رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مستشفيات الحكومة.. الموت فى أحضان الهموم

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق - حسام أبوالمكارم: إشراف: نادية صبحى

 

تحسين منظومة الصحة، وتوفير الرعاية اللازمة للمواطنين، أحد أهم الملفات والتحديات التى تواجه الحكومة الجديدة برئاسة المهندس مصطفى مدبولى، بعد أن تغلغل الإهمال الطبى والفساد الإدارى داخل المستشفيات الحكومية، وتحول حلم الحصول على خدمة طبية جيدة إلى «كابوس» يراود المواطنين، منذ تولى الدكتور أحمد عماد الدين مسئولية وزارة الصحة فى حكومة المهندس شريف إسماعيل.

ومن خلال جولة «الوفد» الميدانية على المستشفيات الحكومية، رصدنا خلالها حال المستشفيات ومدى الإهمال والفوضى اللذين ضربا المنظومة الصحية فى مقتل.

 

1- مستشفى المطرية.. خرابة

«مستشفى المطرية» لا أجهزة ولا أدوية.. دورها الوحيد تحويل المرضى إلى مستشفيات أخرى بحجة عدم توافر إمكانيات أو سوء حالات المرضى، هكذا يقول هانى توفيق، أحد المرضى الذين تعرضوا لحادث أدى إلى كسر فى القدمين، مؤكدًا أن المستشفى كان يرفض استقباله تمامًا لولا المعارف.. وهو يحتاج إلى عملية جراحية حتى يتمكن من السير مرة أخرى. المستشفى لا يحرك ساكنًا رغم أن الأطباء أكدوا أن استمراره دون إجراء العملية يتسبب فى مضاعفات قد تؤدى إلى عدم قدرته على الحركة مرة أخرى.

وتابع: «مستشفيات الحكومة اسم فقط، لا تجد فيها سوى أجهزة متهالكة وأطباء غائبين.. وإن حضروا فكل ما لديهم سماعة وجهاز ضغط يكشفون بها على جميع المترددين عليهم، بدءًا من مرضى السرطان والقلب حتى المصابين بنزلات البرد والإنفلونزا».

وأضاف محمود عاشور أن الإهمال الذى استشرى فى أقسام الطوارئ والاستقبال فى المستشفيات الحكومية حرم الغلابة من أبسط حقوقهم فى الرعاية الصحية، والعلاج المجانى، وتركهم فريسة للأمراض، وعدم وجود أجهزه تساعد على تشخيص حالة المريض لتقديم العلاج المناسب له.

 

2- مستشفى حلوان.. «إكرام المريض قتله»

 أبواب مفتوحة على مصراعيها لكل المارين بجوارها، تتمكن من التجول داخل كافة أدوار المستشفى دون أن يعترضك أحد، لا تستقبل المرضى جميعًا، لا تشعر بأى تأثير من طاقم الأمن المنوط بحمايتها، وتشهد العيادات الخاصة فى المستشفى حالة من الإهمال وتهالك الأجهزة الطبية المستخدمة وكذلك حال مبنى المستشفى ذاته.

وبالنسبة للمرضى فهم يتركون لمصيرهم بداية من دخول البوابة حتى وصولهم إلى العيادة الخاصة التى يقصدونها، فلا أحد يرشدهم أو لوحات حائطية واضحة لتدلهم على طريقهم داخل المستشفى، يقول الحاج محمد حسين، أحد المرضى إنه يأتى إلى مستشفى حلوان العام كلما استدعت الحاجة ولا يجد من يرشده إلى أى شىء، ويضطر أن يدخل الغرف الخاصة بالمستشفى ويسأل عن كل ما يقابله حتى يصل إلى المكان الذى يريده، وحينما يصل إلى العيادة المقصودة يجد زحامًا كبيرًا جدًا وتباطؤ فى الكشف على المرضى، وإذا لم يكشف قبل الساعة الثانية عشرة ظهرًا فإنهم يطلبون منه ومن الباقين الانصراف والحضور صباح اليوم التالى!

وتقول أم حازم، 33 سنة، المستشفى لا يوجد به أى رعاية ويقتصر دوره على التشخيص فقط، مؤكدة أن قلة الأطباء داخل المستشفى تؤدى إلى ازدحام ما يعيق الحصول على العلاج، فضلاً عن حالة الإهمال التى يشهدها المستشفى، قائلة: «بالرغم من أن المريض يأتى وقد لا يوفقه الحظ للكشف إلا أنهم مضطرون أن يأتوا يوميًا، وذلك لأنهم لا يتحملون تكاليف الكشف الباهظة عند الأطباء فى العيادات الخاصة».

 

3- مستشفى إمبابة.. مركز الفوضى والإهمال

صحة المواطنين آخر أهدافهم، غالبية العاملين به لا يجيدون فهم قواعد الاهتمام لدرجة أن الخدمات الطبية منعدمة، مبان قديمة وقمامة تغزو أقسامها، هكذا يأتى شكل مستشفى إمبابة العام، تشاهد منذ الوهلة الأولى عشرات المرضى يقبعون فى الممرات وطرقات الأدوار فى انتظار الحصول على العلاج وإجراء الكشف الطبى، وتقول الحاجة سعاد، مستشفى إمبابة بداية طريق أى مريض للقبر حتى ولو بيعانى من «برد»، لا يوجد أحد يقوم بتلبية احتياجات الناس أو تقديم الرعاية الصحية لديهم، علشان تكشف لازم تراضى الممرضات علشان تقدر تدخل للدكتور.

بالنسبة للأطباء تجدهم يجلسون على مقاعد خشبية خلف ساتر لا يخفى شيئًا، عند إجراء الكشف يلتف حوله مجموعة من المرضى، ويقوم الطبيب بسؤالهم عما يشتكون منه ويكتب لهم العلاج دون الكشف عليهم ولا النظر إليهم ومن له واسطة «معرفة من قبل أطباء المستشفى» يدخل وبتعامل معه الأطباء بطريقة أفضل من غيره.. وهكذا حال جميع التخصصات فى المستشفى.

ومن جانبه، قال الدكتور أمين مصلح، نائب مدير المستشفى إن قلة الإمكانيات هى السبب فى تدنى حال المستشفى الذى يعانى من الكثير من المشاكل وقلة الأجهزة الطبية التى يأتى أغلبها عن طريق التبرعات العينية من أهالى المدينة والقرى المجاورة، مشيرًا إلى أن إدارة المستشفى تقدمت إلى الجهات المعنية بمذكرات عديدة ترصد مشاكل المستشفى وتطالب بصرف بعض الأجهزة التى يحتاجها المستشفى، ولكن لم يتم الرد على هذه الطلبات حتى الآن.

 

4- مستشفى بولاق.. لنقل الأمراض

مستشفى «بولاق الدكرور» أحد النماذج الصارخة للمخالفات الطبية والإهمال المستشرى داخل المستشفيات الحكومية التى يعانى منها أهالى المنطقة، ولبعدها عن المسئولين وأعين المراقبة، ولأن أغلب المترددين عليها من البسطاء أصبحت عنوانًا للإهمال الذى يبدأ بالغياب الأمنى والعشوائية وانعدام النظام بحيث يدخل من يدخل ويخرج من يخرج دون رقيب، ويستمر الإهمال بتأخير حضور الأطباء إلى عيادتهم، ما يسبب زحامًا بين المرضى وأغلبهم من كبار السن.

وتعتبر دورات المياه من الأماكن الخطيرة داخل المستشفى، بل أشبه بمصنع للأوبئة والأمراض، هذا فضلاً عن دخول عدد من الباعة الجائلين إلى المستشفى دون أى رد فعل من المسئولين الذين تركوا «التوك توك» يدخل إلى عيادات الكشف ويتخذ حرم المستشفى مقراً له ينقل منه وإليه المرضى والزائرين.

 

5- أم المصريين.. «سلخانة المواطنين»

العلاج فى مستشفى أم المصريين بمثابة انتحار للمريض بسبب عدم وجود أطباء فى العديد من التخصصات المختلفة، مثل المخ والأعصاب والعظام التى تغلق أبواب أقسامها بشكل تام، عندما تدخل المستشفى تشعر بأنك تتجول داخل «سوق عشوائى» بشر يجلسون على الأرض وعلى درجات السلام فى المستشفى كلاً فى انتظار دوره فى الكشف الطبى، لكن ظروفهم أجبرتهم على اللجوء إليها والتردد عليها لأيام للحصول على العلاج، لأن ظروفهم لا تمكنهم من العلاج داخل مستشفيات خاصة.

وأكد مصدر طبى رفض نشر اسمه، أنه لا توجد رؤية أو خطة موضوعة بشكل واضح من وزارة الصحة لحل أزمة المستشفيات الحكومية، فضلاً عن حالة العشوائية التى تعمل بها الوزارة، مشددًا على أهمية وضع خطة سياسات سنوية متكاملة قائمة على حساب زيادة السكان وخريطة الأمراض فى مصر، وبذلك نستطيع تحقيق بعض الأهداف التى تعمل على إصلاح مبدأ الرعاية الصحية فى مصر خلال السنوات القادمة، بالإضافة إلى زيادة ميزانية المستشفيات العامة.

 

6- غرف العناية.. حرام للفقراء

من يسمع اسم «العناية المركزة» أو «غرف الإنعاش» يتخيل أنها غرفة مجهزة بأحدث أساليب الطب والتمريض، القادرة على أن تحقق أمانًا طبيًا غير

عادى، لكنك عندما ترى تلك الغرف تجد كارثة.. فغرف الإنعاش تحتاج إلى إنعاش، لضعف ميزانيتها وعدم وجود أسِرة ونقص أطقم التمريض التى يحتاجها المريض فى الحالات الحرجة أملاً فى إنقاذ حياتهم، واقتصر استخدامها على الأغنياء والقادرين فقط ليجد الفقير عرضة للموت بعد أن يتمكن المرض من جسده لعدم قدرته على دفع مبالغ مالية للحصول على الرعاية الصحية.

من هذا المنطلق يقول علاء جاد أحد المرضى بمستشفى أم المصريين، إن غرف العناية المركزة أصبحت من حق الأغنياء فقط دون الفقراء والمريض الذى لديه مال ويستطيع أن يدفع من حقه أن يحصل على أى خدمة طبية متميزة فى أى مستشفى سواء حكوميًا أو خاصًا أو حتى استثماريًا، وأن تزايد أعداد المصابين فى الحوادث من جرحى وقتلى يؤدى إلى زيادة الأعداد فى قائمة الانتظار التى قد تصل إلى شهور، لافتًا إلى أن المستشفيات الحكومية تطبق نظام المستشفيات الاستثمارية من خلال اتخاذ نظام تقديم الرعاية الصحية بطريقة البزنس.

«يعنى مفيش سراير فاضية وكمان الممرضين مش فاضين»، كلمات أعربت أمل محمود، عن استيائها من الإهمال الذى يتواجد فى الرعاية المركزة بمستشفى أم المصريين، لافتة إلى أنها كانت تعانى أزمة قلبية، وتحتاج لدخول الرعاية فورًا، إلا أنها واجهت مشكلة فى عدم وجود سرير فاضى، ولكن ذويها أحدثوا ضجة كبيرة فى المستشفى حتى وجدوا لها سريراً، لافتة إلى أن المشكلة لا تكمن فى وجود سرير أم لا، ولكن الممرضات كانوا يعاملون المرضى معاملة سيئة للغاية فلا يستمعون لاحتياجاتهم، قائلة: «شفنا الويل داخل العناية، وبالتحديد».

وقالت هانم أحمد السيد «زوجى كان هيموت لعدم قدرتنا على تدبير الفلوس التى يستطيع أن يدخل بها المستشفى ويأخذ العلاج فى العناية المركزة، لكن كرمنا ربنا وقدرنا ندبر الفلوس اللازمة للحصول على سرير واستكمال علاجه، بعد أن توجهنا إلى المستشفيات الحكومية والجامعية وكانوا يقولوا «مفيش أماكن فاضية».

ويرى جمعة جودة، أحد سكان بولاق الدكرور، قصة مأساوية عاشها منذ يومين يعد تعرض ابنه لحادث سيارة واستمر ينزف لمدة أربع ساعات حتى تجد سيارة الإسعاف أى مستشفى بها سرير عناية مركزة، ومات الابن، بينما كان الأب لا يزال يبحث عن سرير فاضى فى مستشفى.

وسردت غادة شريف، معاناتها مع الرعاية المركزة فى مستشفى إمبابة، حيث إنها كانت حامل فى شهرها الخامس، وكانت تعانى مشاكل فى حملها فاضطر الأطباء إلى نقلها للرعاية، لافتة إلى أنها ظلت فى الرعاية لمدة أسبوع كامل، نائمة على سرير تحاصره الستائر من كل جهة، قائلة «أنا كنت قاعدة مع ناس ميتة أصلاً».

وقالت أم سعاد، داخل مستشفى المطرية، أصيب زوجى بارتفاع شديد فى ضغط الدم لعدة أيام، وأحضرنا له الطبيب الذى طلب منا أن نذهب به إلى المستشفى ليتلقى العلاج، وكان يحتاج للدخول إلى غرفة العناية المركزة، فتوجهنا إلى العديد من المستشفيات فلم نجد سريرًا واحدًا، ولما طلبنا دخوله غرفة العناية المركزة زى ما قال الدكتور، قالوا لنا: كل السراير عليها حالات وعليكم الانتظار فى الدور، ورفضوا تحديد أى موعد للمريض، وطلبوا منا سرعة التوجه لأى مستشفى آخر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبعد التوجه إلى المستشفيات الخاصة فوجئنا بأسعار خيالية مطلوب أن ندفعها.

«تدفع تلاقى سرير»، هذا هو الحال فى قسم الرعاية المركزة بمستشفى المطرية، حيث أكد أحمد حسين، أن والده يبلغ من العمر الثمانين وتعرض إلى جلطة ونزيف فى المخ، وكان لا بد من إدخاله الرعاية المركزة، مشيرًا إلى أنهم سألوا جميع المستشفيات، ولم يجدوا سريراً فارغاً، لكن عند ذهبهم إلى مستشفى المطرية سمعوا أن هناك سريراً فارغاً داخل الرعاية، فقالت لهم الممرضة: «أنا ممكن أدخلهولك بس هتدفع كام»، وبالفعل دفع المبلغ الذى حددته الممرضة وساعدته فى حجز سرير له.

وأردفت ريهام طه، أن والدها كان يعانى من غيبوبة، وطرقوا جميع المستشفيات بحثاً عن سرير فارغ بالرعاية المركزة، بينما كان الرد الوحيد «مفيش سرير»، مضيفة: «ملقيناش سرير غير لما عرضنا على الممرضات أننا هنديهم أى مبلغ يطلبوه مقابل إيجاد سرير، بعدها دخلوه الرعاية فى ثوانى.

وأشار محمد عبدالفتاح، أن والده كان يبلغ ستين سنة، ويعانى من انسداد فى الشريان التاجى فى القلب، وقد تعرض إلى أزمة قلبية مفاجئة، متابعًا أنهم طرقوا أبواب جميع المستشفيات حتى يدخل الرعاية المركزة، إلا أن الإجابة كانت دائمًا «مفيش سرير» فاضى، مضيفًا أنه عندما وجد سرير فى أحد المستشفيات الخاصة، توفى أثناء نقله فى السيارة.