رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الأصليين».. فيلم لا يسرق العيدية من الصبية و يحذرك من جاسوس فى جيبك ومراقب يسجل كل تفاصيل حياتك

بوابة الوفد الإلكترونية

فاجأ فيلم «الأصليين» صناع أفلام العيد الأخرى قبل أن يفاجئ الجمهور.. بالتحدى فى سباق أفلام عيد الفطر، والمنافسة فى سوق ليس سوقه، وعلى جمهور ليس جمهوره.. ولكن يبدو أن صناع الفيلم راهنوا على الجمهور الذى يقاوم الهبوط الاضطرارى، ويرفض الاعتقال فى المساحة الضيقة، والمتاحة بين أفلام الأكشن التى تخلو من الدهشة وبين الكوميديا البليدة.

فيلم «الأصليين»، من تأليف أحمد مراد، وإخراج مروان حامد، وإنتاج شركة ريد ستار، وبطولة كل من ماجد الكدوانى وخالد الصاوى ومنة شلبى، وكندة علوش ومحمد ممدوح. لا يحتاج إلى جمهور مختلف ولا إلى ذوق عام مختلف ولكن إلى شعب يستفزه لأن يعود «أصلى» يشارك فى الحاضر ويصنع المستقبل، كما كان الأجداد الفراعنة، صناعاً للحضارة والفن والجمال والعدل.. وليسوا مجرد شعب مفعول به ومستعمل من قبل قوى داخلية وخارجية.. والفيلم يدور حول «سمير عليوة» رب أسرة صغيرة وموظف بنك مستقر فى عمله منذ سنين، لكن يتم الاستغناء عن خدماته وفصله من العمل فجأة، ويتلقى سمير الصدمة التى لا يستطيع مواجهة أسرته بها، التى تعيش فى جزر منعزلة عن بعضها، فيحاول أن يبحث عن وظيفة جديدة، وبعد أيام يفتح سمير الباب ليلًا ليجد صندوقا يحوى تليفونا محمولا، ومن خلاله يشاهد فيديو عجيبا يتناول ماضيه وتفاصيل حياته وحياة اسرته العلنية والسرية، الى أن يتلقى مكالمة تغير حياته.. وتجعل منه شخصية اصلية تشارك فى مراقبة الاخرين وليس كما كان شخصية هامشية ُمراقبا من الجميع دون أن يدرى.

وعموما فيلم «الأصليين» يعتمد على سحر الفكرة غير العادية، فجاء غير عادى وبعيدا عن النمطية. وهذه النوعية من الأفلام ليست كثيرة فى تاريخ السينما المصرية، وأنه من نوعية أفلام مثل فيلم «أرض النفاق» تم إنتاجه عام 1968 عن رواية للكاتب يوسف السباعى. الفيلم من إخراج فطين عبدالوهاب وبطولة فؤاد المهندس وشويكار وعبدالرحمن الزرقانى وسميحة أيوب، والفيلم يبدو انه يتناول مشكلة اجتماعية ولكنه حقيقة يدور حول فكرة فلسفية خيالية تطرح سؤالاً ماذا لو أصبحت الأخلاق سلعة تباع وتشترى؟!

وكذلك فيلم «البداية» (انتاج 1986 عن قصة المخرج صلاح أبو سيف وسيناريو وحوار لينين الرملى، وبطولة أحمد زكى، يسرا، صفية العمرى، جميل راتب، حمدى أحمد، سعاد نصر). ويناقش فكرة أن الديكتاتورية غريزة أساسية فى النفس البشرية وأن التسلط صفة ملازمة للجنس البشرى. وقد قال المخرج صلاح أبو سيف فى بداية الفيلم: «حاولت أن أقدم فيلمًا خياليًا ولكنى وجدته يأخذ شكلا من واقع الحياة..».

وفى هذا الإطار يبدو فيلم «الأصليين» كفيلم خيالى أو أنه يناقش قضية فلسفية ولكنه فى الحقيقة يطرح قضية واقعية حيث الجميع متورط فيها.. والجميع متهم ومدان وحاكم ومحكوم ولا احد فوق النظام والكل يراقب الكل.. أجهزة الدولة تراقب المواطنين، والأجهزة العالمية تراقب الدولة، وهذا الجهاز المحمول الصغير الذى فى جيبك ليس إلا جاسوساً وانت تعلم ذلك وتوافق على ذلك وتعترف انه اذكى منك ويعرف عنك ما لم تعرفه انت عنه!!

فيلم «الأصليين» إضافة متميزة للسينما المصرية، وكذلك لمبدعيه رغم طول بعض مشاهده وخصوصا التى بين ماجد الكدوانى وخالد الصاوى وكانت أقرب للمناظر المسرحية اكثر منها مشاهد سينمائية، وإن تخففت من الممل وتخلصت من السقوط فى الإيقاع البطىء بقدرة المخرج على الحفاظ على الإيقاع من خلال براعة أداء الكدوانى والصاوى وخفة ظل الحوار الذى

كان أداة مهمة لتوصيل فكرة الفيلم واجوائه.

والفيلم كذلك إضافة للمخرج مروان حامد، الذى يؤكد أنه فنان يتفهم جيداً جماليات الفن السينمائى، وهذا الخيال المدهش الذى يحيله إلي صور مبهرة تبقى فى الذاكرة وتشكل وعياً ذاتياً وعاماً اكثر جمالاً من الواقع. وأكدت فكرة الفيلم أن الروائى أحمد مراد ليس مجرد كاتب يتمتع بجماهيرية واسعة من القراء فيعطيه الحق أن يقول أى لغو ولكنه يحرص على تناول افكار كاشفة للواقع وليست ناقلة للواقع ومستفزة للتفكير الذاتى، ولا تعتمد على تفكير الاخرين.

وكان الفنان «ماجد الكدوانى»، وما ادراك من الكدوانى، الذى يؤكد مع كل فيلم موهبته الكبيرة وقدراته التى تظهر شيئاً فشيئاً مع كل دور من ادواره منذ «هيبتا وديكور وقبل زحمة الصيف» والفيلم الأخير كان رهان المخرج محمد خان الأخير على موهبة ماجد الكدوانى التى تمكنه من القيام ببطولة الأفلام الصعبة.. وأن المباراة التمثيلية بينه وبين خالد الصاوى كان فيها قوياً ومتمكناً من ادواته معبراً ببراعة عن هذا الفرد المهزوم طول حياته والمنفى فى خيارات الآخرين.. والده ووالدته، والوظيفة والأجهزة.. حتى أنه لم يتمكن من امتلاك نفسه فى اختيار الفتاة الوحيدة التى أحبها ذات يوم ولم يتزوجها رغماً عنه.. هذه شخصية تحتاج الى حرفية عالية من الممثل لأدائها، وماجد انتصر على نفسه فيها.. وأكد أنه الملاذ الوحيد للمخرجين الذين يبحثون عن ممثل يستطيع أن يؤدى الأدوار الصعبة.

ولا شك أن الفنان خالد الصاوى قدم الشخصية بوعى وإدراك بحدودها ومدلولاتها ولذلك كان ملماً بها ولم تهرب منه، ومكنته خبرته فى فرض شخصية المسيطر بقوة ونعومة فى نفس الوقت.. وهو أدى أكثر من شخصية ببراعة وخفة ظل، حيث بدا كما لو أنه المراقب الموظف، والتاجر والمراقب المستشيخ إسلامياً وقبطياً.. إلى المراقب السائح!!

وكانت الفنانة منة شلبى ذات حضور كاشف للفيلم فى بعض جوانبه التى تبدو غامضة وقد أدت دورها بجمال فى حدود احتياجات الفيلم من الدور، وكذلك الممثلة كندة علوش والممثل محمد ممدوح.. وبصفة عامة الفيلم من النوعية التى تتمتع بالسحر السينمائى الذى يبقى كل المواسم وليس مجرد فيلم يحاول سرقة العيدية من الصبية.. ولذلك سيندرج تحت قائمة الأفلام المهمة فى تاريخ السينما المصرية.