رَمَضَانُ شَهْرُ الْقُرْآنِ
شَهِدَ شَهْرُ رَمَضَانَ العَدِيدَ مِنَ الأَحْدَاثِ الفَارِقَةِ فِى مَسِيرَةِ التَّارِيخِ الإِنْسَانِيِّ عَامَّةً، وَالإِسْلَامِيِّ خَاصَّةً، وَمِنْ ذَلِكَ:
إنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الْأَحْدَاثِ الْجِسَامِ وَالْانْتِصَارَاتِ الْعِظَامِ، وَمِنْ أَكْبَرِ الْأَحْدَاثِ الَّتِى شَهِدَهَا الْعَالَمُ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْبَرَهَا: بَدْءُ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَدْ بَدَأَ ذَلِكَ النُّزُولُ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِ اعْتَادَ فِى رَمَضَانَ مِنْ كُلِّ عَامٍ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى غَارِ حِرَاءٍ بِمَكَّةَ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَحَنَّثَ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، وَكَانَ يَأْخُذُ مَعَهُ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا تَيَسَّرَ مِنْ زَادٍ.
فَأَنْزَلَ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْقُرْآنَ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ، وَبَدَأَ الْوَحْيُ الْمَعْصُومُ الَّذِى غَيَّرَ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَدْيِهِ الدُّنْيَا كُلَّها، بَدَأَ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: 185)؛ أَيِ: الصَّوْمُ الْمَفْرُوضُ عَلَيْكُمْ هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْهِدَايَةِ لِمَصَالِحِكُمُ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَتَبْيِينِ الْحَقِّ بِأَوْضَحِ بَيَانٍ، وَفِيهِ الْفُرْقَانُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ، فَحَقِيقٌ بِشَهْرٍ هَذَا فَضْلُهُ, وَهَذَا إِحْسَانُ اللهِ عَلَيْكُمْ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَوْسِمًا لِلْعِبَادِ مَفْرُوضًا فِيهِ الصِّيَامُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى
إِنَّا أَنْزَلْنَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فِى لَيْلَةِ الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ وَتَقْدِيرِ الْأُمُورِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ الَّتِى يُظْهِرُهَا اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ وَيَأْمُرُهُمْ بِتَنْفِيذِهَا.
وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ هِيَ إِحْدَى لَيَالِى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، قَدْ أَخْفَاهَا اللهُ فِى الْعَشْرِ؛ لِيَجْتَهِدَ الْمُؤْمِنُونَ الْعَابِدُونَ فِى الْتِمَاسِهَا طَوَالَ هَذِهِ اللَّيَالِي؛ حِرْصًا عَلَى اغْتِنَامِ بَرَكَاتِهَا.
وَهَذَا الْحَدَثُ الْفَرِيدُ فِى تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا كَانَ فَارِقًا بَيْنَ عَهْدَيْنِ؛ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رِسَالَةَ الرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هِيَ آخِرُ رِسَالَاتِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ.
نَسْأَلُ اللهَ- جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- أَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِى الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.