رَمَضَانُ شَهْرُ الْإِيمَانِ وَمَوْرِدُ زِيَادَتِهِ27
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الْإِيمَانِ الْحَقِيقِيِّ، وَلِذَا بَدَأَتْ آيَاتُ الصِّيَامِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالنِّدَاءِ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} «البقرة: 183».
وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ؛ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- -الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ- فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، حِينَ وَفَدُوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ حَيْثُ قَالُوا: «مُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ»، وَسَأَلُوهُ عَنِ الْأَشْرِبَةِ، فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: «أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ».
وَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ؟».
قَالُوا: «اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ».
قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ».
هَذَا هُوَ الْإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ؛ فَإِعْطَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الْمَغْنَمِ مِنَ الْإِيمَانِ كَمَا بَيَّنَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَدْخَلَ -أَيْضًا- إِقَامَ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَصَوْمَ رَمَضَانَ، فَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْإِيمَانِ.
فِي هَذَا الشَّهْرِ جَعَلَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ- الْفُرْصَةَ سَانِحَةً؛ فَإِذَا أَقْبَلَ الْإِنْسَانُ عَلَى الْعِبَادَاتِ مِنْ مَفْرُوضٍ وَمَنْدُوبٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ، وَيَجْبُرُ اللهُ الْكَرِيمُ كَسْرَهُ، وَيُقَوِّي رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ- عَزْمَهُ، وَيُضْعِفُ ضَعْفَهُ، وَيُقَوِّي قُوَّتَهُ، وَيَأْخُذُ بِيَدَيْهِ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَرَضَ فِي هَذَا الشَّهْرِ الصِّيَامَ؛ «فَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وَسَنَّ فِيهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقِيَامَ؛ «فَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَشَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الْقُرْآنِ، أَنْزَلَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ- فِيهِ الْقُرْآنَ، وَفَرَضَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ- فِيهِ الصِّيَامَ؛ رِعَايَةً لِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهِ، كَمَا يُوحِي بِذَلِكَ نَظْمُ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ.
وَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ- جَعَلَ لِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ مِنَ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ، فَالْحَرْفُ فِي تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بِعَشْرِ حَسَنَاتٍ،
وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَعَاهَدُ الْقُرْآنَ فِي جَمِيعِ الْعَامِ، وَيَخُصُّ بِمَزِيدِ الْعِنَايَةِ الْقُرْآنَ فِي هَذَا الشَّهْرِ.
وَ«النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، فَإِذَا دَخَلَ رَمَضَانَ فَهُوَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ».
وَجَعَلَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ- مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالْحَسَنَاتِ فِي هَذَا الشَّهْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِإِفْطَارِ الصَّائِمِ، وَإِفْطَارُ الصَّائِمِ غَيْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّدَقَةِ بِالْإِفْطَارِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ لِلصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ يَكُونُ لِلْغَنِيِّ كَمَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ، وَالثَّوَابُ مَحْفُوظٌ.
وَبَيَّنَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَتَعَلَّقُ بِتَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ، وَمَا يَكُونُ مِنَ الْأَكْلَةِ الْمُبَارَكَةِ - يَعْنِي: السَّحُورَ-، وَقَالَ: «تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً».
وَبَيَّنَ «أَنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ»، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَاتِ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَكُلُّهَا مِنَ الطَّاعَاتِ الَّتِي تُرْضِي رَبَّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَمَنْ أَتَى بِهَا أَوْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ - يَأْتِي بِالْفَرْضِ وَيَأْتِي مِنَ النَّفْلِ بِمَا اسْتَطَاعَ-؛ زَادَ اللهُ -تَعَالَى- إِيمَانَهُ، وَزَكَّى نَفْسَهُ، وَهَذَّبَ طَبْعَهُ، وَنَقَّى قَلْبَهُ، وَأَصْلَحَ بَالَهُ، وَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَاللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ- هُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.