رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«قبة الحسنة» محمية الإهمال والفشل

الحفريات والأحجار
الحفريات والأحجار النادرة جعلت المحمية متحفا مفتوحا

الحكومة أعلنتها محمية طبيعية عام 1989 والمساكن الفارهة تلاحقها.. ومصير الغابة المتحجرة يطاردها

 

 

ما بين رغبة الدكتور خالد فهمى وزير البيئة فى الاستثمار، وبين الإهمال المتعمد تاهت محمية قبة الحسنة، والتى تعد أقرب المحميات الطبيعية للعاصمة، فرغم أنه لا يفصلها عن منطقة أهرامات الجيزة سوى 8 كيلو مترات فقط، إلا أنها بعيدة تماما عن أنظار وقلوب المسئولين، فالمحمية التى يقدر عمرها بأكثر من 100 مليون سنة، تعانى الإهمال الشديد حتى أصبحت شبه مهجورة، وفى الوقت الذى تحدث فيه وزير البيئة عن استثمارها ظهرت المخاوف أن يكون مصيرها مثل مصير الغابة المتحجرة التى استولت عليها بعض شركات الإسكان لتحويلها إلى غابة أسمنتية، ورغم الطبيعة الجيولوجية للمكان التى تحول دون تحويلها إلى مساكن، إلا أن الحديث عن الاستثمار غالبا ما تصاحبه نكبة بيئية تتعرض لها المحميات الطبيعية فى مصر.

يستمتع المسافر على طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوى بواحد من أجمل المشاهد النادرة فى العالم كله، قبة صخرية تسير بمحاذاة الطريق لمسافة 1 كيلو متر مربع، تتميز بتركيب جيولوجى فريد يرجع للعصر الطباشيرى (الكريتاسى)، حيث كان بحر تيزيس (البحر المتوسط) يغمر مصر كلها، مما ساعد على تراكم الصخور الرسوبية المكونة من الحجر الجيرى والطفلة، واستمدت المحمية اسمها من الشكل القبوى للتكوينات الصخرية الموجودة بها، وهى تنسب لوادى الحسنة بأبى رواش، وتم إعلانها محمية طبيعية عام 1989، نظرا لما تعكسه من تاريخ جيولوجى فريد ومعقد، حيث تمثل جزءا من تركيب جيولوجى أكبر معروف باسم تركيب أبى رواش، الذى يرجع إلى عملية تحدب كبرى حدثت فى العصر الكريتاسى، مما أدى إلى تكوين سلسلة من القباب والمقعرات، تختلف تماما عن المنطقة المحيطة بها والتى تعود إلى عصور جيولوجية أحدث، وهذه المنطقة مرتبطة جيولوجيا بمناطق المغارة بسيناء والواحات البحرية.

ولمحمية قبة الحسنة أهمية عالمية لدارسى علم الجيولوجيا، فبالإضافة لتكوينها الجيولوجى النادر، تتجمع الحفريات فى مستعمرات كاملة الحفظ مما يجعلها متحفا مفتوحا لدراسة علوم الأرض وتكويناتها المختلفة والتركيب المناخى للعصور المختلفة، وعلوم الحفريات وملامح البيئات القديمة.

ورغم هذه الأهمية العلمية الكبرى، إلا أن الإهمال يخيم بجناحيه على المكان، فلا توجد سوى لافتة واحدة تدل على مدخل المحمية والتى يقسمها طريق مصر - الإسكندرية الصحراوى إلى قسمين، واللافتة الوحيدة تشير إلى المبنى الإدارى التابع لوزارة البيئة، وهو مبنى صغير به متحف بيئى يضم بعض الحيوانات المحنطة والتكوينات الصخرية والحفريات الموجودة بالقبة، وبعضها الآخر تم استقدامه من محميات أخرى، كما توجد به مكتبة تغلف الأتربة أرفهها والكتب الموجودة بها، وغرفة أخرى يتم الاحتفاظ بأنشطة القائمين على المحمية بها، والتى يتم إجراؤها بالتعاون مع بعض مدارس الجيزة وأكتوبر كل فترة، بالإضافة إلى مكتب الأمن الذى يسكنه الحراس الذين يتناوبون حماية المكان، ومكاتب الموظفين.

أما القبة نفسها فيفصلها طريق مصر - الإسكندرية الصحراوى عن مكتب الإدارة ولا يوجد أى ترويج سياحى لها، إلا أن الدكتور خالد فهمى وزير البيئة كان ناقش من قبل سبل دعم الاستثمار فى المحميات الطبيعية، خاصة محمية قبة الحسنة، بما يتوافق مع الاشتراطات والمعايير البيئية والطبيعة الجيولوجية للمحمية ويمثل إضافة اقتصادية، وأكد الوزير حرص وزارته على عدم المساس بالمحميات الطبيعية فى مصر، باعتبارها أموالاً عامة لا يمكن بيعها أو التصرف فيها، ولكن لابد من تشجيع المستثمرين الجادين لإقامة مشروعات استثمارية فيها ذات عائد اقتصادى تحت إشراف شركات ذات خبرة عالمية فى هذا المجال، دون المساس بالضوابط التى وضعتها الوزارة لإقامة المشروعات الاستثمارية فى نطاق المحميات الطبيعية بما لا يخل بالتوازن البيئى بها.

هذه الأفكار التى طرحها الوزير أعادت إلى الأذهان ما حدث لمحمية الغابة المتحجرة التى تم استقطاع جزء منها تحت مسمى الاستثمار بعد أن أحاطتها التجمعات السكنية من كل الاتجاهات، وهو ما جعل البعض يتخوف من أن يصبح مصير قبة الحسنة مثل مصير سابقتها.

يذكر أن محمية قبة الحسنة تم إعلانها كمحمية طبيعية عام 1989 نظراً لأنها تعتبر جزيرة صغيرة تعود للعصر الطباشيرى، لا علاقة بينها وبين ما حولها جيولوجيا، لذلك فهى تعتبر متحفًا ومعهدًا علميًا متخصصًا يساعد فى دراسة علوم الأرض والتراكيب الجيولوجية المختلفة من طيات وفوالق، كما أنها منطقة مثالية لدراسة علم الحفريات أو علم الحياة القديمة ومدى التغير المناخى الذى حدث لهذه المنطقة، كما أنها تضم عدة مستعمرات لحفريات مرجانية تعتبر من أفضل الحفريات المرشدة التى تدل على البيئة قديماً.

 

متحف مفتوح

ورغم موقع محمية قبة الحسنة فى قلب محافظة الجيزة، حيث يمر عليها سكان مناطق الشيخ زايد وأكتوبر والمسافرون على طريق مصر - إسكندرية الصحراوى، إلا أن المحمية التى تضم حفريات نادرة لا تستقبل الزوار إلا فيما ندر، حيث تعتمد على زيارات الباحثين ودارسى علوم الأرض والجيولوجيين وأحيانا بعض الرحلات البيئية التى يقوم بعض مدارس الجيزة بتنظيمها للمكان، ووفقاً للدكتور محمد محمود شحاتة الباحث الجيولوجى بالمحمية فإن الكثير من علماء علوم الأرض يدينون لهذه المحمية بفضل كبير، حيث إنها كانت سبباً فى دراسة علوم الأرض والبيئة قديماً لما يوجد بها من حفريات، كما أنها تنتمى لحقبة الحياة المتوسطة (الميزوزويك)، بينما الصخور المحيطة بها

تنتمى لحقبة الحياة الحديثة (السيزوزويك)، ولذلك تم إعلانها كمحمية طبيعية للحفاظ عليها، وأشار إلى أنها تنتمى لنظام القوس السورى الجيولوجى، حيث تعرضت هذه الطبقات بعد ترسبها منذ 100 مليون سنة لعمليات طى فكونت قباباً وقيعاناً على شكل قوس يمتد من سوريا ويصل إلى جبل المغارة بسيناء وقبة الحسنة والواحات البحرية بمصر، وتحتوى القبة على حفريات من فصيلة البطن قدميات والأذرع قدميات والمثقبات والشعاب المرجانية، ولذلك فهى تعد متحفاً مفتوحاً يأتى إليها دارسو علوم الأرض والجيولوجيون وغيرهم لدراسة هذه الطبقات والحفريات الموجودة بها.

وأضاف الدكتور محمد أن المتحف الموجود بالمحمية يحتوى على عدد من الحفريات التى تنتمى للقبة، وبعضها الآخر تجلبه من محميات أخرى حتى يمكن للزائر التعرف على أنواع الحفريات المختلفة، وأوضح أن هناك دراسات منذ فترة للاستثمار فى هذه المحمية نظراً لقربها من منطقة الأهرامات دون الإضرار بالمحمية بيئياً، ولكن حتى الآن لم يأتينا أى شىء من الوزارة على البدء فى تنفيذ أى من هذه المشروعات.

 

قروش الملائكة

يذكر أن المنطقة المحيطة بالمحمية أصبحت مليئة بالتجمعات السكنية الفارهة، وهو ما أثار مخاوف المهتمين بعلوم البيئة من أن تصبح مطمعاً مثلما حدث فى الغابة المتحجرة، خاصة مع اتجاه وزارة البيئة للتوسع فى الاستثمار فى المحميات الطبيعية، وهو ما لم يرفضه الدكتور مجدى علام رئيس جهاز شئون البيئة الأسبق وإنما اعترض على طريقة تطبيقه، مشيراً إلى أن فكرة الاستثمار البيئى فى المحميات الطبيعية أمر جيد ولكنه يطبق بطريقة خاطئة، موضحاً أن محمية قبة الحسنة تعتبر من الثروات النادرة لذلك تم إعلانها محمية طبيعية للحفاظ عليها، وتسمى منطقة قروش الملائكة نظراً لأحجام الحجارة والحفريات النادرة الموجودة بها، ويقترح الدكتور علام أن يتم استثمارها بما لا يضر بها بيئياً، بحيث يمكن استغلال قربها من منطقة الأهرامات ويتم طبع تذكرة زيارة ثنائية لزيارة الأهرامات وقبة الحسنة، فالأولى محمية أثرية، والثانية محمية طبيعية نادرة يمكن أن تجتذب ملايين السياح لزيارتها، ومع افتتاح المتحف المصرى الكبير يمكن عمل تذكرة ثلاثية لزيارة الأهرام والمتحف والقبة معاً.

وأشار الدكتور مجدى إلى أن المنطقة بين الأهرامات والقبة كان من المخطط إنشاء عدد من الفنادق السياحية البيئية بها، إلا أن هذا المخطط قد تغير وتم إنشاء مساكن، وكان المخطط القديم أفضل لأنه كان يمكن اعتبار هذه المنطقة منطقة سياحية متكاملة.

وأوضح أن السياحة البيئية يمكن أن تنجح فى مصر بشرط أن يتم إنشاء فنادق تتماشى مع طبيعة المحميات الطبيعية ولا تضر بها، فمثلاً الغابات الطبيعية فى كينيا تقام بها فنادق صديقة للبيئة تستخدم إضاءة خافتة ولا تنبعث منها ملوثات تضر بها، وهذا المفهوم يجب أن يطبق فى مصر حتى نستفيد من مساحة المحميات الطبيعية التى تقدر بـ 150 ألف فدان فقط من إجمالى مساحة مصر.

وتعد المحمية التى لا يعرفها الكثير واحدة من أكمل المحميات الطبيعية حتى الآن وأن يد الإهمال تعبث بها، فحتى المتحف الصغير الموجود بها والذى يحتوى على عدد من الحفريات والصخور الرسوبية وأحجار قروش الملائكة التى يرجع عمرها لـ60 مليون سنة، وبعض الحيوانات المحنطة التى تم استقدامها من محميات البحر الأحمر والغزال المصرى الممنوع صيده، يعانى الإهمال والفقر ولا يجد من يزوره، ووزارة البيئة التى تبحث عن الاستثمار لم تفكر حتى فى تطوير هذا المتحف والترويج سياحياً لهذه المحمية التى لا تبعد عن منطقة الأهرامات سوى 8 كيلو مترات.