رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المواجهة.. كسر عظام بين فرنسا وتركيا والأخيرة تتجاوز

 تجاوزت تركيا كل اللغات الدبلوماسية فى تصريح بين مدى الخلاف الشديد بين البلدين فى ظل أزمة شرق البحر المتوسط، بوصف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه "جن جنونه"، بحسب ما ذكر موقع سكاى نيوز.

 

 خبث التصريحات التي أعلنها الوزير التركي يوم الجمعة بيّنت رد الفعل المباشر من جانب تركيا على الخطوات والتوجهات الإقليمية لفرنسا فى الفترة الأخيرة التي ناهضت تركيا وسياساتها الطامعة في المنطقة العربية.

 

 ظهر التفاعل الفرنسى على 4 مستويات رئيسية توضح اختلاف فرنسا بشأن التوجهات التركية، فقد بذلت فرنسا الكثير من جهدها الذاتي لوقف إطلاق النار في ليبيا، وهو ما نجحت فيه بالفعل مما جعل رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، الحليف الاستراتيجي لتركيا، يظهر وكأنه وافق على المساعي الأوروبية من دون موافقة كاملة من تركيا.

 

 

 إضافة إلى أن فرنسا أبدت  أعلى درجات التضامن مع اليونان في التوتر الحديث الذي نشب بينها وبين تركيا في ملف حقوق التنقيب عن الغاز بمنطقة شرق المتوسط، وضغطت على أوروبا لتهديد تركيا بفرض العقوبات ما لم تتجاوب مع التحذيرات اليونانية الأوروبية.

 

 وعلى صعيد جغرافي لعبت فرنسا دورًا محوريًا في إعادة ضبط الحياة السياسية والأمنية في لبنان التي تقترب من الحدود التركية ورعت مشروعًا توافقيًا بين القوى السياسية، وبذلك ظهرت باريس وكأنها قطعت الطريق أمام التوجهات التركية لمد الفاعلية والنفوذ واصطياد لبنان فى ظل أزمته مستفيدة من مظلومية بعض طوائفه، وهو أمر كان نائب الرئيس التركي فؤاد أوكتاي  أعلنه خلال زيارته لبيروت عقب انفجار مرفأ المدينة في أغسطس الماضي.

 

 

 لكن الغضب التركي وصل لذروته بعد التصريحات التي أطلقها الرئيس الفرنسي أثناء زيارته لبغداد، الأربعاء، التي أعلن فيها عقب اجتماع مع رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني عن رفض فرنسا التدخلات الخارجية في الشؤون والأراضي العراقية، معتبرًا أن العراق دولة ذات سيادة، وهي تصريحات قال المراقبون إنها تقصد العمليات العسكرية التركية في إقليم كردستان العراق بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني.

 

 ويُستدل على مجمل المواقف بوجود ثمة ما يشبه الصراع الصفري بين الطرفين سيشكل واحدًا من أهم ديناميكيات التوازنات في المنطقة خلال الفترة المنظورة وربما تكون دافعًا لمزيد من الاستقطاب الإقليمي التي لن تكون لصالح تركيا، فالمتضامنون مع الموقف التركي لم يتجاوزوا الحلفاء التقليديين لها، قطر وحركة حماس في قطاع غزة.

 

 قامت صحيفة "ماريان ديل" بنسختها التركية بتحليل الأمر في تقرير مطول عن التغيرات التي طرأت على علاقة الطرفين طوال الشهور الماضية، ففرنسا لم تكن كثيرة التدخل في شؤون بلدان شرق المتوسط لكن الموقف والسلوكيات التركية من سوريا، سواء عبر ملف اللاجئين، أو الحروب التي خاضتها أنقرة في مواجهة القوى العسكرية المحاربة للإرهاب، دفعت فرنسا لأن تكون من أشد المدافعين عن بقاء القوات الفرنسية والأمريكية في منطقة شرق الفرات إلى أن يتحقق التوافق السياسي السوري النهائي وهو أمر رأته تركيا مساسًا بأمنها القومي.

 

 وأشارت الصحيفة إلى أن الموقف الفرنسي في شهر مارس 2019 بالبقاء عسكريًا في منطقة شرق الفرات، حينما قررت الولايات المتحدة الانسحاب من شمال شرق سوريا، وفي مرحلة لاحقة أجبرت الولايات المتحدة على التراجع، ذلك دفع تركيا لأن تنال من فرنسا في المناطق الأفريقية، بالذات تلك التي كانت ضمن مناطق نفوذ باريس، مثل ليبيا وتونس ومالي، وهو ما أثار حنق فرنسا من

كون التدخل التركي يثير النعرات الدينية والعنف الأهلي في تلك المناطق، وبالتالي يخلق المزيد من القلاقل لفرنسا.

 

 وقد نشر الكاتب والباحث التركي عرفان كايا أولجر،  بحثًا تحليليًا مطولًا في موقع "كرييت" التركي عن أن التوجهات الفرنسية لا تذهب لأن تكون مجرد مناكفة بين دولة وأخرى، أو رئيس وآخر، كما اعتادت سياسات الرئيس التركي أردوغان مع عدد من الدول الأوروبية لخلق أزمات قابلة للتطويق.

 

 

 ولكن من الواضح أن فرنسا، بحسب أولجر، ذاهبة لتشكيل أكبر منصة من الحلفاء الإقليميين لمناهضة تركيا، فأي توافق وتنسيق سياسي بين إسرائيل ومصر والإدارة اليونانية لقبرص، إلى جانب اليونان وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، كان سيكون مستحيلًا تحققه بسبب الحساسيات السياسية بين هذه القوى لولا الضغوط الفرنسية واستراتيجيتها بعيدة المدى.

 

 

 وتلك القوى السياسية التي يمكن لها أن تشكل ما يشبه "تجمع أوبك" الخاص بالغاز وفقاً  لأولجر فإنها قادرة على إعادة تركيا إلى حدودها البحرية الطبيعية، وهو ما يعني حرمان تركيا من كل خيرات شرق المتوسط، وبالتالي حرمانها منطقيًا من كميات كبيرة من الموارد المالية، التي قد تنفقها على عشرات الآلاف من استطالاتها السياسية والعسكرية في دول نفوذها، وهو ما تسعى إليه فرنسا إستراتيجيًا.

 

 وأجمع المراقبون المتابعون لهذه "المواجهة" الفرنسية التركية أن التحركات الفرنسية الأخيرة جاءت تحت تأثير 3 فاعليات في المشهد الشرق أوسطي.

 

 ففرنسا تستشعر أن الولايات المتحدة ذاهبة إلى المزيد من تخفيف نفوذها وحضورها في الشرق الأوسط، وأن ملء الفراغ سيكون لصالح روسيا وتركيا وإيران، وأن جميع هذه الأطراف وبالذات تركيا، لأنها الأقرب، ستضر بالأمن القومي الأوروبي، ما لم تتحرك قوى القارة لأخذ المكانة والدور المناسبين.

 

وترى فرنسا  مجمل التحركات التركية سواء في مواجهة اليونان أو عبر تسعير الحرب الليبية أن القصد منها خلق مناطق نفوذ لابتزاز والضغط على  الاتحاد الأوربي مستقبلا خصوصا مالياً وأن المواجهة الأكثر فاعلية لرد ذلك هو ردم المحاولات التركية في مهدها وعدم السماح لها بالتحول إلى حالات مستعصية ودائمة.

 

وبالنهاية فإن فرنسا تلقت تأييدًا روسيًا وأمريكيًا و ألمانيًا يشجعها على خلق تحالفات إقليمية قادرة على فهم أبعاد المشروع التركي، ففرنسا بحكم خبرتها التاريخية وشبكة علاقاتها التقليدية عبر المتوسط تبدو الأكثر أهلية للتصدى للتمدد التركي في المنطقة.