عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دنيا الإدمان: الداخل مفقود .. والخارج «متعذب»

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق: محمود هاشم / إشراف: نادية صبحي

لم تكن وفاة الشاب محمد هو الحادثة الأولى بسجل وفيات مراكز التعافى من الإدمان، التى تنتشر بعدد من المحافظات، دون رقابة من الأجهزة الرقابية المختصة بوزارة الصحة، ولكنها أطلقت جرس إنذار، سلط الضوء على هذه المراكز، والتى يلجأ إليها الشباب، آملين فى العلاج فى سرية، بعيدًا عن أعين أسرهم، لكى لا يتعذبوا برؤيتهم ويتألموا جراء الأعراض الانسحابية للمخدرات من أجسادهم.

ففى الوقت الذى تبذل مؤسسات الدولة المختصة جهودها لمكافحة انتشار المخدرات فى الشوارع والقضاء على الإدمان، بغية إعداد جيل واع قادر على تخطى الصعاب وتحقيق غدٍ أفضل للبلاد، تظهر مجموعة من ضعاف النفوس ومستغلين الضعفاء تحت تأثير إدمان المخدرات، ويتسارعون لإنشاء «شُقق»، يطلقون عليها مراكز علاج إدمان، غير مرخصة، ولا تخضع لأى رقابة من أى جهة.

ويستغلون حاجة الشباب الراغبين فى الإقلاع عن المخدرات للعلاج فى سرية، فيكفى بعض العاطلين وأرباب السوابق شراء جهاز تحليل وشرائط تحليل وأمبولات، لفتح مركز لعلاج الإدمان، مخالف للقوانين والتعليمات المنظمة لهذا الشأن.

يقول أحمد سمير 30 عامًا أحد سكان شبرا الخيمة،: أصدقاء السوء هم من أوقعونى، فى دوامة شرب السجائر والسهر، حتى أقنعونى بتعاطى سجائر الحشيش فى المناسبات والأفراح الشعبية ومع مرور الوقت أحسست بأن دماغى بيصدع ونفسى أتناول الحشيش بعد ابتعاد أصدقائى عنى بسبب ظروف الحياة القاسية».

وتابع «سمير»: اتجهت إلى ديلر المنطقة، وطلبت شراء سيجارة حشيش ملفوفة لعدم قدرتى على تجهيزها للتعاطى، ونظر إلىّ ضاحكًا وطلب 20 جنيهاً فى السيجارة، فدفعت له ما طلب وعدت إلى البيت مسرعًا لتناول مخدر الحشيش وبعدها لم أعد أدرى ما يحدث من حولى بعد تعاطى السيجارة.

وتابع: عندما ذهبت للديلر مرة أخرى، أعطانى مخدر «الاستروكس» بعد إقناعى أنه أرخص من مخدر الحشيش، وأسرع منه فى المفعول، وعقب تناولى سيجارة «الاستروكس» لم أعد أشعر بالدنيا من حولى، وبعد أن أسترد وعيى بعد مدة أجد ملابسى ممزقة، والجيران يحاولون إفاقتى، مؤكدين أنى تعرضت لنوبة من التشنجات العنيفة، مضيفًا: «منهم لله أصدقائى، فهم من أوقعونى فى الإدمان».

مأساة أخرى عاشها حسين أحمد 40 عامًا يسكن بمنطقة شبرا الخيمة، ويرويها قائلاً: أنا بعت كل ما ورثته عن أبى وأمى لعلاجى من مخدر الأفيون، وضاع عمرى فى تعاطى هذا المخدر الملعون، وكان فى اعتقادى أنه مفيد للجسم، ومنشط عام ولكن لم أعلم أنه سيأتى على كل ما أملكه وأفضل مرمى فى الشارع، بعد ما كنت أمتلك 3 شقق و«فرن بلدى».

وتابع «أحمد»، السبب الرئيسى فى طلاق زوجتى وضياع أطفالى من 15 سنة هو مخدر الأفيون، كنت أتناوله بكثرة، ولا أعتقد أن العمر بيجرى فى لحظة كأننى كنت لسه إمبارح أتعاطى مخدر الأفيون.

وتابع «أحمد»، مكنتش بقدر أشتغل إلا بعد تناول المخدر، وفى حال عدم عدم تناولى مخدر الأفيون، كان جسمى يرتعش وأفضل أفرز سوائل من فمى، وكان الجميع يتجنبنى خوفًا من مظهرى، وعند الذهاب إلى الأطباء دائمًا ما كانوا ينصحوننى بالابتعاد عن المخدرات، ولكن لم أكن أقدر على تنفيذ النصيحة، إلا بعد ضياع عائلتى وأولادى، وتزوجت زوجتى بعد الطلاق من رجل آخر، ولديها 5 أطفال فى مراحل التعليم المختلفة ولا أعلم أين أولادى الثلاثة حتى الآن.

والتقط بشار حسنى يسكن بشارع الزهور بمنطقة الزاوية الحمراء ويبلغ من العمر 35 عامًا، ليقول: أنا ذهبت كثيرًا لمراكز علاج الإدمان، ولم يعطونى العلاج المناسب، ودائمًا كانوا يطالبوننى بتكاليف العلاج الضخمة ودفعت حتى الآن 75 ألف جنيه على مراحل مختلفة لتناول العلاج المناسب ولم أشعر بتقدم.

وأضاف «حسنى»، مركز علاج الإدمان دائًما يحدد عددًا من الأيام ليتقاضى 10 آلاف جنيه، وعند شعورى بعد التقدم فى العلاج، توجهت لمركز آخر وحدد لى 40 يومًا لتلقى العلاج ووعدنى بعد المدة المحددة سأعود إنسانًا جديدًا مرة أخرى، مقابل 30 ألف جنيه ولم يصدق وعدهم.

وتابع «حسنى» قائلًا: أنا خلاص زهقت، مقدميش غير أنى أفضل زى منا، علشان محدش من مراكز الإدمان ينصب عليا أكتر مما سبق»، مطالبًا مؤسسة مكافحة الإدمان بإنقاذ المدمنين من فخ مراكز العلاج الوهمية.

وأشارت إحصائيات إلى أن عدد المدمنين بمصر بلغ 5 ملايين شخص، ويبدو أن هذا الرقم أغرى البعض لانتحال صفة أطباء، وإنشاء مراكز علاج وهمية للإدمان، تحت مسمى مراكز الـ«هاف واى» أو منتصف الطريق والمنتشرة فى أوروبا منذ فترة طويلة ووجدت رواجًا فى مصر مؤخرًا، ولكن أصحاب النفوس المريضة حولوا بعض تلك المراكز إلى أوكار للنصب على هؤلاء الشباب المدمن، حيث يتعرض المدمن داخل تلك المراكز للتعذيب صعقًا بالكهرباء تارة والضرب تارة أخرى، وغيرها من وسائل التعذيب تحت مسمى علاج.

شكرى السيد، 33 عامًا، تاجر قطع غيار كمبيوتر، أراد أن يعالج نفسه من الإدمان، ولكنه وقع فى شباك وكر لعلاج الإدمان والنصب، حيث يقول: توجهت لأحد مراكز الإدمان المسمى بالهاف واى أكثر من مرة، وكانت تجربة سيئة جدًا ربما تكون أصعب من الإدمان نفسه، حيث إنهم قالوا لى إننى سأجد الرعاية الصحية، وإن المركز مرخص من وزارة الصحة، ودفعت 5 آلاف جنيه، وكل من يعملون بالمركز مدمنون سابقون، وطلبوا منى أن أختار مشرفًا من هناك، وبالفعل اخترت أحدهم، وحكيت له كل تفاصيل حياتى، وطلب مقابلة زوجتى بحجة تعليمها طريقة التعامل معى، وحدثت مشاكل بينى وبين زوجتى بعد ذلك وتم الطلاق.

واكتشفت بعد ذلك أن هذا المشرف كان مُسجلًا فى الشرطة مخدرات وتزوج زوجتى، وأنه كان سبب الطلاق حتى يتزوجها، وبشكل عام ما يحدث فى تلك المراكز هو أنه يوجد برنامج يأتى من الخارج لعلاج الإدمان، ويعتمد على أن المعالجين يكونون من المرضى السابقين، حيث إنهم الأفضل للمشاركة فى علاج المدمنين، لأنهم يشعرون بهم وبحالتهم أكثر، وهذا هو أساس مراكز الهاف واى، وما رأيته أنه يكون هناك مدمن سابق يحاول إقناع أى مدمن أو أسرته بالعلاج فى المركز الذى يعمل به، ويحصل على المقابل، وإذا كان المريض لا يريد أن يذهب معهم فيخدروه أو يرسلوا إليه بلطجية للقبض عليه.

وواصل «شكرى»: يبدأ العلاج بـ5 آلاف إلى عشرة آلاف جنيه، ويعاملون المدمن معاملة سيئة ويكبلونه، ويكون هناك حفلات من الضرب والتعذيب وهناك حقن تسبب تشنجات عصبية، وهذا كله حدث أمامى مع بعض الحالات، وطلبوا منى أن أعمل معهم، وعشت تلك القصة، ولكنى وجدت أن الأمر به تعذيب وأن الفلوس التى سأكسبها من ورائهم حرام ومتاجرة بعذاب الآخرين، فلا توجد فى تلك المراكز إعادة تأهيل أو أى إشراف طبى، ونادرًا ما يأتى أى طبيب للإشراف، ونجد أن المشرفين والمعالجين مسجلون وسوابق، بجانب مراكز «الديتوكس» والتى يتم

فيها سحب المخدر من الدم، ولدى أصدقاء كان يتم ربطهم فى الشجر ويأكلوا أقذر أكل فى تلك الأماكن، ولديهم مبدأ «كسر المدمن»، حيث إنهم يرون أنه يجب أن يعانى المدمن معاناة قوية حتى لا يعود للإدمان، ويتعرض للصعق بالكهرباء والربط فى السرير وكل أشكال التعذيب بهدف ألا يفكر فى العودة للمخدرات مرة أخرى.

وواصل: أناشد مسئولى مصر.. أرجوكم أنقذوا الشباب الذين يريدون التعافى من الإدمان واضربوا بيد من حديد على أولئك الذين يستغلون مصائب المتعافين من الإدمان.

ويؤكد محسن سالم أحد المتعافين من إدمان المخدرات، على ضرورة أن يعفو المجتمع ويسمح بإعادة إدماج المدمنين لأنهم ضحايا وليسوا مدانين، فلا أحد يعلم الغيب، مضيفًا «فى واحدة فى محيطنا كانت مانعة ابنها منعًا باتًا يقولى صباح الخير، بعد التعافى والدته أخدت رقمى وطلبت مساعدتى، لأن ابنها أدمن وهو دلوقتى أتعالج ولسه خاطب، وأنا كنت بفضل الله سببًا فى علاجه».

 

قهوة المتعافين

لم يكن يتخيل أن المقهى الذى سيشارك فيه سيتحول إلى حاضنة للمتعافين فى الإسكندرية، ليكونوا داعمين لبعضهم البعض على الاستمرار فى الإقلاع عن المخدرات، فمنذ دخلنا مقهى معتز، المتعافى منذ أكثر من 3 سنوات، والذى استضفنا فيه ولا حظنا أن جميع المتواجدين على «الترابيزات» المختلفة يعرفون بعضهم البعض، وهنا قاطع معتز الأسئلة التى بدرت إلى ذهنى «أيوه اللى فى المكان هنا أغلبهم متعافون بييجوا يطمنوا على بعض، اللى عنده مشكلة أو متضايق عارف أنه هاييجى هنا هيلاقى حد يفهمه ويستوعبه».

ولم يكن المقهى هو المشروع الأساسى الذى افتتحه معتز من قرض الصندوق الذى صرفه فى نوفمبر الماضى، حيث قال: «أخدت القرض عشان أجدد مصنع أبويا لملابس التريكو، هو كان مقفول ومحتاج معدات وخيوط، وأخذت القرض وجددته واشتغلت موسم الشتاء اللى فات وبنستعد دلوقتى للموسم الجديد، وعلشان شغل المصنع موسمى فكرت فى الكافيه معاه عشان يكون عندى دخل مستمر».

وبسؤال «معتز» عن فترة إقلاعه عن المخدرات نظر إلى ساعته بتلقائية، ثم قال مبتسمًا: «بقالى 3 سنين و9 شهور و7 أيام، وببص فى الساعة عشان أعرف التاريخ لأنى بحسبها باليوم»، ومعتز كان من أوائل المتعافين الذين ساهموا فى وضع أسس للعلاج بمستشفى العباسية بالقاهرة، حيث عمل معالج إدمان بعد 11 شهرًا من تعافيه فى مستشفى المعمورة لعلاج الإدمان، وقام بنقل خبرته التى اكتسبها لمستشفى العباسية، حيث لم تكن فى ذلك الوقت لديه «سيستم» للعلاج والتأهيل، قائلاً: «أكتر حد هيصدقه المدمن واحد كان مدمن زيه مر بنفس ظروفه وحس بنفس مشاعره».

وبنظرة أمل قال: «أنا لما دخلت البرنامج من 3 سنين مكانش فى قدام منى غير 5 تقريبًا اللى كانوا مبطلين، النهاردة فى طفرة فى العدد، وفى آخر حفل لمستشفى المعمورة من سنتين العدد كان 100، أعتقد لو عملنا الحفلة دى السنة دى هيكون العدد تضاعف».

«معتز» له تجربة سابقة لنشر صورته فى الإعلام، ولكنها للأسف كانت فى فترة إدمانه عندما قُبض عليه فى 2010 وهو يتاجر، علقّ عليها قائلًا: «بدأت أبيع مخدرات واتحبست فى مرة وقعدت فترة 8 أشهر تحقيقات، أنا لسه عندى الجرنال اللى اتنشر فيه خبر القبض عليا وعلى عنيا شريطة سودا محتفظ بيه عشان أفتكر وأحافظ على أنى مرجعش للمخدرات».

القبض على «معتز» كان صدمة لأهله، لأنهم لم يكونوا على علم بإدمان ابنهم على الرغم من تعاطيه لـ14 عامًا، وقال: «فى الأول كنت بحاول أدارى ومحدش يعرف عنى حاجة، وكان ليا علاقات بتجار، وبالتالى المخدر موجود، لحد ما علاقتى بالتجار بدأت تتغير ولقيوا حد يوزع أحسن منى، بعدها بدأت أسرق من البيت وبدأوا يعرفون المشكلة».

«فى الحفل» معتز لم يكن لديه أى شعور بالندم على ما يفعل، ولكن مواقف متراكمة أدت الى لحظة الصدق التى قرر فيها التعافى، وقال «بقى فى رفض اجتماعى ليا، واكتر حاجة كانت مأثرة فيا أنى كنت أروح لأختى البيت تبص من العين السحرية لو لقيتنى متفتحش الباب وتطفى النور عايزة تقولى أنا جوه ومش هافتحلك، كل ده بدأ يصحى فيا شوية حاجات، والموقف اللى قررت بعدها إنى هتعالج فى يوم كنت عايز فلوس ومفيش فى البيت ووالدتى نزلت تستلف من حد من الجيران قالها أنا مش هاديكى الفلوس لأن معتز هايخدها يضرب بيها، ولما أمى عيطت قدامه الراجل عطاها الفلوس، وقالها أنا ممكن أديكى لحد مليون جنيه بس يتعالج»، وبالفعل اتعالجت وتجاوزت أزمتى.