رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصانع الغزل.. تنسج ثوب الأمل

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق: نادية مطاوع

24 مليار جنيه هى طوق النجاة الجديد الذى أعدته الحكومة مؤخراً لإنقاذ صناعة الغزل والنسيج، أحد أقدم وأهم الصناعات المصرية، والتى تستوعب ما يقرب من 1.2 مليون عامل يعولون حوالى 6 ملايين نسمة.

ورغم الاستثمارات الضخمة التى تستوعبها هذه الصناعة والتى تقدر بـ 50 مليار جنيه، فإنها تعانى من مشاكل عديدة منذ سنوات طويلة، لم تفلح محاولات البيع ولا المسكنات فى علاجها وتراكمت ديون مصانعها حتى وصلت إلى 33 مليار جنيه، ومن ثم أصبح لابد من حل جذرى لأزمات تلك الصناعة التى تسهم بـ 26% من الدخل الصناعى لمصر وتقدر صادراتها بـ 7 مليارات دولار رغم كل مشكلاتها.

ولما لهذا القطاع من أهمية كبرى على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى أصبح إنقاذه من عثرته ضرورة، ولذا رصدت الحكومة مبلغ الـ 24 ملياراً لإنقاذ شركات القطاع العام خاصة أن مصر أعلنت فى العام الماضى العمل بمشروع «من البذرة للكسوة» للنهوض بزراعة القطن وتصنيعه، ولم يبق سوى التنفيذ وتوفير هذا المبلغ من بيع الأراضى المملوكة للشركة القابضة والشركات التابعة، إلا أن شبح الفشل يهدد الحلم خاصة أن الحكومات السابقة وعدت مراراً بحل مشكلة هذا القطاع إلا أن شيئاً فعلياً لم يحدث.

عرفت مصر صناعة الغزل والنسيج فى عصر النهضة الصناعية التى بدأت مع حكم محمد على، وتطورت هذه الصناعة حتى أصبحت من أهم الصناعات الرئيسية التى يعتمد عليها الاقتصاد الوطنى، خاصة أنها من الصناعات كثيفة العمالة، التى تستوعب عدداً كبيراً من الأيدى العاملة، التى تصل إلى 1.2 مليون عامل، موزعين على حوالى 4 آلاف مصنع تتنوع ملكيتها ما بين القطاع العام والخاص، إلا أن مشكلة سوء الإدارة كانت لشركات القطاع العام بالمرصاد، فحققت معظم هذه الشركات خسائر كبيرة مما أدى إلى اتجاه الدولة إلى خصخصتها فى بداية التسعينات بموجب القانون رقم 203 لسنة 1991، إلا أن المستثمرين الذين اشتروا عدداً من هذه الشركات لم يحرصوا على هذه الصناعة فساءت أحوال الشركات، وتعرض العمال لمجزرة المعاش المبكر، ومن بقى منهم ظل يعانى الأمرين، من مشكلات لا حصر لها بسبب توقف معظم المصانع وتدنى الأجور واستمرار مسلسل الخسائر، ورغم تحويل الشركات إلى قطاع الأعمال العام تحت مسمى الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والتى تتبعها 32 شركة، إلا أن أحوالها لم تتحسن بل ازدادت سوءاً.

وأرجعت دراسة لجمعية صناع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى مشاكل صناعة الغزل والنسيج المصرى إلى زمن بعيد، حيث كانت الشركات تعتمد على الدولة اعتماداً كلياً فى تصريف منتجاتها فى ظل القطاع العام، أو من خلال تصدير السلع النسيجية لدول أوروبا الشرقية من خلال اتفاقيات التبادل السلعى المتكافئة التى اعتادت مصر توقيعها مع هذه الدول، ثم اتبعت الدولة سياسة الدعم أو البيع بسعر التكلفة، فكان ذلك أبرز وأهم العوامل التى ساعدت على تعثر الصناعة فى ظل عدم وجود سيولة مالية لدى الشركات، بالإضافة إلى الإهمال الشديد فى إحلال وتجديد الآلات والمعدات، مع عدم وجود إدارة علمية تطبق مبدأ الثواب والعقاب، وتضخم حجم العمالة، كل هذه الأسباب أدت إلى رفع سعر التكلفة وضربت الصناعة الوطنية فى الصميم، وترتب على ذلك تراكم المديونات على الشركات، واختلال الهيكل التمويلى لشركات صناعة النسيج والملابس الحكومية، والتى لجأت للاقتراض من البنوك لتمويل عمليات الإحلال والتجديد بفائدة وصلت إلى ٢٠٪ فى بعض الفترات مما أدى فى النهاية إلى انهيار عدد كبير من الشركات المصرية العريقة على رأسها شركتا مصر حلوان للغزل والنسيج التى وصلت خسائرهما إلى ٢٠٠ مليون جنيه، والقاهرة للمنسوجات الحريرية التى تمت تصفيتها نهائياً بالإضافة إلى المشاكل المالية الطاحنة وندرة السيولة التى تعانى منها حالياً مصانع النسيج التابعة للقطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى تهالك الآلات والمعدات وعدم تطويرها.

 

مشاكل القطاع الخاص

 ولم تتوقف مشاكل صناعة الغزل والنسيج على شركات قطاع الأعمال فقط بل امتدت أيضاً إلى مصانع القطاع الخاص والتى يصل عددها وفقاً للإحصاءات إلى 2600 مصنع، وذلك منذ عام 1994 عقب إعلان الحكومة تحرير تجارة القطن، مما جعل القطن المصرى أعلى سعر موجود فى العالم مع انخفاض إنتاجية الفدان من ١٣ قنطاراً إلى ٣.٨ قنطار فقط، فتضاعفت خسائر الشركات.

بالإضافة إلى مشكلة التهريب التى كانت سبباً فى تكبيد الشركات خسائر فادحة على مدار الأعوام الماضية، كذلك تعانى صناعة الغزل والنسيج من مشكلات ارتفاع الضرائب التى تدفعها للحكومة فهناك ضريبة مبيعات بنسبة ١٨٪ من قيمة الخامات و١٠٪ على الآلات المستوردة و٣٠٪ رسوماً جمركية و٣٢٪ ضريبة أرباح صناعية وضريبية إيراد عام تبدأ من ٨٪ وتصل إلى ٤٧٪ وضريبة أجور تبدأ من ٢٪ وتصل إلى ٢٢٪ وضريبة دفعة تتراوح بين ٦ فى الألف و١ فى المائة والتأمينات الاجتماعية على الأجور ٤٠٪ منها ٢٦٪ لصاحب العمل و١٤٪ للعامل و٨٪ ضريبة عقارية، بالإضافة إلى ذلك زادت أسعار الطاقة بنسبة ١١٠٠٪ خلال الفترة من الثمانينات وحتى الآن، وبعد تحرير سعر الصرف زادت المشكلات نتيجة لارتفاع أسعار الغزول المستوردة وعدم توافرها وهو ما أدى إلى توقف العديد من المصانع عن العمل.

 

الإصلاح ممكن

كل هذه المشكلات كانت سبباً فى انهيار واحدة من أكبر الصناعات الوطنية التى كان لها دور بارز فى نمو الاقتصاد المصرى على مر التاريخ، ولذلك يرى المهندس عبدالفتاح إبراهيم رئيس النقابة العامة لعمال الغزل والنسيج ونائب رئيس اتحاد العمال أن هناك 4 محاور رئيسية لإصلاح هذه الصناعة، وهى التوسع فى زراعة القطن متوسط وقصير التيلة حيث إنهما يمثلان 98% من استهلاك المصانع فى مصر، وهذه النوعية من الأقطان تجود زراعتها فى تربة الوجه القبلى، وتعطى إنتاجية عالية، مما يشجع الفلاح على زراعتها، كما أن تكلفته ستكون أقل على الصناع الذين سيتسلمونه من الفلاحين مباشرة.

أما المحور الثانى فهو إعادة هيكلة الماكينات والآلات الموجودة فى شركات قطاع الأعمال العام، وهو ما قامت به الحكومة مؤخراً حينما أسندت هذا الملف لشركتى وارنر وصحارى لتطوير 25 شركة بتكلفة 6 مليارات جنيه.

والمحور الثالث هو رفع الرسوم الجمركية على الواردات من الغزول والأقمشة، ومنع التهريب لحماية المنتج المصرى، مشيراً إلى أن التهريب قل كثيراً عما قبل ولكن لابد من توفير كافة وسائل الحماية للمنتج المحلى.

أما المحور الرابع فهو إعادة هيكلة العمالة الفنية فى شركات قطاع الأعمال العام، والتى من المفترض أن تكون 85% للعمالة الفنية و15% للخدمات، إلا أن معظم الشركات تعانى من اختلال هذه النسب لتصل إلى 50% أو 60% للخدمات فى بعض الشركات وهو ما يؤدى إلى نقص العمالة الفنية التى تدير الآلات، وهو أمر لابد من معالجته حتى تعود الروح لصناعة الغزل والنسيج.

منذ تسعينيات القرن الماضي

التطوير.. كثير من الخطط والتنفيذ «مفيش»

 

منذ تسعينيات القرن الماضى وصناعة الغزل والنسيج تعانى أزمات، ولما لم تنجح حكومات ما قبل ثورة يناير 2011 فى التخلص من الشركات عن طريق البيع، بدأت فى الحديث عن التطوير وإعادة الهيكلة لإنقاذ هذا القطاع المهم والحيوى، وبعد قيام الثورة استأنفت الحكومات نفس الحديث ولكن الخطط كانت تتوقف دائماً لأسباب غير معلنة، حتى جاءت حكومة المهندس إبراهيم محلب لتعلن خطة للتطوير خلال 12 شهراً بعد الاستعانة ببيوت خبرة أجنبية، حيث تم إسناد العملية لبيت الخبرة الأمريكى «وارنر» مقابل مليون دولار لإجراء دراسة لتطوير 25 شركة تابعة للشركة القابضة للغزل والنسيج من أصل 32 شركة، وأعلن المهندس أحمد مصطفى رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج أن تنفيذ الخطة سيبدأ فى شهر مارس 2016، ويقدر التمويل اللازم لهذه العملية بـ 5 إلى 6 مليارات جنيه، سيتم توفيرها من التمويل الذاتى، حيث إن أرض شركة سيتيا ستوفر مليارى جنيه، وباقى المبالغ سيتم توفيره من الأراضى غير المستغلة للشركات التابعة للشركة القابضة، إلا أن المشروع توقف أيضاً، ليخرج علينا المهندس مصطفى مؤخراً معلناً أن الحكومة حددت القيمة الإجمالية لخطة تطوير وتحديث قطاع الغزل والنسيج المملوك للدولة، بنحو ٢٤ مليار جنيه، قابلة للزيادة، وأكد أن الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج بتكليف من وزير قطاع الأعمال العام، بدأت فى تقييم عدد كبير من أراضيها، عبر جهات التقييم الحكومية، تمهيدًا لبيعها وتوفير التمويل اللازم، لتنفيذ خطة تطوير الشركات وتحديثها، كان وزير قطاع الأعمال السابق المهندس خالد بدوى عقد عدة اجتماعات تنسيقية مع وزيرى الزراعة والصناعة للاتفاق على سياسات القطن وزراعاته، بما يخدم تطوير صناعة الغزل والنسيج، مؤكداً أن الخطة الجديدة تشمل تطوير المحالج وتقليص عددها من ٢٥ محلجاً إلى ١١ فقط، ليكون تواجدها فى المحافظات التى تضم زراعات للأقطان، على أن يتم تحديث المعدات على أعلى مستوى تكنولوجيا وكفاءة، مع تدريب العاملين، ثم تأتى بعد ذلك مرحلة تطوير الغزل والنسيج، وأكد رئيس الشركة القابضة فى تصريحاته أن المديونيات التاريخية والحديثة التى تتراكم على كاهل شركات الغزل والنسيج، تؤول لعدة جهات على رأسها بنك الاستثمار القومى ووزارتى الكهرباء والبترول، نظير استهلاك الغاز، فضلًا عن هيئة التأمينات. وأوضح أنه تم تحديد بعض أراضى الشركة القابضة والشركات التابعة ستوجه لسداد المديونية لصالح الجهات الدائنة، كما تم تحديد أراض أخرى ستؤول لبنك الاستثمار القومى، والباقى للتأمينات وشركة الغاز.

وأشار إلى أن جهات دائنة لا ترغب فى الأراضى بنظام المبادلة مع الديون، لكن التعامل يتم بالسداد النقدى، وبالتالى سيتم التصرّف فى الأراضى وسداد الديون نقدًا، وهو ما سيستغرق وقتًا طويلًا.

يذكر أن هذه ليست الخطة الأولى التى يعلن عنها رئيس الشركة القابضة، ففى العام الماضى أعلن رئيس الشركة القابضة أن الحكومة أعدت خطة خمسية للنهوض بشركات قطاع الغزل والنسيج فى الوجه البحرى لتعود مرة أخرى جاذبة لصناعة الغزل والنسيج، وقدر تمويلها بمبلغ 20 مليار جنيه، على أن يتم تمويلها من بيع الأراضى التابعة للشركات على أن تنتهى هذه الخطة عام 2023، إلا أن هذه الخطة توقفت كسابقتها، ولم يعلن أسباب توقفها، حتى جاء الإعلان عن الخطة الجديدة ليعيد الأمل إلى مليون و200 ألف عامل لإنقاذ شركاتهم التى يتوقف عليها مصيرهم ومصير أسرهم.