جورج سمعان يكتب : المتصارعون «الجرحى» في سورية يجددون الحرب؟
سوتشي مقابل جنيف. هذا جديد روسيا التي أكد وزير خارجيتها سيرغي لافروف أن لا تقدم في الجولة التاسعة للمفاوضات بين السوريين في المدينة السويسرية من دون عقد «مؤتمر الحوار الوطني» في المنتجع الروسي والأخذ في الاعتبار نتائج جولات آستانة. تهديد لم يكن ليصدر لولا أن الطريق سالك وممهد أمام المؤتمر. ولولا هذا «الجرح» العسكري الذي أصاب قاعدتيها في سورية. وكان وفد «هيئة التفاوض العليا» أجرى سلسلة لقاءات في الأمم المتحدة للحؤول دون منح غطاء دولي لمؤتمر سوتشي الذي تقاطعه حتى الآن. وليست وحدها، بل تقف إلى جانبها قوى دولية عدة تعارض محاولة موسكو طي صفحة جنيف. أما تركيا فرفعت هي الأخرى شعار «سوتشي وآستانة مقابل إدلب» وهي تراقب تأكّل «حصتها» في الشمال السوري. واشترط الرئيس رجب طيب أردوغان، بعدما برأه نظيره الروسي فلاديمير بوتين من هجمات «الدرون» على قاعدتي حميميم وطرطوس، وقف الهجمات في إدلب والغوطة «من أجل نجاح مؤتمر سوتشي وعملية آستانة». هذا التصعيد السياسي واكبته على الأرض مواصلة النظام السوري وحليفاه الإيراني والروسي تقويض جميع نتائج لقاءات العاصمة الكازاخية. فالعمليات العسكرية لم تتوقف في غوطة دمشق وريفي حماة وإدلب. كما واكبه إيغال إسرائيل في غاراتها الجوية أخيراً على أهداف في سورية، ترجمةً لخطة حكومتها المصغرة تقويض جهود الجمهورية الإسلامية لتحويل سورية قاعدة عسكرية متقدمة على حدودها الشمالية. ولا حاجة إلى التذكير بإعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب الحفاظ على القوات الأميركية وقواعدها شرق بلاد الشام، واستعدادها لإرسال طاقم ديبلوماسي إلى منطقة الكرد الذين يجهدون بدعم منها لتحويل ميليشياتهم في «قوات سورية الديموقراطية» جيشاً نظامياً أصدر البيت الأبيض أخيراً قراراً بمدهم بالسلاح مجدداً. مشهد سياسي - عسكري جديد في سورية يدخلها في مرحلة لا تبشر بتسويات بقدر ما تنذر بمزيد من الحروب. ويطوي صفحات جنيف وآستانة وسوتشي قبل أن تستضيف «حوار الشعوب السورية». لا شك في أن موسكو رفعت وتيرة العمليات العسكرية لعلها تنقذ «مؤتمر الحوار». بل لعلها تنقذ مساعيها السياسية من فشل محتوم في ضوء ما يواجه المؤتمر من اعتراضات ومقاطعة ورفض حلوله محل جولات جنيف المتعثرة أيضاً. وذلك بعد فشلها في وقف الحرب. وفشلها حتى في حماية قاعدتيها على الساحل السوري. ولن يكون في مقدور الرئيس بوتين أن يتغنى مجدداً بـ «النصر» الذي حققته قواته في سورية. في آخر يوم من السنة الماضية، تعرضت حميميم لهجوم مدفعي ألحق أضراراً بنحو سبع طائرات، وقتل جنديان روسيان. لذلك، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها ستوسع الإطار الأمني المحيط بالقاعدة. ثم واجهت هذه القاعدة ومثيلتها في طرطوس هجوماً بطائرات من دون طيار. وقدم هذا التطور ذريعة لترفع القوات الروسية وتيرة عملياتها في مناطق إدلب. فقد اتهمت قيادتها فصائل في هذه المناطق يفترض أن تتولى تركيا تهدئتها. والنتيجة أن موسكو بقدر اقترابها من المشروع الإيراني في سورية بدت كأنها تبتعد عن تفاهمها مع أنقرة، على رغم الاتصال الهاتفي بين أردوغان وبوتين الذي أصر قادته في سورية على مواصلة القتال في ريف إدلب بذريعة أن تفاهمات آستانة استثنت الفصائل المتطرفة من التهدئة. لم يبق شيء من آستانة. موسكو تجد نفسها مرغمة على استرضاء طهران مرة، وأنقرة مرة أخرى. وهي تدرك جيداً أن إيران لا ترغب عملياً في وقف الحملات العسكرية. هدفها كان ولا يزال أن يستعيد حليفها الرئيس بشار الأسد السيطرة على البلاد بأكملها، فلا تظل سورية مقسمة مواقع نفوذ لأكثر من طرف إقليمي ودولي يقفون وراء قوة أو مكون بعينه. وقد هدد علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى أثناء زيارة قام بها إلى حلب قبل شهرين، بتحرير إدلب وشرق سورية. ولا شك في أن القيادة الإيرانية التي وجهت أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وآخرين بالوقوف وراء الاحتجاجات والشعارات التي رفعت أثناءها ستتذرع بأن ثمة هجمة خارجية عليها تستدعي منها تعزيز مواقعها في سورية. علماً أنها منذ بداية الأزمة في بلاد الشام، وقبل الاحتجاجات بزمن طويل، لم تتوقف عن تعزيز حضورها في هذا البلد وغيره من بلدان الإقليم. ولم توحِ مرة بأنها أسقطت أو هي على استعداد للتخلي عن الخيار العسكري. ولا يحتاج الأمر إلى التذكير بما فعلت وتفعل في الجغرافيا الشامية. لا تريد الإقرار بأن شعبها الذي يرزح شطر كبير منه تحت خط الفقر يطالب بحقه من الثروة التي يذهب كــثير منها على السياسة التوسعية للجمهورية الإسلامية في الجوار المحيط شرقاً وغرباً. صحيح أن قواتها وحلفاءها فتحوا الطريق واسعاً في البوكمال وغيرها أمام التواصل والتنقل من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمـــشق، إلّا أن هذا الجسر البري لن يكون عبوره سهلاً وآمناً طالما بقيت فصائل معارضة للنظام السوري، «جهادية» أو معتدلة. فهي تعي ما صرح به وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قبل أيام. لم يعترف بوجود مثل هذا الجسر، لأن هذا الطريق الطويل، كما يعتقد أو يأمل يمر في مناطق لا تزال الحرب فيها قائمة وفلول «داعش» في نواحيها، وكذلك فصائل تعادي الجمهورية الإسلامية. إصرار إيران على حصتها الوازنة في سورية يقابله إصرار مماثل من تركيا التي ضاقت ذرعاً بموقف واشنطن ودعمها المستمر للكرد. مثلما ضاقت ذرعاً بالموقف الرمادي لموسكو