رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم" بوابة عالمية للنقل البحرى ومحطة إمداد لوجستى للخليج

لسلطان هيثم بن طارق
لسلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان

رافد قوى للتنويع الاقتصادى بالسلطنة.. قاعدة صناعية متكاملة.. ومركز إقليمى للطاقة المتجددة

3.6 مليار ريال عُمانى حجم الاستثمارات الحالى.. وعدد عقود انتفاع المشاريع الاستثمارية 431 مشروعاً

تنظر سلطنة عُمان إلى المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم باعتبارها أحد أهم الروافد الاقتصادية الواعدة للبلاد خلال المرحلة القادمة، والتى تبنى عليها الكثير من أحلام المستقبل والانتقال من مساحة الاعتماد على النفط باعتباره مصدر الدخل الوحيد إلى الاعتماد على التنوع الاقتصادى، اقتصاد الخدمات واقتصاد اللوجستيات وأيضاً اقتصاد الصناعات التحويلية واقتصاد الطاقة الخضراء.. ولم تكن هذه النظرة للدقم يوماً نظرة رومانسية فكانت منذ البداية نظرة مدعومة بالعمل والتخطيط المدروس، وفى هذه اللحظات التاريخية التى يشهد فيها العالم أكبر تحولاته فى كل المجالات فإن سلطنة عُمان على موعد حقيقى مع جنى ثمار العمل والتخطيط لهذه المنطقة الاقتصادية الاستثنائية ليس فى عُمان وإنما فى العالم.. على أن هذه النظرة لم تكن يوماً نظرة محلية، فالاستثمار فى الدقم أو الحصول على امتيازات الخدمات التى تقدمها أصبحت مطلباً عالمياً نظراً للموقع الاستراتيجى للدقم التى لم تكن قبل عقد ونصف عقد من الزمن إلا قرية صغيرة للصيادين محاصرة بين الصحراء وبحر العرب، قبل أن تتحول اليوم إلى منطقة مضيئة وساحة تنافس اقتصادى على المستوى العالمى.

إمكانات واسعة

وتمتلك المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم إمكانات واسعة لاستقطاب استثمارات فى مختلف القطاعات الاقتصادية، فالمنطقة التى تأسست فى 26 أكتوبر 2011 تعمل على استقطاب مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية والصناعية كالمصافى والصناعات البتروكيماوية والأنشطة التجارية والسياحية واللوجستية والصناعات الخفيفة والمتوسطة والصناعات السمكية ومشاريع التطوير العقارى.. وتعد المنطقة إحدى المناطق الخاضعة لإشراف الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة وفقاً للمرسوم السلطانى رقم (105/ 2020) بإنشاء الهيئة، وتبعد المنطقة عن العاصمة العُمانية مسقط حوالى 550 كم، وتبلغ مساحة المنطقة 2000 كيلومتر مربع، وهو ما يؤهلها لمواكبة طلبات المستثمرين الراغبين فى الحصول على أراض كبيرة نسبياً لتنفيذ مشاريعهم الاستثمارية.

وأوضح المهندس أحمد بن حسن الذيب نائب رئيس الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية والمناطق الحرة العُمانية، أن الحكومة تعول على المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم الكثير بحكم الاستثمارات التى ضختها الحكومة فيما يتعلق بتجهيز البنية الأساسية الكبيرة والخدمات، من إنشاء الطرق والمطار والميناء والحوض الجاف وخدمات الاتصالات والكهرباء وغيرها من المشروعات الخدمية لتهيئة البيئة المناسبة لإقامة المشروعات الصناعية والاقتصادية المختلفة.. وقال إن منطقة الدقم أصبحت محركاً تنموياً فى محافظة الوسطى ومركزاً إقليمياً للطاقة المتجددة والمواد الهيدروكربونية والخدمات اللوجستية وقاعدة للصناعات التصديرية ومركزاً للصناعات السمكية ومقصداً لسياحة الأعمال.. وأضاف أن حجم الاستثمارات الخاصة فى المنطقة يبلغ حالياً أكثر من 3.6 مليار ريال عُمانى فيما وصل عدد عقود انتفاع المشاريع الاستثمارية حوالى 431 مشروعاً.

بوابة إمداد

وتتمتع منطقة الدقم الاقتصادية بمجموعة من الميزات النسبية والتنافسية التى تـؤهلها لتصبح محطة إقليمية للنقل البحرى وبوابة إمداد لوجستى لمنطقة الخليج، إذ إنها تقع على بحر العرب المفتوح على المحيط الهندى، وقد أكسبها هذا الموقع ميزة استراتيجية بوقوعها على خطوط الملاحة الدولية بين الشرق والغرب وبالقرب من الأسواق الاستهلاكية فى آسيا وأفريقيا، كما تتميز بوجود ثروة سمكية هائلة، وبقربها من مناطق إنتاج النفط والغاز، كما توجد بولاية الدقم وولايات محافظة الوسطى الآخرى العديد من المعادن التى يمكن استغلالها لإقامة مشاريع صناعية، الأمر الذى يؤهل المنطقة لتصبح قاعدة صناعية متكاملة لصناعات تحويلية تقوم على الخامات الطبيعية التى تتوافر فى المحافظة، كما أن إنشاء مصفاة الدقم ومشروعات الصناعات الثقيلة والبتروكيماوية يعد حافزاً لتنفيذ مشروعات أخرى صغيرة ومتوسطة.

مشروعات استراتيجية

ومن أبرز المشروعات القائمة بمنطقة الدقم الاقتصادية، ميناء الدقم الذى يعد من أهم محركات المنطقة وأحد المشروعات الاستراتيجية التى تنفذها سلطنة عُمان لدعم الاقتصاد الوطنى وتنشيط الحركة الاقتصادية، وحجم ميناء الدقم والإمكانيات المتوفرة به سوف يسهم فى استقطاب الاستثمارات إلى المنطقة خاصة قطاع الصناعات التصديرية، ويتمتع الميناء ببنية أساسية متطورة إذ يبلغ إجمالى أطوال كاسرى الأمواج حوالى 8.7 كم فيما يصل عمق حوض الميناء إلى 18 متراً وقناة الدخول إلى 19 متراً ما يؤهله لاستقبال ومناولة سفن الحاويات العملاقة، ويتألف الميناء من 3 أرصفة رئيسة هي: الرصيف التجارى، الرصيف الحكومى، ورصيف المواد السائلة والسائبة (الرصيف النفطي)، ويعمل الميناء حالياً برافعات مؤقتة، وقد قامت الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة بالتعاقد مع شركة ليبهر الألمانية (LIEBHERR) لتوريد 4 رافعات آلية لنقل الحاويات من السفن إلى الرصيف التجارى والعكس (STS)، كما قامت بشراء 12 رافعة للساحات ذات الإطارات المطاطية (RTG) بقيمة إجمالية بلغت 27.9 مليون ريال عُمانى، ومن المؤمل أن تغادر الشحنة الأولى ميناء (Fenit Port Ireland) خلال النصف الثانى من شهر فبراير الجارى، على أن تستكمل بقية الشحنات قبل شهر مايو القادم لبدء التجميع والتجهيز استعداداً لمرحلة التدشين والتشغيل للرافعات الجديدة فى نهاية الربع الأول من عام 2023م.

امتيازات عديدة

ويعد ميناء الدقم الميناء الوحيد فى سلطنة عُمان الذى يقع فى منطقة حرة، الأمر الذى يعطى الميناء الكثير من الامتيازات التى يمكن أن يقدمها للمستثمرين الراغبين فى جنى الحوافز التشغيلية والمالية التى تقدمها الحكومة الساعية لجعل الميناء مركزاً جديداً من مراكز النمو الاقتصادى فى السلطنة.. وينتظر الميناء، الذى يضم أحد أكبر الأحواض الجافة فى العالم، الافتتاح الرسمى خلال الأيام القادمة رغم أن الميناء عملياً قد بدأ فى أداء أدواره منذ فترة زمنية.. ويُشغل الميناء عبر شركة ميناء الدقم وهى شركة مشتركة بالمناصفة بين حكومة عُمان ممثلة فى مجموعة «آسياد» التى تملك 50% من الشركة وبين التحالف البلجيكى المكون من ميناء «أنتويرب» الدولى ومجموعة «ديمي» تحت مسمى «كونسورتيوم ميناء أنتويرب» بنسبة 50%، وتتمثل أهمية هذه الشركة فى الاستفادة من الخبرات الواسعة لميناء «أنتويرب» الدولى باعتباره ثانى أكبر ميناء فى أوروبا، واهتمامات مجموعة «ديمى» المتنوعة فى مجالات الحفر والتعميق البحرى والهندسة البحرية وتطوير الموانئ بالإضافة إلى الطاقة المتجددة.. وللميناء إمكانيات كبيرة أخذها من قربه من مناطق امتياز ومشروعات النفط والغاز وكذلك التعدين فى السلطنة، إضافة إلى أنه فى مواجهة بحر العرب الذى يملك ثروة سمكية هائلة ومتنوعة الأمر الذى يعطيه ميزة التكامل مع المنطقة الصناعية الخاصة بالدقم بحيث تستوطن فى تلك المنطقة الكثير من الصناعات السمكية وكذلك مشروعات الاستزراع السمكى الذى بدأت بالفعل فى المنطقة.

الحوض الجاف

كما تضم منطقة الدقم، مجمع الحوض الجاف الذى يعمل لخدمات إصلاح وصيانة السفن، وهو أكبر ساحة وأحدثها فى الوطن العربى ويستقبل السفن متعددة الأحجام والأنواع، وقد بلغ عدد السفن التى استقبلها الحوض منذ تشغيله فى عام 2011 وحتى نهاية عام 2021 حوالى 1170 سفينة، كما بدأ الحوض فى عام 2021 المرحلة الثانية من المشروع لتصنيع السفن، ويتكون الحوض الجاف بالدقم من حوضين، الأول بطول 410 أمتار وعرض 95 متراً، والثانى بطول 410 أمتار وعرض 80 متراً، وبعمق يصل إلى 14 متراً، ويستطيع الحوض الجاف تقديم الخدمة لسفن تبلغ حمولتها 600 ألف طن، كما يشتمل الحوض على رصيف بطول 2800 متر وورش صناعية وساحات مهيأة بمساحة 453 ألف متر مربع.

ميناء الصيد البحري

وتضم المنطقة أيضاً ميناء الصيد البحرى متعدد الأغراض ومنطقة الصناعات السمكية، والذى يعد أكبر ميناء للصيد البحرى فى سلطنة عُمان بمساحة 600 هكتار وبعمق 10 أمتار، ويتألف من كاسرى أمواج بطول 3.3 كم، ورصيف ثابت بطول 1.3 كم، و6 مراسٍ عائمة.. وتمت تهيئة الميناء ليكون قادراً على استقطاب سفن الصيد متوسطة الحجم التى تعمل فى أعالى البحار، كما يمكنه استقبال السفن الخشبية المحملة بالمواشى الحية والمواد الغذائية والحاويات المرتبطة بالأنشطة الغذائية وهو ما يسهم فى زيادة القيمة الاقتصادية للميناء الذى سيكون مركزاً رئيسياً للصناعات السمكية والغذائية، إضافة إلى ذلك تم تخصيص مساحات للأغراض السياحية المرتبطة بالميناء، ويتميز الميناء بوجود طرق معبدة تربطه بمنطقة الصناعات السمكية والغذائية وتقع بالقرب من ميناء الصيد البحرى وقد تم إنشاؤها بهدف رفع قيمة الثروة السمكية التى يتم إنزالها بالميناء وباقى المشاريع الآخرى بالمنطقة، ويوجد بالمنطقة حالياً عدد من المصانع المتخصصة فى تعليب الأسماك وإنتاج زيت السمك وغيرها من الأنشطة المماثلة.

مشروعات شراكة

كما تضم منطقة الدقم الاقتصادية، مطار الدقم الذى بدأ فى تقديم خدماته للمسافرين بين الدقم ومسقط فى 23 يوليو 2014 من خلال مبنى مؤقت، وقد تم فى 17 سبتمبر 2018 تشغيل مبنى المسافرين الذى يتسع لـ500 ألف مسافر سنوياً.. ويضم المطار أيضاً مبنى للشحن الجوى بطاقة استيعابية تبلغ 25 ألف طن سنوياً مع إمكانية توسعته حسب الطلب والحاجة، كما يحتوى المطار على مدرج بطول 4 كيلومترات وبعرض 75 متراً مع ممرات رابطة ومواقف للطائرات.

وتضم المنطقة أيضاً، مصفاة الدقم التى تعد أحد مشروعات الشراكة الناجحة بين سلطنة عُمان ودولة الكويت، وهو مشروع مشترك بالتساوى بين شركة «أوكيو» المملوكة لعُمان وشركة البترول الكويتية العالمية المملوكة للكويت، تبلغ الطاقة التكريرية للمصفاة 230 ألف برميل يومياً، وستعمل على إنتاج الديزل ووقود الطائرات إضافة إلى النافتا وغاز البترول المُسال ومن المتوقع أن تنتهى الأعمال الإنشائية نهاية عام 2022 الحالي.

الكهرباء والمياه

وتضم منطقة الدقم، المحطة المتكاملة للكهرباء والمياه التى تعد جزءاً من مجمع متكامل تنفذه شركة مرافق المركزية بمنطقة الدقم، وتولد المحطة كهرباء بسعة 326 ميجاوات، وتتضمن كذلك محطة لتحلية مياه بطاقة إنتاج تبلغ 36 ألف متر مكعب يومياً، ومنشآت سحب مياه البحر بسعة إمداد تصل إلى 1.5 مليون متر مكعب يومياً، إضافة إلى خط نقل الكهرباء بالجهد العالى 132 كيلو فولت من المحطة إلى مشروع خزانات النفط برأس مركز على بعد نحو 80 كيلومتراً من منطقة الصناعات الثقيلة بمنطقة الدقم.

كما تشتمل المنطقة على مصفاة إنتاج حامض السيباسك والتى تعد من مشروعات الشراكة الناجحة بين القطاع الخاص المحلى والأجنبى، وهو أول مشروع من نوعه يقام فى الشرق الأوسط لإنتاج حامض السيباسك الذى يستخرج من زيت الخروع ويدخل فى العديد من الصناعات الكيماوية وصناعات البلاستيك والأدوية، حيث دخلت المصفاة حيز الإنتاج التجارى فى عام 2019.

خطوات كبيرة

ويبقى القول إن سلطنة عُمان تخطو بمشروع الدقم ميناء والمنطقة الصناعية، خطوات كبيرة جداً نحو المستقبل المعتمد على التنوع الاقتصادى الذى لا يضع الاعتماد على الوقود الأحفورى فى مقدمة روافع مصادر الدخل القادمة، وإنما تضع فى الاعتبار الاعتماد على المشروعات الخضراء القادرة على امتلاك صفة الاستدامة والتى تستطيع أيضاً أن تحقق المعادلة من حيث الأثر الكربونى.. وهذه خطوة واثقة فى طريق المستقبل وفى طريق فلسفة التحول من الاعتماد على المصادر المتغيرة إلى المصادر الثابتة والمتواكبة مع خطط العالم الحديث.