رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بريد الوفد..فتاة مس قلبها - الهوى

بوابة الوفد الإلكترونية

ولما شعر الشيخ بضيق فى صدر مريده مسح على قلبه وقرأ: «ألم نشرح لك صدرك». وكان الفتى المريد، أو شئت أن تسميه المريد الفتى، حزينًا ضجراً. فابتسم له الشيخ ودغدغه.

قال الشيخ يسائل فتاة؟

هل سمعت يومًا أن أولياء الله قد اختلفوا فى أمر فتاة مس قلبها الهوى وقد أقيمت محكمة عرض فيها كل ولى رأيه وأمره.

أومأ الفتى متعجباً واسترسل: «من أجل فتاة مس قلبها الهوى؟».

قال الشيخ لفتاة: «إن المحب حال هيامه يذوب ومن ذاب تبدد ومن تبدد فنى. فيصير كلا المحب والمحبوب أنا واحدة لا فصام فيها فلا يقع الحب ولا يكون بمقام الوله حتى يقول المحب لحبيبه يا أنا، ولما كان قانون الحب لبنته الأولى الإيثار يخشى المحب الذى أصيب بحال جذبه الهيام أن يلتقى محبوبه خشية أن يعكس عليه من حاله، ولما قد صهر المحب بفرن الجوى والصبا، فإنه يؤثر الحبيب على نفسه كى لا يمسه حال الألم والهيام والجوى.

ولما توقف الشيخ عن حديثه للفتى... قال الفتى أكمل يا شيخى حدثنى عن محكمة أولياء الله فى شأن فتاة مس قلبها الهوى..

لكن الشيخ قد حمل نعليه، وابتسم ناظراً لعين فتاة –المريد- مقبلاً له فى جبهته، وانصرف مع صوت أذان الفجر.

وفى مغرب اليوم الثانى قال الشيخ المربى للفتى المريد:

أعلم أن لكل حادثة حديثاً ولكل مقام مقالاً، والكلام فى غير أهله عورة، وأن كلام العارفين ميزانه القلب ومستودعه الروح، وأحفظ قلبك حين تجالس أهل الله، لأنهم جواسيس القلوب. وإن النسب إلى شىء يتشرف بصفاته فما بالك إذا نسبنا العارف لله وقلنا العارف بالله، وتيقن يا فتى أن أهل الله إنما تشرفوا بالنسب، فأضحوا محملين بقبس من شرف المنسوب إليه، فلا الزمن الذى تعيشه أنت يمكنك قياسه عليهم وكذا المكان، لذا فقد عرفوا بأهل الخطوة حيث تطوى الأرضين من تحتهم. فإن يوماً عند الله مقداره ألف سنة مما يعد ويحصى أهل البصر.

غفا الشيخ عن مريده مغمضاً عينه لثوانٍ وقال بصوت خارج من الحشا: «كريم بالعباد يا صاحب الخيمة الزرقاء».

ثم فتح عينه وتأمل مريده الذى لاحظ حنانه منسكبة من بؤبؤ عين الشيخ الذى يسير وسط الخلق حافياً ممزق الثياب، واستطرد الشيخ حديثه: «وإنى سأسمعك حكاية الفتاة التى مس قلبها الهوى وأقيمت من أجلها محكمة أولياء الله، شريطة أن تستطيع معى صبراً فيما أقصه عليك».

أشار المريد برقبته علامة قبول الشرط.

وواصل الشيخ: «إن أصحاب المظالم من العباد إذا أرادوا أن يحكموا فيما شجر بينهم يذهبون لقاضى البلدة فيعرض كل ذى شأن مظلمته، فينصر القاضى أحدهما على الآخر، فهل يكون هذا النصر الذى شرعه قاضى الأرض حدث من دون أمر الله وإرادته؟!.. أم يكون هذا الحكم قد أقره الله فى قضائه ثم استنطق به أحد عباده؟، فماذا لو قلنا لصاحب المظلمة ألا يذهب لقاضى البلدة وأن الله سيقتص له؟، فإنما السعى والتوكل ومطالبة الحقوق ونصرتها هو أمر فى جوهر الشرع، وإن مقام الألوهية منزه عن الشرك فالنافع الضار هو الله وحده ولا آخر معه، بينما مقام العبودية يندرج فيه رجال اختصهم الله بقضاء حوائج الخلق، وإن

لم تشكر الناس لا تشكر الله، ولنا فى كليم الله موسى عليه السلام العبرة فى قصصه، حين قال الله «وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أقصى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّى لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ».

لتتأمل يا فتى قول الله، ولتعلم أن تجليات رحمة الله بنبيه موسى تجلت وبدت فى هذا الرجل الذى جاء لينبه النبى ويستمع النبى لنصيحته.

وأن أولياء الله فى أرضه كونهم أضيفوا منسوبين مشرفين لله، فإن قانونهم فى المحيا والممات مخالف وإلا كيف التقى نبى الله موسى بعبدالله ووليه الخضر عليه السلام.

كان الفتى المريد مجذوباً بالكلية لحديث الشيخ المربى، بيد أن ثمة ما يدور بداخله حول كل ما قيل وعلاقة الأمر بالفتاة التى مس قلبها الهوى ومن أجلها عقدت محكمة الأولياء.

تنبه الفتى عبر ابتسامة لحظها من ثغر الشيخ، قال الشيخ ألم يكن شرطى أن تسطع مع سماعى صبراً، وإنى لأعلم قدر شوقك لسماع حكاية الفتاة التى مس قلبها الهوى، لكنى عرضت عليك مقام منتقلاً بك لمقام بحسب قدر وعاء فهمك وإناء روحك، فإن الأرواح آنية والفيض سائل العرفان المصفى وإنى أعرض عليك الأمر مصحباً روحك من مقام لمقام خشية عسر الفهم ومخافة ألا تحدثنى فى أمر حتى أبدى لك منه ذكراً...

قال الفتى: «حدثنى يا شيخى عن أمر الفتاة التى مس قلبها الهوى...... »

ومع ختام جملة الفتى كان صوت أذان الفجر سناً يشق الصمت بألفته، تلفت الفتى لشيخه الذى سار بخطوات خفيفة كأنما يسير على الريح لا الأرض.. ثلاث خطوات أربع حتى اختفى الشيخ عن مسار الرؤية كأن شقا فى جدار الزمان والمكان قد فتح وولج فيه الشيخ حافى القدمين ذو الثوب الممزق.

نادى الفتى المريد أو المريد الفتى على شيخه: «لكنك لم تحدثنى عن الفتاة التى أقيمت من أجلها محكمة أولياء الله ومس قلبها الهوى»... هذه المرة ارتد صدى صوت الفتى لأذنه، معلناً عن لقاء جديد يجمعه بالشيخ المربى حيث يقص عليه أمر الفتاة التى عقدت من أجلها محكمة الأولياء وقد مس قلبها الهوى.

 

د. رامى المنشاوى