رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

البريئة

بوابة الوفد الإلكترونية

ارتجف جسدها النحيل عندما دق جرس المدرسة وكان لا بد من خروجها مع أقرانها فقد انتهى يومها الدراسى، كل زميلاتها يشعرن بسعادة وفرح بانتهاء اليوم وبعودتهن الى منازلهن الا هى فلمن تعود وإلى أين؟. 

لم تكن تعرف أين تذهب، فكل زميلاتها يعدن إلى منازلهن، لكن هى ليس لها بيت، فقد دمر بيتها منذ انفصال والديها بعد حياة حافلة بالمشاجرات واختار كل منهما حياة أخرى دون التفكير فيها.

فإذا ذهبت إلى زوجة أبيها عاملتها بسوء، وإذا هربت إلى أمها طردها زوج الأم دون رحمة ولم يكن فى وسع الأم الدفاع عنها أو بالأحرى لم تعد ابنتها تعنى لها شيئا فقد أصبحت الطفلة وقود الحرب بين الزوجين.

وجدت الطفلة ابنة الـ12 عاما نفسها وحيدة فى فناء المدرسة، تنساب دموعها ببطء على وجنتيها، وسارعت بالخروج إلى الشارع تحدث نفسها إلى أين ستذهب، حتى رأتها إحدى السيدات التى احتضنتها،.وسألتها عن سبب حزنها ودموعها، شعرت الطفلة ببعض الأمان والحنان الذى حرمت منها رغما عنها. روت لها حكايتها وسألتها هل ترغب فى الحياة لديها. وافقت الطفلة على الفور.

روت الطفلة حكايتها حيث احتدمت الخلافات بين الأبوين، وكثرة الشجار بينهما فما كان من الابنة الصغيرة إلا أن تراقب ما يحدث دون فهم، ولا تملك إلا البكاء حتى يكف الأبوان عن الشجار.

واستمرت الحياة بينهما هكذا حتى تم الطلاق، وتزوج الأب فور طلاقه، وعاشت الطفلة مع أمها شهورًا قليلة، لكن سرعان ما تزوجت أيضا.

وأتت بزوجها إلى المنزل، وبدأت مأساة الطفلة ولم تجد قلبا حنونا، حيث زوج الأم ينهرها ويطردها، وإذا هربت إلى الأب استقبلتها زوجته بكلمات السخرية والقهر، غير الاعتداء عليها بالضرب.

تحولت حياة الطفلة الى جحيم واصبحت لا ترغب فى العودة الى منزل امها او منزل ابيها وفى ذاك اليوم قررت عدم العودة وبكت كثيرا فقد ذاقت الأمرين من زوجة ابيها وزوج أمها.

حتى لمحتها إحدى السيدات التى احتضنتها ومسحت دموعها، وروت الطفلة لها مأساتها، فاحتوتها بكل حب وحنان، وأقامت معها فى شقتها، وعرضت عليها أن تعمل فى السوبر ماركت الذى تمتلكه، وستساعدها وقررت الطفلة الا تعود إلى المدرسة مرة أخرى، حتى لا يستطيع والدها او امها الوصول اليها إذا ما بحثا عنها.

وأخذت الطفلة تعمل بكل جهدها لتنال ثقة السيدة التى اعتبرتها ابنتها، ولم تبخل عليها بشيء.

اشتهرت الطفلة بالسمعة الحسنة والأخلاق، وبدأت العروض تنهال عليها للعمل كشغالة فى المنازل، لكنها كانت ترفض عرفاناً للسيدة صاحبة أكبر جميل عليها فى الحياة، وظلت الطفلة تقاوم بريق المال.

فهى لا ترغب فى ترك السيدة لكن العرض الأخير الذى تلقته من أحد الأثرياء بالحى الراقى وهو من رواد السوبر ماركت الذى تعمل به فقد أوهمها بأنه سوف يعطيها مبلغًا ضخمًا كى تتمكن من شراء منزل واكمال تعليمها وضعفت أمام سطوة المال، والتحقت بعملها الجديد كشغالة بعد موافقة السيدة التى تناديها أمى ولأن السيدة لا تحتاج منها شيئًا وافقت بناء على رغبتها على أن تكون أيضا تحت رعايتها وتكون هى المسئولة عنها وأوصت الرجل الثرى بها خيرا وعليه تسلميها نقود الطفلة كى تدخرها لديها.

ومضت شهور على عملها لدى الثرى وكانت سعيدة بما تدخره من أموال مع أمها الجديدة وظنت أن الحياة ربما تبتسم لها وتعود إلى تعليمها، وكانت السيدة تطمئن عليها كل يوم.

لكن أبت الحياة أن تكمل جميلها معها بل اظهرت لها الوجه السيىء الذى طنت انها تركته حيث اتهمها مخدومها بسرقة ساعة ذهبية، جن جنون الطفلة فهى لا تعتز بشىء قدر أمانتها وإخلاصها.

وبدموع منهمرة تستنجد بصاحبة السوبر ماركت والتى اعتادت أن تناديها بأمى أن تنفذها من بين براثن مخدومها، وأوضحت له السيدة بأن الطفلة مثال للأمانة والإخلاص، حيث كانت تذهب إليها يوميا بمئات الجنيهات عندما كانت تعمل فى السوبر ماركت ملك السيدة ولم تفكر ولو مرة واحدة أن تأخذ مليما.. لامت الطفلة نفسها: ليتني لم أترك العمل عندك يا أمى.

وانتشلتها السيدة من بين أنياب مخدومها، وعادت لتقيم معها، حتى جاء أحد الأشخاص الذى أدعى بأنه من رجال الشرطة وسوف يأخذ الطفلة لاستجوابها فى البلاغ المقدم من صاحب الساعة وسيعيدها مرة أخرى، فى غفلة من سكان الشارع، وتبين أنه شقيق مخدومها، وصعد بها إلى الشقة، وأخذ الجميع ينهرها، ويهددها بالسجن أو القتل إذا لم تعترف وترشد عن الساعة الذهبية التى قامت بسرقتها.

وبصوت ودموع لم تجف تقول الطفلة: والله العظيم أنا بريئة ولم أسرقها، وباءت كل محاولاتها بالفشلأ أصر محدومها أنها السارقة وتسلل بداخلها رعب والهلع، ويئست من حياتها ومن أن تنجو من الذئاب الذين يصرون على إلصاق التهمة بها بل يريدون قتلها من يدافع عنها، رأت صورة زوج الأم وزوجة الأب. وتخلى أبويها عنها وعدم بحثهما عنها منذ عدم عودتها إليهما.

واستسلمت الطفلة وقررت الخلاص من كل العذاب والالم فطلبت جلاديها أن يحضروا لها كوباً من الماء لتروى عطشها، وتئن أنينا ينفطر له الأكباد وما إن رشفت شربة ماء وبكلمات متقطعة وأنفاس تجر خلفها حزنًا ونفسًا مكسورة وذلًا قالت: أنا سرقتها ووضعتها فى هذه الغرفة وأشارت بأصبعها الصغير وتوجهت إلى الغرفة وظنوا أنها ستحضر الساعة وأخذوا يجهزون لها العقاب الذى سيلحق بها بعد تسليمهم الساعة.

وفى لحظات قامت بفتح زجاج النافذة، وألقت بنفسها من الدور الثانى عشر، وارتطم جسدها النحيل بالأرض ولقيت مصرعها فى الحال.

وكان من أغرب فصول هذه المأساة هو بكاء الأم والأب الذى أكد أنه عندما لم تعد الطفلة إلى المنزل قام بتحرير محضر تغيب، ولم يحاول البحث عنها، وفوجئ بأحد أصدقاء يخبره بموتها.

لا جود لأية شبهة جنائية وراء مصرع الطفلة الضحية، هذا محتوى تقرير الطب الشرعى بعد تشريح جثة الطفلة، نعم الطفلة قتلت نفسها ولكن الجانى من دفعها دفعا للخلاص من حياتها.

وفى النهاية ودعت الطفلة الحياة بنظرات عتاب، واختارت الموت أفضل من أن يتهمها مخدومها بالسرقة، وكانت آخر كلماتها «أنا بريئة».