح تقسم اللجنة القسم بالله بأن تراعى جميع الأطراف وأن يكون هذا العمل لوجه الله فقط.

جلسات الصلح.. مفاوضات شاقة ونهايات سعيدة

وأضاف أنه بعد ذلك تأخذ اللجنة تفويضاً كتابيًا من طرفى النزاع بأن أحكام اللجنة نافذة وليس فيها رجوع، وإذا قبل الطرفان الصلح بشكل نهائى، يذهب طرفا النزاع إلى قسم الشرطة لتحرير محضر صلح، وترفع اللجنة طلبًا لمديرية الأمن بأن هناك مصالحة ثأرية لتحدد بعد ذلك جهات الأمن الموعد المحدد لميعاد الصلح وذلك لتأمين جلسات الصلح، مؤكدًا أن دور جهات الأمن دائمًا ما يكون دور استرشادى، لكى لا يخرج أحد أطراف النزاع يقول إنه تصالح تحت ضغط من جهات الأمن، أو حتى لا يدعى أحد أطراف النزاع أن جهات الأمن انتصرت لطرف دون الآخر.

 

وأوضح أن جلسات الصلح يحضرها قيادات الأمن والمحافظ والنواب وقيادات شعبية ودينية، ثم تأخذ اللجنة شروطًا جزائية يوقعها طرفا النزاع بقيمة 2 مليون جنيه، وقد يصل إلى 10 ملايين جنيه حسبما تراه اللجنة، يدفعها أحد الأطراف للطرف الآخر فى حالة نقض المصالحة.

 

وأكد أنه لم يحدث أن رفض أحد طرفى النزاع حكم لجنة الصلح، أو خان العهد أثناء مراسم الصلح، ولكن هناك حالة واحدة تم رفض عهد الصلح بها بعد عقد جلسة المصالحة، وأكد أن أهل القاتل دائمًا ما يتحملون تكاليف جلسات الصلح من إقامة «صوان» أو تكاليف أخرى.

 

وعن أغرب المصالحات التى تمت، أكد أن هناك نزاعًا استغرق أكثر من شهر من لجنة المصالحة حتى توفيق الصلح بين أطراف النزاع، وكان أحد طرفى النزاع مصممًا على رأيه برفض الصلح، ومن ثم انفضت لجنة المصالحة، بعدما باءت كل محاولاتهم بالفشل، وفى نفس اليوم وعند أذان الفجر تلقى اتصالًا من الشخص الذى كان يرفض الصلح، يقول له إنه قبل الصلح، وحين سألناه عن سبب رجوعه رغم أننا منذ 30 يومًا نتحدث معك وأنت ترفض الصلح، فلماذ قبلت الصلح، رد قائلًا إن النبى صلى الله عليه وسلم جاءه فى المنام وقال له أقبل الصلح، وأنه قبل الصلح كرامة للنبى.

أحمد الكلحي

وأوضح «الكلحى» أنه فى إحدى قضايا الثأر، وافق جميع الأطراف على الصلح حتى تم أخذ العديد من الخطوات، وتم عمل محضر الصلح ونصب الصوان وجاءت قوات الأمن والمحافظ لتشهد مراسم الصلح، ومن ثم فؤجى الجميع، أن أحد أطراف النزاع يرفض الصلح، وسحب السلاح

الخاص به وقال لن يتم الصلح إلا على جثتى، ليتفاجأ الجميع بخروج طلقة من سلاحه لتستقر فى صدره وتقتله، وتم الصلح فعلًا على جثته.

---

شباب الصعيد ينتصر للحياة.. والفضل لـ«الأزهر»

 

تشهد حاليًا قضايا الثأر تقلصًا شديدًا، مقارنة بالأعوام الماضية، وذلك نتيجة لحملات التوعية التى يقوم بها رجال الدين، وانتشار التعليم، الذى أصلح الكثير من أفكار الشباب، وقلص العصبية القبلية، وأعلى دور القانون فى القصاص من المجرم، بدلًا من أراقة الدماء.

 

حمام عمر- عضو لجنة المصالحات الثأرية بمحافظة قنا، أكد أن قضايا الثأر بمحافظات الصعيد تشهد انفراجة قوية، بسبب حملات التوعية التى يقوم بها رجال الدين، وعلى رأسهم فضيلة الأمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، خاصة بعد تأسيسه لجان مصالحة فى كل محافظات الجمهورية برئاسة الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الأسبق، مؤكدًا أن هناك نتيجة إيجابية لنبذ هذه العادة السيئة.

شباب الصعيد ينتصر للحياة

وأوضح أن الشباب لم يعد متمسكًا بالثأر، كما كان فى السابق نتيجة لانتشار للتعليم والدور الإيجابى التى تقوم به الدولة فى مواجهة هذا النوع من القضايا، والدليل أن الشباب فى الوقت الحالى يقبل الصلح فى قضايا الثأر، خاصة أنها فى الوقت الحالى، ليست ناتجة عن القبلية والعصبية التى كانت فى السابق، بل إن 70% من قضايا الثأر حاليًا ناتجة خلافات عابرة وليست قضايا ثأرية مترصدة، بمعنى أنه قد تحدث خلافات تتطور إلى اشتباكات يقع على أثرها قتيل، وهنا القتل ليس متعمدًا كما كان فى العهد السابق.

وأكد أن قضايا الثأر انخفضت عن السنوات السابقة بنسبة 80%، مضيفًا أنه فى عقدى السبعينيات والثمانيينات، كان لا يمر بدون حالة قتل ناتجة عن أخذ الثأر، ولكن فى الوقت الحالى انخفضت حوادث الثأر بشكل ملحوظ، كما ساعد على ذلك التواجد الكبير لرجال الأمن الذين دائما ما يسيطرون سريعًا على أى اشتباكات قد تحدث.

شباب الصعيد ينتصر للحياة

وأوضح أن قضايا الثأر فى السنوات السابقة، كانت لا تنتهى إلا بالثأر ليس فقط من القاتل، بل كان يتم أخذ الثأر من أفضل شخصية فى عائلة القاتل، فيتم قتل شخصين أو ثلاثة أشخاص مقابل الأخذ بالثأر، وكانت تستمر سلسلة الثأر إلى ما لا نهاية.

الحاج خمام

آلاف الضحايا.. والأسباب «تافهة»!

 

دمرت حوادث الثأر الكثير من البيوت، وراح بسببها آلاف الضحايا من كل الأعمار، والغريب أن عددًا غير قليل منها اشتعلت شرارته الأولى لأسباب غاية فى الغرابة، أو يمكنك أن تقول «التفاهة»!

 

حسب دراسات العديد من الباحثين، فإن قضايا الثأر دائمًا ما تكون بسبب مشكلات ومشاحنات بين القبائل والعائلات ولكنها تظل خاملة، ثم تأتى مشكلة ليست بالقوية فتشعل تلك الخلافات الخاملة وتفجرها الدماء.

 

ومن أشهر أسباب قضايا الثأر فى محافظات الصعيد، الخصومات الثأرية بمحافظة قنا التى وقعت بين عائلتى «السحالوة» و«المخالفة»، بمركز فرشوط، التى خلفت 12 قتيلًا، وتعود أسباب تلك الخلافات بين العائلتين حسبما روى أهالى مدينة فرشوط، إلى لعب الأطفال فى الشارع، حيث رش طفل ماء على الآخر، فوقعت مشاجرة بين الأطفال وضرب أحدهم الآخر، ثم تطور الأمر إلى تدخل آبائهم، ثم اشتعل الخلاف بين الآباء ووصل الأمر إلى تراشق بالألفاظ ثم الأشتباكات بالأيدى، وبدأت كلتا العائلتين تترصد للآخر حتى وقع أول قتيل ومن هنا بدأ سلسال الدم.

سلسال الدم

ومن أشهر قضايا الثأر أيضاً التى وقعت فى مركز أبوتشت بمحافظة قنا، بين عائلتى الطويل وعائلة الغنايم، والتى خلفت 17 قتيلًا، بسبب خلاف بين أبناء أحد العائلتين على أجرة سيارة، كان ثمن الأجرة ثلاثة جنيهات وكان الآخر يريد دفع جنيهين فقط، ثم نشب الخلاف بينهما، ومن ثم ترصد أحد أطراف المشكلة وقتل الآخ.

 

كما شهدت محافظة أسوان قضية ثأر بين قبيلتى الهلالية وقبيلة الدابودية، خلفت 27 قتيلًا، كانت البداية عندما حدثت مشكلة بين طلاب فى المدرسة، انتهت بمشاجرة بين شباب العائلتين، واستقدام أهالى العائلتين العصى والهراوات والخناجر، وحاصروا المدرسة واشتبكوا مع بعضهم، ووقعت عشرات الإصابات، وتوقفت المدرسة عن الدراسة، الأمر الذى أدى حينها لتوقف الدراسة فى حوالى 25 مدرسة بسبب تلك الصراعات التى انتهت بالصلح.

 

المرأة الصعيدية.. كلمة سر «سلسال الدم»

 

يعتقد الكثير أن المرأة فى صعيد مصر ليس لها دور يذكر، خاصة فى القضايا الشائكة مثل قضايا الثأر، ولكن الواقع يؤكد أن المرأة لها دور قوى فى قضايا الثأر، سواء بالسلب أو بالإيجاب، حيث تلعب المرأة فى الصعيد، دور الحارس على العادات والتقاليد، وعلى رأسها الثأر، فالمرأة تكاد توهب حياتها، بالكامل للثأر لأب أو زوج أو أخ أو ابن قتل غدراً، وتتصدى لأى محاولة من أفراد أسرتها للتهرب من «الدم»، وكثيراً ما تقدم على «حلق شعرها» بالكامل، لتستحث الرجال على أخذ الثأر.

 

ولا يقف دور المرأة فى صعيد مصر، عند حد التحريض فقط، بل إنها فى بعض الأحيان تحمل السلاح، وهو ما حدث بالفعل فى الماضى فى إحدى قرى محافظة قنا، حيث أقسمت امرأة تدعى «ليلى»، على الثأر لإخوتها الثلاثة الذين قتلوا غدراً، خاصة أن أبناءها وأبناء إخوتها ما زالوا أطفالاً، وحلقت شعرها، وارتدت ملابس الرجال، وحملت مدفعاً رشاشاً، وانتقلت للإقامة فى الكهوف ووسط زراعات القصب، وظلت تراقب أعداءها سنوات طويلة، حتى علمت أن قاتلى إخوتها يستقلون سيارة ميكروباص لتأدية واجب العزاء بإحدى القرى، فانتظرتهم عند مدخل القرية، وأوقفت السيارة وطلبت من السائق النزول لأنه ليس من نفس العائلة، وحصدت 12 شخصاً من خصومها.

 

وأدركت لجان المصالحات فى قضايا الثأر الدور القوى الذى تلعبة المرأة فى قضايا الثأر، وعمليات المصالحة أو رفضها، ولذلك تمت إضافة عناصر نسائية للجان المصالحات الثأرية، للحديث مع السيدات التى لدى أزواجهم أو أبنائهم قضايا ثأرية.

 

وقال الشيخ محمد جلال، أحد أعضاء لجنة المصالحة بمحافظة أسيوط، إن المرأة الصعيدية لديها ذكاء خارق، تجعل من يعيش خارج الصعيد، يقول إنها أمرأة ضعيفة ومغلوبة على أمرها وليس لها كلمة، لكن من يعيش فى الصعيد، يدرك أن المرأة الصعيدية لها دور قوى، ولكن فى الخفاء، مضيفًا أن تأثير المرأة فى قضايا الثأر يصل لنسبة 70% فى اتخاذ القرار.

المرأة الصعيدية

وأكد «جلال» أن هناك الكثير من قضايا الثأر تم رفض الصلح بها، ثم اكتشفنا فى النهاية أن المرأة هى التى وراء الرفض، ولذلك تمت إضافة عناصر نسائية للجان المصالحة الثأرية وبيت العائلة المصرى، للحديث مع المرأة التى توجد لديها مشكلة الثأر، بعدما أدركت القوى الشعبية دور المرأة القوى فى التأثير فى قضايا الثأر.

 

وأوضح أن هناك نساء فاضلات لديهن دور قوى فى الصعيد لمحاربة الفكر الرجعى، والعادات والتقاليد المتخلفة، وقمن بالفعل بدور عظيم فى هذا المجال.