رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصابو الحروق "بين نارين"

بوابة الوفد الإلكترونية

مآس حقيقية يعيشها مصابو الحروق فى مصر ومنهم هند البنا التى تتوارى العيون بعيدًا عنها حينما يرون يديها، فمنهم من يرمقها بنظرة استعطاف وشفقة، ومنهم من يشعر بالغثيان عند إلقاء السلام عليها، لم تكن تعلم أن آثار الحروق الموجودة على يديها ستنبذها من مجتمع يصفها بأبشع الأوصاف، وكأنها السبب منها حدث لها، فحاولت لمدة 20 عاماً، البحث عن علاج، حيث جربت كافة الطرق، وطرقت الأبواب المختلفة بحثًا عن العلاج لعودتها لطبيعتها، لكنها وجدتها جميعًا مغلقة، حتى يئست وارتضت بالواقع، الذى لم تكن تتوقعه عندما وقعت لها الكارثة إثر نشوب حريق فى منزلها، طال يديها وجزءاً من صدرها ورقبتها، أجرت بهما 7 عمليات جراحية تجميلية حتى الآن.

ورغم أن هند البنا صاحبة الـ36 سنة، مخلوقة رائعة تقع بين عالمى الأنس والملائكة، إلا أن صفاتها الملائكية وضحكتها الصافية البريئة لم تشفع لها لإيجاد عمل.

«آسفين معندناش شغل ليكى – دى محروقة مين هيبصلها لكلما توجهت لأى مكان لتعمل فيه تفاجأها الإجابة».. تتعرض يوميًا لكلمات تقع هذه الكلمات على أذنيها كالصاعقة، وبالرغم من حصولها على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية، وحصولها على كورسات فى مجالات متنوعة، مثل اللغة الإنجليزية والحاسب الآلى، والتنمية البشرية والإذاعة والتليفزيون، والغناء، والكتابة، وخدمة العملاء والإنترنت، إلا أنها دائمًا ما تواجه بالرفض.

وتقول هند : «اشتريت فستان فرحى، وقبل الفرح بأيام، انتهت العلاقة، أهل العريس لى، وكلامهم بأن فى أحسن منى لابنهم». وبرغم هذا قررت السير وراء حلم جديد ومنشود، تجاوزًا لمحنتها العاطفية والنفسية، وذلك بالبحث عن عمل، إلا إنها رُفضت أكثر من مرة دون سبب واضح تارة، وتارة أخرى يرفضها البعض بأسلوب أكثر ألماً كخوف الأطفال منها عند عملها فى الحضانة، أو شكوى الزبائن منها، بسبب عدم قدرتهم على رؤية يديها، وذلك أثناء عملها بالبيوتى سنتر.

كل تلك المواقف زادت هند قوة للتفكير فى تأسيس مبادرة «احتواء»، للدفاع عن حقوق أشقائها من مصابى الحروق، وعدم اعتبارهم «وحوش» فى المجتمع، بل أصحاب روح، إضافة إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية لتجاوز مشكلاتهم الاجتماعية والنفسية، إضافة إلى تخصيص نسبة مئوية لتوظيف مصابى الحروق بالوظائف الحكومية، أو تخصيص معاش شهرى، وعلاج تجميلى مجانى لحالات الحروق، والعمل على توصيل صوتهم للجهات المتخصصة كالبرلمان وغيره، وتجريم من يقوم بقذف مادة ملتهبة على أحد الأشخاص.

وتحلم هند بأن تصبح سفيرة لدى الأمم المتحدة فى مجال حقوق الإنسان، كما تخطط لإنشاء جمعية يكون هدفها الأساسى مساعدة مصابى الحروق وذوى الاحتياجات الخاصة، وتقديم المنح اللازمة والتدريبات المطلوب لتنمية مهاراتهم، موجهة رسالة لكل من يتعامل مع مصابى الحروق، باعتبارهم مواطنين درجة ثانية، قائلة، «متحرقوناش تانى»، فلا يعلم أحد ما هو مصيره، وأى شخص معرض للإصابة فى حادث وتحول مجرى حياته تمامًا، مطالبة بمراعاة نفسية الآخرين، وتقديم كل أوجه الدعم لهم.

 

«اقبلونا كما نحن، أو اتركونا كما نحن، فلا أنتم تملكون حق تعديلنا، ولا نحن نملك رغبة التبرير».. كلمات بسيطة فحواها الكثير من الظلم، وحين نتعمق فى خباياها نرى الوجع فى قلب الانسان بسبب تنمر وتهميش المجتمع له، والتى تبدأ حينما تتحول حياة البعض من أقصى اليمين المبهج وقت الافتتان بالصحة والجمال، إلى أقصاها الأيسر حين يتدخل القدر ليُشوه جزءًا غاليًا من الجسد، فيقبع مصابو الحروق ضحيّة للقدر، ورغم أنّهم يتقبلون أقدارهم بصدر رحب، إلا أنّ المجتمع يزيد من الهموم عليهم، فضلاً عن بقاء الكثير من الفتيات دون زواج لأن أجسادهن مشوّهة.

بالرغم من وجود فئة كبيرة من مصابى الحروق فى مصر، إلا أنه لا توجد وحدات علاجية متخصصة، ولا إحصائيات محددة عن عددهم، ولا آلية حكومية لاحتوائهم، وتعويضهم عن الضرر النفسى والجسدى الذى تعرضوا له، بل يوجد فقط 13 مستشفى بها وحدات صغيرة لاستقبال مصابى الحروق، ابرزها مستشفيات قصر العينى والدمرداش والحلمية العسكرى وأم المصريين، ومعهد ناصر.

مستشفى بتبرعات أهل الخير وأطباء بالمجان.. والمعاناه مازالت مستمرة

طفلة بريئة، انطفأت فرحة أهلها يوم عيد ميلادها، حيث احترقت شمعة تسببت في إصابتها بحروق كبيرة، وقبل وصولها للمستشفى ماتت، ومن هنا بدأت «سيدة الأعمال هبة السويدي» التفكير في إنشاء مستشفى متخصص لعلاج الحروق بالمجان بمساهمات أهل الخير، لمعالجة مصابي الحروق الذين يتوفون نتيجة الحروق التى تصل إلى 250 ألف حالة كل عام، نصفهم من الأطفال حيث يتوفى منهم خلال أول 6 ساعات 40 %، كما يتوفى نسبة كبيرة منهم بسبب العدوى التى تحدث بالدم، نتيجة عدم توافر أماكن متخصصة لرعاية حالات الحروق، إضافة إلى عدم وجود عدد كبير من الأطباء المتخصصين فى مجال الحروق، حيث إن المعالجين فى أقسام الحروق بالمستشفيات هم أطباء التجميل، لذا يعمل «أهل مصر» على إنقاذ الحالات الحرجة من الحروق، ثم تأهيلهم لإعادة دمجهم مرة أخرى فى المجتمع من خلال مبادرة «إنسانية بلا حدود»، حيث يستوعب 200 سرير، ويضم المستشفى أربعة أضعاف عدد الأسرّة الموجودة فى مستشفيات الحروق فى الدول الكبرى.

ولفت عادل أحمد المدير التنفيذى بمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق، إلى أن المستشفى يحتاج الدعم والمساعدة لإتمام عملية البناء، وأهم خططه المستقبلية هي أن يكون ثمانية أفرع فى مختلف المحافظات لاستقبال حالات الحروق، بالإضافة إلى تزويده بمهبط طائرات لتقديم خدمة الإسعاف الطائر، التى ستسهل علينا كثيراً نقل الحالات خاصة من المحافظات البعيدة فى أسرع وقت ممكن لإنقاذ حياتهم، كما سيقوم المستشفى بإنشاء منصة للبحث العلمى في هذا المجال، وسيكون هناك مركز طبى متخصص فى علاج الحروق على مستويات عالية عالمياً.

«الكشف مجاناً لمن لا يقدر».. جملة وضعها استشارى جراحة التجميل والليزر، عضو هيئة تدريس ومحاضر بكلية الطب، دكتوراه جراحة التجميل والحروق والعيوب الخلقية للأطفال.

الدكتور صابر عبدالمقصود فى عيادته، اكد أن فكرته بدأت فى شهر ديسمبر الماضى، بأن لا يدفع المريض غير القادر ثمن الكشف خلال العام، وذلك لمرضى الحروق، والتشوهات الوراثية، مطالباً الجميع بأن يتركوا فرصة للمصابين لأخذ حقوقهم.

وأكد استشارى التجميل انه يواجه الكثير من التحديات عند اجراء عمليات لمصابى الحروق، أهمها وضع الامكانيات المادية، كمواد الغيار على الحروق وأدوية ما بعد الحروق، لافتاً الى انه يتكفل بالليزر على حسابه الخاص، مطالباً بتغيير ثقافة المجتمع تجاه مريض الحروق، لافتاً الى انه يجب عدم رفضه، واحتواؤه، حتى لا يخلق من مريض الحروق شخص ناقم علي المجتمع.

وفي نفس السياق، قال الدكتور سراج منير، إخصائي جراحات التجميل، إن دوره يتكون من محورين طبي وجراحي، فالشق الجراحي يتمثل فى معالجة الجرح، والدور الطبي، هو معالجة الوظائف الحيوية، ومتابعة التخصصات المرتبطة بحالته، كتخصص الصدر والعناية المركزة والعلاج الطبيعي والتغذية، مشيرًا إلى أنه لا يوجد في مصر مستشفيات وأطباء متخصصون، ولكن وحدات طبية فقط، وهي غير كافية لعلاح الحالات، إضافة إلى أن الميزانيات في الوحدات غير كافية وأقل كثيرا مما يحتاجه المريض لعلاجه.

ولفت «منير»، إلى وجود تحديات كثيرة لعلاج مرضى الحروق تبدأ من عدم وجود فريق عمل متكامل، خاصة أن

الأطباء المعالجين هم متخصصون في التجميل، ولكن غير موجود باقي التخصصات، إضافة إلى نقص الإمكانيات المادية، ونقص بنوك الجلد في مصر، والتي تعتبر أساسية في علاج مرضي الحروق.

واكد الدكتور سراج ضرورة تكاتف أكثر من جهة وزيادة ميزانية علاج مرضي الحروق حتى لا تزيد نسبة الوفيات بينهم وطالب بالتبرع لمرضي الحروق، لوحدات الحروق المتواجدة بالمستشفيات الحكومية، فضلًا عن معاملتهم معاملة طبيعية وليسوا منبوذين.

ومن جانبه، أوضح دكتور جمال فراويز استشاري الطب النفسي، انه يجب أن ترتفع ثقافة المجتمع، لاستقبال مرضى الحروق، لافتًا إلى أن الإعلام عليه دور التوعية، من خلال ذكر حالات مشابهة في المسلسلات والأفلام، وكيفية مساعدة أقاربها وجيرانها وأصدقائها لها، إضافة إلى توفير فرص عمل لهم.

فمن من لم يمت من مصابى الحروق متأثراً بإصابته يعش الوجع القاتل، وينتظر الموت على فراش المرض، بسبب نهش الألم لأرواحهم، فلا يجد ذووهم سوى الوقوف مكتوفى الأيدى، ولا يملكون إلا التضرع إلى الله لتخفيف آلامهم، من لهيب الحرق، ونار المجتمع التي تتسبب في إيذائهم أكثر من النار.

 

خلطة مجانية لعلاج الحروق

«كله لوجه الله».. هكذا يتحدث أهالي القرية عن صفاء جابر علم الدين، ذات الـ46 عاما، ابنة قرية منية الأشراف بمركز فوه التابع لمحافظة كفر الشيخ، ترتدي جلبابا فضفاضا محتشماً ووقورًا، وتغطى رأسها بطرحة فضفاضة، فهي صاحبة اللمسة السحرية في علاج الحروق وبدون مقابل، رغم حصولها على تعليم متوسط «دبلوم» إلا أنها متخصصة في علاج الحروق المتعددة في جميع أنحاء الجسد وبدون أن تترك للحروق أي أثر، من خلال خلطة معينة لا يعرف سرها سواها، وبمساعدة فلذة كبدها.

35 عامًا عالجت المصابين بخلطة الأعشاب الذين وصل عددهم يوميًا إلى 50 حالة، تنفيذًا لوصية سيدة مسنة عجوز، والتي طلبت منها علاج المرضى دون مقابل، منوهة بأنها لن تكشف عن سر الخلطة لأحد، حتى لا يستغلها البعض في جلب مكاسب مادية، مؤكدة أن الجلد يعود لطبيعته الأولى، وتزول آثار الحروق من الوجه واليدين والقدمين.

 

 

تعددت الأسباب والألم واحد:

صغار على الحرق!!

«ندى محمود الألفي» تقرأ فى عيونها البراءة، وفى ضحكتها تجد منبع الأمل وحب الحياة، نجت من لهيب النيران وأصيبت بنار كلمات مجتمعها، فهى من أبناء محافظة المنصورة، تبلغ من العمر 16 عاما، فى الصف الثانى الثانوي، والدها تركها فى مهب الريح، أصيبت بحروق فى عمر الـ11 عاما، نتيجة اختلال توازنها وسقوطها فى «طاسة» الزيت بأحد محلات الفول والفلافل، حتى فقدت إحدى عينيها، ولم يتبق لها سوى مصير مجهول، ومجتمع ينبذ أمثالها، فهى لم تعش طفولة مثل باقى أقرانها، وأجرت الكثير من العمليات لكن دون فائدة، فهى تحتاج إلى المساعدة المادية، للعيش كباقى جيلها.

شهد السيد صلاح ابنة محافظة المنيا وصاحبة الـ14 عامًا، تسرد حكايتها بألم شديد حيث كانت تجلس  مع والدتها والهدوء يخيم على منزلهم كالمعتاد، وعلى حين غفلة منهم اشتعلت النيران فى المنزل، وخلال ثوان معدودة والتهمت كل ما فى طريقها، حتى جسد الأم وفتياتها، فأختها الكبرى ووالدتها وافتهما المنية، ووالدها هرب بعد إشعاله النيران فى المنزل بسبب مشادة مع زوجته، وأصبحت وحيدة دون رفيق، بداخل أروقة المستشفى، لا يعتنى بها سوى الممرضات، حتى احتضنتها إحدى الجمعيات الخيرية «دار المسنين» والتى لم يكن هناك أمل سواها، وذلك بعد أن رفضت الملاجئ بقاءها، قائلين لها: «الأطفال هيخافوا منك»، حتى أصبحت البسمة والبهجة التى ترسم على وجوه ساكنى أهل الدار البالغين أعمار أجدادها، ورغم المعاناة مازالت شهد تحلم بأن تصبح طبيبة أطفال عسى أن تخفف الآلام عن الصغار حتى لا يعيشوا معاناتها .

ثمن الشهامة

جريمة بشعة شهدتها منطقة شبرا الخيمة، عندما أقدم 3 شباب وفتاة على إشعال النيران فى «جودة» ذى الـ17عامًا، لدفاعه عن رجل عجوز، ومنعهم من إشعال النار فى جلباب المسن، الأمر الذى أغضبهم حتى أشعلو النار فى الشاب، وفى لحظة سكب أحدهم مادة سريعة الاشتعال على ملابسه واشعلوا فيه النيران ويتمنى جودة من أصحاب القلوب الرحيمة الوقوف بجانبه، وعلاجه ليعيش حياة طبيعية كذويه.

كارثة بكل المقاييس تشهدها المنازل، بسبب العلاج الشعبى للحروق، والتى تستخدم الأمهات وسائل غير صحية، كاستخدام معجون الطماطم، وطحين العدس المحمص المخلوط بالعسل، أو معجون الأسنان أو الثلج، أو صفار البيض، وأغرب علاج شعبي هو استخدام الصابون، ولف الحروق بواسطة ورق الجرائد، فهذه العادات تعقد عمليات العلاج، حيث يلجأ الطبيب إلى إزالة كل هذه المواد، ما يعمق الإصابة ويجعل علاجها أصعب وأكد الأطباء ضرورة الاكتفاء بوضع الطفل المصاب بالحروق تحت المياه الفاترة، التى تحد من الالم وتوقف عمق الاصابة، مع تفادى نزع الملابس الملتصقة بالجسم.