عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تعرف على الحضارة الإسلامية فى الأندلس

بوابة الوفد الإلكترونية

الحضارة الإسلامية فى الأندلس من أعظم الحضارة، وقال الغزالي فى ذلك سيطر المسلمون على أغلب مناطق الأندلس وصولًا إلى جنوب فرنسا، وأثناء عهد الولاة دخلت أعداد كبيرة من السكان الأصليين في الإسلام، وبقي من بقي على دينه متعايشًا مع المسلمين مشاركًا لهم في حياتهم التي تطورت حتى صار لها طابعها الخاص المتفرد المختلف عن باقي الأقاليم الإسلامية، والمتميز بتنوعه وشموله اجتماعيًا وثقافيًا وفنيًا وعلميًا وأدبيًا، وبلغت الحضارة الإسلامية في الأندلس مستوًى متقدمًا ومتطورًا قلّ نظيره في زمانه؛ حتى غدت في كثير من الأحيان مقصدَ العلماء والأدباء والمثقفين، وقبلة طلاب العلم من العالم الإسلامي، وكانت مقصدَ المتعلمين المتنوّرين من أوربا المسيحية، ينتهلون من معين علومها، عائدين به إلى بلدانهم التي عانت في تلك المراحل من ظلام الجهل، ومحاربة العلم وأهله.

 

تطور العلوم الكونية والإنسانية في الأندلس كانت الحياة العلمية في بدايات الحضارة الإسلامية في الأندلس متأثرةً بالحالة العلمية في باقي الأقطار حيث صبّت أغلب اهتمامها في دراسة الطبيعة وسبر أغوار الكون؛ لتنتقل بعد ذلك العقلية العربية من الإيمان بالماورائيات نحو النزوع الفكري العلمي في سبيل إدراك الحقائق، ولاسيما في العلوم البحتة كالفلك والحساب والفلاحة، وبالرغم من إدراك المفكرين العرب أنّ الإنسان لا يمكنه أن يصل إلى المعرفة المطلقة التي تمكنه من الإجابة عن جميع الأسئلة؛ إلا أنّهم آمنوا أنّ الإنسان بإمكانه أن يصل إلى أقرب نقطة من بؤرة الحقيقة، وهكذا أخذ علم الفلك القائم على الحساب والمشاهدة والتجربة الدقيقة يبتعد عن أفكار التنجيم القائم على التوهّم، واقترن علم الفلك بعلم الأرقام، ونقل العرب للإندلس الأرقام الهنديّة التي تعرف بالأرقام العربية، وألغي العمل بالأرقام اللاتينية الرومانية، وهي التي تعود بأصلها إلى ترتيب أحرف الهجاء، وبسبب إرسال السفارات والمعاملات التجارية انتقلت هذه الأرقام إلى أنحاء أوروبا.

 

وبرع في مجال الفلك في ظل الحضارة الإسلامية في الأندلس عدد لا يحصى من العلماء على رأسهم أبو القاسم المجريطي صاحب كتاب "رسالة في الاصطرلاب" وقد أنجب المجريطي عددًا من التلاميذ الذين بنوا المدارس ودُور العلم، ونبغ منهم أبي السمح الغرناطي، وابن الصفار الذي برع بالفلك والرياضيات، وكذلك المهندس المعروف عبد الرحمان بن زيد الذي اشتهر بالفن المعماري والفيزياء، وتبعهم الزرقالي القرطبي الذي قام بأكثر من 400 عملية رصد فلكي؛ بهدف تحديد أوج الشمس، ومحاولة الضبط الدقيق لنقطة الاعتدال الربيعي، وغيرهم الكثير من الأسماء التي قدمت التجارب وألّفت العديد من الكتب.

 

ولا بدّ في خضمّ الحديث عن علم الفلك في ظل حكم الحضارة الإسلامية في الأندلس أن نذكر صاحب التجربة الأولى في الطيران، العالم عباس بن فرناس الشّهير في مجال الفلك والكيمياء والفيزياء، وهو الذي شرح آلية طيران الطائر، وقام بتجربة الطيران الأولى بمساعدة ثوب اخترعه من الحرير والريش، فتسنى له الطيران لمسافة اختلف العلماء في تقديرها مع إقرارهم بطيرانه وتحليقه قبل أن يسقط حين حاول الهبوط، وقدّر لهابن فرناس بعدها أن يعيش ليشرح أسباب سقوطه، مؤكدًا أنّ عدم وجود الذيل في ذلك الثوب

كان من أهم الأسباب.

 

ومنذ بدايات الحضارة الإسلامية في الأندلس خطت جميع العلوم الزراعية خطوات كبيرة، ولاسيما في صناعة النسيج الحريري ومجالات المحاصيل الغذائية، وامتدّ أثرُها إلى أنحاء أوروبا، وقوي هذا المجال بمؤازرة العلماء المختصين بالأعشاب الطبية والأدوية؛ حيث كانت فنون الصيدلة وعلوم الطب تشهد تطورًا كبيرًا بمختلف اختصاصاتها، حتى صدرت عن بعض االعلماء كتبٌ ورسائل في جوانب محددة متخصصة، وبلغ الطبّ أوجه في الحضارة الإسلامية في الأندلس أثناء القرن السادس الهجري حين جمع علماء الطب مع علوم الفلسفة والأمور النفسية، وباتوا يقرنون العلوم الكونية كالطب بمتعلقاتها الإنسانية، كما اعتنى الأندلسيون بالطبّ الباطني والطب الوقائي. واشتُهر في علوم الزراعة أبو الحسن القرطبي وعبد الرحمن بن وافد الذي كان مشرفًا رسميًا على الحدائق الملكية في قرطبة، وذاع صيت العالم والأديب أبو بكر الإشبيلي، وتلميذه أبو زكريا بن العوّام، وتطول قائمة العلماء الذين برعوا في فنون الصيدلة والطب، ومنهم أبو جعفر الغافقي مؤلّف كتاب "الأدوية المفردة" وكتاب "المرشد في الكحل" عن طب العيون، وكذلك اشتهر ضياء الدين ابن البيطار صاحب كتاب "الجامع لمفردات الأغذية والأدوية"، وهو موسوعة طبية مرتّبة على أحرف الهجاء، وفي الأندلس لمع اسم واحدٍ من أعظم أطباء المسلمين وهو أبو القاسم الزهراوي الذي حقق إنجازات لا تحصى في فن الجراحة وطب النساء والحمل والولادة، وإزالة الأورام، ووصف مرض الناعور، واستخراج الحصى، وخياطة الجروح بالخيوط الحريرية، وله الفضل في اختراع عدد كبير من أدوات الجراحة التي لا تزال تستخدم حتى اليوم.

 

وشهدت مختلف العلوم الإنسانية تطورًا كبيرًا، وعلى رأسها الفكر التعليمي الذي لاقى دعمًا كبيرًا من الحكّام الذين اهتموا باللغة والشعر والفلسفة والمناهج الدراسية، فوضعت الشروط التي يجب توفرها في المعلمين كالتقوى والأمانة العلمية، كما تطور الفكر التأريخي الإبداعي الذي جمع بين العقل والنقل، وخرج علم التاريخ من الثوب الديني مفسحًا المجال إلى المؤرخ التاجر والمؤرخ الطبيب والمؤرخ الفيلسوف، وعلى هامش هذا تطوّر فن الرحلات، ووصفها الدقيق للجغرافية والمدن وطبائع المجتمعات.