عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ملحمة العبور العظيم لجيش الصائمين حطمت أسطورة الجيش الذى لا يقهر

بوابة الوفد الإلكترونية

حلت ذكرى انتصارات العاشر من رمضان للعام 1393هـ السادس من اكتوبر عام 1973، إنها حرب أكتوبر المجيدة التى كسرت عدوًا صنعته القوى العظمى بقرار منها، واستمرت فى دعمه من تربع على عرش العالم بعدها، فحصل على احدث ما وصلت اليه تكنولوجيا التسليح دون حساب، إنها الحرب التى اوقفت الاستهانة بالعرب، واعادت لمصر وللأمة العربية كرامتها وهيبتها بين الأمم.

فى ذكرى انتصارات العاشر من رمضان يجب ان نتذكر أن البطولات المصرية لا تنتهى، وأن الحضارة ليست مجرد تاريخ مكتوب، ولكنها جزء أصيل فى تكوين الشخصية المصرية، صاحبة أقدم حضارة عرفها التاريخ، تظهر وقت الشدة، وتبدو واضحة كالشمس فى وقت الأزمات.

لقد استطاع المصريون فى حربهم المجيدة أن يحطموا أسطورة مزيفة صنعها العدو لنفسه كى يستبيح أرض العرب فى مختلف الاتجاهات، وأوقفوا شراهته فى ابتلاع الأراضى، ولقنوه درسًا لن ينتهى مفاده أن لمصر جيشا يحميها.

فقد استطاع المصريون أن يتجاوزا هزيمتهم فى الحرب التى لم يحاربوا فيها، وباغتهم فيها العدو بضربة استباقية حطمت معظم العتاد العسكرى للجيش المصرى، ولكن الشعب والجيش وقفا معًا، معلنين أنه لن يهدأ للعدو بال فى أرض سيناء الغالية، ولن يهنأ يومًا بما اغتصبه من اراضٍ.

كشفت الحرب مع اليهود عن معدن الشخصية المصرية التى لا تقبل الهوان أو الاستسلام أو القبول بالأمر الواقع، وكشفت أيضًا عن عبقرية فذة كامنة فى عمق الفكر المصرى، توارثتها أجيال احفاد الفراعنة، عندما عبرت القوات المصرية قناة السويس، ودمرت خط «بارليف» المنيع ليس بالقنبلة النووية، ولكن بمياه القناة، فاستطاع الجيش ان يخوض أشرس معركة وقعت بعد الحرب العالمية الثانية بأسلحة فى معظمها دفاعية.

لقد شهدت الحرب مع العدو المدعوم سرًا وعلنًا من الولايات المتحدة بالمعلومات والترسانة العسكرية، بطولات خارقة أشبه بالمعجزات على يد خير أجناد الأرض، الذين قدموا حلولًا عبقرية للتغلب على عقبات العبور، كان اهمها عبور القناة بما فيها من انابيب نابالم قادرة على جعل القناة محرقة لمن يفكر بالنزول فيها، فقد وضع العدو مواسير نابالم تحت الأرض على طول شط القناة، بعدد 360 فتحة يسع كل منها 200 طن من النابالم والجازولين، فى حال اشعالها  تندلع ألسنة لهب بارتفاع متر ودرجة حرارة تصل إلى 700 درجة قادرة على حرق كل ما يمكن أن يعبر.

واستطاع البطل أحمد مأمون وكان برتبة رائد مهندس التوصل إلى مادة تتجمد فى ماء القناة وقدمها سرًا إلى قائد القوات البحرية والذى قدمها للرئيس السادات فتم اقرارها والتكتم عليها، وفى الليلة التى سبقت العبور مباشرة قامت الضفادع البشرية بسد فتحات المواسير فأمنت عبور القناة وحرمت العدو من استخدام أولى وسائل دفاعه.

وكان التحدى الأكبر فور العبور يتمثل فى اقتحام خط بارليف، فكانت فكرة  البطل  «باقى زكى يوسف» بفتح الثغرات باستخدام مياه القناة فى تجريف رمال الساتر الترابى لفتح الثغرات بواسطة المضخات، وقد استوحى هذا البطل فكرته من عمله فى السد العالى، وقدمها إلى قائد فرقته الذى طلب منه إعداد تقرير فنى لعرضه على الرئيس «جمال عبدالناصر»، وبعد عرض الفكرة على عبدالناصر وافق على تجربتها بجزيرة البلاح، وتم اعادة التجربة نحو 300 مرة، باستخدام مضخات ومعدات ألمانية ساهمت فى استقدامها الشركات المدنية.

فى ذكرى الانتصار بمعركة العاشر من رمضان من حق المصريين ان يفخروا بقواتهم المسلحة التى تقف دائمًا وأبدا فى مقدمة الصف تدافع وتحمى وتصون مقدسات الوطن، وتبنى وتعمر فى مختلف القطاعات لخدمة مصر والمصريين.

وستظل حرب جيش الصائمين فى العاشر من رمضان  منبع فخر واعتزاز وسيظل ذلك اليوم  يومًا عظيما فى تاريخنا العسكرى والوطنى، وتجسيدًا لقوة الإرادة وصلابة العزم وحكمة القرار ورمزًا لالتفاف الشعب حول قواته المسلحة، ليتحقق اكبر انتصار عسكرى للعرب فى العصر الحديث على يد جيش صائم أوقع الهزيمة بالعدو فى يوم عيده وهو «عيدالغفران»

لقد تجسد فى  حرب العاشر من رمضان وصف الرسول «صلي الله عليه وسلم» للجيش المصرى بأنهم خير أجناد الأرض، حيث حارب رجال القوات المسلحة وهم صائمون، لم يمنعهم الجوع والعطش من خوض معركة العزة والكرامة ليسطروا بدمائهم وأرواحهم صفحة مشرقة فى تاريخ مصر والعرب، وذلك بتحقيق أول وأكبر انتصار عربى على اليهود منذ نشأة الصراع العربى الاسرائيلى، ولتتحطم على يد المصريين أسطورة الجيش الذى لا يقهر.

وبمراجعة الأحداث منذ وقوع النكسة فى 67 نجد أن الوصول ليوم النصر مر بعدة مراحل أهمها:

 الإرادة..

وسط كل هذا كان القرار المصرى منذ اللحظات الأولى لوقوع النكسة بأن «ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة»، واخذ الجيش يعيد تشكيل صفوفه وبناء قوته واستكمال عتاده وأسلحته.. ونادى الشعب بالحرب فى كل مكان، فكانت 6 سنوات كافية ليعيد الجيش المصرى بناء نفسه واستطاع أن يحقق المستحيل فى حرب غير متكافئة فى السلاح، لكنها لصالح المصريين بإيمانهم  حيث خاضوا الحرب صائمين.

 حسابات المعركة

أيقن  الرئيس السادات بطل الحرب والسلام  بعد المماطلة غير المبررة من جانب  الولايات المتحدة بضرورة تحريك المياه الراكدة والدخول فى الحرب مع إسرائيل، فالسادات كان تجسيدًا للشخصية المصرية الأصيلة، التى عشقت تراب وطنها، وتسلحت بالخبرة والكفاءة والمناورة، واعتمدت فكرة الحرب على اقتحام قناة السويس بالجيشين الثانى والثالث على طول القناة وانشاء رؤوس كبارى جيوش تشمل 5 فرق وقوة قطاع بورسعيد بعمق ما بين 15 و20 كم

مؤمنة بقوات الدفاع الجوى، ثم  تطوير الهجوم إلى خط المضايق الجبلية واحتلاله،  وبذلك تصبح القوات الاسرائيلية فى أرض مكشوفة وسط سيناء.

وكانت هناك عقبات كثيرة أمام العبور على رأسها  قناة السويس والتى تعد من أصعب الموانع المائية، ثم الساتر الترابى الذى  يميل بزاوية 80 درجة ويستحيل اجتيازه بالمركبات، اضافة إلى التسليح الذى يوجد داخل  خط بارليف الذى جعلته اسرائيل  منشآت هندسية ضخمة مزودة بكل وسائل القتال وخصصت له اسرائيل ما يقرب من 65 % من قواتها للدفاع عن سيناء. 

حرب العاشر من رمضان «6 أكتوبر»

فى مثل هذا اليوم شن الجيش المصرى حربًا ضروسا قلبت موازين القوى، وغيرت فكر ادارة المعارك بالأسلحة المشتركة، فهى أكبر واشرس حرب تم تنفيذها على ساحة الميدان ودارت خلالها أكبر معركة بالمدرعات بعد الحرب العالمية الثانية، انها الحرب التى شهدت اكبر معركة جوية استمرت لأكثر من 53 دقيقة فى قتال جوى متلاحم، فكانت  ملحمة كبرى للجيش شارك فيها بـ 100 الف مقاتل وشارك فيها كل الشعب، وتحمل المصريون بمختلف اعمارهم مسلمين ومسيحيين من أجلها الكثير ودافعوا عن ارضهم بالدماء.

ففى تمام الساعة الثانية و5 دقائق ظهرًا وجه أكثر من 2000 مدفع ثقيل النيران نحو مواقع العدو فى نفس اللحظة التى عبرت فيها سماء القناة 208  طائرات من مقاتلات مج 21 ومج 17 وسوخوى 7 والتى أصابت مراكز القيادة والسيطرة الاسرائيلية بالشلل التام، حيث تم تدمير 3 مطارات و10 مواقع صواريخ و6 مواقع مدفعية و3 مراكز رادار، فى حين كان أكثر من 8 آلاف مقاتل قد بدأوا النزول إلى مياه القناة واعتلاء القوارب المطاطية والتحرك تحت لهيب النيران نحو الشاطئ الشرقى للقناة.. ثم بدأت عمليات نصب الكبارى بواسطة سلاح المهندسين الذى استشهد فيه اللواء أحمد حمدى فى الساعات الأولى للحرب.

وبحلول الظلام عبر للجيش المصرى 80 الف مقاتل و800 دبابة، ومدرعة ومئات المدافع، وخسر العدو فى اليوم الأول  25 طائرة و120 دبابة ومئات من القتلى اضافة إلى سقوط خط بارليف المنيع،  واستمرت القوات المصرية فى التقدم داخل سيناء محققة انتصارا أبهر العالم.

 وقف اطلاق النار

 فى يوم 21 أكتوبر 1973 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 338 لوقف إطلاق النار، ولكن اسرائيل حاولت أن تحقق أكبر قدر من المكاسب قبل وقف اطلاق النار، فدفعت  بقوات جديدة إلى غرب القناة ليلة 22/23  أكتوبر لتصل إلى مؤخرة الجيش الثالث وتقطع طريق مصر السويس الصحراوى، وفى بوم 23 أكتوبر أصدر مجلس الأمن القرار رقم 339 تعزيزا للقرار السابق ووافقت كل من مصر وإسرائيل على وقف إطلاق النار صباح يوم 24 أكتوبر.

 عودة سيناء

 مع وقف اطلاق النار وكنتائج مباشرة للنصر العظيم استعادت مصر السيادة الكاملة على قناة السويس، كما استردت  جزءا من ارض سيناء، وبعد اليوم الـ 16 من بدء حرب أكتوبر بدأت المرحلة الثانية لاستكمال تحرير سيناء عن طريق المفاوضات السياسية، فى يناير 1974 وقع الاتفاق الأول لفض الاشتباك بين مصر وإسرائيل، والذى حدد الخط الذى ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية على مساحة 30 كم شرق القناة وخطوط منطقة الفصل بين القوات التى  سترابط فيها قوات الطوارئ الدولية، وفى  سبتمبر 1975 تم توقيع الاتفاق الثانى الذى بموجبه تقدمت مصر إلى خطوط جديدة مستردة حوالى 4500 كم من ارض سيناء، وبعد توقيع اتفاقية السلام سحبت  إسرائيل كافة قواتها المسلحة إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، وبقيت منطقة طابا التى استعادتها مصر بالتحكيم الدولى فى 19 مارس 1989.