رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رباعيات الخيام.. تعويذة من السحر تخلب الألباب

رباعيات الخيام
رباعيات الخيام

أُنْظُرِ الْعُمْرَ، كَيْفَ يَمْضِي حَزِيناً فَابْتَدِرْهُ فَسَوْفَ يُودِي وَيَقْضِي، مَا رَأَيْتُ الْهَنَاءَ عُمْرِي فَلَهْفِي لِحَيَاةٍ كَذَا تَمُرُّ وَتَمْضِي، إِذَا مَا أَتَيْنَا خَاشِعِينَ لِمَسْجِدٍ فَلَمْ نَأْتِ نَقْضِي لِلصَّلاَةِ فُرُوضَهَا، وَلَكِنْ سَرَقْنَا مِنْهُ سَجَّادَةً وَمُذْعَرَاهَا الْبِلَى جِئْنَا لِكَيْ نَسْتَعِيضَهَا.

 

كان ذلك مقطعا من رباعيات الخيام،التي تفتن من يقرؤها وكأنها تعويذة سحرية . والرباعية في الأصل هي أي مجموعة من نفس تلك المقطوعات، وتتألف رباعيات عمر الخيام من رباعيات يُفْتَرض أنه ناظمُها، وبمرور السنين، نُسبت إليه أكثر من 2,000 رباعية، في حين أن من المعروف على وجه اليقين أنه نظم أقل من 200 من هذه الرباعيات، وهناك رباعيات منها، قد كتبها شعراء فرس آخرون، ولغة الرباعيات هي اللغة الفارسية، ولكن سرعان ما ترجمها الكاتب البريطاني إدوارد فيتسجيرالد.


وقد نُشرت ترجمة فيتسجيرالد في أربع طبعات أعوام مختلفة  1859، 1868، 1872، 1879. والطبعتان الأخيرتان تشكل كل منهما قصيدة من 101 رباعية، وتصف القصيدة يومًا بطوله من الفجر حتى المساء، مليئًا بالمتعة والبهجة، وبكثير من الحالات النفسية، وتشكو بعض المقطوعات من قِصر العمر ومن ظُلم الدنيا بينما تتغنّى مقطوعات أخرى بالزهور أو العشق، أو الربيع، أو الخمر.

 

اختلفت رباعيات الخيام على حسب فلسفته في الحياة، وعلى منظوره للحياة والأشياء، حيث تحدّث عن الأمور السرمدية المشكوك فيها، مثل نهاية الكون وأصله، وأن لا أحد من البشر يستطيع أن يحيط بهذه الأشياء علماً، واستمدت بعض الرباعيات فلسفتها من مسلك فلاسفة الطبيعة الذين يقولون إنّ كل شيء في هذا العالم يستمر في الانحلال والتبعثر ولا يمكن أن يعود إلى أصله الأول، كما تشابهت فلسفة الرباعيات مع فلسفة أبي العلاء المعري وخاصة في قصيدته (غير مجدي في ملتي واعتقادي)، بالإضافة إلى وجود فكرة التشاؤم في بعض رباعيات الخيام، والتي تنطلق من مبدأ أن لا نفع للحياة ما دام الموت قادما لا محالة، وخلاصة القول هي إنّ طبيعة الفلسفة، واختلافها وتعدد مذاهبها هي التي منحت الجمال إلى الرباعيات وجعلت لها الأثر الكبير في نفس كلّ من يقرؤها.

 

تتميز رباعيات الخيام بلغة سلسة، سهلة البيان بلا تكلف أو تعقيد، فهي تنبع من أعماق حياة البشر، دون التفرقة بين العلم والجهل، أو الغنى والفقر، فكل منا يملك شغفا إلى معرفة مصيره ومثواه وخالقه وفائدة حياته، فالخيام الذي تأسى وتأثر بأستاذه ابن سينا يعتبر ذرة الغبار أساس كل

شيء، فالإنسان عندما يموت يتبدل الجسم منه إلى ذرات وتراب ولعل التراب الذي يصنع منه الكوز هو من ذرات إنسان ما، اذن يمكن أن يفكر الشاعر بأن الروح في الجسد بمثابة الخمرة في الإناء فالروح موغلة في الشفافية كما هو الشراب الصافي.

 

وطبعاً هذه الفكرة لم تبدأ بالخيام ولم تنته به في تاريخ الأدب والشعر الصوفي والعرفاني الإيراني، والخيام يعتبر حلقة من حلقاتها المتسلسلة. تسابق الأدباء العرب على ترجمة الرباعيات ومن أهمهم: محمد حسن عواد من السعودية، أحمد زكي أبو شادي من مصر، الأديب إبراهيم المازني، عبد اللطيف النشار، علي محمود طه، عبد الرحمن شكري، أحمد رامي، عباس العقاد.

 

وولد عمر بن إبراهيم الخيام صاحب الرباعيات في نيسابور إيران، وهو عالم عصريّ امتاز بذكائه الذي وصل إلى مستوى الريادة والاكتشاف، ويعتبر أول شخص تمكّن من حلّ المعادلة التكعيبية، كما عهد إليه السلطان السلجوقيّ باستطلاع حركات الأجرام السماوية، وكان الخيام عالماً في أمور الفلسفة، وبجميع الفنون التي كانت معروفة في عصره، بالإضافة إلى أنّه كان طبيباً بارعاً، وما يدل على ذلك معالجته للسلطان سنجر عندما أصيب بالجدري، تخصّص الخيام في علوم اللغة والدين، مثل: الفقه، والحديث، والمنطق، والقراءات، والسير، والنحو، والصرف، وعلوم الطبيعة، وله عدة تصانيف في العربية، ومنها: (رسالة في الموسيقا) و(ميزان الحكمة) و(شرح ما يشكل من مصادرات إقليدس في الجبر والمقابلات) و(مسائل نجومية)، واشتُهر الخيام بالرباعيات، والتي استعان فيها لوصف الخمرة وعالمها، وعرض فلسفته من الحياة، كما ترجمت الرباعيات إلى لغات عديدة، واشتهرت على نطاق عالمي واسع.