عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أبت السماوات والأرض والجبال حملها| إمام مسجد السيدة زينب يتحدث عن الأمانة في الإسلام

الدكتور إبراهيم البيومى
الدكتور إبراهيم البيومى إمام وخطيب مسجد السيدة زينب

الأمانة من أبرز أخلاق الرسل عليهم الصلاة والسلام ، فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب يخبرنا الله عز وجل في سورة الشعراء أن كل واحد منهم قد قال لقومه : {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أمين الله في الأرض على الرسالة، فهو الذي يبلغ عن ربه هذا الدين العظيم، وقد كانوا يتركون ودائعهم عنده صلى الله عليه وسلم ليحفظها لهم؛ فقد عُرِفَ الرسول بصدقه وأمانته بين أهل مكة، فكانوا يلقبونه قبل البعثة بالصادق الأمين، وحينما هاجر الرسول من مكة إلى المدينة، ترك علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليعطي المشركين الودائع والأمانات التي تركوها عنده، وجبريل عليه السلام أمين وحي السماء، فقد وصفه الله بذلك في قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ .

بهذا بدأ الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب حديثه حول الامانة في الاسلام وأضاف قائلا:

إن تحمل الأمانة أمر ليس بالهين اللين كما يعتقده الكثيرون، ولخطورة التفريط في الأمانة أبت السماوات والأرض والجبال حملها،

 

لو سألنا ما هي الأمانة؟ لأجاب الجميع أنها رد الودائع والأمانات إلى أصحابها، وهذا فهم قاصر لمعنى الأمانة، فالأمانة ليست كما يعتقده كثير من الناس أنها تتعلق بالودائع وحفظ الأمتعة والأموال لحين عودة صاحبها ثم يردها له أو ينكرها، لكن الأمانة أشمل من ذلك وأعظم منه بكثير، فالدين الذي منَّ الله به عليكم أمانة في أعناقكم، جسدك أمانة، أبناؤك أمانة، زوجتك أمانة، مالك أمانة، وظيفتك وعملك أمانة، وطنك أمانة،كل ما يتعلق بك أمانة.

الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من شعائر الدين أمانة، من فرط في شيء منها أو أخل به فهو مفرط فيما ائتمنه عليه ربه تبارك وتعالى، البصر أمانة، والسمع أمانة، واليد أمانة، والرجل أمانة، واللسان أمانة، والفرج والبطن وغير ذلك أمانة عندك، فلا تأتي الحرام من قبل ذلك، وإلا أصبحت مفرطاً فيما ائتمنت عليه، واحذر أن تكون هذه الجوارح شاهدة عليك يوم القيامة إن فرطت فيها، يقول الحق تبارك وتعالى:{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النور: 24).

من معاني الأمانة -أيضاً- وضع كل شيء في مكانه اللائق به، قال أبو ذر رضي الله عنه: رسول الله: ألا تستعملني؟ يعني ألا تجعلني والياً أو أميراً أو رئيساً لك على إحدى المدن. قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال:"يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها "(مسلم)

وتبليغ هذا الدين أمانة أيضاً، فالرسل أمناء الله على وحيه، قال صلى الله عليه وسلم :" أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً )(متفق عليه). وكذلك كل من جاء بعدهم من العلماء والدعاة، فهم أمناء في تبليغ هذا الدين.

 والعرض أمانة، فيجب عليك أن تحفظ عرضك ولا تضيعه، فتحفظ نفسك من الفاحشة، وكذلك كل من تحت يدك، وتحفظهم عن الوقوع فيها، قال أبي كعب رضي الله عنه: من الأمانة أن المرأة اؤتمنت على حفظ فرجها.

والولد أمانة ، فحفظه أمانة ، ورعايته أمانة ، وتربيته أمانة .

والسر أمانة، وإفشاؤه خيانة، ولو حصل بينك وبين صاحبك خصام فهذا لا يدفعك لإفشاء سره، فإنه من لؤم الطباع، ودناءة النفوس، قال صلى الله عليه وسلم :"إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ "( الصحيحة، الألباني) وأشد من ذلك إفشاء السر بين الزوجين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا "(مسلم).

والكلمة الجادة الطيبة أمانة يلتزم بها المسلم، فيعرف قدر الكلمة وأهميتها؛ فالكلمة قد تُدخل صاحبها الجنة وتجعله من أهل التقوى، وقد ينطق الإنسان بكلمة الكفر فيصير من أهل النار." إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ" (البخاري)

والبيع والشراء أمانة، فالمسلم لا يغِشُّ أحدًا، ولا يغدر به ولا يخونه، وقد " مَرَّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا. فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي" (مسلم)

والعقل لدى الإنسان أمانة إن عمل بمقتضاه ونظم بالعلم والمعرفة وعمل فيه بطاعة الله كان مؤديا للأمانة خير أداء، وإن تعديت عليه بالمخدرات والمسكرات وغيبته عن الذكر والتفكر والعبادة فقد خنت الأمانة.

والأمة في أيدي المسئولين والحاكمين أمانة، فإن قاموا بما يجب عليهم نحوها من نصح ورعاية وصيانة لكرامتها وحريتها أو أقاموها على شريعة الله كانوا أمناء أوفياء.

والمال في أيدي الناس أمانة، فإن أحسنوا التصرف به والقيام عليه وأداء الحقوق الاجتماعية فيه كانوا أمناء أوفياء، لهم الذكر الجميل في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، وإلا  كانوا خونة ظالمين وسفهاء مبذرين.

إخواني في الله: نجد الأمانة تنظم شؤون الحياة كلها: من عقيدة وعبادة وأدب ومعاملة وتكافل اجتماعي وسياسة حكيمة رشيدة وخلق حسن كريم.

والأمانة بهذا المعنى وهذه الحدود، سر سعادة الأمم، ويوم كانت أمتنا من أصدق الشعوب والأمم في حمل هذه الأمانة والوفاء بها كانت أمتنا خير أمة أخرجت للناس.

إنّ أنواع الأمانة هذه كلها- من مال وجسد وجوارح ورعية ....إلخ- في حقيقتها ليست ملكاً محضاً لنا، إنّما هي ملكية مؤقتة في دار الدنيا، ومالكها الحقيقي هو الله تعالى، ومن بدهيات الحقوق التي يتفق عليها كل الناس – على اختلاف مللهم ونحلهم – أنّه لا يجوز التصرف بالأمانة إلا بإذن من صاحبها ومالكها، وبما يراه هو، لا ما يراه من أودع عنده تلك الأمانة، وكل تصرف بالأمانة بغير ما يريد مالكها فهو خيانة وظلم، ووضع الأمور بغير مكانها، وصاحب الأمانة لابدّ من أن يُسأل عنها يوماً من الأيام، فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِى أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِى مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ». قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَحْسِبُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« وَالرَّجُلُ فِى مَالِ ابْنِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ». ( متفق عليه)

 

إن كل واحد منكم استرعاه الله على رعية أو عمل فهو في رقبته أمانة يُسأل عنها أمام الله يوم القيامة، فالشعب أمانة في يد الزعماء، والدين أمانة في يد العلماء، والعدل أمانة في يد القضاة، والحق أمانة في يد المحامين، والصدق أمانة في يد الشهود، والمرضى أمانة في يد الأطباء، والمصالح أمانة في يد المستخدمين، والتلميذ أمانة في يد الأستاذ، والمصلون أمانة في يد العاملين بالمسجد، والولد أمانة في يد أبيه، والوطن أمانة في عنق الجميع، ألا "فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ.{البقرة:283}، فبادر بذلك يا عبدالله حتى لا تقع في زمرة الخائنين وتحمل الأمانة على عاتقك في الآخرة حتى تؤديها لصاحبها، فعن عبد الله بن مسعود، قال:« القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة، وإن قتل في سبيل الله فيقال: أد أمانتك، فيقول: أي رب، كيف وقد ذهبت الدنيا؟ قال: فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فينطلق به إلى الهاوية، ويمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه، فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا ظن أنه خارج زلت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين، ثم قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عددها، وأعظم ذلك الودائع» فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا « قال: صدق أما سمعت يقول الله : " إن الله يأمركم أن تؤدوا

الأمانات إلى أهلها" (شعب الإيمان للبيهقي)، فالشهادة أعلى المراتب ومع ذلك لم تشفع ولم تغن عن الأمانة. وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَيقالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ(متفق عليه)، فراجع نفسك وأد الأمانة قبل أن يرفع لواء غدرك، فتفضح على الملأ أمام الخلائق يوم القيامة.

وأوضح الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب قائلا:

إن ضياع الأمانة من علامات الساعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس يُحدِّثُ القومَ، جاءَهُ أعرابيٌّ فقال: مَتَى السَّاعَةُ ؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ، فقال بعض القوم: سَمِعَ ما قال، فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يَسمع، حتَّى إذا قَضَى حديثَه، قال:" أين السائل عن الساعة؟ " قال: ها أنا يا رسول الله، قال: " إذا ضُيِّعَتِ الأمانةُ فانتظر الساعة" قال: كيف إضاعتُها يا رسول الله؟ قال:" إذا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غير أهله فانتظر السَّاعة"( البخاري)، إنه مؤشر خطير ودقيق على ضياع أساس الصلاح في النفوس، فماذا يبقى للناس إذا فقدوا الأمانة بينهم؟! فخانوا الله في دينهم، وخانوه في أعمالهم، وخانوه في حوائج الناس الذين استأمنوهم على قضائها، لقد أصبح فئام من مجتمعنا بعد أن استرعاهم الله على بعض أمورنا يتفننون في التهرب من أداء أمانتهم الملقاة على عواتقهم، ويتباهون بأخذ رواتبهم من غير تعب ولا نصب، بل ويجاهرون بتحصيل الأموال الطائلة في تجارتهم بالغش والتحايل.

لقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بضياع الأمانة تدريجياً حتى يمحى أثرها من قلوب الرجال، فعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا: " أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ _ أصل _ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ"، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: " يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ _ يعني يبقى في قلب الرجل أثراً يسيراً للأمانة _ ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ _ أثر قليل جداً حتى وكأن الأمانة فقدت من القلوب _ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِراً، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِيناً، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا أَظْرَفَهُ، وَمَا أَجْلَدَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ"، وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِى أَيَّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِماً رَدَّهُ الإِسْلاَمُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلاَّ فُلاَناً وَفُلاَناً "(متفق عليه)، وصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فأين الأمانة اليوم؟!  مَعْنَى الْحَدِيث: "أَنَّ الْأَمَانَة تَزُول عَنْ الْقُلُوب شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِذَا زَالَ أَوَّل جُزْء مِنْهَا زَالَ نُورهَا وَخَلَفَتْهُ ظُلْمَة كَالْوَكْتِ وَهُوَ اِعْتِرَاض لَوْن مُخَالِف لِلَّوْنِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِذَا زَالَ شَيْء آخَر صَارَ كَالْمَجْلِ وَهُوَ أَثَر مُحْكَم لَا يَكَاد يَزُول إِلَّا بَعْدَ مُدَّة، وَهَذِهِ الظُّلْمَة فَوْقَ الَّتِي قَبْلَهَا، ثُمَّ شَبَّهَ زَوَال ذَلِكَ النُّور بَعْدَ وُقُوعه فِي الْقَلْب وَخُرُوجه بَعْدَ اِسْتِقْرَاره فِيهِ وَاعْتِقَاب الظُّلْمَة إِيَّاهُ بِجَمْرٍ يُدَحْرِجهُ عَلَى رِجْله حَتَّى يُؤَثِّر فِيهَا ثُمَّ يَزُول الْجَمْر وَيَبْقَى التَّنَفُّط، وَأَخْذه الْحَصَاة وَدَحْرَجَتِهِ إِيَّاهَا أَرَادَ بِهَا زِيَادَة الْبَيَان وَإِيضَاح الْمَذْكُور."( صحيح مسلم بشرح النووي)

لقد ضعفت الأمانة، وقل التعامل بين الناس بها، حتى لا تكاد ترى رجلاً أميناً تأمنه على مالك أو سرك أو غير ذلك، قال عبد الله بن مسعود: أتى على الناس زمان كان الرجل يدخل السوق ويقول: من ترون لي أن أعامل من الناس؟ فيقال له: عامل من شئت. ثم أتى زمان آخر كانوا يقولون: عامل من شئت إلا فلاناً وفلاناً، ثم أتى زمان آخر فكان يقال: لا تعامل أحداً إلا فلاناً وفلاناً، وأخشى أن يأتي زمان يذهب هذا أيضاً. وكأنه قد كان الذي كان يحذر أن يكون، فإنا لله وإنا إليه راجعون." (إحياء علوم الدين)

أيها المسلمون : أمر الأمانة عظيم، وخطرها كبير، فلقد استهان كثير من الناس اليوم بأمر الأمانة حتى أضحوا لا يلقون لها بالاً، ولا يقيمون لها وزناً، وذلك ناتج عن سوء فهم لمعنى الأمانة وما يترتب على تضييعها والتفريط فيها من العذاب والعقاب.

إن من أسباب التفريط في الأمانة عدم تذكر ما سيحدث لمن فرط في الأمانة من العذاب والنكال في قبره من سؤال الملائكة له عما فرط فيه من الأمانة.

ومن أسباب التفريط في الأمانة ضعف الوازع الديني لدي كثير من الناس، فلو كان هناك وازع من الدين يردع صاحبه ويزجره كلما هم بالتفريط فيما أوكل إليه من أمانة لعاشت الأمة في خير عظيم وأمن وارف.

 ومن أسباب التفريط في الأمانة دافع الانتقام سواء من رئيس أو صاحب عمل، ولا شك أن هذا الأمر لن يضر أولاً وآخراً إلا من فرط في الأمانة لعظم قدرها وكبير خطرها، فمهما حصل من سوء تفاهم بين الرئيس والمرءوس، والعامل وصاحب العمل، والزوجة وزوجها، فليس معنى ذلك أن يفرط هذا أو ذاك فيما أنيط به من أمانة ومسؤولية، فليحذر المسلم من عاقبة ذلك فالعاقبة وخيمة والخاتمة سيئة والعياذ بالله. حفظنا الله وإياكم بحفظه وأمانته ورعايته.

كلام صورة- الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب