رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جاء من الجزائر إلى مصر ماشيًا ليتعلم فى الأزهر الشريف

الأزهر الشريف
الأزهر الشريف

«هوارى بومدين» هو الاسم الثورى للرئيس الجزائرى «محمد بوخروبة»، وهو مشتق من كلمتين: الأولى «سيدى الهوارى» الولى الصالح بمدينة وهران، أما الثانية «بومدين» فهو ولى المسجد الكبير بتلمسان بسيدى بومدين.

فى عام 1951م بدأت رحلتُه إلى القاهرة صَوْبَ الأزهر الشريف والذى أغرم بالذهاب إليه خاصة بعد عُثورِه على كراسةٍ تَخُصُّ عمَّه عندما حج راجلًا، حيث قام هذا الأخير بتسجيل مرحلة ذهابِه من مدينة «قالمة» إلى القاهرة،  واعتبرها خريطة هامة لاستخدامها كوسيلة لمغامرتِه، حيث سجل فيها كل المدن والقرى بدقة، ولقد كانت هذه المفكرة الوسيلة الأولى فى بناء خطة الرحلة. وأخبر صديقَه محمد الصالح شيروف - والذى كانت تربطهما علاقةُ صداقة قوية، خصوصًا أنهما كان يدرسان معًا فى معهد الكتانى، إلى جانب الأخوين: محمد العربى مومنى من دائرة واد زناتى، ولاية قالمة حاليًا، ومحمد لخضر مقدم من دائرة فج مزالة، ولاية ميلة حالياً- أخبره بنيَّتِه الذهاب للقاهرة للتعلم فى الأزهر، واتفقوا جميعًا على الذهاب إلى مصر لتحقيق هذا الحلم العظيم.

وبدأ التحضير لهذه الرحلة فى سِرية تامة، واشترط أن يكون السفرُ سرًّا دون علم أحد أسرهم حتى لا يرفضوا، وقاموا ببيع كل ما لديهم، حيث قدر ثمنها 40.000 ألف فرنك فرنسى قديم، وهذا المبلغ ضئيل جدًّا للقيام بهذه الرحلة الشاقة، وغادروا قسطنطينة بالجزائر متجهين إلى مصر.

وأثناء عبورهم للحدود الجزائرية التونسية قرروا الانقسام إلى مجموعتين، المجموعة الأولى تتكون من: محمد بوخروبة ومحمد صالح شيروف، أما المجموعة الثانية فتتكون من محمد العربى مومنى ومحمد لخضر، غير أن المجموعة الثانية لم تُوَفَّقْ فى الرحلةِ لأسباب مجهولة، حيث عادا من طرابلس إلى الجزائر. أما المجموعة الأولى فواصلت الرحلةَ التى كانت مليئةً بالمشقةِ والتعب، وكانت مكلفةً صحيًّا ونفسيًّا، ولكنَّ ذكاءَ «بوخروبة» وطموحاته وحبَّه للدراسةِ فى الأزهر الشريف جعلته يجعلُ المستحيل أمرًا واقعًا، فلقد وَاجَهَ هو ورفيقُه بردَ الصحراء القارص ليلًا وحرارة النهارِ التى تلهب الأجسامَ، ومِن المعروف عن محمد بو خروبة أنه كان نحيلَ الجسمِ لا يستطيع

مقاومةَ البرد، فكانا يقومان بالدفنِ المتبادل بينهما وذلك بالرمل ليلاً، حيث يقومان بحفر قبرين بحجم جسميهما بجانب بعضهما البعض فيقوم كل واحد منهم بمواراة زميله بالرمل بواسطة القذف المتبادل، وذلك من أجل توفير الدفء، وكذلك من جهة أخرى اتقاء لسعات العقارب والأفاعى.

وفيما يرويه صديقُه محمد الصالح شيروف أنه: ذات ليلة فى صحراء ليبيا وهما يرنوان للنوم هجم عليهما ذئبان جائعان فى سكون الصحراء، وأراد الذئبان افتراسهما، ولكن بوخروبة وشيروف طرداهما، وعندما لم ينفع الأمر أمامَ شدةِ إلحاح الذئبين خاف الشابان على نفسيهما، فعَمَدَ بوخروبة إلى الحقيبةِ وأخرج منها شمعتين وأشعلهما، قال له شيروف لِمَ تُشعلُ الشمع؟ فرد عليه ألم تقرأ كتاب الحيوان للجاحظ.. ألم تعلم بأن الحيوانات تخاف النار ولا تقترب منها؟! فنم هنيئًا الآن! ووصَلا إلى الحدود المصرية الليبية، ومنها إلى القاهرة فى رحلةٍ استغرقت ثلاثةَ أشهر ونصف، حيث عبرا تونس وليبيا إلى القاهرة مشيًا على الأرجل خوفًا من الوقوع بين أيدى رجال الأمن، ووصل الرجلان مدينة القاهرة يوم 15 فبراير 1952م والتحقا بالأزهر الشريف.

ونقول: هذه رحلة للرجلين أحدهما أصبح رئيسًا للجزائر، جاء مترجلين للأزهر الشريف للتعلم بين أروقتِه وعلى يدِ شيوخِه.. جاءا إلى كعبةِ العلم والدين وواحةِ الفهم السليم والطرحِ العلمى المستقيم، هذا هو الأزهر، صانع العلماء والمصلحين والقادة والزعماء.