رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بعد «نبش القبور» في سيدى بشر.. «الوفد» تكشف أسرار تجارة الجثث

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق: رحمة محمود / إشراف : نادية صبحي

 

منذ أيام قليلة مضت، شهدت مقابر سيدى بشر، شرق الإسكندرية، نبش 26 مقبرة وتغيير معالمها وسرقة الجثث، وتم تحرير محضر بالواقعة، أصحاب القبور أكدوا أن هناك مصائب تحدث فى مقابر سيدى بشر، حيث يحدث نبش وسرقة للموتى ويتم بيع الجثث لأصحاب المصالح، ورغم أن موظفى الجبانات أنكروا التهم الموجهة لهم بتحطيم مقبرة أخرى وسرقة الجثث بالإضافة إلى مقابر أخرى تمت إعادة بنائها وتقسيمها إلى اثنتين وبيع الواحدة بـ100 ألف جنيه، إلا أن تلك الواقعة لم تكن الأولى من نوعها فسرقة ونبش القبور تقف وراءه مافيا اتجار وهو عالم خفى يسوده الغموض.

 

«الوفد» اقتحمت ملف سرقة القبور للتعرف على أهم أبعاد هذه القضية

 

وفى سبتمبر الماضى، عثر عامل نظافة على جماجم وعظام بشرية فى أكوام القمامة بطريق مير القوصية فى أسيوط، الرجل لم يتحمل المشهد المفزع، وهرب تركًا عمله، بعد عدة أيام انتشر هذا الخبر وسط حشد من المواطنين بالمنطقة، وقاموا بتقديم بلاغ للشرطة بالواقعة، وبعد الحصول على المعاينات وإذن النيابة، تم دفن الجثة بمعرفة مجلس المدينة.

 

تجددت الواقعة مرة أخرى وتحديدًا يوم 24 أغسطس، وعلى بعد 300 متر من المنطقة، ما جعل العديد من السكان يتساءلون عن سبب تناثر الأشلاء البشرية فى الطرق العامة بهذا الشكل، وهل يقف وراء هذه الوقائع عصابات.

 

هذه التساؤلات دفعتنا للبحث عن إجابة عما يحدث للجسد البشرى عقب وفاته، ودفنه فى القبر.. مثواه الأخير، تاركًا وراءه حشداً من الناس يرحلون عنه والدموع تنهمر من أعينهم وتدوى فى الأفق أصوات نواحهم.

 

المتوفى تزداد قيمته المالية بعد الموت ويسرع العديد من الأفراد لبيعه بعد وفاته، فقد يباع جثمانه كاملًا أو هياكله وعظامه، ولكن شى فى جسده له سعر، يحدده السماسرة المسئول عن عميلة البيع.

 

ثلاث جهات، بحثنا فيها عن الجسد ورحلته من وإلى القبر، كانت البداية من المقابر والتى تدور حولها العديد من الشبهات لوجود عدد من السماسرة يتاجرون فى الأجساد والعظام والجماجم البشرية والتى يذهب بعضها إلى طلاب الطب وخاصةً الأثرياء الذين يريدون التطبيق العملى والتدريب على ما تم دُرس لهم، أما العظام والجماجم، فقد تلقى فى الشارع والطرقات لبيع المقبرة لمرحوم آخر «غني»، أو قد تذهب إلى تجار المخدرات لطحنها وبيعها «للمساطيل الذين لا يفرقون إذا كانت عظاماً مطحونة أم مخدرات حقيقية، أما الجهة الثانى التى بحثنا فيها رحلة الجسد ومثواها الأخير كانت المشرحة التى تعج بالعديد من الجثامين فى ثلاجات ومحفوظة بمادة الفورمالين، أما الجهة الثالثة التى تشير بعض التكنهات إليها، فهى كلية الطب والطلبة بها، حيث استفسرنا منهم عن حاجتهم لهذه الجثث وهل فعلًا يقومون بالبحث عن جثث للتطبيق العملى عليها، خاصة أن الكلية لا توفر لهم الجثث الكافية للتدريب والتطبيق على ما يدرسونه بها.

 

جهات البحث متعددة والجميع قد يفسر أمرًا يقودنا إلى معرفة الدافع وراء النبش فى المقابر لاستخراج الجثث وإرهاق راحة الجسد المنهمك من الحياة الشاقة واليابسة بعد أن يعود للأرض الذى خلق من ترابها تاركًا وراءه عالماً من ضحيح وسباق بين الأفراد للفوز بأكبر قدر من المكاسب والمناصب.

 

وقد اكتشفنا خلال التحقيق، أن عدداً قليلاً جدًا من الطلاب، وبعضهم يكونون ميسورى الحال قد يلجأون إلى شراء الجثث من بعض حراس المقابر، ولكن الأغلبية تعتمد على الشرح الذى يقدم لهم على جثث مشرحة الكلية.

 

الجهة الأولى.. الطلبة

جزء كبير من دراسة الطب يعتمد على التطبيق العملى لما يدرسه الطلبة فى بعض المواد، كمادة التشريح، حيث يتم شرح المادة على إحدى الجثث الموجودة بمشرحة مستشفى الجامعة، فطبيعة الدراسة بالكلية والتخصصات المتعلقة بجسد الإنسان، جعلت بعض الطلاب فى خندق الاتهام، فاتهامهم البعض بأنهم يلجأون إلى شراء الجثث من المقابر للتدريب عليها خاصة أن الكلية لا توفر لها الجثث الكافية.

 

وقد أكد هذا الأمر، فتحى خضير، عميد كلية طب قصر العينى جامعة القاهرة فى تصريحات سابقة،: وجود نقص حاد فى أعداد الجثث بكليات الطب والهياكل البلاستيكية البداية التى يوفرها الأطباء، مشيرًا إلى أن كليات الطب تستورد الجثث اللازمة من شرق آسيا وسعر الجثة الواحدة يصل لـ150 ألف دولار، ولكن لا تكفى الجثث المستوردة الدراسة، وتصريحات الحصول على الجثث مجهولة الهوية من المشرحة يتطلب وقتاً، حتى يأذن النائب العام بانتقال الجثة إلى مشرحة الجامعة.

معاناة الطلبة وعدم استطاعة الكلية توفير الجثث اللازمة، جعل بعض الطلاب يلجأون إلى حراس المقابر للحصول على جثة أحد المتوفين مقابل مبلغ يحدده السماسرة أو الحارس، وذلك بحسب أحد الطلاب فى كلية الطب جامعة القاهرة ويدعى محمود وهبة، هو عدد قليل وأحياناً يندر من يلجأ لمثل هذا العمل، خاصة أن أسعار الجثث باهظة، وليس من السهل الحصول عليها، فضلًا أننا نستطيع التكييف مع المتاح لنا فى الكلية.

 

ويضيف: «عدد كبير من الطلبة تعتمد على شراء الهياكل العظمية البلاستيكية التى تباع فى الكلية أو بمنطقة قصر العينى والذى لا يتجاوز ثمنها من 400 إلى 500 جنيه، كما تحاول الكلية توفير ما يلزمنا من بعض الأدوات أو المعدات التى نحتاجها فى دراسة، لذلك ظاهرة شراء الجثث نادرًا ما يلجأ إليها الطلبة وأغلبهم بيكون غنى ليستطيع سداد تكلفتها.

واتفق معه محمود على، الطالبة بكلية الطب قصر العينى، والذى أكد أن العديد من الطلبة لا تقوم بهذا العمل، وتعتمد على المتاح لهم من الكلية، خاصة أن معظمهم من طبقات متوسطة ومحدودة الدخل، فلا يستطيعون شراء الجثث، وما يتم الترويج له غير صحيح بالمرة.

 

الجهة الثانية.. المقابر

200 ألف مقبرة على مستوى محافظة القاهرة، يتشابهون فى مشاعر الخوف والألم التى تتمكن من أى فرد يقوم بزيارتهم لقراءة الفاتحة على الموتى، ولكن يختلفون فى الحراس الساهرين على أمنها وحماية حرمة الموتى من الانتهاك، فبعضهم يتسم بالأمانة والنزاهة ويراعى ضميره فى كل شى يفعله، بينما آخرون يهرولون وراء رغباتهم وجشعهم المادى لكسب حفنة من الأموال مقابل بيع ضمائرهم والتفريط فى الأمانة التى فى أعناقهم.

المقابر ليست للأموات فقط، بل هناك الآلاف من الأحياء يعيشون بها، فضلًا عن مئات الأطفال الذين تربوا فى كنفها، فقد يفزع أهل الموتى من شكل المقابر ودفن عزيز لهم، ولكن سكان المقابر اعتادوا على العيش وسط الأموات، وبعضهم قال: «إنه لا يتخيل أن يعيش أبداً وسط الناس بل اعتاد على جو المقابر».

 

ففى مقابر المجاورين بمنطقة الدرب الأحمر، يقول أحد الحراس ويدعى «سالم» إنه قليل جدًا ويكاد يكون نادرًا أن تباع جثة، ولكن فى الأغلب تباع الهياكل العظمية والجماجم، ويتراوح سعرها ما بين 1000 و1500 جنيه، والجمجمة من 500 إلى 600 جنيه ويختلف سعرها بحسب إذا كانت لشباب أو كبار فى السن.

 

وحكى حارس ويدعى محمد عبد الرزاق، بقالنا نحو 10 سنوات فى هذه المهنة وشوفنا العجايب، فأحياناً يقوم بعض الحارس بنبش المقابر ليلاً، لاستخراج العظام والجماجم من المقابر وعادةً يقومون ببيعها لتجار المخدرات، حيث يقوم بعضهم بطحنها وإضافة لها بعض المواد من أجل بيعها بأسعار مرتفعة، مشيرًا إلى أن بعض الترابية يقومون بغلى العظام لإزالة الشحوم والأنسجة والتخلص من الرائحة الكريهة، ويتم بيعها لبعض الطلاب بأسعار متفاوت على حسب الزبون ومقدرته المالية.

 

ويقول «جمال الشماع» تُربى بمنطقة السيدة عايشة، 56 عاماً: «إنه يعمل فى هذه المهنة بالوراثة أى أبًا عن جده، وعائلته كلها عملت بها أى نحو 300 سنة يعملون بهذه المهنة، :«لم نسمع بهذه الكوارث والمهازل التى يفعلها بعض المحسوبين على هذه المهنة إلا مؤخراً، مشيرًا إلى أن المشكلة ليس المتسبب بها حراسى المقابر، حيث تقوم بتعيينهم المحافظة ويكونون مسئولين أمامها عن أى تجاوز، ولكن الأزمة فى بعض المساعدين الذين يستعين بهم حراس المقابر لعدم استطاعتهم القيام بالعمل بمفردهم، فمنهم غير الأمين ويقوم ببعض التجاوزات.

 

وأشار إلى أن مساعدى حراس المقابر يقومون

بدفن الأعمال والسحر فى المقابر بهدف الانتقام أو جلب الحبيب أو الإنجاب، مقابل مبلغ من المال قد يتجاوز الـ100 جنيه، وهذه الأعمال نهى عنها الإسلام وأى دين آخر، كما أنها تنتهك حرمة الموتى.

 

وتابع: «أنا رجل بشتغل فى هذه المهنة من 30 سنة، كبرت وتزوجت وعيالى كبروا فى هذه المقابر، وناوى كمان عيالى يطلعوا مثلى «ترابية»، وأكثر ما يؤلمنى أن حراس المقابر كل اعتمادهم على الحسنة التى يعطيعا لهم أهل المتوفى، ولا فى معاش ولا مرتب يقدر يصرف منه على أولاده، وفين وفين على ما يأتى رزق من عند الله، مشيرًا إلى أنه بيطلع له فى الشهر نحو 400 جنيه، هيكفوا إيه فى الزمن وأنا عندى ثلاثة أولاد، علشان كده مش بستغرب أحيانا لما أسمع عن سرقات، لأنه الناس معذورة برضه، هتجيب تصرف على أولادها منين»؟

 

وفى هذا السياق، قال د. حمدى عورفة الخبير فى الإدارة المحلية أن هناك بعض القصور القانونية فى عقوبة نبش المقابر وسرقة الجثث، حيث يعاقب القانون من يقوم بهذه الجريمة بغرامة مالية لا تتعدى الـ100 جنيه ولا تزيد على 500 جنيه دون حبس.

 

وعبر «عرفة» عن استيائه من إهمال الحكومات المتعاقبة لملف سكان المقابر والذين يقدر عددهم نحو 4 ملايين على مستوى مقابر جميع المحافظات، مشيرًا إلى ضرورة الحفاظ على حرمة الموتى وتشديد العقوبة على من ينتهك هذا الحرمة.

 

وحكى «عرفة» أن بعض الأهالى بمنطقة مقابر المجاورين أخبرونى بأنهم قدموا بلاغاً لقسم شرطة منشية ناصر للقبض على سارقى المقابر ومنتهكى حرمة الموتى، خاصة أنهم شاهدوا أكثر من واقعة سرقة بالمنطقة، مؤكدًا أن الحاجة إلى الأموال تجعل بعض حراس المقابر يفعلون أى شىء».

 

رئيس الطب الشرعى الأسبق: الجثة تبقى فى ثلاجة المشرحة 6 شهور كحد أقصى ثم تدفن فى الصدقة أو لـ«الطب»

العديد من الموتى مجهولى الهوية يتم إحضارهم إلى المشرحة، بعضهم يكون فى حالة تشوه تام ما يصعب عملية التعرف عليهم، فيتم وضعهم فى ثلاجة المشرحة ومعهم بطاقة ورقية يتم وضعها داخل زجاجة لحمايتها من التآكل وتكون بها بيانات المتوفى منها رقم المحضر وتاريخ وصوله للثلاجة وهويته إذا كان ذكراً أم أنثى.

 

مصير كل جثة داخل المشرحة تحدده مصلحة الطب الشرعى، فإما يتم دفنها فى مقابر الصداقة أو يتم تسليمها لمشرحة مستشفيات كليات الطب لكى يتدرب عليها الطلاب، وذلك بحسب حديث د. أيمن فودة رئيس مصلحة الطب الشرعى الأسبق، وقد أشار إلى أنه يتم وضع الجثث فى ثلاجة لفترة تتراوح ما بين 3 و6 شهور، وخلال هذه الفترة إذا لم يتم الاستدلال على أهل المتوفى أو فى حال عدم استفسارهم عنه، فيتم دفنه فى مقابر الصدقة بعد قرار من النيابة العامة، وأحياناً تقوم المصلحة بمخاطبة المحامى العام فى حال وجود تكدس فى الثلاجات لإصدار تصريح الجثمان بعد أخذ البصمة الجنائية من الجثة، بحيث إذا حضر أحد أقاربه يتم مطابقة بصماته ببصمات الجثة للتأكد من وجود علاقة به وبين أهله، وبعدها يتم إبلاغهم بمكان الجثة فى حال دفنها، أو إذا كانت لم تدفن يتم تسليمها إليهم لدفنها بمعرفتهم.

 

وأكد «فودة»: كثيراً ما تقدم مستشفيات كليات الطب طلباً للمصلحة باحتياجها لجثة أو اثنتين من أجل تدريب الطلبة عليها، فلا نعطى تصريحاً بخروج إحدى الجثث إلا بعد إرسال خطاب للنيابة العامة وهى الجهة التى لها حق أن توافق أو ترفض على طلب مستشفى الجامعة، وفى النهاية ننفذ القرار الذى يصدر من النيابة.

 

وأشار إلى أن مستشفيات كليات الطب تعانى من نقص حاد فى عدد الجثث التى تعتمد عليها لتدريب الطلبة، خاصةً أن أعداد الطلبة زادت فى السنوات الأخيرة، فبعد أن كانت لا تتجاوز مئة أو مئتي طالب، أصبح العدد الآن يتجاوز الـ1000.

 

وتابع «فودة» أن عدد مصالح الطب الشرعى قليل لا يغطى كافة المحافظات، فكان قديماً، يضطر الطبيب الشرعى للانتقال إلى مشرحة المستشفى القائم بها المجنى عليه أو القتيل، ولكن فى الوقت الحالى أصبحت تنقل الجثامين إلى المشرحة للتعامل معها، مشيراً إلى أن العمل فى المشرحة يكون بشكل مهنى، ففى بعض الأحيان يلجأ الطبيب الشرعى للمس جثمان القتيل ومكان الإصابة دون استخدام جوارب اليدين، فهناك حالات لابد من خلع الجوارب لتعيينها بشكل صحيح كحالات الأعيرة النارية، لأنه إذا كان هذا الطلق عن قرب، فيكون هناك احتراق حول فتحة دخول الرصاصة لا يمكن تمييزها أو الإحساس بها إلا بلمسها باليدين.

 

وأشار إلى أن مهنة الطب الشرعى تتبع وزارة العدل ولا يوجد أى جهة رقابية عليها، فضلاً عن أن الطبيب معرض للخطر فى أى وقت، فأحياناً يرفض بعض الأهالى عملية التشريح للجثة، ويعتدون على الموظفين ويحاولون منعهم من أداء واجبهم، ما يجعل الموظفين فى بعض الأحيان يلجأون لغلق النوافذ والأبواب التى تؤدى للشارع لحماية أنفسهم.

 

وعن عدد الجثامين التى تدخل للمشرحة، يقول: لا يوجد عدد محدد فأحياناً تزداد الأعداد فى بعض الحالات كالحوادث الجماعية التى تحصد أرواح الكثيرين، وقد تقل فى بعض الأحيان، ولكن فى كل الحالات تسعى المشرحة لتعجيل إجراءات تشريحها واستخراج إذن النيابة لدفنها بسرعة، وفى حال تأخر الإذن نضطر إلى وضع أكثر من جثمان داخل ثلاجة واحدة.