رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستشفيات الجامعية.. دون علاج

بوابة الوفد الإلكترونية

تحقيق : أحمد سراج

المستشفيات الجامعية تعانى أزمة خطيرة، لدرجة أن بعض مديريها ألزموا المرضى بتوفير الأدوية والأدوات الخاصة بالعلاج على نفقاتهم الشخصية، الأزمة لا تقف عند هذا الحد بل وصلت إلى تأجيل بعض العمليات الجراحية لعدم وجود تجهيزات طبية، الأمر الذى دفع بعض المرضى إلى شراء العلاج من الخارج!

5 مليارات جنيه سنوياً هى ميزانية عدد 106 مستشفيات جامعية فى مصر يعالج بها نحو 17 مليون مريض سنوياً أى ما يعادل 47 مليون جنيه سنوياً مقدمة لكل مستشفى، ومع ذلك فإن نصيب الفرد من العلاج حسب تصريحات وزير التعليم العالى لا يتعدى 150 جنيهاً وباقى الميزانية يذهب فى صورة أجور.

وكانت الحكومة قد عقدت صفقة منذ عام لشراء المستلزمات الطبية تحت اسم صفقة برلين لتعويض العجز داخل المستشفيات، ومع ذلك وصل العجز فى المستشفيات الجامعية إلى مستلزمات العمليات الجراحية وعمليات القلب، كما غابت المؤكسدات «الرئة الصناعية» والصمامات القلبية والصبغة المستخدمة فى العمليات، وهو ما تسبب فى إلغاء عدد من العمليات الجراحية، ووصل العجز إلى سوق المحاليل والسرنجات حتى جهاز «الكانيولا» (المستخدم فى حقن المرضى بالمحاليل الوريدية)، ومن ثم يضطر أهالى المرضى لشرائها من الصيدليات الخارجية والسوق السوداء بأسعار تزيد بنسب تتراوح بين 100 و200% على أسعارها الرسمية.

الحديث فى الآونة الأخيرة عن المستشفيات الجامعية وتدهورها يعيد للأذهان مشروع هانى هلال وزير التعليم العالى فى حكومة مبارك عام 2007 حينما جاء بمؤسسة ماكنزى وطرح فكرة خصخصة المستشفيات الجامعية أو بيعها للقطاع الخاص بدعوى تطويرها ولكن الأزمة استمرت، يتزايد الإقبال على المستشفيات الجامعية لعدم ثقة المرضى فى المستشفيات العامة، مما زاد العبء على كاهلها وفاق إمكانياتها وجعلها تنحرف عن أهدافها، وأصبحت تعانى من مشاكل عديدة تبدأ من عجز فى الأجهزة الطبية، وقلة أطقم التمريض، وضعف الميزانية المخصصة لها، ومشاكل الأمن والنظافة، ونقص الأدوية.

وحسب آخر الإحصاءات تستقبل مستشفيات جامعة القاهرة 37 ألفاً و361 مريضاً شهرياً موزعين على وحدات الاستقبال بمستشفيات الجامعة، فى حين تستقبل العيادات الخارجية أكثر من91 ألفاً و999 مريضاً لإجراء الكشف الطبى والفحوصات، يبدأ عمل العيادات الخارجية فى تمام الساعة التاسعة وتغلق شبابيك التذاكر فى الحادية عشرة وتستقبل كل عيادة 200 مريض يومياً، ويبلغ ثمن التذكرة خمسة جنيهات شاملة العلاج.

محمود حسن جاء من الجيزة بحى العمرانية إلى مستشفى قصر العينى شاكياً من ألم بالمعدة وظل منتظراً أمام شباك التذاكر حتى حصل على تذكرة للدخول يقول: «التذاكر بتخلص بسرعة والنهاردة تالت يوم والحمد لله لحقت تذكرة - بس الحلو ما يكملش - بعد ما كشفت العلاج مش موجود بالصيدلية والطبيب كتب نوعين من الأدوية على ظهر الروشتة لأشتريها على نفقتى الخاصة».

أما عاطف مصطفى فتم نقل ابنه لمستشفى قصر العينى بعد إصابته فى حادث سير وبمجرد وصوله للمستشفى وجد فى انتظاره مفاجأة لم يتوقعها طلب منه الطبيب توفير بعض أدوات الإسعافات «شاش، مكركروم، مطهر» يقول: «جئت بابنى مسرعاً وتفاجأت أن المستشفى ليس به أى إمكانيات لإسعاف المصابين، والحادث مفاجئ ولم يكن بحوزتى أموال تكفى لشراء تلك الأدوات ولكن أهل الخير المتواجدين ساعدونى وبعضهم ذهب لإحضار بعض الأدوات».

ويتساءل عاطف إذا كانت تلك حالة مستشفى أحد أكبر وأقدم مستشفيات العاصمة والمفترض أنه مجهز لاستقبال المرضى فكيف الحال بالمستشفيات المتواجدة فى المناطق البعيدة والنائية.

صابر عبدالجليل يعانى من بعض الأمراض المزمنة مثل الضغط وارتفاع الدهون بالدم، ويأتى مرة أو اثنتين كل أسبوعين إلى العيادات الخارجية بقصر العينى، حيث يخرج فجراً من العياط بالجيزة، ليحصل على تذكرة المستشفى، يرى أن المشكلة الأكبر التى يعانى منها أثناء الكشف هو نقص الأطباء المتخصصين وخاصة أساتذة الجامعات، نظراً للغياب المتكرر لهم قائلاً: «مفيش حد بيهتم بالمرضى، وبنشوف الأمرين عشان نكشف، طابور طويل داخل ممر العيادة ولازم نصبر لغاية ما يجى دورنا.

وكانت المفاجأة الأكبر التى اكتشفتها «الوفد» داخل مستشفى قصر العينى هو إجراء التحليل والإشاعات نظير مبالغ تقدم لبعض العاملين داخل المستشفى، حيث قمنا بالتوجه إلى السؤال عن إجراء تحاليل صورة دم كاملة وأخبرنا المسئولون لا توجد تحاليل فى الوقت الحالى، وأشار علينا أحد مصادرنا بالداخل إلى أحد العاملين حيث تلقى مبلغاً مالياً وذهب معنا إلى الداخل وقمنا بإجراء التحاليل!

وتؤكد سناء أحمد ممرضة أن المشكلة الرئيسية للمستشفيات هو قلة الدعم.. وتقول لن يصرف الطبيب من جيبه الخاص على المريض، حتى لا يتم اتهامه باستغلال المرضى، أما المشاكل المتعلقة بالتمريض فتتمثل فى قلة المرتبات، حيث تتقاضى الممرضة 12 جنيهاً فى «النوبتجية» الواحدة، وهو يعنى أن الساعة عند الحكومة تساوى جنيهاً واحداً، بالإضافة إلى بدل العدوى الهزيل رغم أننا معرضون فى كل لحظة للتلوث.

 

سيد جلال

تركت مستشفى قصر العينى وتوجهت لمستشفى سيد جلال التابع لجامعة الأزهر، وهناك كانت الأزمة أكثر تعقيداً، حيث يقوم المرضى بشراء الأدوية ومستلزمات العمليات والإسعافات الأولية على نفقتهم الخاصة، كما أن بعض الأطباء يعتمد بشكل رئيسى على إجراء التحاليل الطبية فى معامل خاصة لعدم ثقتهم فى نتائج تحاليل معمل المستشفى!

تم حجز والدى فى المستشفى لإجراء عملية استئصال المثانة، وبعد أن اتفقنا مع الأطباء على يوم محدد لإجراء العملية، قمنا بشراء جميع المستلزمات الخاصة بالعملية والأدوية وسلمناها لقسم الجراحة وفى صباح يوم إجراء العملية طلبوا منى البقاء على سرير والدى، تحسباً لأى طلب قد يطلبه الأطباء، استغربت فى البداية لكن بعد أكثر من 4 ساعات من الانتظار اتصلوا على قسم المسالك ليطلبوا منى شراء سلك خياطة، نزلت من الطابق السابع وخرجت إلى شارع باب الشعرية، واشتريت «سلك رفيع» بعد أن طلب منى الصيدلانى التأكد من نوع السلك لأنه يوجد نوعان منه، فذهبت إلى قسم الجراحة من جديد وأعطيتهم السلك، فقالوا نريد «سلك تخين»، وخرجت مرة أخرى خارج المستشفى، وأحضرت النوع الثانى من السلك، ومعنى ذلك أن مستشفى كبيراً بهذا الحجم لا يمتلك سلك خياطة ثمنه جنيهات معدودة وهذه أبسط المستلزمات الطبية التى من المفترض أن توجد فى المستشفيات الحكومية».

وداخل قسم الجراحة العامة بالمستشفى التقينا أحد المرضى، الذى روى حكايته مع المستشفى فقال: «لم يتم تغيير المحاليل لى لمدة 4 ساعات، فى غرفة رقم 312 قسم الجراحة العامة، حيث يقوم بعض عمال النظافة بمتابعة المرضى بدلاً من الممرضين، بل يقومون بتغيير «الكلالا» للمرضى دون أدنى تدخل من الأطباء أو الممرضين، أما بالنسبة لدورات المياه فأوضاعها شديدة السوء ورائحتها قذرة، بعد تدهور أحوال السباكة والأحواض والصرف بدورات المياه بجانب امتلائها بالقمامة والقاذورات والجرادل المملوءة بالدماء والمياه الملوثة

 

سياسات الإنقاذ

فى عام 2014 أصدر الدكتور السيد عبدالخالق وزير التعليم العالى الأسبق، قانون تنظيم العمل بالمستشفيات الجامعية، والذى نص على يكون لكل مستشفى حساب بنكى خاص بالبنك الذى يحدده مجلس الأمناء بالعملتين المحلية والأجنبية وتكون موارده من مقابل الخدمات التى تؤدى للغير والتبرعات التى يقبلها مجلس الأمناء وعائد استثمار الأموال الخاصة بالمستشفى ومقابل العلاج بالأجر، كخطوة لبداية إصلاح المنظومة ودعم المستشفيات من خلال زيادة أسعار الخدمات المقدمة، إلا أن نقابة الأطباء رفضت القانون المقترح واعتبرته باباً لخصخصة المستشفيات الجامعية وإعادة لسياسات حاتم الجبلى «وزير صحة مبارك»، وسيجعل المرضى غير قادرين على تحمل نفقات العلاج.

ويؤكد دكتور محمد حسن خليل مدير مركز الحق فى الصحة،أن مشاكل المستشفيات الجامعية مثل جميع المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، وزادت فى الفترة الأخيرة خاصة بعد اتباع الحكومة سياسة التقشف وتقليل الإنفاق على الخدمات.

وأكد مدير الحق فى الصحة أن هانى هلال وزير التعليم العالى فى حكومة مبارك عام 2010 وجد أن بند المستشفيات الجامعية يلتهم الكثير من ميزانية التعليم العالى فاجتمع بالمسئولين عن المستشفيات وأكد على تقليل الميزانية بنسبة 25% كل عام لإجبارهم على الخصخصة، وتم تفعيل بعض الخدمات بأجر، كمعامل الفحوصات والأشعة، وبعض الجراحات التى تحتاج إلى دعامات وشرائح، بالإضافة إلى بعض الأقسام التى تتمتع بطابع خاص كوحدات الغسيل الكلوى، والرعاية المركزة وجراحات القلب.

ويكمل مدير الحق فى الصحة قائلاً: قام هانى هلال وحاتم الجبلى وقتها بالاستعانة بمنظمة ماكنزى والمعروفة بعلاقتها بالبنك الدولى وأقرت المنظمة فى تقريرها حلين، الأول وهو تحويل المستشفيات الجامعية إلى شركات وهو يعنى تغيير الشخصية القانونية من مؤسسات خدمية إلى مؤسسات تجارية ربحية، أما الحل الآخر فهو خصخصتها وبيعها بالكامل للقطاع الخاص، عبر ثلاث مراحل الأولى هى الإدارة الذاتية للمستشفيات، ويكون لكل مستشفى كيان مستقل وحساب بنكى خاص، والثانية عن طريق تحويل الكيان القانونى لتلك المستشفيات إلى شركات أو هيئة خاصة بالرعاية الصحية وصولاً إلى إمكانية بيع وشراء المستشفيات العامة والمركزية والتعليمية والجامعية فى مصر.

تحذير

محمود فؤاد مدير المركز المصرى للحق فى الدواء أكد أن المركز حذر مما اسماه بأخطار محققة تنتظر المستشفيات الجامعية فى مصر وتقف عائقاً لتقديمها الخدمات الصحية لملايين المرضى وتهدر حقهم الدستورى والقانونى، حيث أكد أن الاحتياطى من المستلزمات والأدوية لن يتحمل أكثر من شهرين فقط، وأن جميع المستشفيات أرسلت استغاثات لوزارة الصحة تخلى فيها مسئوليتها بسبب توقف جميع الشركات المتعاملة من توريد أى طلبيات بسبب ارتفاع الأسعار، وارتفاع الضريبة المضافة إلى 15%‏ بدلاً من 10%‏.

وأشار فؤاد إلى أنه قد تأكد للمركز أن محافظى الأقاليم التى تتبع هذه المستشفيات أرسلوا خطابات لرئاسة الحكومة لحثها على زيادة ميزانيات هذه المستشفيات، كما فعل مديرو المستشفيات فى مكاتبات رسمية للحكومة إلا أن عدم رد المسئولين كان له رد فعل سلبى مما أدى إلى استقالة عدد من مديري المستشفيات مثل المستشفى الجامعى بقنا، وكذلك صدور منشورات تعتذر فيها المستشفيات عن استقبال مرضى العيادات الخارجية والطوارئ مثل أسيوط وسوهاج والبحيرة، كما أدت هذه الأوضاع إلى إغلاق غرف العمليات وتأجيلها لمدة وصلت إلى ستة شهور كاملة خاصة عمليات القلب للأطفال بمستشفى قلب عين شمس الذى يتبع الجامعة ومستشفى الشاطبى الجامعى ومستشفى بنها الجامعي.

وأوضح أن 90%‏ من فقراء مصر يعالجون فى هذه المستشفيات التى تتحمل علاج أصحاب المعاشات والعمالة الزراعية والباعة الجائلين وهم يقدرون بالملايين يجب التدخل لإنقاذهم وإنقاذ هذه المستشفيات.