رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«حطب الذرة» يعيد السحابة السوداء لسماء القاهرة

بوابة الوفد الإلكترونية

من جديد عادت السحابة السوداء للظهور، تصاعدت الأدخنة وغطت سماء العديد من المحافظات مؤخراً لكن تلك المرة لم يكن قش الأرز هو المتهم الوحيد، فقد ظهرت حرائق حطب الذرة أيضاً والتى لم يجد الفلاحون وسيلة للتخلص منه سوى بالحرق، ولم تكن وزارة البيئة تضع فى الحسبان أن هناك مخلفات أخرى سيقوم الفلاحون بحرقها خلال هذا الموسم فوقعت فى ورطة بعد أن قامت بتوفير مكابس قش الأرز، فاشتعلت حرائق حطب الذرة والنخيل من ناحية أخرى!

قبل بداية موسم الحصاد استعدت وزارة البيئة هذا العام لموسم حرق قش الأرز، حيث قامت بتوفير 200 مفرمة و25 مكبسا و500 متعهد فى جميع المحافظات التى قامت بزراعة الأرز.

تشير البيانات إلى أن المساحات المزروعة بالأرز هذا العام انخفضت من 2 مليون فدان إلى 826 ألف فدان، وتم السماح بزراعته فى 9 محافظات فقط هى الشرقية والغربية والدقهلية والقليوبية والبحيرة والإسكندرية وكفر الشيخ ودمياط والإسماعيلية، وينتج عن تلك المساحة المزروعة حوالى 2 مليون طن من قش الأرز، ومن المنتظر أن تقوم وزارة البيئة بتجميع من 80 إلى 90% من قش الأرز الموجود فى المحافظات، هذا فضلاً عن وجود بروتوكول مع وزارة الزراعة لجمع حوالى 350 ألف طن من قش الأرز من خلال المتعهدين الذين يقومون بتجميع القش من الفلاحين فى نهاية الموسم والموجودين بكل محافظة.

ومن جانبها أكدت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد فى تصريحاتها على انخفاض حرائق قش الأرز هذا العام بنسبة 50% بفضل تفعيل خدمة شكاوى المواطنين.

كما حددت الوزارة 50 جنيها مقابل كل طن من قش الأرز يقوم الفلاحون بتسليمه، فضلاً عن توفير مكابس ومفارم لتسهيل عمليات التجميع، وعلى الرغم من تعهدات وزارة البيئة كل عام بالقضاء على السحابة السوداء، نظراً لانخفاض المساحات المزروعة بالأرز عن العام الماضى، وتوعدها بفرض غرامات مالية تتراوح من 5 آلاف جنيه وتصل إلى 100 ألف جنيه، إلا أن هذا العام شهد العديد من الظواهر التى لم تكن فى حسبان المسئولين، حيث اشتعلت حرائق حطب الذرة مع قش الأرز، هذا فضلاً عن حرائق النخيل التى اشتعلت بالوادى الجديد والتى جاءت نتيجة إشعال بعض المزارعين النيران فى المخلفات الزراعية والأعشاب للتخلص منها وتنظيف الأرض، والتى يلجأ أغلب الفلاحين لحرقها ليلاً بعد انتهاء أوقات عمل موظفى البيئة، خوفاً من العقاب.

تشير الأرقام إلى أن متوسط الإنتاجية للذرة لهذ العام بلغ 6.3 مليون طن، مقابل 5 ملايين طن فى العام الماضى بزيادة بلغت 26%، بينما يتكلف زراعة الفدان 13 ألف جنيه بداية من شراء التقاوى حتى موسم الحصاد وينتج الفدان حوالى 3.5 طن من الذرة.

ومع بدء موسم حصاد الذرة، اشتعلت حرائق حطب الذرة فى بعض المحافظات، حيث غطت محافظة أسيوط سحابة من الأدخنة منذ أيام بعد قيام المزارعين بحرق المخلفات الزراعية، وساعد ارتفاع درجات الحرارة فى الأيام الماضية على الإحساس بالاختناق، كما عانت محافظة سوهاج منذ أيام من تصاعد الأدخنة الملوثة للهواء والتى ملأت سماء المحافظة بسبب حرائق الذرة، وطبقاً للأرقام الصادرة من مديرية الزراعة بسوهاج، فإن المساحة المزروعة بمحاصيل الذرة بلغت 152 ألف فدان على مستوى المحافظة منها 13 ألف فدان من محصول الذرة الشامية الصفراء و139 ألف فدان من الذرة البيضاء يتم حرق أكثر من 60% منها داخل الأراضى الزراعية و40% منها يتم تخزينها فى الأرض.

وتشير الدراسات إلى زيادة معدلات الإصابة بأمراض الصدر خلال شهرى سبتمبر وأكتوبر، حيث تكون هناك زيادة فى معدلات حساسية الصدر عند الأطفال وكبار السن بنسب تتراوح من 8 و10٪، فضلاً عن ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الربو الشعبى، وأورام الجهاز التنفسى.

أكد الفلاحون أن حرق المخلفات الزراعية هو الوسيلة الأسرع للتخلص منها خاصة بعد أن اهتم المسئولون بجمع قش الأرز وأغفلوا ما ينتج من باقى المحاصيل من مخلفات.. ويقول رجب عبدالفتاح، مزارع بمحافظة الشرقية: هناك الكثير من الفلاحين استبدلوا محصول الأرز بالذرة بعد أن قام المسئولون بتحديد مساحات الأراضى المزروعة بالأرز، وهناك من قام بزراعة مساحة صغيرة بعيداً عن الأعين لسد احتياجات أسرته وليس لغرض البيع، وتلك المساحات الصغيرة ينتج عنها كميات قليلة من قش الأرز، ويقوم الأهالى بتحويلها كعلف للماشية بدلاً من حرقها.

أما الحاج راضى، فأكد أنه استبدل زراعة الأرز بمحصول الذرة هذا العام، وذلك بعد ارتفاع أسعار الأسمدة وعدم توافرها.. ويقول: نلجأ لحرق حطب الذرة لعدم وجود بدائل أمامنا فالمسئولون اهتموا بجمع قش الأرز وتناسوا وجود حطب الذرة الذى يشكل أزمة لدى الفلاحين لعدم قدرتنا على التخلص منه، كما أن المكابس التى وفرتها الوزارة بعيدة عن الحقول، وهناك صعوبة فى نقلها من مكان لآخر لآن نقلها يعد مكلف، كما أن تخزينها يساعد على انتشار الحشرات والفئران، لذا فإن حرق المخلفات يعد أسهل وسيلة للتخلص منها كما أنه يعمل على تدفئة الأرض، ويعد كسماد مغذٍ للتربة.

ويقول حمدى السيد، مزارع: بعد انتهاء موسم حصاد المحصول يبدأ الفلاح فى تجهيز الأرض وإعدادها لزراعة المحصول الجديد، فيكون الحل الوحيد أمامه هو حرق مخلفات المحصول، فأغلب الفلاحين لا يهمتمون بخطورة حرق المخلفات وما يتصاعد منها من أدخنة ضارة بالصحة، فالمهم لديهم هو الاستعداد للموسم الجديد، وهناك من يقوم بتسليم القش لمتعهدى جمع قش الأرز للتخلص الآمن منه ولحماية أسرهم من مخاطر الأدخنة المتصاعدة من الحرق.

ويشكو الحاج عبدالرحيم من رائحة الدخان الناتجة عن حرق المخلفات طوال الليل مما يؤدى لإصابة الأطفال بالعديد من الأمراض الصدرية وعدم القدرة على التنفس، ويطالب المسئولون بضرورة حل تلك الأزمة التى تتكرر كل عام فى مثل هذا الوقت.

ومن جانبه أكد الدكتور عصام الحناوى خبير البيئة والأستاذ بالمركز القومى للبحوث، أن أزمة السحابة السوداء تأتى نتيجة للأدخنة المتصاعدة التى تحتوى على بعض الغازات التى تسبب ضيق تنفس عند الأطفال ومن يعانون من أمراض الحساسية، وهى ناتجة عن التقلبات الجوية فى موسم الخريف، حيث تتصاعد الأدخنة لطبقات الجو العليا فتحدث حالة من الاحتباس الحرارى قرب سطح الأرض، وتزداد تركيزات الهواء المحمل بالأدخنة، فكلما ارتفعت درجات الحرارة وارتفعت الرطوبة يزداد الشعور بظاهرة

الاحتباس الحرارى.

ويقول: هناك عوامل أخرى تساعد على ظهور السحابة السوداء، فقش الأرز ليس المتهم الوحيد، فحرق المخلفات الزراعية وعوادم السيارات وحرق القمامة من أهم الأسباب أيضاً، وهنا يجب على الحكومة أن تتبع التكنولوجيا الحديثة فى تدوير المخلفات، فتدوير قش الأرز عملية اقتصادية فى المقام الأول، فلكى يتم تدوير قش الأرز يجب أن تتوافر الإمكانيات الاقتصادية التى من خلالها يتم تحويله إلى أسمدة يستفيد منها الفلاح، ويجب أن يتم عمل دراسات جادة للاستفادة من المخلفات الزراعية، مع نقل تجارب الدول الأوروبية، ويرى أن كل ما بذلته وزارة البيئة يعد جهودا فردية، فحتى الآن لا توجد خطة للتخلص النهائى من قش الأرز.

 

44 مليون طن مخلفات زراعية سنوياً.. والخبراء: استغلالها يسد العجز فى الأسمدة العضوية والأعلاف

على الرغم من إغفال الفلاحين لاهمية المخلفات الزراعية التى يتم حرقها فى نهاية كل موسم حصاد، والتى تقدر بحوالى 44 مليون طن سنوياً، ويتم اهدارها دون الاستفادة منها، الا ان الكثير من الدول ادركت اهمية تلك الثروات التى يمكن ان تتحول لكنز لا يفنى، فاستغلت كل دولة تلك المخلفات حسب احتياجاتها، تلك الطاقة المتجددة من الممكن أن تتحول لثروة هائلة تساعد على حل الكثير من الازمات التى يعانى منها الفلاحون، لكن الامر يحتاج لمزيد من التوعية بضرورة الاستفادة من تلك الثروات.

تشير البيانات الى ان مصر تنتج سنويا 75 مليون طن من كافة انواع المخلفات، وتنفق مصر سنويا حوالى 2 مليار و300 مليون جنيه للتخلص من المخلفات، كما يصل إجمالى انتاج مصر من المخلفات الزراعية لنحو 44 مليون طن سنوياً، ويرى الخبراء ان استغلال كميات منها فى الزراعة نفسها يمكن ان يساعد فى سد العجز فى إنتاج الأسمدة العضوية والأعلاف.

الدراسات تشير الى حاجة الأراضى الزراعية لما يزيد على 350 مليون متر مكعب من الأسمدة العضوية سنوياً، نتيجة التوسع الافقى فى الاراضى المستصلحة وتمثل المساحة المزروعة من الأراضى الزراعية حوالى 4% من قيمة المساحة الكلية لمصر، وينتج عن كل محصول ما يقرب من 5 إلى 6 أطنان من المخلفات.

وزارة البيئة من جانبها وضعت العديد من الخطط التى يمكن من خلالها الاستفادة من قش الأرز واستخدامه فى صناعة الورق، والسماد العضوى صناعى، إلا أن تلك الخطط لم تدخل حيز التنفيذ الجاد، فمازلنا نفقد مئات الأطنان من المخلفات فى الحرق.

تفوقت النرويج والسويد فى إعادة تدوير المخلفات لاستخدامها كوقود غير مكلف لتوليد الكهرباء، وتمكنت اليابان التى تعتمد على الأرز فى غذائها بصورة أساسية، على إعادة تدوير قش الأرز واستخدامه كأسمدة للتربة، وذلك لاحتوائه على ألياف طبيعية يمكن الاعتماد عليها فى تغذية التربة، كما قامت بعمل تماثيل عملاقة من قش الأرز وتعتمد الكثير من المصانع الأوروبية على تصنيع الورق من قش الأرز، لكونه من المصادر المتجددة، وقد بدأ التفكير فى استخدامه كمادة بناء منذ سنوات طويلة فى العديد من البلدان، فقد استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية فى بناء منازل الفلاحين والمدارس والمحلات نظراً لنقص الأخشاب، حيث يتم تحويل قش الأرز لألواح مضغوطة، يمكن من خلالها إقامة العديد من المنازل.

الدكتور سيد عبدالبارى، أستاذ الكيمياء بجامعة المنصورة، يرى أن الأراضى الزراعية تنتج كميات كبيرة من المخلفات، وتلك المخلفات يتم حرقها للتخلص منها رغم أنه من الممكن إعادة تدويرها والاستفادة منها لأنها كنز لا يفنى، لكنها مازالت ثروات مهملة، فحتى الآن لا توجد لدينا خطط واضحة للاستفادة منها، فالكثير من الدول الأوروبية لها تجارب رائدة فى إعادة التدوير ويمكننا الاستعانة بها، ويقول: على سبيل المثال من الممكن تحويل قش الأرز إلى أخشاب، وبعض الدول استطاعت تحويله إلى ورق، فضلاً عن إمكانية تحويله إلى أسمدة مغذية للتربة بعد طحنه وإضافة اليوريا والماء إليه، أو استخدامه كعلف للماشية، فالمخلفات الزراعية لها أهمية كبيرة لكونها من الطاقة المتجددة والتى يمكن أن تتحول إلى وقود حيوى.. ويطالب الدكتور سيد عبدالبارى بضرورة توفير ماكينات لطحن المخلفات، وإنشاء هيئة لتجميع كافة المخلفات الزراعية، والاستعانة  بتجارب الدول التى حولت المخلفات إلى كنز لا يفنى.