رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

المتفائل.. بين فلسفة فولتير وواقع العصر

يمثل التعامل الفني مع الأعمال الأدبية للفلاسفة أمرًا في غاية الحساسية.. فلكل جملة وحدث في تلك الأعمال العديد من الدلالات والأبعاد الأكثر عمقًا، مما يبدو في ظاهر الكلمات، وعدم إدراك تلك الأبعاد ينعكس بالطبع سلبًا على العمل الفني.

وكان الفيلسوف والشاعر الفرنسي فولتير، يسخر أدبه وكتاباته لنقل أفكاره الفلسفية والسياسية في عصره.. وبالتالي لا يمكن النظر إلى أعماله الأدبية منفصلة عن عصره وقضاياه الفكرية، أو عن فلسفة فولتير نفسه.

وتمثل رواية «كانديد» أو التفاؤل مجمل رأيه ورده الساخر على مذهب التفاؤل السائد في عصره القائل «بأن العالم شيء جميل.. وأن كل شيء فيه يمضي إلى الأفضل دومًا».. فيسعى فولتير لإظهار حقيقة العالم التي تناقض تلك النظرة عبر «كانديد».. فالعالم مليء بالشرور والأطماع والدمار.. وليس بإمكان الإنسان تحويل العالم إلى الأفضل إلا من خلال العمل وحده.. فالأمور لا تسير إلى الأفضل بطبيعة الأشياء.

من هنا كان اختار فولتير لروايته بطلاً يمثل  التفاؤل البحت تجسيدًا لذلك المذهب، من خلال شخصية «كانديد»، نصف الأرستقراطي الذي تربى داخل قصر خاله البارون الألماني، ولا يعرف العالم إلا من خلال نظرة أستاذه «المتفائل» بانجلوس.. إلا أنه يبدأ في اكتشاف خطأ فلسفة معلمه، بعدما يطرد من قصر خاله، ويكتشف أن العالم بالخارج مليء باللصوص والقتلة والمرتشين والفسدة.. حيث تسوقه الأقدار إلى رحلة يجوب فيها أغلب دول أوروبا وأمريكا الجنوبية.. ويتعرض في كل محطة من رحلاته الاضطرارية إلى مهلكة ينجو منها بمحض الصدفة، إلى أن يلتقي بمحبوبته الجميلة كونيجوند «ابنة خاله» الدوقة التي وقعت في الأسر والاستعباد أكثر من مرة حتى صارت عجوزًا دميمة.

ويؤكد فولتير من خلال التغيرات التي طرأت على شخصية بطله كانديد أن العالم ليس بديعًا كما يقول أصحاب مبدأ التفاؤل ليثبت فلسفته الخاصة أن العالم مليء بالشرور ولا سبيل لتغييره إلا بالعمل والجهد البشري.

هذا عن كانديد فولتير.. أما كانديد المسرح القومي أو «المتفائل» فقد جاء العرض خاليا بشكل تام من فلسفة مؤلفه بل حمل رسالة معاكسة لما أراده فولتير.. فبدا كانديد ساذجًا على مر الأحداث لم يتعلم شيئًا مما واجهه، وكان حسن الحظ وحده هو ما يسارع بإنقاذه في كل مرة يتعرض فيها للهلاك.. وهو ما أفقد النص المسرحي الذي أعده المخرج إسلام إمام صفة الإعداد.. وكان من الأفضل لو كتب على أفيش العرض أنه «عن رواية» كانديد وليس إعداد لها.

والحقيقة أن عرض «المتفائل» طرح إشكالية مناسبة نصوص تحمل فكرًا وقضايا عصر لعصر آخر.. فمن اليوم بين جمهور المسرح يهتم بمعارك فولتير الفكرية في القرن الـ18 أو من بين ذلك الجمهور يتبنى نظرية أن كل الأمور تسير إلى الأفضل دومًا وأن العالم بديع؟! وهنا يجب ألا نلوم مخرج العرض على إفراغ النص من محتواه الفلسفي أو فكرته الرئيسية مقابل الخروج بعرض مسرحي كوميدي استطاع إعادة الجمهور إلى قاعات المسرح.. وأعتقد أن البديل من وجهة نظر المخرج ومعد النص لم يكن ليخرج عن إطار عرض أكاديمي من تلك العروض التي لا تحظى بغير المقاعد الخاوية ودارسي المسرح

فقط.. وهو أمر لم يعد مطلوبًا اليوم على الإطلاق في ظل صراع المسرح لاستعادة جمهوره.

وإن كنا أمام معد لم يوفق في الحفاظ على القيمة الفكرية للنص، إلا أن المكسب الأكبر للمسرح القومي يتمثل في مخرج متمكن من أدواته قادر على إخراج عرض كوميدي غنائي من العروض المسرحية الكبيرة التي تليق بالمسرح القومي وتاريخه العريض.

فقد احتشد عرض المتفائل بالعديد من جماليات العرض المسرحي من إضاءة المبدع أبوبكر الشريف التي شكلت لوحة بديعة في كل مشهد من مشاهد العرض، إلى استعراضات ضياء شفيق وموسيقى هشام جبر وأزياء نعيمه عجمى التي ملأت جميعها العرض بهجة وحيوية، إلى ديكور حازم شبل الذي ساهم بشكل كبير في تجسيد مواقع الأحداث مع خلق تعدد في مستوايات الرؤية البصرية على خشبة المسرح.. من قصر البارون لقلعة البلغار للمركب والحانة، وقصر الملكة في الالدورادو إلى جزيرة المستقر في ختام العرض. وعلي الرغم من ضخامة قطع الديكور وتنوعها، فإنها تميزت بسرعة التغيير مما حافظ على حالة التواصل بين المتفرج والأحداث على خشبة المسرح.

وبعيدًا عن روح أو أسلوب فولتير الساخر في أعماله، نجح العرض في رسم البسمة على وجوه مشاهديه عبر خفة ظل بطل العرض سامح حسين والمفارقات اللغوية التي اعتمد عليها طيلة العرض كالحديث بالعامية المصرية وسط عبارات الأرستقراطية الفرنسية (بينما كانت أحداث تلك المرحلة تقع في ألمانيا وليس فرنسا وهو من فعل الإعداد دون سبب واضح)، ذلك إلى جانب كوميديا الموقف التي تفجرت من غرابة الأحداث وسذاجة الحلول التي أخرجت البطل من أزماته، وبجانب الأداء المتميز لسامح حسين فقد أجاد جميع ممثلي العرض كل في دوره، يوسف إسماعيل في دور البارون، و سهر الصايغ في دور كونيجوند أو كوندا حبيبة كانديد من تمثيل لغناء لاستعراض، وآيات مجدى في دور ملكة الدورادو التي قدمت فاصلاً متميزًا من الغناء والاستعراض المبهج، وعزت زين في دور المعلم بانجلوس، وسوسن ربيع  وتامر الكاشف وأحمد سمير وزكريا معروف  ومصطفى سامى ورضا طلبة وطارق راغب.