رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

«الدرب الأحمر».. أحد أهم أحياء العالم

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق : على عبد العزيز - تصوير: محمود سالم- اشراف: نادية صبحى

 

شاهد على التاريخ.. وكنز صناعات يدوية نادرة

خبراء: متحف مفتوح للآثار الإسلامية

 

اختارت الجمعية الملكية فى لندن الأسبوع الماضى، حى الدرب الأحمر كأحد الأحياء الفريدة من نوعها، وسردت الكثير من الصناعات اليدوية وغيرها من الأشياء التى لا يمكن أن تراها إلا فى هذه المنطقة، ويعد الحى من أقدم مناطق القاهرة التاريخية، ويمثل بانوراما تاريخية من الآثار الإسلامية، إضافة إلى وجود الكثير من الصناعات اليدوية والمعاصرة، التى لا يمكن رؤيتها إلا فى مناطق قليلة، كما يتميز بأن أسواقه تضم صناعات وحرفًا عريقة، وجدرانه تحمل الكثير من الحكايات والقصص التاريخية والمثيرة، والكثير من الأمور التى تجعله حيًا مختلفًا، يمكن أن يصنع منها متحفًا مفتوحًا يبهر المصريين والأجانب، إذا اهتم به المسئولون وقرروا ذلك.

الحى يحمل بين شوارعه ما يقرب من 200 أثر، مسجل أغلبها لدى وزارة الآثار وغيرها غير مسجل، منها مساجد عريقة، وزوايا تحمل تزامنا مع الفن الإسلامى، وبيوت كان يسكن بها أهم الشخصيات، والقصور التاريخية والأضرحة والأسبلة، منها مسجد الماردانى العريق، وبوابة المتولى، ومسجد جانم البهلوان، وتكية وسبيل السلطان محمود، وحمام الأمير بشتاك، وضريح الشيخ سعود الرفاعى، وضريح رباط أحمد بن سليمان الرفاعى، الموجودان بحارة الرفاعية من شارع سوق السلاح، بالإضافة إلى سبيل رقية دودو، والمصمم على نمط الأسبلة العثمانية ولكنه مهدر حاليًا، ومسجد قجماس الأسحاقى الذى كرمته الدولة ووضعت صورته على عملة الخمسين جنيهًا.

صناعات يدوية

فى بداية الحى عندما تدخل على قدمك خلف مديرية أمن القاهرة، ستجد ثلاثة شوارع كاملة تحتوى محالها جميعًا على صناعة الأخشاب والنجارة فى مختلف المجالات، وأغلبها بالطرق اليدوية البسيطة للغاية، وبينها عدد من المحال تصنع الأثاث المنزلى، وأخرى تصنع الأخشاب التى تستخدم فى بناء أعمدة وأسقف المبانى.

وعلى طرف الحى ستجد ما يقرب من عشرة شوارع كاملة تعمل بشكل أساسى فى بيع الرخام وصناعته على مختلف المجالات حيث يمتهن هذه المهنة فى الدرب الأحمر المئات من الأهالى، ويأتى إليها الزبائن من مختلف النواحى، فى بداية هذه الشوارع ستجد محال الرخام الخاصة بالمقابر حيث يتم تقطيع الرخام إلى مساحات صغيرة متفاوتة الأحجام ويقومون بنحتها وكتابة أسماء الموتى عليها وآيات قرآنية ثم تلوينها بعد ذلك وبيعها للزبائن.

وعندما تتعمق قليلًا تجد العديد من الورش والمحال الصغيرة فى الحجم منتشرة على اليمين واليسار، خلية نحل لا تتوقف، ولكن أصحابها يحترفون مهنًا أوشكت على الانقراض، ويقومون بتصنيع جميع منتجاتهم بشكل يدوى خالص، منها صناعة أدوات الخيول والكلاب، وزينة وفوانيس رمضان، وكل أنواع الشماسى، والنقش على النحاس، وحياكة الأقمشة والكثير من المنتجات التى يتم تشكيلها حسب طلب الزبائن فى ورش الحدادة والنجارة.

عبق التاريخ

وبشكل مفاجئ تجد نفسك وسط عبق التاريخ وكأنك انتقلت فورًا إلى العصر الفاطمى، عندما تنظر إلى يمينك تشاهد روعة شارع الخيامية، والذى يعتبر أحد الشوارع الأساسية فى حى الدرب الأحمر، ويقع بالقرب من منطقة «تحت الربع» وهو أحد أشهر أسواق القاهرة المعروفة ببيع وصناعة الأقمشة وتجارتها، وسمى بهذا الاسم نسبة لتلك الحرفة، فما أن تدخل ذلك الشارع حتى تجد على جنباته مجموعة من الورش التى تخصصت فى هذا النوع من التراث الفنى العريق.

وهذا الشارع موجود منذ أيام الفاطميين يتكون من طابقين، وعندما كان باب زويلة يغلق ليلًا ويفتح فى النهار، يسمح للتجار بالدخول صباحًا لمباشرة أعمالهم، وعندما يتم إغلاق الباب يبيتون فى هذا الشارع وينصبون خيامهم ويصلحونها فى الورش الموجودة حتى عُرف بهذه المهنة وهذا الاسم.

وإذا نظرت لليسار تجد منظرًا رائعًا وتشاهد «باب زويلة» أو «بوابة المتولى»، وهو أحد أبواب القاهرة القديمة، ويشتهر بكونه الباب الذى تم تعليق رؤوس رسل هولاكو قائد التتار عليه حينما أتوا مهددين المصريين، وأعدم عليه أيضًا السلطان «طومان باى» عندما فتح سليم الأول مصر وضمها للدولة العثمانية، وتم إنشاء الباب فى العام 485‏هـ، ‏1092‏م.

«الكوسة» رمز المحسوبية

عندما تمر وتنظر لمكونات الباب تشعر بأنك رجعت إلى السنوات القديمة، وكأنك داخل الزمن القديم بكل جوانبه، وترى كل شىء قرأته بالكتب أو سمعت به يجرى أمامك حاليًا، ولكنك تستيقظ من أحلامك على الفور عندما تسمع صوت «كلاكسات» سيارات الأجرة الصغيرة أمام الباب، والازدحام الذى ليس له أى سبب، فضلًا عن كمية الباعة الجائلين التى تجعل المنظر غير لائق بالآثار الإسلامية الموجودة.

وكلمة «الكوسة»، التى يطلقها المصريون وحدهم تعبيرًا عن الوساطة والمحسوبية، أو فى أوقات اختراق المسار القانونى، «آه دى كوسة بقى»، انطلقت من هذا الباب لأن التجار قديمًا كانوا يقفون فى طابور طويل أمام هذا الباب لتحصيل الرسوم الضريبية لدخول السوق وبيع بضاعته من خضر وفاكهة، وكان نظام الطابور حاسمًا جدًا ولا يستثنى منه أحد، لكن ثمر الكوسة معروف بسرعة تلفه وتأثره بالشمس، فكان تاجره يدخل إلى السوق دون انتظار دور، وعندما يغضب التجار فى الطابور، يصيح التاجر قائلًا: «كوسة»، فيصمت الطابور، ويوافق من يقف به على دخول التاجر «كوسة».

مسجد الخمسين جنيهًا

يعتبر مسجد قجماس الإسحاقى، أحد المساجد المهمة التى أنشئت فى عصر قايتباى، ويستمد أهميته من دقة النقوش وطريقة بنائه المختلفة الموجودة به، فأعمال النجارة الدقيقة وأعمال الرخام وتنوع تقاسيمه وتناسب ألوانه وأعمال الحجر ودقة الحفر فيه، والأسقف الخشبية الجميلة وبراعة نقشها وتذهيبها جعلته عملًا رفيعًا فى هذه الحقبة من الزمن.

يقع المسجد بشارع الدرب الأحمر بالقرب من باب زويلة، وكرمته الدولة وخلدته بوضع صورته على إحدى العملات الورقية فئات الخمسين جنيهًا، ولكن من الناحية الأخرى ستجد الإهمال واضحًا على كل ما يحيط به بداية من تشويه واجهة الرئيسية من قبل إحدى الباكيات داخل المسجد نفسه، إضافة إلى انتشار القمامة حوله، وأهملته وزارة الآثار فى الوقت الحالى.

ويشغل الجزء السفلى من واجهته المسجد دكاكين، يعمل داخلها أصحابها إلى الآن وبالتالى يظهر الوضع مشوهًا للغاية، وعندما تبدأ فى دخول المسجد ستجد المدخل على يمينه ويساره عليه طراز مكتوب به آية قرآنية وتاريخ الفراغ 886 هجرية، وله باب مكسو بالنحاس المزخرف بأشكال هندسية.

وأدى ضيق مساحة الأرض التى بنى عليها المسجد إلى أن المهندس المعمارى الذى صممه فصل الجزء الخاص بالوضوء والحمامات وحوض سقى الدواب والكتاب على جانب آخر من الحارة الضيقة التى تطل عليها المنشأة وربط بينهما بممر علوى، بحيث لا يعوق الحركة فى الحارة، واحترامًا لحق الطريق، وعند بناء المسجد قديمًا، تم بناء سبيل للفقراء، ويعلوه كُتاب لتعليم الأطفال، ما يجعله منظومة كاملة للتعليم وخدمة الفقراء، ويضم المسجد أيضًا ضريحًا تعلوه قبة كبيرة بسيطة فى منظرها، على عكس مثيلاتها المنشأة فى هذا العصر.

أقدم سونا شعبى

«حمام بشتاك» فى شارع سوق السلاح يعتبر أقدم «سونا»، أنشأه الأمير «سيف الدين بشتاك الناصر» فى العصر المملوكى عام 742هـ 1341م، وظل يستخدم لسنوات طويلة، إلا أنه لم يتبقَّ منه إلا الواجهة فقط حالياً، بعد أن تم غلقه منذ فترة كبيرة، بالتزامن مع كمية الإهمال، والأبنية الجديدة حوله، حتى أصبح عبارة عن واجهة فقط ومكانًا مهجورًا.

يوجد الكثير من الشروخ بأركان الحمام ما جعله لا يصلح للاستعمال، أو الزيارة من الأساس، وانتشر الباعة الجائلون حول الحمام الأثرى، فمنهم من استخدم عربة حمل عليها الخضراوات لبيعها، لتتحول المنطقة الأثرية من الخارج إلى سوق لبيع احتياجات أهل المنطقة.

قصة سجن تحول إلى مسجد

«المؤيد شيخ» يعتبر أجمل وأضخم المساجد الجامعة بالقاهرة القديمة، وهو ملاصق لباب زويلة، ما يجعلك تقترب بشكل مباشر من العصر المملوكى والتحف المعمارية، وزخارف ونقوش روعة فى تصميمها، بداية من باب المسجد الضخم والمزخرف بنقوش، والأبواب الداخلية وأماكن الوضوء.

بدأت القصة عندما تم تشييد سجن عرف باسم «خزائن شمايل» وكان يسجن فيه أرباب الجرائم، وصاحب المسجد السلطان المؤيد كان مسجوناً فى هذا الموقع، فى ظروف سياسية تعرض لها قبل توليه السلطنة، وأدخله فى هذا السجن الملك الناصر فرج بن برقوق، بعد اتهامه بالتآمر عليه، وفى أثناء سجنه، توعد المؤيد أن يهدم السجن بعد خروجه، ويقيم مكانه جامعاً ومدرسة، إذا منَّ الله عليه بنعمة الحرية.

وعقب خروجه من السجن وتوليه حكم مصر، أوفى المؤيد بنذره وشرع فى بناء المسجد فى عام 1415م، وانتهى منه بعدها بخمس سنوات، ويتزين بناء المسجد بالرخام بجميع ألوانه فى الجدران والسقف والأرضيات.

وفى واجهة المسجد ستجد الكثير من الباعة الجائلين، يفترشون الأرض، ليبيعوا بضائعهم من فوانيس وزينة رمضان، إضافة إلى عدد من الباكيات الصغيرة، بداخلها أصحاب عدد من المهن الصغيرة واليدوية مما يشوه منظر المسجد التاريخى والأثرى، إضافة إلى أنهم ينشرون قمامتهم فى ساحة المسجد، وعلى يمين المسجد يوجد ما يقرب من 15 باكية صغيرة يمتهن أصحابها الحدادة وبيع أدوات الشيشة، وبيع وتصنيع الكثير من الأشياء منها بيع الأحذية، الوضع الذى لا يمكنك من خلاله التأمل فى المسجد وتاريخه العظيم والأثرى الرائع.

وللمسجد أربعة حدود، الحد الجنوبى الشرقى، يطل على شارع المعز لدين الله، وبه الواجهة الرئيسة والباب الرئيس، والحد الشمالى الشرقى يطل على حارة الأشرفية، التى كانت تؤدى إلى باب الفرج، إضافة إلى الحد الشمالى الغربى به الحمام والميضأة ومساكن طلبة المدرسة، فيما يطل الحد الجنوبى الغربى على شارع «تحت الربع»، وبعد الدخول من الباب الكبير ترى ضريح السلطان «المؤيد»، والى جواره ضريح ابنه إبراهيم.

وعلى يسار الباب نجد سبيل للمياه كان يستخدم قديماً فى إرواء ظمأ رواد المسجد وعابرى السبيل، ويتمتع المسجد بصحن داخلى ضخم نصفه مسقوف وهو بجوار المحراب والمنبر ويقع أمام المنبر جزء منه مرتفع عن الأرض كان يقف عليه «المبلغ» وذلك للترديد وراء الإمام فى الصلوات لكى يسمعه الناس على امتداد المسجد.

ويتميز المسجد بقبة داخلية ضخمة يبلغ ارتفاعها تقريبا أربعين مترا، ويتوسط صحن المسجد ميضأة دائرية كان المصلون وما زالوا يستخدمونها فى أغراض الوضوء، ويغطى رواق القبلة بسقف خشبى تعلوه زخارف نباتية ليس لها بداية أو نهاية، وأسفل الزخارف شريط كتابى عليه آيات قرآنية بالخط الثلث المملوكى مطلية بماء الذهب وجميعها تحث على إقامة الصلاة.

متحف مفتوح

سعيد حلمى، رئيس الإدارة المركزية للآثار الإسلامية والقبطية، أكد أن الحى يعتبر من أهم مناطق الآثار الإسلامية، ومشكل على هيئة متحف مفتوح يبهر الجميع عند رؤيته، خاصة أن جميع شوارعه تحمل قصصًا تاريخية وآثارًا رائعة، ولكن حظها السيئ أنها تجاور مناطق صناعية زاحفة أهمها «الأزهر والغورية».

وأوضح حلمى فى تصريحات لـ«الوفد»، أن أعمال الترميم فى منطقة الدرب الأحمر، طالت الكثير من المناطق بالحى فى الفترة الأخيرة، وأن بطء عمليات الترميم للآثار، يأتى بسبب الحالة السيئة للمنطقة نفسها، والشوارع التى توجد بها هذه الآثار، وأنه يوجد عدد من الخطط والطموحات للنهوض بالمنطقة، منها جعل شارع «باب الوزير» امتدادًا لشارع المعز، وشارع «الخيامية» امتدادًا لشارع «الغورية»، مشيرًا إلى أن الخطط والدراسات الخاصة بترميم المنطقة موجودة بالفعل فى قطاع الآثار، وجاهزة للتنفيذ، ولكن لا توجد مصادر تمويل لهذه المشاريع للبدء فى التنفيذ بشكل عاجل.

 

الجمعية الملكية فى لندن: الدرب الأحمر مكان فريد

أبرز موقع كوارتز الأمريكى الأهمية الثقافية والتاريخية لمنطقة الدرب الأحمر الموجود فى أحياء القاهرة القديمة باعتباره منطقة فريدة تضم مئات الورش الحرفية لصناعة المنسوجات اليدوية والسجاد الحرير والأثاث المطعم بالصدف.

وعرضت الجمعية الجغرافية الملكية فى لندن على يد المصور كريستوفر ويلتون ستير المقيم فى لندن، عمل هؤلاء الحرفيين فى صور خاصة تعرض أعمالهم المهددة بالاندثار وسط الصناعات الكبرى، حيث إن المهن الحرفية فى تلك المنطقة يتوارثها العاملون بها من آبائهم وأجدادهم، بما فى ذلك صناعة المجوهرات والنجارة وتجليد الكتب وتقطيع الزجاج وصناعة الأحذية إلى جانب إنتاج فوانيس نحاسية.

واهتم الموقع بالأهمية التاريخية لتلك المنطقة العريقة، حيث إنها كانت مركز صناعة كسوة الكعبة وسروج الخيول والإبل المنطلقة لموسم الحج فى السعودية فى الفترة الفاطمية من القرن العاشر حتى القرن الثانى عشر.

ومع طغيان الميكنة الإنتاجية، فإن العديد من هذه الأعمال اليدوية تواجه مستقبلًا غير مضمون، حسبما وصف الموقع، ويضيف ويلتون ستير إنه قرر التقاط هذه التقاليد القديمة لجذب الانتباه إلى العمل الفريد فى هذه المنطقة، قائلا: «إن الحياة والعمل فى درب الأحمر يستحق المزيد من الاهتمام العالمى وجهود المحافظة.. هذا حقا مكان خاص يتمتع بشىء فريد وستكون مأساة إذا فقد هذا التراث».