رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تعرّف على شفاعة الرسول وأنواعها وحدودها

بوابة الوفد الإلكترونية

 يسأل الكثير من الناس عن شفاعة الرسول وأنواعها وحدودها، أجاب الشيخ عطية صقر، رحمه الله، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، فقال الشفاعة هى التوسط لنيل مرغوب أو دفع مكروه، وهى مأخوذة من الشفع، وهو الزوج فى العدد، ومنه الشفيع، لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعًا، ويقال: ناقة شفيع إذا اجتمع بها حمل وولد يتبعها، والشفيع من الناس من يتوسط لغيره، والشفيع من العمل ما يوصل إلى المطلوب، والمستشفِع - بكسر الفاء- هو الطالب للشيء عن طريق الشفيع، والمستشفع لديه هو من يملك تحقيق المطلوب، والمشفَع - بفتح الفاء-من قبلت شفاعته ووساطته.

 والإنسان قد يتشفع بعمله الصالح إلى الشخص ليحقق له غرضه المشروع، ولا مانع من ذلك فى الطلب والإجابة، ففى الحديث "من أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافيتموه"، رواه أبو داود والنسائى واللفظ له، وفى رواية للطبرانى "من اصطنع إليكم معروفًا فجازوه، فإن عجزتم عن مجازاته فادعوا له حتى تعلموا أن قد شكرتم فإن الله شاكر يحب الشاكرين"، ومنه قوله تعالى فى بر الوالدين {وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا}، الإسراء: 24.
 وقد يتشفع بعمله الصالح إلى الله تعالى، وهو فى الفرائض واجب، وفى المندوب سنة، ومنه قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون} المائدة :35، وفى الحديث الصحيح دعاء الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار أن يكشف الله عنهم بالأعمال الصالحة التى قبلها منهم، وهى:
بر الوالدين والعفة عن الفاحشة وعدم أكل حق الغير
 وقد يتشفع بإنسان له منزلة عند من يملك تحقيق غرضه ولا مانع من ذلك ما دام الغرض مشروعًا، بل قيام الشفيع بذلك مندوب إليه، فهو من باب التعاون على البر والتقوى، والنصوص فى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها}، النساء: 85، وقوله صلى الله عليه و سلم "ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته"، رواه البخارى ومسلم، وقوله: "اشفعوا تؤجروا ويقضى الله على لسان نبيه ما أحب، أو ما شاء"، رواه البخارى ومسلم، ومن النهى عن الشفاعة غير المشروعية عدم قبول الرسول صلى الله عليه وسلم شفاعة أسامة بن زيد فى عدم إقامة حد السرقة على المرأة المخزومية، كما رواه البخارى ومسلم، يقول الحسن البصرى فى تفسير الآية السابقة: الحسنة ما يجوز فى الدين، والسيئة ما لا يجوز فيه، ومما جاء فى ثواب الشفاعة الحسنة قوله صلى الله عليه و سلم "من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل"، رواه مسلم.
 والكفل يستعمل فى النصيب من الخير والشر، قال تعالى {يؤتكم كفلين من رحمته} الحديد: 28، والشافع يؤجر فيما يجوز وإن لم يشفع -يعنى لم تقبل شفاعته -لأن الله قال {من يشفع} ولم يقل: يشفع.
 هذه هى الشفاعة فى الدنيا، أما الشفاعة فى الآخرة فهى ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع وقبولها تكريم لمن قام بها، ولا يقوم بها أحد إلا بإذنه سبحانه، قال تعالى {من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه} البقرة :255، وقال تعالى {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا} طه : 109، وقال فى شأن الملائكة {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} الأنبياء : 28، والأحاديث فى ذلك كثيرة سيأتى بعضها.
 ومن يأذن الله لهم بالشفاعة كثيرون، ورب العزة سبحانه له شفاعته، ففى صحيح مسلم أن الشافعين يدخلون النار ليخرجوا منها أناسًا استوجبوا العذاب، وأن الله يقول: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حممًا، أى فحمًا، الواحدة حممة- بفتح الحاء -وذكر القرطبى فى تفسيره "ج 10 ص 310" أحاديث أخرى توضح كيف تكون الشفاعة.
 ولا يقال فى هذا الحديث: كيف يدخل الشافعون النار ليخرجوا منها أناسًا، فذلك دخول ليس للعذاب، فيسلب الله منها خاصية الإحراق لهم، كما قال للنار التى أعدها الكفار لإحراق إبراهيم عليه السلام {يا نار كونى بردًا وسلامًا على إبراهيم} الأنبياء :28،  علمًا بأن قوانين الآخرة غير قوانين الدنيا، والله على كل شيء قدير.
 وممن يأذن الله لهم بالشفاعة من يأتى:
1 -الملائكة، بدليل الآية السابقة من سورة الأنبياء وحديث مسلم السابق، وحديث ابن مسعود الآتى.
2 - الأنبياء: بدليل حديث مسلم السابق، وحديث ابن مسعود الآتى، وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم.
3- الصديقون والشهداء، لحديث البيهقى عن ابن مسعود مرفوعًا إلى النبى صلى الله عليه وسلم "يشفع نبيكم رابع أربعة، جبريل ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نبيكم، ولا يشفع أحد فى أكثر مما يشفع فيه نبيكم، ثم الملائكة ثم الشهداء"، وأخرج الترمذى والحاكم وصححه البيهقى حديث "ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتى أكثر من بنى تميم"، قالوا: سواك يا رسول الله قال "سواى" وأخرج البيهقى أيضًا هذا الحديث "يقال للرجل: يا فلان قم فاشفع، فيقوم الرجل فيشفع للقبيلة ولأهل البيت والرجل والرجلين على قدر عمله".
4 - الصالحون الذين يصنعون المعروف للناس، فقد أخرج مسلم حديثًا طويلًا عن شفاعة المؤمنين لإخوانهم الذين استوجبوا النار، وجاء فى شرح ذلك أن شفاعة المؤمنين هى لمن دخل النار، فيأمر الله الشفعاء بإخراجهم، أو لمن استوجب النار ولم يدخلها بعد حيث يكون فى الصف المستعد لدخولها، كما جاء فى حديث ابن ماجة من شفاعة رجل فى الصف الطيب لآخر فى الصف الثانى سقاه، أو قضى له حاجة فى الدنيا، كما ذكره القرطبى فى تفسير آية الكرسى.
5 - حفاظ القرآن العاملون به، فقد أخرج الترمذى وابن ماجه عن على رضى الله عنه قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم "من قرأ القرآن فاستظهره وأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة وشفعه فى عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار".
6 - الأطفال الذين ماتوا ولم يبلغوا الحنث، يعنى حد التكليف، فقد روى النسائى بإسناد جيد "أن الأطفال يقفون يوم القيامة فيقال لهم ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم"، وتؤيده أحاديث صحيحة رواها مسلم وغيره، فيمن دفنت ثلاثة أنها احتظرت بحظار شديد من النار.
 هذا والشفاعة حق كما ذهب إليه أهل السنة، وأنكرها المعتزلة الذين يقولون بخلود المؤمنين العاصين فى النار، وأما قوله تعالى {ما للظالمين من حميم

ولاشفيع يطاع} غافر:18، فالمراد بهم الكافرون، وأجمع المفسرون على أن آية {لا تجزى نفس عن نفس شيئًا}البقرة :48 ، 23 1، هى فى النفس الكافرة.
شفاعات النبى صلى الله عليه وسلم:
 لا شك أن النبى شفيع الخلائق يوم القيامة بشفاعة كبرى وهى المقام المحمود الذى يغبطه به الأولون و الآخرون، فهو أعظم الشفعاء قدرًا وأعظمهم جاهًا عند الله سبحانه، وقد قال تعالى فى موسى عليه السلام {وكان عند الله وجيهًا} الأحزاب : 69، وعن المسيح عليه السلام {وجيهًا فى الدنيا والآخرة} آل عمران : 45.
 وهذه الشفاعة ينتفع بها كل أهل الموقف من المسلمين ومن غيرهم ، كما ورد فى الحديث المتفق عليه ، وذلك لتخفيف هول الموقف وبدء الحساب بعد أن يطلب أهل الموقف الشفاعة من آدم ونوح وإبراهيم وعيسى فلا يجابون، ويقبلها الرسول صلى الله عليه و سلم ويسجد تحت العرش ثم يناديه ربه: ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فيقول: يا رب أمتى، فيستجيب الله ويخف الهول ويبدأ الحساب، وفى الحديث المتفق عليه "لكل نبى دعوة مستجابة، وقد ادخرت دعوتى لأمتى يوم القيامة".
 وهناك شفاعات أخرى له صلى الله عليه وسلم لا يستفيد منها الكافرون والمنافقون إذا ماتوا على كفرهم ونفاقهم، لأن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن شاء، ومغفرته لمن يشاء إما من دون شفاعة أحد تفضلًا منه ورحمة، وإما بشفاعة غيره ممن أذن الله لهم بها.
ومن الأدلة على حرمان الكافرين والمنافقين من شفاعته صلى الله عليه وسلم:
1 - قوله تعالى قى الكفار {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} المدثر : 48.
2 - قوله تعالى فى أبى طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم {ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}التوبة : 113.
3- قوله صلى الله عليه و سلم لما نزل قوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين} الشعراء : 214، حيث نادى قومه أن ينقذوا أنفسهم من النار، فإنه لا يغنى عنهم من الله شيئًا رواه مسلم.
4 - حديثه فى أن الله لم يأذن له أن يستغفر لأمه، وأذن له فى زيارة قبرها فقط كما رواه مسلم.
5 - حديثه فى عتاب إبراهيم عليه السلام لأبيه يوم القيامة على عصيانه، وأن الله لم يحقق له دعاءه كما رواه البخارى، وهو {ولا تخزنى يوم يبعثون} الشعراء : 87.
والكفار درجات متفاوتة فى الكفر، وبالتالى متفاوتون فى نوع العذاب فى النار، وإن كانوا مخلدين فيها ، وإذا كانت للأنبياء شفاعة فيهم فهى للتخفيف من العذاب لا من النجاة منه.
 فإذا كان فى الكفار من خف كفره بسبب من الأسباب كنصرته للرسول ومعونته فإن شفاعته تنفعه فى تخفيف العذاب عنه، كما جاء فى البخارى ومسلم عن العباس بن عبدالمطلب أنه قال قلت: يا رسول الله، فهل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: "نعم هو فى ضحضاح من نار لولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار"، وفى لفظ "نعم وجدته فى غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح"، وفى رواية "إن أهون أهل النار عذابًا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين من نار".
 أما شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم للمؤمنين، أو دعاؤه لهم فهو نافع باتفاق المسلمين، سواء فى ذلك شفاعته لأهل الذنوب حتى لا يعاقبهم الله عليها، أو حتى يخفف العقوبة عنهم، وكذلك شفاعته لغير المذنبين بزيادة الحسنات ورفع الدرجات.
 يقول القاضى عياض: شفاعات النبى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة خمس الأولى العامة، وهى المقام المحمود، والثانية فى إدخال الجنة بغير حساب، والثالثة فى قوم استوجبوا النار بذنوبهم، فيشفع لهم حتى لا يدخلوها، وقد أنكرها الخوارج والمعتزلة. والرابعة فيمن دخل النار من المذنبين، فيخرجون بشفاعته وشفاعة غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين كالشفاعة السابقة، والخامسة فى زيادة الدرجات فى الجنة لأهلها، وهذه لا تنكرها المعتزلة، كما لا تنكر الشفاعة العظمى "تفسير القرطبى ج 10 ص 310".
 هذا وهناك شفاعات كثيرة للنبى صلى الله عليه وسلم أوصلها بعضهم إلى ثلاث عشرة بعضها مؤيد بأحاديث صحيحة، وهذا القدر كله يؤيد ثبوت الشفاعة له عليه الصلاة والسلام، ويمكن الرجوع فى ذلك إلى شرح الزرقانى للمواهب اللدنية "ج 8 ص365 وما بعدها".