رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مقابلة الإساءة بالإحسان من الأعمال الصالحة في رمضان

بوابة الوفد الإلكترونية

 

ينبغي أن يستغل المسلم هذا الشهر المبارك للعمل الصالح وليكون فيه أفضل مما كان قبله، وليكون بعده أفضل مما كان فيه، وقد كان حال بعض السلف في العبادة عظيماً في رمضان وفي غير رمضان.

ويحث الدين الإسلامي المؤمنين على مقابلة الإساءة بالإحسان، حتى تسود روح المودة والأخوة والمحبة بين الناس، ولا تظهر الشحناء والبغضاء والكراهية بين البشر، امتثالا لقوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، «سورة فصلت: الآية 34.

وتتمثل هذه الصفة جليًّا في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- مع قومه، ولا يوفقّ لهذه الخصلة، إلّا من عوّد نفسه على الصبر، فكان من الصابرين، الّذين وفقوا إلى منزلة عظيمة عند الله تعالى، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}،[٤١] فيحرص المسلم في شهر رمضان على تنمية خصلة الصبر فيه، لما في ذلك من آثار إيجابيّة عائدة عليه، أهمها ارتقاء منزلته عند الله تعالى، بالإضافة لتمكّنه من مقابلة السيئة بالحسنة،[٤٢] ومن صور مقابلته بالأحسان على من يسيء له في الشهر الكريم وفي غيره؛ ضبط انفعالاته عند الغضب، الإحسان لمن أساء إليه، أو كظم غيظه، وتقليل كلامه عند الغضب.[

و من سماحة هذا الدين الحنيف أنه يحث على الأخوة بين أفراد المجتمع المسلم، ورغب إلى كل ما يؤدي إلى المحبة بين المسلمين ودوامها، ونفر من كل ما يؤدي إلى ضعف المحبة وزوالها، وجعل من شروط الإيمان الحب في الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم». وحث الإسلام على القيم النبيلة التي من شأنها أن تحافظ على بقاء الأخوّة الإسلامية، ومن ذلك ما تدعو إليه هذه الآية الكريمة: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ? نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ)، «سورة المؤمنون: الآية 96»، «أي: إذا أساء إليك أعداؤك، بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإساءة، وادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإن ذلك أدعى لجلب المسيء إلى الحق، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتوبة عما فعل، قال تعالى: (... فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ...)، «سورة الشورى: الآية 40». وقرن الله تعالى دفع السيئة بالحسنة بالصبر والصلاة والإنفاق، ووعدهم بعقبي الدار، فقال سبحانه: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَ?ئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)، «سورة الرعد: الآية 22»، فيدرأون بالحسنة السيئة لمن أساء إليهم بقول أو فعل، لم يقابلوه بفعله، بل قابلوه بالإحسان إليه، فيعطون من حرمهم، ويعفون عمن ظلمهم، ويصلون من قطعهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان، فما ظنك بغير المسيء. ومواقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع المسيئين إليه، تؤكد تماما أثر العفو في جمع الناس وتأليفهم، فقد كان صلى الله عليه وسلم غاية في الرحمة والشفقة والعفو والحلم والصفح والصبر والتحمل، مع أنه أُخرج وأُبعد عن أهله، وغادر مكة بعد محاولة قتله، إلا أنه لما عاد إلى مكة فاتحاً ظافراً قال: «ما ترون أني صانع بكم؟»، قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء

وفي القرآن الكريم: الإحسان إلى المُسيء يجعل المُسيء الذي كان يتوقّع ردَ السيئة بالسيئة أو بأفضع منها، وإذا به يُفاجأ بمقابلة إساءته بالإحسان، سيقلب المعادلة عنده ويوقظ ضميره، ويخجل من إساءته وينظر بعين الإكبار والتقدير إلى مَن أساء إليه.[1] يقول تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت/ 34). 2

و تنقل السيرة النبوية أنّ النبي (ص) في يوم فتح مكّة، سأل قريشاً: ما تروني فاعلاً

بكم؟ فقيلَ له: أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريم. فقال: لا أقولُ لكم إلّا كما قال أخي يوسف: (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) (يوسف/ 92)، إذهبوا فأنتُم الطُّلقاء". وفي الوقت الذي ارتفعت أصوات من المسلمين تدعو للإنتقام: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تُسبى الحُرمة، اليوم تُذلُّ قريشاً"، ارتفعت أصوات مُقابلة الإساءة بالإحسان، مُنادية: "اليومُ يومُ المرحمة، اليوم الحُرمة، اليوم تُعزُّ قريشاً"، ممّا أحدث انقلاباً عظيماً في النفوس والقلوب، إلّا التي فيها مرض ممّن (استسلم) ولم (يُسْلِم).

 وروى أنس خادم النبي (ص) أن أعرابيّاً جذب برداء النبي (ص) جذبةً شديدةً حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، وقال: يا محمّد! احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك، فإنّك لا تحمل لي من مالِكَ ولا مال أبيك. فسكت النبي (ص)، ثمّ قال: المالُ مال الله، وأنا عبده. ثمّ قال: ويُقادُ منكَ يا أعرابي ما فعلتَ بي؟ (أي يُقتصُّ منك) قال: لا. قال (ص): لِمَ؟ قال الأعرابي: لأنّك لا تُكافئ السيِّئة السيِّئة!! فضحكّ النبي (ص) ثمّ أمر أن يُحمل له على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً. وكان (ص) يقول: "أحسِن إلى مَن أساءَ إليك". وما أكثر قصص مقابلة الإساءة بالإحسان، التي جسّدها أهل بيت النبوّة  في ردِّهم على المُسيء: إن كنتُ كما تقول غفرَ الله لي، وإن كنتُ لستُ كما تقول غفر الله لك

. فلقد جاء دعاء الإمام زين العابدين "وسدِّدني لأن أعارض مَن غشّني (بالنُّصح)، وأجزي مَن هجرني (بالبرِّ)، وأثيبُ مَن حرمني (بالبّذل)، وأكافئ مَن قطعني (بالصِّلة)". ورُوي عن الإمام الصادق () قوله: "إن شئتَ أن تُكرَم فَلِن وإن شئتَ أن تُهان فاخشن"

! وقال الإمام علي (: "أحسِن، إذا أردتَ أن يُحسَنَ إليك". وكان يقول: "الإحسان إلى المُسيء يستصلح العدوّ". بل قال: "من كمال الإيمان مكافأة المُسيء بالإحسان"!

,ومن- برنامج الإحسان إلى (المُسيء): ثلاثة مواقفُ هنّ لا رابعَ لهنّ من المُسيء: 1- أن تُقابل إساءته بالإساءة، وهذا يعني أن تصبّ الزّيت على النار أو الحطب لتزيدها اشتعالاً، والنتيجة أن كلاكما مُحترقان. 2- أن تُقابل الإساءة بأفظع منها، وهذا أسوأ من الأوّل، لأنّه يكيل الصاع صاعين، ويُضاعف مساحة الحرائق والخسائر والأضرار. 3- أن تُقابل الإساءة بالإحسان، فتقمع الشر. يقول الإمام علي (): "إقلع الّشرَّ من صدرِ غيرِكَ بقلعه من صدرِك"، وبذلك تكون قد أحسنتَ إلى نفسِكَ أيضاً، لأنّك حميتها من العدوان أو من المزيد منه، وصنتها من أن تتنزّل إلى مستوى التحقير والإهانة والإساءة التي تستنكرها من المُسيء، فكيفَ تأتي أو تفعل ما تستنكرهُ وتشجبه؟