رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"فقه الدولة وفقه الجماعة".. كتاب يبني وطناً

وزير الأوقاف محمد
وزير الأوقاف محمد مختار جمعة

فى كتابه "فقه الدولة وفقه الجماعة" الصادر عام 2019، عقد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، مقارنة بين فقه الدول القائم على البناء والوعى بالتحديات التى تواجهها وسبل الحفاظ عليها وحتمية مشروعية الدفاع عنها والذود عن حياضها والتضحية فى سبيلها، وبين نفعية الجماعة القائمة على محاولات إضعاف الدولة، قصد الإيقاع بنظامها وإحلال الجماعة محله حتى لو أدي ذلك إلى سقوط الدولة أو محوها من خارطة العالم بتفكيكها إلى كيانات صغيرة لا تنفع ولا تضر.

 

 فرق مؤلف الكتاب بين مفهوم المصلحة فى منظور الدولة ومفهومها فى منظور الجماعة، فالجماعات المتطرفة –وفقا لوجهة نظر وزير الأوقاف- تنظر إلى كل ما يقوى الدولة على أنه فى غير صالحها، وإلى كل ما يضعف الدولة على أنه يصب فى مصلحتها ويقرب أمانيها، وانتهى إلى فرضية فى غاية الأهمية وهى أنه لا يمكن لأى جماعة من الجماعات المتطرفة أن تقفز على السلطة أو تجهز عليها إلا فى الدول الضعيفة المنهارة المفككة المترهلة.

 

وبين ثنايا الكتاب كشف وزير الأوقاف المؤامرات التى تدبرها الجماعات المتطرفة ضد الدول، مبيناً أن هذه الجماعات تعمل وفق استراتيجية ممنهجة تهدف إلى إحداث نوع من القطيعة بين الشعوب وحكامها، وتعمل جاهدة على شيطنة أي نظام حاكم حتى لو كان على طريق ابن الخطاب نفسه، وتزعم أنها حامية حمى الدين، محرفة الكلم عن مواضعه، لاوية أعناق النصوص.

 

 إلى جانب ذلك فقد أصيبت أفكار وعقول أكثر قيادات هذه الجماعات بالشطط أو الجمود والتحجر، ناهيك عما أصاب عناصرها والمنتمين إليها من ضيف الأفق والجمود عند ظواهر بعض النصوص، بحيث ينزلون المستجدات والمتغيرات القابلة للاجتهاد والرأي والرأي الآخر منزلة الثابت المقدس، ويرون ذلك الدين الخالص والمعدن النقى الصافي فى جهال وضلالة عمياوين.

 

وبحسب ما أورده وزير الأوقاف فى كتابه، فقد بدا خلط الأوراق واضحا جليا عن عمد لا عن غفلة لدي أكثر هذه الجماعات، بل إن الأمر قد ذهب إلى أبعد من هذا عندما نصبت هذه الأحزاب والحركات والجماعات نفسها وصيًّا على الدين، مع فقدان كوادرها للتفقه الصحيح فيه أو حتى مجرد الإلمام بأصوله وأحكامه.

 

وواصل الوزير كشف زيف جماعات التطرف الديني، مؤكدا أن ظهورها جر على منطقتنا العربية وعلى كثير من الدول الإسلامية ويلات كثيرة، وبخاصة بعد أن بدت ظاهرة التكسب بالدين أو المتاجرة به واضحة لدي كثير من الحركات والجماعات التى عملت على توظيف الدين لتشويه خصومها من جهة، وتحقيق مطامعها السلطوية من جهة أخرى، فصارت محاربة الإسلام تهمة الجماعات المتطرفة لكل خصومها السياسيين، ناهيك عن تجاوز ذلك إلى تهم التخوين والتكفير والإخراج من جماعة المسلمين، بل والحكم على المخالفين بأن أحدا منهم لن يجد رائحة الجنة، مع استباحة دمائهم وأموالهم وسبي نسائهم.

 

ووفقا لما أورده الدكتور محمد مختار جمعة، فقد أعطى هؤلاء المتسترون بالإسلام زورًا إليه الذرائع أكثر من مرة لأعداء الامة للتدخل فى شئونها فى محاولة خفية لإضعافها وتفتيتها وتفكيكها أو السيطرة على مقدراتها الاقتصادية أو الجغرافية أو القرار السياسي أو الوطني فيها.

حاول وزير الأوقاف أن يصحح فى ثنايا هذا الكتاب كثيرًا من المفاهيم الخاطئة حول بناء الدولة، وأن يلقى الضوء على أهمية الحفاظ عليها، مبينًا ومؤكدًا أن مصالح الأوطان لا تنفك عن مقاصد الأديان، محذرا من الكيانات الموازية داخل الدول التى تنازع الدولة سلطتها والمؤسسات اختصاصاتها، مفرقا بين التعددية السياسية المطلوبة والكيانات الخطرة، كا فرق بين المصلحة فى منظور الدولة وفوضى الجماعة.

 

 ونبه إلى خطورة السقوط الاقتصادي للدولة، موضحا أن وجود اقتصاد قوي مستقر يمكن الدول من الوفاء بالتزاماتها المحلية والدولية وتوفير حياة كريمة لمواطنيها، كما يمكنها من التغلب على المؤامرات التى تحاك ضدها، أما فى حالة الضعف الاقتصادي فإن الفرصة تكون أوسع أمام الأعداء والمتربصين بالدول والعاملين على إسقاطها وإدخالها فى فوضي لا تنتهى.

 

حدد الوزير فى كتابه 3 أسس لتحسن اقتصاد الدول وتفادي سقوطها، أولها: زيادة الانتاج والإتقان والإبداع والابتكار واقتحام المجالات الأكثر حيوية والأكثر عائداً ومردوداً اقتصادياً، وثانيها: ترشيد الاستهلاك ليس فى مجال الطعام والشراب فحسب، بل فى كل جوانب العملية الاقتصادية، في المياه والكهرباء والغاز والخامات والأدوية المستخدمة حياتيا.

 

ثالثها: وفاء جميع الأفراد بالتزامتهم تجاه وطنهم والتخلص من الروح الاتكالية من محاولة الحصول على الخدمات دون أداء ما يقابلها، أو محاولة الحصول عليها دون قيمتها الحقيقة، مشددا فى الوقت ذاته على أهمية تكثيف برامج الحماية الاجتماعية وضرورة أن تذهب إلى مستحقيها الحقيقيين من الفئات الأولى بالرعاية، وتحقيق المواطنة المتكافئة بين أبنائها دون تمييز على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق

 

وتطرق وزير الأوقاف فى كتابه إلى الحديث عن محاولات إسقاط الدول من داخلها، مبينا أن هذه المحاولات هي الأخطر والأكثر مكرًا ودهاءً، سواء كان هذا بفعل عوامل خارجية أم داخلية أم بهما معا، وقد يكون ذلك من خلال اللعب على الانقسامات الطائفية أو المذهبية أو العرقية أو القبلية.

 

وحذر أيضًا من مسألة بث الأكاذيب والشائعات التى تعمل على النيل من الرموز الوطنية، وتشويه كل إنجاز، وتهويل الهنات اليسيرة وتضخيمها، مع اختلاق الأكاذيب والافتراءات التى يعملون من خلالها على بث اليأس والإحباط فى نفوس الناس، قصد إثارتهم ضد دولهم أو تثبيط حماسهم عن العمل لأجلها على أقل تقدير.

 

وفى حديثه عن الحاكم العادل، أوضح مختار جمعة أن الشرع الحنيف قد حثنا على إكرام الحاكم العادل والوقوف إلى جانبه وإعانته والالتفاف حوله، مبينا فى الوقت ذاته أنه لا يكفى فى الحاكم مجرد العدل دون امتلاك سائر مقومات الوفاء بالأمر والقوة والكفاءة والكياسة والأمانة، ولاسيما فى ظل حياتنا العصرية بما فيها من تعقيدات وتدخلات تحتاج إلى خبرات غير عادية للوفاء بحمل أمانة دولة أو حتى مؤسسة.

 

ووفقا لما ذكره وزير الأوقاف في كتابه لا يصح ولا ينبغى أن يكون المسئول اتكاليًّا، أو غير متابع ولا مدقق لتفاصيل جميع المهام الواقعة فى نطاق مسئوليته، فالثقة لا تعني عدم المتابعة، والمتابعة لا تعني عدم الثقة، مشيرا إلى أن كل مسئول فى نطاق مسئوليته مطالب بأن يختار من المعاونين القوي الأمين، وأن يختار الأكفأ فالأكفأ. وانتهى إلى أن إدارة الدول تحتاج إلى مواصفات خاصة وخبرات متراكمة، ولا يمكن أن تترك للهواة الذين ينجرفون بها إلى حافة الهاوية.

 

بعدها عدد عوامل انهيار الدول، وذكر منها أولا: انتشار الفساد بكل أشكاله من المجاملة والرشوة والمحسوبية وتقديم الولاء على الكفاءة، وثانيا: شيوع الظلم سواء على مستوى الأفراد بغياب الأمن أو غياب القضاء العادل أو غياب العدالة فى الحصول على الفرص المتكافئة أيًّا كان نوعها، ام على المستوى الطبقي الذي يقوم على استبعاد الفقراء والكادحين وتهميشهم مع ازدرائهم والاستخفاف بهم.

 

ثالثا: غياب الأمن وضعف سلطة الدولة وقيام العصابات والجماعات أو الميليشيات بفرض سطوتها على المجتمع أو على بعض المواطنين، لذا فإن دعم المؤسسات العسكرية والأمنية لحفظ الوطن من الأخطار المحدقة به فى الداخل والخارج يعد مطلبا شرعيا ووطنيا. رابعا: تدهور القيم، خامسا تدهور الأحوال المعيشية للأفراد بما يخل باحتياجاتهم الأساسية .

 

فى كتابه لفت وزير الأوقاف النظر أيضًا إلى قضية فى غاية الأهمية، أغفلتها الأنظمة السابقة فى مصر، حيث تحدث عن العلاقة بين عواصم الدول وحدودها، مبينًا أنها علاقة تكامل لا صراع، فلا غني لأي دولة من أن يكون لها عاصمة هى القلب والمركز، وأطراف وحدود بمثابة الأجنحة التى لا تعلو الدول ولا ترتفع بدونها، موضحا أن الدول المتحضرة لا يمكن أن تهمل جزءًا من أطرافها أرضا أو سكانا

فتتركه هملا أو فرصة للضياع أو الاهمال أو الاعتداء أو حتى مجرد التفكير فى الانفلات أو الانفصال، وكشف أن تنمية الأطراف والعناية بها مسئولية تضامنية بين جميع مؤسسات الدولة، سواء المؤسسات الرسمية أم منظمات المجتمع المدني أو رجال الاعمال، واعتبار ذلك قضية أمن قومى من جهة وقضية تنموية من جهة أخر، وشدد على ضرورة العمل على تحويل كل أطراف الدولة ومناطقها الحدودية إلى مناطق جاذبة لا طاردة، موضحا أنه فى حالة عدم اهتمام دولة ما بأطرافها يضطر أبناء هذه الأطراف إلى التوجه نحو المركز والتمركز به، مما يشكل ضغطا غير عادي على المركز وضواحيه، ويخلق كثيرا من الأحياء العشوائية، أما فى ظل اهتمام الدول بالاستثمار فى مناطقها الحدودية، وتوفير الخدمات اللازمة لأبنائها من الإسكان والصحة والتعليم والثقافة، مع توفير فرص العمل والانتاج، فإن ذلك كله يؤدي إلى ارتباط أبناء هذا المناطق بأرضهم، مع ولاء وانتماء وطنى خالص.

 

وكشف أن اهتمام الدولة المصرية فى الفترة الراهنة بمناطق سيناء ومطروح والإسماعيلية الجديدة وحلايب وشلاتين والوادي الجديد، ومناطق الظهير الصحراوي بصفة عامة، سيساهم فى جذب الناس إليها مما يحدث توازنا كبيرا فى التوزيع الجغرافي والسكاني، ويوفر حياة كريمة لأبناء هذه المناطق، ويخفف الضغط على المركز وعلى ما يقدم به من خدمات لا غني عنها للمقيمين به.

 

وفي إطار مشروعه التجديدي المبني على وضع الأمور في نصابها من حيث التفرقة بين الثابت والمتغير، ورفع القداسة عن غير المقدس من الأشخاص والآراء البشرية، وقصر التقديس على الذات الإلهية وعلى كتاب الله (عز وجل) وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) من خلال القراءة العصرية للنصوص، قدم وزير الأوقاف قراءة جديدة للمقاصد العامة الضرورية المعبر عنها بالكليات أو المقاصد الكلية، ونظر في أمر هذه الكليات من حيث عددها وترتيبها فرى أنها ليست قرآنًا ولا سنة، إنما هي آراء واجتهادات في ضوء رؤية العلماء والمجتهدين لما يجب الحفاظ عليه باعتباره أمرًا ضروريا.

 

وبما أن الحفاظ على الوطن وعلى بناء الدولة وكيانها لا يقل أهمية عما ذكره العلماء من الكليات الأخرى , إذ لا يوجد عاقل ولا وطني شريف لا يكون على استعداد لأن يفتدي وطنه بنفسه وماله، رى وزير الأوقاف ضرورة إدراج حفظ الأوطان في عداد هذه الكليات، ولا سيما في زماننا هذا، حيث تتعرض أوطاننا للاستهداف ومحاولات التفكيك، مما يجعلنا نقرر وباطمئنان أن الكليات ينبغي أن تكون ستًّا هي : الدين، والوطن، والنفس، والعقل، والمال، و"النسل والنسب والعرض"، وبما أن الحفاظ على الوطن لا يمكن أن يتم إلا من خلال دولة تحميه وتقوم بالذود عنه صارت الحفاظ على بناء الدولة داخلا بطريق اللزوم في هذا المقصد الكلي ، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وأضحى هدم الدول وتفكيكها منافيا لهذه المقاصد الكلية.

 

نبعت هذه الفكرة وتبلورت لدى وزير الأوقاف من شدة اهتمامه بقضية الدولة الوطنية وبيان مشروعيتها، وما وصل إليه حال بعض الجماعات المتطرفة المنكرة لفضل الوطن عليها، والتي حاولت وضع الناس في تقابلية خاطئة بين الدين والدولة،  فإما أن تكون - في منظورهم - مع الدين أو مع الدولة وكأنهما نقيضان، مع أن الدين لا ينشأ ولا يُحمى ولا يحفظ في الهواء الطلق، إنما لا بد له من دولة تحميه وترفع لواءه عاليًا.

 

ومن القضايا المهمة التى تطرق لها وزير الأوقاف فى كتابه مسألة "التعددية السياسية والسلطات الموازية"، وهما أمرين يكادان يكونان متناقضين من حيث القبول والرفض، أحدهما لا غنى عنه لإثراء العملية الديمقراطية، والآخر يشكل خطرًا بالغًا على كيان الدول ويهدد بانهيارها أو ضعفها أو تمزقها، وكشف أن أخطر ما في السلطات الموازية هو تلك الجماعات أو الفصائل المذهبية أو العرقية أو الطائفية التي تحاول أن تستمد قوتها وعوامل نفوذها من دول أخرى تجعل ولاءها الأول والأخير لها، تعمل لحسابها من جهة وتستقوي بها من جهة أخرى.

 

الوزير شدد على أن التعددية السياسية فهي مطلب ديمقراطي عادل، وذلك لأن عالم القطب الواحد، ودول الحزب الواحد، غالبًا ما يؤول بها الحال إلى لون من الدكتاتورية أو الضعف والاسترخاء لعدم وجود منافسة حقيقة تدفع المنافس إلى استنفاد أقصى ما في طاقته في الوفاء بحق ما يسند إليه من مهام وتكاليف.

 

وأكد الوزير أن المقياس الوحيد الذي تقيس به أي دولة أو مجتمع مدى وجود سلطات موازية أو عدم وجودها، هو مدى قدرتها على إنفاذ القانون على الجميع وبلا أي حسابات أو استثناءات وبلا تردَّدٍ أو توجُّسٍ.

 

وذكر أن أي كيان يشعر بأنه فوق القانون وفوق المحاسبة ويصل الأمر إلى التحسس والتوجس من محاسبته يُعد سلطة موازية تشكل خطرًا أو ضغطًا على دولة القانون وعلى إنفاذه، وأن نطبق العدالة الشاملة على الجميع وبلا أي استثناءات هو الحل الأمثل لإنقاذ دولة القانون، فبالعدالة الشاملة وغير الانتقائية وبإنفاذ القانون على الجميع وإعلاء دولته واحترام سيادة القضاء يكون الأمن النفسي والاستقرار المجتمعـي.

 

 

لقراءة الكتاب شاهد التالي