رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وجدى زين الدين يكتب: «النحاس» زعيم من طراز فريد

تصدى للقصر وحافظ على الدستور من تدخل الملك وعبث حكومات الأقلية

سعى إلى استكمال استقلال مصر بإبرام معاهدة 1936 وإلغائها

أول من أطلق شرارة الكفاح المسلح ضد بريطانيا العظمى

قال: تقطع يدى ولا أمضى وثيقة فصل السودان عن مصر

عندما نتحدث عن ثورة 1919 والدور الكبير الذى قام به الزعيم الوطنى خالد الذكر سعد زغلول، لا يمكن أبداً إغفال دور الزعيم الوطنى خالد الذكر مصطفى النحاس، الذى حمل الراية من بعد «سعد»، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ ثورة 1919 تعمل فى اتجاهين: التصدى لفساد القصر، والحفاظ على الدستور وحماية مصالح الأمة والمحافظة على حقوقها.

ومن خلال هذه الدراسة أطرح عدة مواقف للزعيم النحاس ودوره الوطنى الذى غاب عن كثير من الباحثين.

بعد أن انتقل سعد إلى جوار ربه تبوأ النحاس رئاسة حزب الوفد فى «19 سبتمبر 1927»، كما انتخت رئيساً لمجلس النواب خلفاً لـ«سعد». وقد اشتهر بقوة وطنيته ونزاهته ونظافة يده وقربه من قلوب الجماهير، وقد جعل النحاس نصب عينيه العمل فى اتجاهين: الأول هو ضرورة التصدى لأوتوقراطية القصر، والحفاظ على الدستور من تدخل الملك وعبث حكومات الأقلية، والثانى كان السعى إلى استكمال استقلال مصر بإبرام معاهدة تحالف مع بريطانيا، وحول الاتجاه الأول ذكر النحاس: «إن سياسة الوفد فى الداخل ترمى إلى صيانة الدستور، وتوكيد الوحدة والمحافظة على الائتلاف، أما الدستور فإننا نعتبره الثمرة الأولى التى جنيناها من جهادنا والتى يجب علينا أن نحرص عليها كل الحرص، خصوصاً وقد كان فى وقت من الأوقات غرضاً لعبث العابثين، ونعده أداة عملية لتوطيد سلطة الأمة، ووسيلة نستخدمها فى كسب استقلالنا الحقيقى التام، وليس معنى ذلك أننا ننزل عن مطالبنا فى الاستقلال التام، لأن هذا الاستقلال هو غايتنا والعمل له هو موضوع جهادنا، وهو الذى أكدنا عليه عهدنا».

وبالنسبة للاتجاه الثانى فقد ذكر النحاس أنه يأمل فى الوصول إلى اتفاق مع بريطانيا يقوم على الاحترام المتبادل، والحقوق المشروعة لكلا الطرفين والتى لا تتناقض مع الاستقلال وأنه بصفته ممثل الشعب يعرف ما يقبله الشعب وما لا يقبله.

وعلى أثر استقالة عبدالخالق ثروت فى 4 مارس 1928م عقب فشل مباحثاته مع «تشمبرلين» فى الوصول إلى تسوية للمسألة المصرية كلف الملك مصطفى النحاس بتأليف وزارته الأولى، فتم تشكيلها فى 16 مارس 1928م،. ولكنها لم تستمر طويلاً لرفضها للمطالب البريطانية الخاصة بضرورة تنفيذ الالتزامات المتولدة عن تصريح 28 فبراير، ولاعتراضها على سحب المشروع الخاص بقانون الاجتماعات من البرلمان.

وفى أعقاب إقالة النحاس، كلف الملك «محمد محمود باشا» بتأليف الوزارة الجديدة وكان أول عمل قام به هو حل البرلمان بمجلسيه. كما كلفه بالسفر إلى إنجلترا للمفاوضة فى المسألة المصرية، وقد أسفرت هذه المفاوضات عن مشروع معاهدة عرفت بمشروع «محمد محمود ـ هندرسون». وأبرز ما فيها أنها تهدم الاستقلال الحقيقى إذ تتضمن بقاء القوات البريطانية فى مصر، وبقاء السودان منفصلاً عنها، ولما عرض هذا المشروع على حزب الوفد رفض النظر فيه إلا بعد عودة الحياة الدستورية واستقالة الوزارة وتأليف وزارة محايدة تكفل حرية الانتخابات وقد قبلت الحكومة البريطانية شروط الوفد، وسحبت تأييدها لوزارة محمد محمود، وتألفت وزارة حيادية برئاسة «عدلى باشا يكن» فى أكتوبر 1929م وكان أول عمل لها هو إعادة الحياة الدستورية، وإجراء الانتخابات التى فاز فيها الوفد فوزاً كبيراً، إذ نال من المقاعد 212 مقعداً من «235»، وفى أعقاب ذلك استقالت وزارة عدلى، وعهد الملك إلى مصطفى النحاس فى أول يناير 1930م بتأليف وزارته الثانية باعتباره زعيم الأغلبية، وقد قوبل تأليف هذه الوزارة بالابتهاج الشعبى، خاصة أنها وليدة الانتخابات العامة التى تمثلت فيها إرادة الأمة، وخلال ذلك قرر مجلس النواب والشيوخ فى 6 فبراير 1930م تفويض وزارة النحاس فى التفاوض مع الحكومة البريطانية فى مقترحاتها للوصول إلى «اتفاق شريف وطيد يوثق عرى الصداقة بين البلدين»، ولما كان الإنجليز لا يستطيعون إبرام معاهدة مع مصر لا يوافق عليها حزب الأغلبية الشعبية، ولا خيار لهم سوى مفاوضة الوفد فقد رحبوا بذلك، وسافر النحاس باشا ومن اختارهم لهذه المهمة، وفى مقدمتهم مكرم عبيد سكرتير الوفد ووزير المالية وافتتحت المفاوضات فى 31 مارس 1930م بقاعة «لوكارنو» بوزارة الخارجية البريطانية.

وفى الجلسة الافتتاحية للمحادثات بدأت مناقشة عامة بين وفدى المفاوضات أوضح خلالها النحاس أن مصر متمسكة بحرياتها الدستورية وأنه موفد من قبل الشعب المصرى لإقامة علاقات بين البلدين، وعقد معاهدة بين ندين أو دولتين ذات سيادة، وفى أعقاب الجلسة الافتتاحية دارت المفاوضات التى اتفق على عدم تسريب أى أخبار عنها، وقد تركز موقف مصر حول إنهاء الاحتلال، وقبول مبدأ المحالفة بين البلدين ومسألة الدفاع عن القناة، حق مصر المطلق فى حماية الأجانب وإلغاء الامتيازات الأجنبية ومساعدة بريطانيا لمصر فى دخول عصبة الأمم، ومباشرة مصر للإدارة المشتركة فى السودان.

وخلال ذلك اتفق الطرفان لأول مرة على المبادئ الأساسية للقضية المصرية، وحصل المفاوض المصرى على مكاسب استطاع أن يحققها لأول مرة مثل إلغاء وظيفتى المستشار المالى والقضائى وإدارة الأمن العام الأوروبية، ومثل التمسك برفض المقترحات البريطانية بشأن تدريب الجيش المصرى على يد بعثة عسكرية بريطانية، وحصر وجود القوات البريطانية فى منطقة القناة ومع ذلك فقد فشلت المفاوضات بسبب تعثر الاتفاق على موضوع السودان نظراً لتمسك النحاص بالمشاركة فى حكم السودان مما دفع الوفد المصرى إلى مغادرة لندن والعودة إلى مصر، وهكذا قدم النحاس أوراقه بمهارة شديدة وأثبت قدرته وخبرته فى مناقشة الخبراء الإنجليز فى جميع المجالات، وكان يعلم تماماً أين يقف، لذلك فقد رفض تقديم تنازلات بشأن السودان حتى لا تهتز صورته كزعيم وطنى وأعلن قولته المشهورة: «تقطع يدى ولا أمضى وثيقة يفصل فيها السودان عن مصر»، وكان يعنى بذلك أنه على استعداد لأن يضحى بكل شىء وحتى بكرسى الوزارة ويترك الحكم على أن يقبل بتسليم السودان مما أثار إعجاب الجماهير التى استقبلته بحفاوة كبيرة بعد عودته إلى القاهرة.

وما إن قطعت المفاوضات حتى بدأ الأحرار الدستوريون تدبيرهم لإسقاط الوزارة، وقد استجابت السراى لهم، فأخذت تعطل أعمال الوزارة البرلمانية، وتمتنع عن إمضاء المراسيم لتشل عملها وتضطرها إلى الاستقالة، وكان مما اشتد الخلاف حوله بين الملك والوزارة هو إصرار الوزارة على تقديم مشروع قانون محاكمة الوزراء الذين يعتدون على الحياة الدستورية إلى البرلمان بهدف حماية النظام الدستورى من العبث بحيث يعاقب الوزراء الذين يعملون على قلب الدستور أو حذف حكم من أحكامه أو تغييره أو تعديله أو مخالفة حكم من أحكامه، ورفض السراى توقيع المرسوم لعرضه عى البرلمان هذا إلى جانب الخلاف بين الوزارة والسراى على تعيينات الشيوخ بدل الذين سقطت عضويتهم بالقرعة، ما أدى بمصطفى النحاس إلى التفكير فى الاستقالة. وعلى الرغم من تجديد البرلمان ثقته بالنحاس ومظاهرات الجماهير بحياة النحاس والدستور ومطالبة الملك بعدم قبول استقالة النحاس فقد وافق الملك فؤاد على قبولها فى 19 يونيو 1930، وعهد إلى إسماعيل صدقى بتأليف الوزارة الجديدة التى لم تنعم فيها البلاد بالاستقرار وصارت إراقة الدماء أمراً عادياً طوال فترة حكمه بعد أن حل مجلس النواب وألغى دستور 1923 واستبدل به دستور 1930، وأصدر قانوناً جديداً للانتخابات، فقد حث الوفد العمد والمشايخ على مقاطعة هذه الانتخابات، موضحاً أن الحياة النيابية لن تدوم بمقتضى هذا القانون، كما حث العمال والطلاب للتظاهر ضد حكومة صدقى مما زعزع الثقة بهذه الوزارة وأدى فى النهاية إلى إسقاط الدستور الذى أتت به، وخلال ذلك صدر الأمر الملكى إلى توفيق نسيم باشا الذى كان يتمتع وقتئذ بتأييد الوفد، بتشكيل الوزارة فألفها فى 15 نوفمبر 1934 كما تمت إعادة دستور 1923 تحت ضغط من النحاس، وبعودة دستور 1923 كان من المتوقع أن تجرى الانتخابات التى ستعود بحكومة وفدية إلى الحكم مع أغلبية ساحقة، كما بدأ إنشاء تنظيم جديد من داخل الوفد وبتشجيع من النحاس وهو رابطة الشبان الوفديين والتى كانت البداية لجماعة القمصان الزرقاء التى ضمت الطلاب الوفديين المتشبعين بمبادئ وروح ثورة 1919.

وبعد استقالة وزارة نسيم كان من المتوقع أن تحل محلها وزارة ائتلافية تشرف على الانتخابات ولكن النحاس رفض أن ينضم إلى وزارة اتلافية، خاصة بعد تجربة وزارته الائتلافية الأولى التى خذله خلالها وزيران من الأحرار الدستوريين مما أدى إلى استقالتها وأصر على وزارة وفدية، وسرعان ما جرت مفاوضات بين كل الأحزاب توصلت إلى اتفاقية تتمثل فى تعيين الملك وزارة محايدة، وتحدد موعد لإجراء الانتخابات فى مايو 1936 واختير على ماهر رئيس الديوان الملكى لرئاسة وزارة مؤقتة، وخلال ذلك توفى الملك فؤاد فى 28 ابريل 1936 وتولى ابنه فاروق القاصر العرش تحت اشراف مجلس للوصاية.

وتمخضت الانتخابات عن أغلبية للوفد، وعن تشكيل النحاس لحكومته الثالثة، وخلال ذلك تسارعت خطورة الأحداث العالمية بعد ظهور المانيا الهتلرية، وبدايات الصراع بين القوى العظمى، لذلك رأى النحاس باشا

أنه من المناسب عقد محالفة مع بريطانيا تحقق استقلال مصر وتصون المصالح البريطانية التى لا تتعارض مع الاستقلال، ونتيجة لذلك اجتمعت كلمة الأمة واتحد زعماؤها وألفت جبهة وطنية من مختلف الهيئات والأحزاب السياسية وشكل الوفد الرسمى للمفاوضات برئاسة مصطفى النحاس، كما أعلنت الحكومة البريطانية عن استعدادها لعقد معاهدة وفتح باب المفاوضات على أن تسبقها مناقشات مبدئية مع الحكومة المصرية فى المسائل العسكرية.

وفى الثانى من مارس 1936م عقدت جلسة افتتاح المحادثات بقصر الزعفران بالقاهرة بحضور جميع أعضاء الهيئتين المصرية والبريطانية، وفيها ركز النحاس على ارتباط التسهيلات التى تمنحها مصر لبريطانيا فى حالة الحرب بمسألة سيادة مصر.

وفى التاسع من مارس بدأت جلسات العمل بحضور الأعضاء واتفق الطرفان على أن المعاهدة المراد إبرامها كل لا يتجرأ، وأن كل اقتراح يعرض ويوافق عليه الطرفان يكون خاضعاً فيما يتعلق بصحته لتمام الاتفاق على جميع النقاط، ثم توالت الجلسات فى الإسكندرية بقصر انطونيادس حتى يوليو 1936م، وخلالها أصر النحاس على رفض وجود قوات بريطانيا فى كل من القاهرة والإسكندرية وتحديد أماكن وجودها فى منطقة القناة فقط، وبعد الاتفاق على نصوص المعاهدة والخريطة الملحقة بها عقد الوفدان اجتماعاً فى «قصر الزعفران» فى24 يوليو تم خلاله التوقيع على ما تم الاتفاق عليه، وبعد ترتيب نصوص المعاهدة فى شكلها النهائى تم التوقيع عليها فى 26 أغسطس 1936 بقاعة لوكارنو بوزارة الخارجية البريطانية.

والمعاهدة تنهى احتلال مصر عسكرياً وتنص على تعيين سفراء معتمدين لدى البلدين، وفيها قبلت بريطانيا التخلى عن فكرة حماية الأقليات والأجانب التى كانت ضمن نقاط تصريح «28 فبراير الأربع» وقبلت صيغة الاتفاق مع مصر على أساس مبدأ المساواة، والند للند، وأن تتنازل عن أن يكون لممثلها فى مصر مركز ممتاز ليصير سفيراً كغيره من السفراء من الوجهة الرسمية وان تساعد مصر فى التخلص من الامتيازات الأجنبية، وإلى جانب ذلك وافقت بريطانيا على دخول مصر عصبة الأمم، وأن يتعاون البلدان معاً فى حالة اشتراك أحدهما فى حرب بصفته حليفاً بتقديم جميع التسهيلات والمساعدات بما فى ذلك استخدام موانيه ومطاراته وطرق المواصلات وأن تتواجد القوات البريطانية بمنطقة القناة لحمايتها، على أن يبحث الطرفان بعد انقضاء عشرين عاماً على تنفيذ المعاهدة فيما إذا كان وجود القوات البريطانية لم يعد ضرورياً إذا أصبح الجيش المصرى فى حالة يستطيع معها بمفرده الدفاع عن حرية الملاحة وسلامتها فى قناة السويس.

وبعد عودة النحاس إلى مصر استقبل استقبالاً حافلاً، وقدر عدد المصريين الذين استقبلوه فى شوارع القاهرة بستمائة ألف، وقد ألقى مصطفى النحاس رئيس مجلس الوزراء بياناً فى مجلس النواب فى «2 نوفمبر 1936م» ذكر فيه أن خطة الوفد كوكيل للأمة كانت منذ اليوم الأول لتأليفه حماية مصالح الأمة والمحافظة على حقوقها، بالاتفاق مع بريطانيا اتفاقاً يحقق استقلال البلاد التام ويصون المصالح البريطانية التى لا تتعارض مع الاستقلال وهى خطة املتها الحكمة والوطنية الصادقة معاً، وانعقد اجماع الشعب المصرى على تأييدها، كما أوضح أن آمال مصر منذ بداية حركتها الاستقلالية هى زوال الاحتلال والتمتع بالحرية والاستقلال.

وقد دعا البرلمان بمجلسيه النواب والشيوخ إلى عقد اجتماع غير عادى فى 2 نوفمبر 1936م للنظر فى مشروع قانون بالموافقة على هذه المعاهدة وانتهى مجلس النواب بالموافقة بأغلبية كبيرة إذ بلغ عدد أصوات الموافقين عليه «202» صوت وعارضه «11» صوتاً.

كما أقر مجلس الشيوخ إقرار المشروع بموافقة «109» اصوات ومعارضة «7» أصوات، ثم أرسل إلى رياسة مجل الوزراء فرفعته إلى مجلس الوصاية فصدق عليه وصدر به القانون رقم «80 فى 20 نوفمبر 1936م» وبعيداً عن روح الحزبية التى اعترضت على المعاهدة يمكن القول إنه إذا وجد طرفان متفاوضان، ووجهتان للنظر ورأى عام يرتبط به كل من الطرفين فلن يستطع أى طرف أن يحصل على كل ما يطلبه، لذلك فمن الصعب القول إن هذه المعاهدة حققت كل مطالب مصر القومية المشروعة بصورة نهائية، بل كانت هذه المعاهدة خطوة نحو تحقيق هذه المطالب، ومن هنا فإن لهذه المعاهدة مزايا كما أن لها مساوئ.

أما عن المزايا فإنها فتحت امام مصر باباً ظل مغلقاً للسير فيه لاستكمال متطلباتها فقد نصت المعاهدة نصاً صريحاً بانتهاء الاحتلال وإلغاء الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة وكان ذلك أمنية وطنية، وقفت حجر عثرة فى سبيل تقدم مصر، فضلاً عما فيه من مساس بسيادتها وكرامتها.

ومن مساوئها أن بها نقاطاً تتنافى مع استقلال مصر منها أنها توجب على مصر أن تقدم لإنجلترا المعاونة اللازمة فى حالتى الحرب وخطر الحرب من تسهيلات فى موانيها ومطاراتها وطرق مواصلاتها للقوات البريطانية، كما أنها تبيح سماء مصر للطيران الحربى البريطانى وتفرض على مصر إنشاء طرق حربية للقوات الإنجليزية كلما لزم الأمر، وهذه القيود تتنافى جزئياً مع الاستقلال.

ومع ذلك فمما لاشك فيه أن المفاوضين المصريين، وعلى رأسهم مصطفى النحاس قد بذلوا فى لباقة وطول أناة وجلد وعناية عظيمة مجهودات ضخمة ومحاولات كبيرة فى سبيل تحقيق بعض الآمال المرجوة وأنهم استطاعوا الحصول على أقصى ما يمكن الحصول عليه من الإنجليز فى ظل ظروف دولية معقدة.

ومما سبق يتضح أن المفاوضات السابقة والمحادثات بين مصر وبريطانيا أخفقت كلها لأن وجهة النظر التى ذهب إليها الجانب البريطانى لصيانة مصالحه فى مصر تعارضت مع استقلال البلاد ولم تصل بنتيجة ترضى المصريين.

أما معاهدة 1936 فإنها واءمت بين المطالبين إذ إنها أعطت لمصر العديد من المزايا فى نظير موافقة مصر على المصالح البريطانية والترخيص لبعض القوات البريطانية بالبقاء مؤقتاً فى منطقة القناة، وعلى أى حال فإنه تنفيذاً للمعاهدة قدمت الحكومة المصرية طلب الانضمام لعصبة الأمم، ووافقت الجمعية العمومية على قبول مصر بإجماع الآراء فى جلسة 26 مارس 1937م، كما أنه بهذه المعاهدة انتهى أجل المحاكم المختلطة بانتهاء فترة الانتقال المحددة يوم 15 أكتوبر 1949، وانتقل اختصاصها إلى المحاكم الأهلية، وبهذا زال تماماً نظام الامتيازات الأجنبية.