رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طالب كفيف.. موهبة استثنائية

بوابة الوفد الإلكترونية

«السوربون» جعلت من طه حسين عميداً للأدب العربي و«الأزهر» تعجز عن تعيين «عبدالملك» معيداً

بحر من الظلمات وأمواج عاتية وضربات قاسية ودوامات من الظروف الصعبة، كانت عنوان الحياة لعبدالملك مصطفى إبراهيم، الذي سرق منه «السرطان» بصره، وسلبه نظره، في الخامسة من عمره، وأفقده لذة النعيم بألوان الحياة، لكن هذا الطفل الذي كان في براءة البطولة حمل خشبة التجديف، وقرر أن يخوض المغامرة ويسرق من البحر مسافاته العابرة ويهزم تحدياته المُهلكة غير مبالٍ بأي شيء ليصل إلى شاطئ الحُلم، فما كان له إلا أن يجعل منه الله أسطورة ومثالًا غير عادي بالمرة.

عبدالملك مصطفى إبراهيم ابن قرية طرانيس العرب، التابعة لمدينة المنصورة في محافظة الغربية والبالغ من العمر 23 عامًا، والحاصل على ليسانس لغة عربية، جامعة الأزهر، فرع المنصورة بنسبة تراكمية 97.7%، كأول طالب يحصل على هذا التقدير في تاريخ الجامعة منذ تأسيسها في 1977، محققًا تقدير امتياز في جميع المواد التي تمت دراستها بالكلية خلال السنوات الأربع وعددها 55 مادة بـ 55 امتيازًا حاصلًا على الدرجة الكاملة 100% في عدد 20% من المواد التي تم دراستها في الكلية.

قدوته دائمًا، كان عميد الأدب العربي، طه حسين، القائل: «لو أن الانسان خلق كاملاً لما احتاج إلى أن يطمع في الكمال».. فكان السير على نفس الدرب والمشي على خطاه ليبدأ في زراعة الأمل بداخله ،هزم المرض اللعين ورسم لنفسه طريقاً طويلًا، إلا أن هذا الطريق توقف لفترة بعد إصابته بالعمى، ولكن استطاع أن يثبت لمن حوله أن العمى في القلوب والعجز في الفكر فقط.

طه حسين الدقهلية.. لقب بهذا بين من حوله بعد قدرته في التغلب على جميع الصعاب ويصل لما هو وصل إليه من يجلس معه يشعر بطاقة إيجابية ويعلم أن العجز في العقل فقط وليس بأي إعاقة.

قصة لشاب مصري من الممكن أن تقرأ عنه الأجيال القادمة في الكتب ويصنع له مسلسل يحكي قصة أحد العباقرة الذي يسير على خطى من سبقوه ،هو عبدالملك مصطفى إبراهيم، الذي تربى وسط أسرة تتخذ من العلم سلاحًا لها في الحياة أب يعمل مدرسًا في أحد المعاهد الأزهرية ووالدته التي تعمل في مجال التدريس أيضاً زرعا بداخله حب التفوق في دراسته وحصوله على المركز الأول شيئاً أساسياً.

واكتشف والداه أن عين نجلهم البكري اليسرى بها إصابة وهو مازال في الخامسة من عمره، وبعد الكشف عليه ورحلة علاج طويلة أجمع الأطباء على انه مصاب بالسرطان في عينه، وطالبوا بإزالتها كاملة وظل «عبدالملك»بعين واحدة يرى بها طبيعياً إلى أن أصبح في الصف الرابع الابتدائي وأصيب في العين اليمنى أيضاً، وبعد كشف والديه أكد الأطباء أن السرطان توغل إلى العين اليمنى أيضاً ولابد من علاج كثيف.

رحلة علاج جديدة عانى منها «عبدالملك» إلا أن جاء قرار الأطباء الذي جاء كالصدمة لوالديه بأن يتم إزالة العين اليمنى أيضاً قبل أن يتوغل السرطان إلى المخ، أصبح «عبدالملك» بعد أن كان مبصراً بعين واحدة أعمى البصر، وهو مازال في الصف الرابع الابتدائي إلا أن والدته تمكنت من أن تحفّظه القرآن الكريم كاملاً.

تحدٍ جديد للطفل منذ صغره إلا أنه لم يهزم بعد أن أصيب بالعمى وتفوق في دراسته في المرحلة الابتدائية الذي حصل فيها على المركز الثانى على مستوى الجمهورية بمجموع 97.4%، وقرر أن يلتحق بالمرحلة الأزهرية والتحق بها وهو كفيف، وكان يتم امتحانه شفوياً إلا أن والده كان يصر على أن يتم امتحانه بنفس ورقة أسئلة الطلاب المبصرين وبالرغم من ذلك تفوق «عبدالملك»وحصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية بمجموع 100%.

تفوق أيضاً الطالب الكفيف في المرحلة الثانوية الأزهرية وحصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية بمجموع 102% بالقسم الأدبي، والتحق «عبدالملك» بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر فرع المنصورة، وتمكن من الحصول على مجموع 96.6% في الفرقة الأولى بتقدير امتياز، وفى الفرقة الثانية حصل أيضاً على مجموع 97% بتقدير امتياز، وفى الفرقة الثالثة حصل على مجموع 97.2% وتقدير امتياز، وفى الفرقة الرابعة والأخيرة حصل أيضاً على تقدير امتياز بمجموع 97.6%، وفاز بالمركز الأول على دفعته بالجامعة، وحصل «عبدالملك» على ليسانس لغة عربية جامعة الأزهر بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.

كما تمكن من تنمية قدراته في اللغة الإنجليزية وحصوله على شهادة معتمدة من الأكاديمية الأمريكية بالمنصورة ودبلومة المحادثة في اللغة الإنجليزية.

لم تكن الدراسة الأكاديمية فقط هي التي يهتم بها «عبدالملك»، فبجانب تعليمه ومنذ أن كان طالبًا في المرحلة الإعدادية، اهتم بدراسة التجويد معهد القراءات، وحصل على مجموع 98.8%، في شهادة التجويد بمعهد قراءات السنبلاوين، وفي 2011 حصل على إجازة متصلة السند برواية حفص عن

عاصم.

وفي 2016/2017 حصل على لقب الطالب المثالي في كلية اللغة العربية فرع المنصورة ودورة معسكر الابتكار من إنجاز مصر في ريادة الأعمال، وإجازة متصلة السند بالقراءات العشر الصغرى من الشاطيبة والدرة، ودورة برنامج مشواري لتأهيل النشء والشباب بشهادة معتمدة من وزارة الشباب والرياضة ومنظمة «اليونيسيف» العالمية، ودبلومة عامة في اللغة الإنجليزية بشهادة معتمدة من الأكاديمية الأمريكية في المنصورة، ودبلومة في المحادثة في اللغة الإنجليزية بشهادة معتمدة من الأكاديمية الأمريكية في المنصورة، وتدريب تنمية المهارات  بشهادة معتمدة من «مايكرو سوفت» ووزارة الشباب والرياضة.

وفي 2017/2018 حصل «عبدالملك» على تمهيدي الماجستير في كلية الدراسات العليا في القاهرة بجامعة الأزهر.

وأكد «عبدالملك» انه راضٍ عما أصيب به، موضحاً أن الإعاقة ليست في الجسد، ومن الممكن أي إنسان مهما كانت قدراته أن يفعل ما يريده ولكن لابد من أن يمتلك عزيمة لتحقيق ذلك.

وأوضح انه يمارس حياته اليومية بالجلوس على الكمبيوتر، واستخدام الهاتف المحمول ومتابعة صفحات مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك».

وبعد تخرجه وأثناء سباحته في هذا البحر العاتم، واجهته الصدمة الكُبرى، برفض تعيينه معيدًا في الجامعة، بحجة انه ليس هناك درجة مالية تسمح بتعيينه، وقالت آراء أخرى، إن الكفيف لا يحق له التعيين، وهو ما اعتبره إهانة شديدة في حقه.

كان ما حدث في حفل التخرج عام 2017، أشبه بفيلم سينمائي غير مفهوم السيناريو، إذ فوجئ الحضور باستبعاد 17 طالبًا من الأوائل دون أسباب منطقية وتكريم 63 طالبًا فقط على مستوى الجمهورية من الجامعة.

خاطب «عبدالملك» القاصي والداني من المسئولين حتى تمكن من الوصول إلى شيخ الأزهر بعد لجوئه لبعض وسائل الإعلام وقص عليه القصص، وكان الأمر مباشرًا بتعيينه في درجة مالية بكلية اللغة العربية في جامعة الأزهر بفرع المنصورة، إلا أن المستشار القانوني للجامعة، أكد انه في حالة خلو درجة مالية، وبعد النظر في تعيين الدفعات السابقة بداية من 2013، وحتى 2017، سيتم اختياره إذا جاء دوره وتكون له الأولوية.

«عبدالملك»، الذي أرسل إلى مجلس الوزراء، ومجلس النواب، يشكو هذا الاضطهاد العمد، شعر أنه غير مرغوب فيه في هذا المجتمع، رغم ما حققه من معجزات، وعلى الرغم من إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن 2018 عام ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان هذا النداء الخير الذي يطمح أن يكون هو الأمل الأخير في الحياة، مُعلقًا: «لقد جعلت جامعة السربون في فرنسا من طه حسين عميدًا للأدب العربي، وجامعة الأزهر تعجز أن تجعلني مُعيدًا في اللغة العربية».

وناشد «عبدالملك»، الرئيس «السيسي»، أن يتم قبوله معيدًا في الجامعة، كونه حاصلًا على التقديرات المناسبة، وبأرقام استثنائية، مؤكدًا على أنه يعتز بالأزهر ويتمنى أن يكون من ضمن هيئة التدريس، وكذلك دعوته للمشاركة في منتدى شباب العالم، قائلاً: «أحلم بشرف لقاء الرئيس، وأقدر شيخ الأزهر وهو أب لي، ونحترمه وأتمنى منه استثناء لي، أن أكون معيدا في الجامعة؛ لأنه تم وقف تعيين المعيدين الفترة الماضية، ومنذ 2012 حسب الروايات، أو لأن الكفيفين ليس لهم أي تعيين، وأنا سخرت حياتى للعلم، وأتمنى أن يتم قبولى معيداً بالجامعة؛ لأنه طموحي منذ بدايته».