رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

راسم المدهون يكتب : في مأزق النخبة المصرية

راسم المدهون
راسم المدهون

فجوة كبرى تفصل الدولة المصرية الجديدة عن النخبة الثقافية والسياسية، نعثر على تجلياتها في كل الأحداث الكبرى والصغرى التي تحدث يومياً، سواء من خلال متابعة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، أو وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت في هذه الأيام ساحات حرب لا تتوقف، ويستخدم فيها «المحاربون» كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بل أكاد أقول، من دون تعميم، إن الشائع غالباً هو الوسائل اللامشروعة وغير المنطقية واللاموضوعية.

اللافت هنا أن هذا «الاشتباك» المحموم تحول إلى ظاهرة مأزومة تجد تعبيرها الأكثر شيوعاً في الشتم بمعناه الحرفي، والذي بات يتعامل مع الرأي المختلف باعتباره خيانة لا تستحق ولا يستحق صاحبها الجدل والنقاش. ولا غرابة في حالة كهذه أن نرى سيل التشاتم في برامج الرياضة، وبالذات تلك التي تهتم بمباريات كرة القدم، وهو تشاتم كان قد عبر عن تأزم فادح انعكس في مرحلة سابقة في اشتباكات دامية في مدرجات كرة القدم سقط فيها عشرات الضحايا (كما في بورسعيد وملعب الدفاع الجوي وغيرهما)، ما دفع الدولة إلى إقامة المباريات من دون جمهور، درءاً لأية أخطار يمكن أن تقع ويسقط فيها المزيد من الضحايا.

واضح أن الأمر ليس رياضياً كروياً تماماً، وإن تمظهر في الرياضة في صور وأشكال حادة وعنيفة جعلت الانتماء لأحد الناديين الرئيسين، الأهلي والزمالك، انتماء قبلياً يرى فيه كل طرف الطرف الآخر باعتباره عدواً وليس أقل من ذلك. بعض هذا رأيناه في ظاهرة الالتراس التي شكلت حالة تصعيد قصوى للتعصب الكروي الذي يضمر ضيقاً غير مسبوق بالآخر يذكرنا بالظاهرة الكروية الأم في انكلترا.

يحدث هذا في مصر اليوم بسبب من غياب طرف فاعل يسد الفراغ بين الخيارين التقليديين والنقيضين، التيار الاسلامي السياسي والمؤسسة العسكرية. الغياب هنا هو بالتحديد غياب النخبة والتي وجدت نفسها بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين عاجزة وضائعة تبحث عن دور لا تراه في الحكم الجديد الذي وصفته بالحكم العسكري، وما لبثت بعد ذلك أن انقلبت على تفسيرها للحركة الشعبية

التي أطاحت في 30 يونيو حكم المرشد والإخوان، ما وضعها كنخبة في حالة استنفار وصدام كامل مع الحكم الجديد وكل ما يقوم به. قد نرى منطقياً أن يعارض مصريون الحكم الجديد، لكن الأمر غير المنطقي أن يتماهى البعض مع سياسات قطر أو أن يتعاونوا مع حملاتها الاعلامية أو أن يعملوا في قنوات تلفزيونية تملكها وتديرها جماعة الإخوان بذريعة «مقاومة الانقلاب».

في مصر أزمة كبرى خصوصاً وأن الجميع ورثوا وضعاً كارثياً غير مسبوق، عنوانه الخراب الشامل أو شبه الشامل في مجالات الحياة كلها: الاقتصاد والمؤسسات والتعليم والمواصلات والصحة وغيرها، من دون أن ننسى أن كل ذلك يقبض على الحالة العامة في ظل حركة إرهاب بالغة الشراسة سواء في سيناء أو حتى في المدن المصرية الأخرى التي تعيش بدورها ضروباً من أزمات الفقر وأخطار الجريمة والتحرش الجنسي وانحدار الحالة الثقافية، على رغم كل ما تزخر به مصر من مواهب في المجالات كلها.

 

هي إشارات سريعة نراها ضرورية لرؤية ما تعيشه مصر العربية التي لا تستطيع أن تكون وأن تستمر طويلاً في هذه الأمراض، وتحتاج من أجل ذلك إلى نخبها الثقافية والسياسية الغارقة اليوم في جدالات ليست سوى مناكفات كيدية لا تغني ولا تسمن من جوع وليس لها من نتيجة إلا تكريس الخراب.

نقلا عن صحيفة الحياة