رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التنمر.. لا يزال ينهش لحم الأبرياء

بوابة الوفد الإلكترونية

بلطجة وعنف وسلوك عدوانى.. كلها مظاهر تنمر تفوح رائحتها فى المجتمع منذ سنوات، لكن الجديد هو فتح المجلس القومى للطفولة والأمومة لهذا الملف المهم بالتعاون مع اليونيسيف للتوعية بمخاطره بعد أن تراجع دور الأسرة والمدرسة فى التوعية، وأصبح العنف اللفظى والجسدى هو السمة الظاهرة فى المجتمع، فالوقائع التى حدثت مؤخراً فى المدارس كانت خير دليل على ذلك، فعانت المدارس من الكثير من الظواهر السلبية التى أصبحت تشكل خطورة على أطفالنا الذين سقط بعضهم ضحايا، وأصيب آخرون بحالة من الاكتئاب والعزلة، والتى كان اشهرها واقعتى انتحار الطالبة «إيمان» فى الإسكندرية، والطفلة «بسملة» فى دمياط، هذا ما جعل المختصين يقدمون النصائح والإرشادات لتوعية الأطفال والأهالى بالتعامل السليم مع تلك الظاهرة للحد منها وحتى لا يتكون لدى أطفالنا سلوك عدوانى تجاه الآخرين منذ الصغر.

فى أغسطس الماضى أطلق المجلس القومى للطفولة والأمومة حملة لمناهضة التنمر، بالمدارس، وذلك بتمويل من الاتحاد الأوروبى «اليونيسيف»، وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، هذه الحملة تأتى تحت مظلة البرنامج المشترك لبرنامج التوسع فى الحصول على التعليم وحماية الأطفال المعرضين للخطر، وكان الهدف منها هو توعية الأهالى بمعنى التنمر، وكيفية مواجهته حيث تتضمن الحملة إرشادات للآباء والأمهات عن كيفية مواجهة تلك الظاهرة السلبية، فضلاً عن تقديم الحملة للحلول والإجابات حول ما يمكن القيام به وذلك عن طريق التوعية بالتربية الايجابية للطفل.

وأصدرت اليونيسيف فى بداية الحملة بياناً حول ظاهرة التنمر التى وصفتها بأنها أحد أشكال العنف الذى يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل آخر عن عمد وبطريقة متكررة، سواء وجهاً لوجه، أو عن طريق الإنترنت بدءاً من الأذى الجسدى إلى الإساءة اللفظية والنفسية، والتى يمكن أن تؤدى إلى الإقصاء والاكتئاب وأحياناً الانتحار، وتشير البيانات إلى أن 70% من الأطفال فى مصر يتعرضون للتنمر من زملائهم فى المدارس والمجتمع.

وجاءت نتائج حملة «أنا ضد التنمر» التى انطلقت منذ بضعة أشهر لحماية الطفل، بتلقى الخط الساخن الخاص بالشكوى من التنمر 30 ألف مكالمة خلال شهر واحد، بمعدل نحو ألف مكالمة يومياً، كما أبلغت 20 ألف أسرة عن تعرض أولادهم للتنمر عبر مواقع التواصل الاجتماعى.

هذا فضلاً عن تقديم حملات توعية بظاهرة التنمر فى 3500 مدرسة على مستوى الجمهورية، واستفاد من الحملة أكثر من 800 طفل من ذوى الاحتياجات الخاصة، وتم تدريب العديد من المدرسين لمواجهتها.

أكدت دراسة أجراها كل من المجلس القومى للطفولة والأمومة واليونيسيف عام 2015، شملت ثلاث محافظات، أن أعلى مستوى من العنف يواجه الأطفال يحدث فى المنزل، تليه المدرسة، كما أكدت الدراسة أن من 29% إلى 47% من الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً عرضة للتنمر.

ومؤخراً أكدت الدكتورة عزة العشماوى، الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة، أن الحملة تهدف لرفع الوعى بمخاطر مشكلة التنمر ضد الأطفال كنمط من أنماط العنف والذى يتسبب فى مشاكل نفسية للطفل، لأن التنمر يعد أحد أسباب التعثر المدرسى والتسرب من التعليم نتيجة عزوف الطلبة عن الذهاب إلى المدرسة بسبب المضايقات التى تحدث بينهم ويكون سببها أحد الأطفال المتنمرين.

وأضافت الأمين العام للمجلس القومى للطفولة والأمومة، أن الطفل المتنمر يحتاج أى دعم وتوجيه، حيث يكون فى الغالب لديه مشكلة معينة فى الأساس تؤدى لحرصه على مضايقة أحد أقرانه لتعويض مشاكل نفسية لديه.

وأوضحت عزة العشماوى، أن هذه الحملة تعد استكمالاً لحملة التنمر التى تم إطلاقها فى أبريل الماضى، والتى كانت تعمل على مواجهة ظاهرة التنمر الإلكترونى، حيث يتم خلالها نشر عدد من المنشورات على مواقع ووسائل التواصل الاجتماعى المختلفة، فضلاً عن عدد من الإعلانات التليفزيونية والإذاعية، كما تقدم خدمة المشورة التليفونية سواء للأطفال أو مقدمى الرعاية من خلال الخط الساخن 16000 التابع للمجلس القومى للطفولة والأمومة أو من خلال الرسائل على الصفحة الرسمية للمجلس القومى للطفولة والأمومة أو صفحة خط نجدة الطفل، كما كشفت نتائج الاتصال بالخط الساخن إلى أن محافظة القاهرة هى أعلى المحافظات فى معدلات الاتصالات، بما يمثل ثلث الاتصالات، تليها محافظتى الإسكندرية والجيزة.

واحتلت الاستشارات الخاصة بالذكور النسبة الأعلى حيث وصلت إلى 70% من إجمالى الاتصالات، بينما وصلت نسبة الاستشارات الخاصة بالإناث إلى 30%، وذلك نتيجة لطبيعة الذكور الأكثر ميل للعنف والسخرية عن الإناث، كما أن الفئة العمرية من سن 10 إلى 12 سنة كانت الأعلى طبقاً للاستشارات الواردة منذ بدء الحملة، بما يزيد عن نصف إجمالى المكالمات.

وقائع التنمر عديدة ومتنوعة فلا يخلو شارع أو مدرسة أو مكان عام من تلك الظواهر التى تؤثر على الحالة النفسية للأطفال وقد تتسبب فى فقدان الطفل للثقة فى نفسه أو تدفعه للانتحار.

ففى الشهر الماضى شهدت منطقة بشائر الخير بالإسكندرية حادث انتحار الطالبة «إيمان صالح» التى تبلغ من العمر 22 سنة والتى كانت وفاتها صدمة كبيرة لأسرتها وأصدقائها، بعد قفزها من الدور الرابع، بسبب حالة التنمر التى تعرضت لها والتى سببت لها آثار سيئة على نفسيتها، فمن حين لآخر اعتادت إحدى المدرسات على السخرية منها بقولها: «إنت سودا وشبه الولاد وشكلك وحش»، تلك الكلمات المهينة تسببت فى أزمة نفسية للطالبة التى راحت ضحية التنمر من قبل مشرفات المعهد.

ومنذ أيام كانت واقعة الطفلة «بسملة» حديث وسائل التواصل الاجتماعى بعد أن تعرضت للإهانة من قبل أحد المدرسين بمدرسة الشهيد صابر بدمياط، الذى سخر منها بعد أن قال للطلاب: «اعربوا.. بسملة تلميذة سوداء»، جملة قالها أحد المدرسين أثناء شرح درس نحو بالمدرسة، ساخراً من طفلة سمراء تجلس داخل الفصل وانهارت الطفلة من البكاء، وتم التحقيق مع المعلم الذى اعتذر للطالبة خلال إحدى المداخلات التليفزيونية والتى أعلنت خلالها الطفلة عن قبول اعتذار المدرس.

وفى سبتمبر الماضى أصاب تلميذ زميله بنزيف فى المخ بمدرسة بمنطقة أبوالنمرس، حيث كان الطفل «أحمد عمرو» طالب بالصف الثالث الابتدائى فى انتظار أخيه بالمدرسة،

وفوجئ بتعدى زميله عليه بالضرب وإلقائه على الأرض مما أدى لإصابة الطفل فى رأسه، وبعد وصوله للمنزل فوجئت أسرته بتورم رأسه وعانى من نزيف فى المخ وشرخ فى الجمجمة، مما استلزم إجراء عملية جراحية سريعة لإنقاذه من الموت، وما بين الحين والآخر تتوالى وقائع التنمر التى لم تنته فمنذ أيام شهدت مدرسة النهضة الثانوية بنات، واقعة مؤسفة بعد قيام عدد من الطالبات باحتجاز زميلتهن للتنمر بها والقيام بأفعال خادشة، ما دعا الطالبة للاستغاثة بوالدها ووالدتها عن طريق هاتفها المحمول وتوجه والدها بسرعة للمدرسة ليحاول إنقاذها، لكنه فوجئ بحالة من الفوضى داخل المدرسة، وبعد إنقاذ ابنته أصيب الأب بأزمة قلبية حادة داخل المدرسة، وتم نقله إلى المستشفى ليفارق الحياة بمجرد وصوله، وكانت عقوبة الطالبات بعد تلك الواقعة التى تسببت فى أزمة نفسية للطالبة هى الفصل أسبوع من المدرسة، بينما حرمت أسرة الطالبة من الأب الذى لم يتحمل رؤية ابنته فى هذا الموقف.

 

جريمة عمرها سنوات

ومن جانبه يرى هانى هلال، خبير حقوق الطفل وأمين عام الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، أن التنمر موجود منذ سنوات طويلة لكن مع الأسف لم يكن هناك اهتمام به، فأغلب الأوقات تتعامل الأسر مع الطفل بطريقة خاطئة، فعندما يحدث أى شجار للطفل مع زملائه فى المدرسة تجبر الأسرة الطفل على أخذ حقه بيده، فيقوم كل منهما بالتعدى على الآخر، وهذا يحدث نتيجة لعدم وجود إشراف حقيقى من المدرسة، وعدم وجود رسائل تربوية يقدمها المعلم للتلاميذ، فيلجأ الأغلبية إلى العنف عند الاختلاف، ووضعنا نمط حياة لأطفالنا.

ويقول: لابد أن تكون المواجهة شاملة فالقائمون على تربية الأطفال بحاجة للتوعية واستخدام بدائل للعقاب البدنى، واتباع أساليب التربية الصحيحة والتى تقوم على التسامح وقبول الآخر، هذا فضلاً عن ضرورة وجود أداة داخل المؤسسات التربوية لوقف العنف، وتفعيل دور الإخصائى الاجتماعى فى المدرسة، وعندما تتوافر تلك المقومات سنتمكن من القضاء على التنمر.

 

إيذاء نفسى ومعنوى

ويؤكد الدكتور محمد هانى، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن التنمر يعد شكلا من أشكال الإيذاء النفسى والمعنوى.. ويقول: تتنوع أشكال التنمر ومظاهره، فمن الممكن أن يحدث عن طريق المضايقات بالضرب، والتعامل بالعنف والعدوانية أو عن طريق المعايرة أو التنمر اللفظى، وهذا يتسبب فى إيذاء نفسى ومعنوى للطفل، وهنا يجب أن يكون هناك تدخل من الأسرة والمدرسة، لأن التنمر له تأثير سيئ فقد يصيب الطفل بالعزلة وعدم إقامة علاقات اجتماعية وقد يصل الأمر للإصابة بالاكتئاب، لذا يجب أن يتم اكتشاف حالات بسرعة وإبعاد الأطفال عن بعض حتى لا يحدث رد فعل عنيف.

ويقدم الدكتور محمد هانى بعض النصائح للمدرسين وأولياء الأمور أهمها، المتابعة الدورية من المدرسة وتوعية الطفل بالطرق الصحيحة للتعامل من الأطفال المتنمرين حتى لا يتمادوا فى العنف، ولابد من إعادة تكوين شخصية الطفل المعتدى عليه، وإعادة ثقته بنفسه من جديد وتوعيته بطرق التعامل مع الناس والأصدقاء وخاصة الطفل المتنمر، هذا فضلاً عن ضرورة مراقبة الطفل المتنمر وتقويم سلوكه ومعاملته بطريقة تربوية، لأن المتنمر عادة ما يكون شخصية عدوانية ولديه اضطرابات نفسية، وأحياناً يكون هناك خلافات أسرية تؤثر على سلوكه.

ويرى الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، أن التنمر هو اعتداء لفظى أو بدنى على آخر بهدف السخرية، ويعد الطفل المتنمر والمعتدى عليه ضحايا فأولهما لديه مشاكل نفسية والآخر يشعر بأنه أقل من أصدقائه وليس لديه القدرة على وقف العنف، وهذا يعود أيضاً لغياب دور الأسرة فى التوعية وطرق التعامل مع تلك المواقف، فضلاً عن انهيار ثقافة التسامح فى المجتمع، ومع الأسف قد يترتب على ذلك حالة نفسية سيئة للأطفال، فضلاً عن الابتعاد عن التعليم، وقد يدفع التنمر إلى الانتحار أحياناً.

وهنا يرى الدكتور جمال أن القضاء على التنمر يحتاج لتفعيل دور الأسرة والإخصائى الاجتماعى فى المدرسة، وعدم الاعتماد على العقاب حتى لا ينتشر العنف والفوضى فى المجتمع.