رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أول باحث يختصر تاريخ الجبرتي: تشويه التاريخ الإسلامي والأمية الثقافية وراء بحثي

بوابة الوفد الإلكترونية

 

 

يستمد تاريخ الجبرتي أهميته من كونه التاريخ الوحيد الذي رصد الشخصية المصرية وصوّر طبيعة المصريين في بدايات العصر الحديث، كما رصد أشخاصا وحالات وعادات وطبائع المصريين بدقة وحيادية ونزاهة، بدءا من عصر المماليك وحتى عصر محمد علي مرورا بالحملة الفرنسية، ولأن  رصد الجبرتي للأحداث اعتمد على  تقصي الحقيقة وتقديم شهادة وصورة نزيهة راقية للتاريخ، بعرضه الإيجابيات والسلبيات لكل عصر من العصور، فقد وضعه لويس عوض في قائمة ما يتم قراءته للخروج من الأزمة الثقافية.  فقد قدم الجبرتي صورة شبه متكاملة عن الحياة المصرية من الناحية العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكل من كتب عن تلك الفترة لابد له أن يعرج على الجبرتي. بل إن مقدمته تعتبر سابقة على عبد الرحمن الكواكبي صاحب كتاب (طبائع الاستبداد) كما عبر عن ذلك أحد الباحثين. ورغم ما يبدو هذا التاريخ عليه من  أهمية، الا أنه لم يلق المختصر الذي قدمه الباحث أيمن الدمنهوري حفاوة تليق بمكانة هذا التاريخ والذي يعد أول مختصر لمثل هذا التاريخ القيم والفريد في تاريخ مصر، ومن ثم كان لنا هذا الحوار مع الباحث لنتعرف على أهمية هذا التاريخ وعمله في المختصر وكيف ساهم بإنجازه في تبسيط هذا التاريخ الجليل.

بداية يوضح  لنا أيمن الدمنهوري أن تاريخ الجبرتي المسمى (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) حلة جميلة ووعاء مليء بالدرر النفيسة والمعاني الجميلة والعظات والعبرات لمن يعتبر. فمؤرخنا الجبرتي 1168 هـ- 1240هـ عاصر فترة نهاية المماليك، والحملة الفرنسية على مصر، وشاهد ثورات المصريين ضد الغازي الفرنسي، وجهاد الشعب المصري ضد ظلم ولاة العثمانيين، وشاهد ثورة المصريين ضد خورشيد باشا، وعايش الست عشرة سنة من حكم محمد علي ورصد ما لمحمد علي من حسنات وسيئات؛ وفقد ابنه خليل في سبيل ذلك.

قدم الجبرتي صورة شبه متكاملة عن الحياة المصرية من الناحية العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكل من كتب عن تلك الفترة لابد له أن يعرج على الجبرتي. بل إن مقدمته تعتبر سابقة على عبد الرحمن الكواكبي صاحب كتاب (طبائع الاستبداد) .

وعما دفعه لاختصار تاريخ الجبرتي يقول :كما ذكرت في مقدمة المختصر أن حالة الأمية الثقافية التي تحياها الأمة وهي صفة سائدة ومستمرة  حتى أيامنا هذه، أضف إلى هذا الهجمات التي كانت مدبرة لإحداث هزة في الذات المسلمة بتحريف تاريخها وتبنى ذلك أساطين ذلك العصر من العلمانيين وغيرهم ووفرت جميع الوسائل لتمرير ذلك، فقمت بالاختصار في محاولة لتقريب ذلك التاريخ إلى شباب هذه الأمة في محاولة لاستعادة الذات المسلوبة،وقد تحملت طباعة المختصر على نفقتي الخاصة بعد رفض الهيئة العامة طباعة الكتاب،  وأدين بالفضل في هذا إلى فضيلة الدكتور عبد الباسط خليل رحمه الله، والذي ألح علي وشدد بأن اختصاره عمل قيم وينفع الأمة ثم شيخي سامي أمين رحمه الله والذي واظب معي العمل طيلة سنوات الاختصار قراءة وتصحيحًا بل وفتح آفاقا جديدة لم أكن أعلم بها رحمهما الله تعالى وجعل ذلك في ميزان حسناتهما، ويوجد تفصيل أكثر في مقدمة المختصر لمن أراد .

ويستطرد الدمنهوري عن رأيه في الجبرتي كمؤرخ قائلا انه مؤرخ من العيار الثقيل وصاحب همة وعزيمة عالية وسيظل له حضوره في الماضي والحاضر والمستقبل ، أما عن مادة التاريخ فقد بذل الجبرتي كل ما في وسعه وطاقته لجمع مادة الكتاب فكان يقيد كل شاردة وواردة وقد فقد الجزء الأول من تاريخه والذي كان اختصره من كتاب أحمد جلبي المسمى أوضح الإشارات وقد حققه د. عبد الرحيم عبد الرحمن 1978 يقول عن عمل المؤرخ  في جمع المادة: فرجعنا إلى النقل من أفواه الشيخة المسنين، وصكوك دفاتر الكتبة والمباشرين، وما انتقش على أحجار ترب المقبورين.. فهذا يدل على قوة التحري والتثبت مما يكتبه . 

وعما يمكن أن يفيد قاريء الجبرتي منه أكد أن من سيقرأ الكتاب سيجد سياحة فكرية في كل المجالات فالناحية العلمية سيجدها من خلال التراجم للعلماء، والاقتصادية من خلال رصده لأسعار السلع والعملة ومقارنتها بالعملات الأخرى - وقد كان بارعًا رحمه الله في هذا المجال - ، ومن الناحية الاجتماعية، فستجد ذلك في رصده لعادات وتقاليد المصريين، ومن الناحية السياسية فستجد ذلك واضحًا من خلال رصده لتقلبات ولاة مصر من عهد المماليك، مرورًا بالحملة الصليبية الفرنسية وانتهاءً بعهد محمد علي، والده العلامة حسن الجبرتي كان عالمًا في الرياضيات والفقه واللغة  وكان مسموع الكلمة عند أمراء تلك الفترة، وحتى ولاة مصر العثمانية كثيرا ما كان يطلبونه ليعلمهم الحساب والفلك، وعايش الحملة الفرنسية على مصر، فقد عمل كاتبًا للديوان الثاني  الذي عينه الجنرال(مينو)  وقد أفاده ذلك لا شك فأرخ لجهاد المصريين ضد الغازي الفرنسي، ومظالم الفرنسيين، وقدم صورة عادلة على تلك الفترة جعلت العلمانيين يتخذون منها متكئًا لهم ليبرروا ميله للتنوير بزعمهم. وحضر الفترة الأولى من حكم محمد علي لمصر، تقريبًا الست عشرة سنة المرعبة الضاغطة والفاتكة والمسيلة للدماء لمن يقف أمام مجد محمد علي وأولاده من بعده، بالإضافة إلى ذلك فقد ألحق بكل سنة من سني تلك الفترة تراجم وصفية مكتوبة ببراعة بحيث تقرأ تاريخ الفترة منها. واستطرد الدمنهوري: فالكتاب وثيقة هامة لنا لمعرفة تاريخ تلك الفترة ومن يريد أن يعرف تفاصيل تلك الفترة عليه أن يرجع إليه، ومن يريد معرفة طبيعة الشخصية المصرية والمؤثرات التي أثرت عليها والتهجين الذي حدث من قبل الضغوطات التي مورست على المجتمع والتآكل المستمر في طبقاته إلى تلك الفترة التي نعيش فيها، وأي كاتب روائي أو قاص لابد له من قراءة الجبرتي على حد قول الروائي الكبير يحيى حقي رحمه الله وقس على هذا على جميع الأصعدة، ولذلك فهو يعد مادة خام يعاد فرزها -كل حين - لاستعادة الذات المذابة من نيران الأفكار المغايرة لركائز الأمة المسلمة وثوابتها، ولذا فقد تلقفته جميع التيارات المعاصرة و دارت حوله رحى المعارك الفكرية بين الإسلاميين والعلمانيين في العصر الحديث.

يقول الدمنهوري عن كيفية تفكيره في هذا البحث إن عشق القراءة وشراء الكتب وانتظار الكتاب الشهري لدار الهلال فكان القدر والموعد واللقاء مع ( رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ) لمحمود محمد شاكر أبو فهر شيخ العربية، والمجتزأة من كتابه القيم الذي لا شبيه له (المتنبي) فنشأت العلاقة الحميمة بيني وبين تاريخ الجبرتي، فاشتريت نسخة تاريخ الجبرتي طبعة الأنوار المحمدية 4 أجزاء وقرأت وتعمقت في القراءة فتغيرت نظرتي حول تاريخ مصر في تلك الحقبة .وكان محمود الشرقاوي سكرتير مجلة الأزهر حينئذ صاحب دراسة مصر في القرن الثامن عشر دراسات في تاريخ الجبرتي  قد أشار الى أن هناك مختصرًا للسيد مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي المولود بعد 1250هـ اختصر تاريخ الجبرتي في جزءين صغيرين أخذ اللب وترك القشر ولكنه مفقود ....فكان البدء في التفكير في الاختصار .  

وحين سألناه عن العقبات التي واجهته أثناء كتابته لمختصره قال : أولى العقبات كانت الوقت فأنا أعمل مدرسًا وأنت في حاجة إلى صفاء ذهن حتى تنجز لكن مع الضغط يكون الإنجاز . الثانية : المسار بمعنى هل أقرؤه قراءة ونعلق على ما يحتاج للإيضاح والبيان . أم أقوم باختصاره ،والحق أنني بعد الاستشارة استخرت الله فملت إلى الاختصار، خاصة أنني كنت أريد للكتاب أن يصل بين

يدى الشباب خاصة. الثالثة: المصطلحات الواردة في التاريخ وخاصة العثمانية كان لابد من بيانها. الرابعة: المحافظة على تسلسل الأحداث فالكتاب مكتوب على شكل يوميات فيصعب في بعض الأحيان الربط بين السابق واللاحق فقد تحتاج إلى التريث فترة من الوقت لقراءة ما سبق حتى تقوم بالربط والمحافظة على السياق. الخامسة : الضغط النفسي والقلق والغربة وقلة المصادر التي تتوافر تحت يدك. السادسة: ذهبت مرة إلى سور الأزبكية لشراء نسخة الهيئة العامة للكتاب والذي قام بطرحها د. عبد الرحيم عبد الرحمن وكان شعرها غير مشكول وتنبه لهذا فيما بعد في نسخة دار الوثائق القومية وصحح الخطأ فذهبت إلى أحد الباعة وكان يعمل في الهيئة العامة للكتاب، وكانت الأجزاء مكتملة ما عدا جزء واحد ووعدني أنه سيكمل الأجزاء ويتصل بي فيما بعد -وكان يجلس بجانبه شخص يحتسي معه الشاي - فهممت بالانصراف شاكرًا إياه فانبرى هذا الشخص وسألني مقطبًا وجهه والاكتئاب يبدو كريح تدور في شكل دائري على وجهه العبوس: ولماذا تطلب هذه النسخ؟ قلت له: أقوم بعمل مختصر للجبرتي. فإذا به يرفع عقيرته وتنفلت أعصابه ويقول بصوت عالٍ: أنت تصدر الجهل؟! وأنا صامت ذاهل مما يقول هل أنا فعلاً أقوم بتصدير الجهل، تخيل الجبرتي الذي أرخ لتلك الفترة والصدمة الحضارية الاستعمارية، الغزو الفرنسي وجهاد المصريين في تلك الفترة وصغار علماء الأزهر الذين كانوا يُقتلون خمسة على أقل التقدير على يد السفاح الهالك المحترق نابليون فقلت له بهدوء: أنا أحاول أن أزيل الغشاوة التي سيطرت على النخبة في فهم الذات والتاريخ  قال: باختصار الجبرتي قلت له: نعم أنت تعتقد أنه لا قيمة له والعلمانيون واليساريون يعتبرونه مهم بل تنويريًا، بل لويس عوض نفسه وضعه في قائمة ما يتم قراءته للخروج من الأزمة الثقافية .فسكت ولم يرد.  تمر الأيام وأقع على كلمة للمؤرخ العلامة محمد شفيق غربال رحمه الله وهو رجل يحتاج إلى دراسة عميقة والذي احتار فيه المؤرخ الدكتور حسين مؤنس رحمه الله  من قدرته الرهيبة على الامتصاص والهضم واستنباط مالم يستنبطه حسين نفسه عند قراءة نفس النص، المهم الرجل قال : كتاب الجبرتي هو كتاب في التربية الوطنية،وليس ذلك لأن الرجل تصدى لتلقينها، فقد كان مؤرخًا قبل كل شيء، ولكن جاء كتابه لازمًا لتكوين الجيل . فلنتأمل قوله كتاب في التربية الوطنية وصاحبنا يراه تصديرا للجهل ونتساءل عن سر التصحر في الحياة الثقافية والأمية الثقافية المتفشية بين النخبة فما بالك بالعامة .

ما سبق فهو طباعة الكتاب وإعادة طبعه من النسخ القديمة المتوافرة لدينا مثل نسخة د.عبد الرحيم عبد الرحمن، ونسخة أخرى أعيد طبعها للجغرافي القدير حسن جوهر وصديقه . هكذا اكد الدمنهوري عدم وجود اهتمام وافٍ من قبل النخبة المثقفة باعادة تقديم تاريخ الجبرتي، مردفا : وأما الدراسات فتوجد دراسة عن الجبرتي اسكتتب فيها د أحمد عزت عبد الكريم عام 1974 العديد من الكتاب ولم يفكروا في طباعتها، وكان د.محمد رفعت أهداني إياها عندما عرضت عليه المختصر مخطوطًا وجمعنا لقاء في جامعة دمنهور، وكان مما قاله لي أن هذه الدراسة تحتاج إلى تحديث وأنها غير كافية ولا تتناسب مع قدر الجبرتي ولكن مع حالة الانحطاط الفكري والشللية القميئة التي تسود الوسط الثقافي وقلة المخصصات والموارد  يحتاج الجبرتي إلى تضافر جهود كبيرة وواسعة ومتواصلة لجمع النسخ الموجودة في مكتبات الدول الأخرى لنقدم نسخة أخرى وافية كافية من تاريخ الجبرتي تليق بمكانة هذا التاريخ، وللأسف الشديد ستجد أن هناك نسخة لتاريخ الجبرتي محققة من جامعة يهودية موجودة على الشبكة العنكبوتية،  وهذا شيء محزن ألسنا أحق به. بل أزيدك أنني تحملت طباعة المختصر على نفقتي الخاصة بعد رفض الهيئة العامة طباعة الكتاب وترك الكتاب في غرفة  عرض الأعمال لديهم لمدة عام كامل بعد ترشيح د / محمد رفعت أستاذ التاريخ المعاصر الكتاب لطباعته في مطابع الهيئة العامة، واستغرقت في إخراجه خمس سنوات في محاولة مني لتكوين الجيل وتربيته تربية وطنية نعم وخسرت ودخلت في دوامة التوزيع، وتحملت ما تحملت لكن حسبي أنني حاولت، وأسال الله العظيم أن يجعل هذا في ميزان أعمالي يوم العرض عليه .

ويؤكد الدمنهوري مردفا في ختام حوارنا معه ، موضحا أن كتابه هذا  هو الأول من نوعه قائلا : لم يسبقني أحد إلى هذا من قبل كما قلت لك من قبل فكتاب المختار من تاريخ الجبرتي للأستاذ حسين البقلي، وهو ليس مختارًا، فالكتاب عبارة عن تسعة أجزاء صدرت متفرقات على مدار عام وأكثر، الجزء الأول والثاني ينتهي إلى ما قبل الحملة الفرنسية اختصرها المعد، وابتداءً من الجزء الثالث، أثبت المعد النص كما هو مع التصرف الطفيف فيما ندر، وقد ذكر المعد ذلك في آخر جزء من الكتاب. ومختصر الشيخ مؤمن الشبلنجي وهو مفقود.