رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الوفد» تحقق فى سقوط أعمدة مسجد « صرغتمش »

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق - حمدى أحمد / إشراف: نادية صبحي

 

فى مشهد متكرر يدل على إهمال التاريخ واغتيال آثار الحضارة الإسلامية فى مصر، سقطت خمسة أعمدة أو «براطيم خشبية» حاملة لسقف الرواق المقابل لرواق القبلة بمسجد الأثرى، فى شارع الصليبة بحى السيدة زينب، ما أدى إلى سقوط السقف. صرغتمش

13 عامًا فقط مرت منذ أعمال الترميم الأخيرة التى شهدها المسجد فى عام 2005، ما أثار الكثير من التساؤلات حول أسباب سقوط هذه الأعمدة وانهيار سقف المسجد، رغم هذه المدة القصيرة التى أكد البعض أنها أكبر دليل على الإهمال والفساد.

مظاهر الإهمال والتراخى تمثلت فى استمرار وجود الأعمدة الخشبية فى المسجد طوال هذه المدة بعد انتهاء الترميم لمدة 13 عامًا دون نزعها، فضلاً عن الشروخ المنتشرة فى حوائط المسجد وخاصة عند المحراب والمنبر، ما يعجّل بسقوط أجزاء أخرى منه، إضافة إلى انتشار الأتربة فى كل مكان واتساخ الحوائط، فى مظهر يدل على عدم تنظيف المسجد لمدة طويلة تقترب من شهور بل سنوات.

أما الفساد يطارد أعمال مشروع الترميم الأخيرة للمسجد منذ 2005، فيظهر من خلال إسناد ترميم المسجد لإحدى الشركات الخاصة، عن طريق مسابقات الأظرف المغلقة، التى تهتم فقط بعاملى التوقيت والتكلفة دون النظر إلى سمعة وكفاءة الشركات الفائزة بالمشروع.

بمجرد دخولك لمسجد صرغتمش تجد نفسك أمام تحفة معمارية من العصر المملوكى الذى شهد ازدهار حركة البناء والفن الإسلامى، رغم صغر مساحته مقارنة بالمساجد الأخرى التاريخية.

700 عام هى عمر المسجد تقريبًا، والذى شيده الأمير سيف الدين صرغتمش الناصرى من مماليك الناصر محمد بن قلاوون فى ربيع الآخر سنة 757 هـ، وجعل فيه مدرسة خصصها لتدريس علم الحديث النبوى، وأصول الفقه الحنفى، وكانت معقلاً مزدهراً للعلماء والفقهاء من المذهب الحنفى فى القرنين الثامن والتاسع.

ويتكون مبنى المسجد من المدرسة وهى عبارة عن أربعة إيوانات يتوسطها صحن مكشوف، تتوسطه فسقية ذات قبة خشبية محمولة على ثمانية أعمدة رخامية، وأكبر هذه الإيوانات إيوان القبلة حيث تتصدره القبلة التى تزينها أشرطة رخامية ملونة وبجوارها المنبر، والمحراب تغطيه قبة، وبذلك تكون أقدم قبة فى القاهرة تقوم على محراب.

وحول صحن المسجد توجد أبواب الخلاوى وهى مكسوة بالرخام الأبيض والأسود، وفى الركن الجنوبى الغربى للإيوان الغربى باب القبة، والواجهة الرئيسية للمسجد هى الشمالية الغربية وتقع القبة فى طرفها الغربى، وكذلك المئذنة والمدخل الرئيسى، وهو حافل بالمقرنصات والزخارف النباتية.

بينما مئذنة المسجد حجرية رشيقة على الطراز القاهرى المملوكى البديع، ويبلغ ارتفاعها عن سطح الأرض نحو أربعين مترًا، وعن سطح المسجد 24 مترًا، وتتكون من ثلاث طبقات، الطبقتان الأوليان مثمنتان، والثالثة تتكون من أعمدة رخامية تحمل زخارف فوقها خوذة منقوشة، وفى الركن الغربى تقع قبة الدفن.

ورغم ما يتمتع به هذا المسجد من جمال فى التصميم والإنشاءات، فإنه بانتقالنا إلى مكانه بعد سقوط الأعمدة الحاملة للسقف، وجدنا حالة المسجد يرثى لها، رغم تأكيد وزارة الآثار على حالته الجيدة، فالأعمدة الساقطة ما زالت ملقاة داخل المسجد ولم يتم إزالتها حتى الآن رغم مرور عدة أيام على الحادثة.

كما أن المسجد يعانى من عدم النظافة بشكل واضح، فالمنبر والمقاعد الخشبية يكسوها التراب، أما الحوائط فالشروخ تضرب بعضها وخاصة المحراب وبجوار المنبر ما ينذر بكارثة جديدة قريبًا، وبقية الحوائط يملؤها التراب، بشكل يوحى للناظر إليها بأنها لم تنظف منذ سنوات رغم وجود عمال تابعين لوزارة الأوقاف بالمسجد.

ومن أبرز مظاهر التراخى والتكاسل، عدم محاولة إدارة المسجد تعديل وضبط الساعة الإلكترونية الخاصة بالمسجد والتى توضح مواعيد الصلوات والإقامة، فضلاً عن إهمال تنظيف المشكاوات واستمرار وجود التالف منها كما هو بدلاً من تغييره.

أسباب سقوط أعمدة المسجد، تنوعت وفقاً لعدد من الخبراء، حيث رأى البعض أن ما حدث كارثة أثرية وثقافية بسبب عدم مرور سوى 13 عاماً فقط على أعمال الترميم، ما يدل على فساد واضح فى عمليات الترميم، فضلاً عن أن مشروع الترميم لم يتم عن طريق وزارة الآثار وإنما من خلال شركة هندسية خاصة تقدمت بعرض للوزارة وتمت الموافقة عليه فى ذلك الوقت.

فيما أرجع آخرون الأمر إلى طبيعة التربة المبنى عليها مسجد صرغتمش، حيث إنها تحتوى على مقابر فرعونية قديمة، وتنتشر بجوارها الآثار الفرعونية المدفونة فى الأرض وأبرزها التابوت الذى تم استخراجه من تحت مستشفى الحوض المرصود فى عام 1909، ومقابر مسجد أحمد بن طولون الملاصق لمسجد صرغتمش، ما يؤدى دائماً إلى تكرار الأزمة وسقوط أجزاء من المسجد.

وتكرارًا لمشهد إهمال الآثار الإسلامية، احترق مؤخراً جزء من السقف الخشبى لمبنى سبيل كتاب أم محمد على الصغير الأثرى برمسيس، عقب اندلاع حريق بمبنى سكنى بحارة الجبرونى بزقاق المكس الملاصق للسبيل، كما انهارت مئذنة مسجد الطيب بقرية شنهور بمركز قوص جنوب محافظة قنا، والذى يمتد تاريخه إلى 300 عام، إضافة إلى سقوط أجزاء من مئذنة مسجد سيدى على المحلى الأثرى بالبحيرة والمهدد بالانهيار نتيجة غمر المياه الجوفية والصرف الصحى له.

من جانبها، اكتفت وزارة الآثار بإصدار بيان عن الواقعة وأكدت أن حالة المسجد جيدة ولا خسائر فى الأرواح، فيما كشف الدكتور جمال مصطفى رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية تفاصيلها، مشيرًا إلى أن سقوط البراطيم الخشبية بدأ فى الثانية فجراً، بعد سماع حارس الأوقاف بالمسجد صوت طقطقة بالسقف فأغلق المسجد ومنع المصلين من الدخول للمسجد وبعدها بدقائق سقط السقف الخشبى فقط وليس المبنى.

ولفت مصطفى إلى أن البراطيم الخشبية قديمة والاستاند الخاص بها كبير ما أدى إلى قطمها وسقوطها من النصف داخل الإيوان الخاص بها، وجرى إبلاغ وزارة الآثار لمعاينة المسجد، وتبين سقوط ٥ براطيم حاملة لألواح خشبية (الطبق) والتى وضعت حديثاً أثناء أعمال ترميم المسجد عام 2005 لحمل السقف، موضحاً أن مساحة السقف الخشبى الذى سقط بمسجد صرغتمش تبلغ نحو 6 أمتار عرضاً فى 6 أمتار طولاً.

وقال الدكتور مختار كسبانى، مستشار وزير الآثار الأسبق وأستاذ الآثار الإسلامية: إن مسجد صرغتمش يعانى من مشكلة مزمنة لا بد من علاجها أولاً قبل البدء فى ترميم المسجد، وهى دراسة الأرض والتربة المبنى عليها.

وكشف كسبانى أن جغرافية وموقع مسجد صرغتمش صعبة، حيث يحده من الجانب الشرقى مستشفى الحوض المرصود الذى تم اكتشاف تابوت فرعونى تحت الأرض، عند إنشاء الصرف

الصحى له فى عام 1909، وبجواره مسجد قايتباى المبنى من الأحجار الفرعونية، ثم مسجد أحمد بن طولون الملاصق له، والذى تم اكتشاف مقابر تحته تحولت فيما بعد إلى صهريج للمياه فى العهد الإسلامى، ولذلك فإن جغرافية المكان الواقع به مسجد صرغتمش تنتشر بها المقابر الفرعونية تحت الأرض، وهو ما يتسبب فى سقوط أجزاء منه بشكل متكرر.

وأوضح مستشار وزير الآثار الأسبق، أنه فى عام 2005، أثناء أعمال الترميم الخاصة بالمسجد، اكتشفت الشركة القائمة على الترميم مقبرة تحت المسجد، وتم التعامل معها من خلال ردمها، ولكن هذا الحل كان مؤقتاً، كما أن مسئولى الآثار اكتشفوا خلع الرخام الخاص بأرضية المسجد بعد شهر من الترميم فقط، وهذا معناه أن التربة الخاصة بهذا المسجد بها مشاكل ويجب دراستها جيدًا قبل البدء فى أعمال الترميم الخاصة به فى أى وقت، وبدون دراسة هذه التربة سوف تستمر المشاكل وتتساقط أجزاء منه.

سامح الزهار، الباحث فى الآثار والتاريخ الإسلامى، قال: إن ما حدث فى مسجد صرغتمش كارثة أثرية وثقافية، لأن مشروع الترميم الخاص بالمسجد لم يمر عليه سوى 13 عامًا فقط.

وأضاف الزهار، أنه لا يعقل أن يرمم مسجد فى عام 2005 وتسقط أعمدته بعد 13 عاما فقط من آخر ترميم له بهذا الشكل المفاجئ، مشيراً إلى أنه من حسن الحظ، عدم سقوط الأعمدة أثناء الصلاة وتجمع الناس فى المسجد.

وأوضح الباحث فى الآثار والتاريخ الإسلامى، أن ما حدث يدل على فساد واضح فى عمليات الترميم، مشيرا إلى أن مشروع الترميم الخاص بمسجد صرغتمش لم تتم عن طريق وزارة الآثار وإنما من خلال شركة هندسية خاصة تقدمت بعرض للوزارة وتمت الموافقة عليه فى حينها، لافتاً إلى أن ذلك لا يعفى الآثار من المسئولية، لأن هناك مهندسين من الوزارة تسلموا المسجد بعد انتهاء أعمال الترميم وكان لا بد عليهم التحقق من كفاءة وجودة العمل، إلا أن ذلك لم يحدث.

«التعامل مع شركات المقاولات والهندسة والشركات غير المتخصصة فى ترميم الآثار الإسلامية عن طريق إجراءات الأظرف المغلقة باب كبير للفساد»، بحسب سامح الزهار، مشيرًا إلى أن هذه الطريقة تجبر وزارة الآثار على اختيار أفضل العروض بالنسبة للفترة الزمنية الأقل والتكلفة الأرخص، بصرف النظر عن سمعة الشركات الفائزة بالعرض، وهذا خطر كبير يجب إلغاء التعامل به، مطالبا بالتعاون مع شركة المقاولين العرب بسبب سمعتها الطيبة وجودة تنفيذها لأعمال الترميم، والابتعاد عن الشركات غير المتخصصة.

«لا بد من فتح تحقيق حول مشروع ترميم مسجد صرغتمش فى 2005، واستدعاء كل المسئولين عن المشروع فى ذلك الوقت واستجوابهم حول تفاصيله وشبهة الفساد به، وماذا كان دور قطاع المشروعات بوزارة الآثار فى هذا المشروع، ومعرفة المشروعات الأخرى التى نفذتها الشركة المسئولة عن ترميم المسجد حتى نتلافى وقوع أى كوارث جديدة قريباً».. هذا ما طالب به الباحث فى الآثار والتاريخ الإسلامى.

وأكد الزهار أن الآثار الإسلامية تعانى مشاكل كبيرة تتمثل فى سرقة المحتويات والانهيارات الجزئية ومشاكل الترميم فضلاً عن المياه الجوفية، وللأسف لا توجد حتى الآن استراتيجية واضحة للتعامل مع هذه المشاكل من جانب الحكومة، ولذلك لا بد من وضع استراتيجية تشمل إعادة ترميم الآثار الإسلامية وفقاً لجدول زمنى محدد وليكن 5 سنوات وتحدد الأولويات فيها طبقاً للحالة الإنشائية للأثر، وتوفير الموارد المالية اللازمة لهذا التطوير والترميم.

ولفت إلى أنه فى حالة تحجج الحكومة بضعف الموارد المالية اللازمة للتمويل، فمن الممكن أن تشارك شركات القطاع الخاص بجزء من التمويل، مقابل وضع إعلاناتها فى الأماكن الأثرية لمدة زمنية محددة، وبذلك تكون الاستفادة مشتركة، وهذا الوضع موجود فى العالم كله وليس اختراعاً مصرياً.

وأوضح أن الجرم الأكبر فى مشاكل الآثار الإسلامية يقع على عاتق وزارة الأوقاف التى يجب عليها توفير الموارد اللازمة للترميم والتطوير، بجانب إشراف وزارة الآثار فقط، ولكن الأوقاف لا تقوم بدورها وكذلك الآثار منذ ثورة 25 يناير 2011 وضعف الموارد المالية بسبب انخفاض السياحة، مشيراً إلى أنه قبل الثورة كانت الآثار ترمم المساجد على نفقتها الخاصة عندما كانت معدلات السياحة مرتفعة، ولكن بعد الثورة وانخفاض معدلات السياحة تركت الآثار الأمر وأهملت المساجد.