رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسماء إبراهيم الشامي: أبى دفن أخى وجلس يشاهد التليفزيون

الفنان إبراهيم الشامى
الفنان إبراهيم الشامى

سافر إلى فلسطين ليحارب مع المقاومة فى عام 48 .. رفض مغادرة شقة الحسين.. وقال: لو تركتها سأموت

طلب أن تخرج جنازته من المسرح القومى.. وحذرنا من البكاء عليه

 

«بإيدى أطهرك من الخيانة يا ولدى»

<>

على شط القناة، وقف المخرج على عبدالخالق، يطمئن على استعدادات فريق عمل فيلم «إعدام ميت» كان ذلك عام 1985، الفنان محمود عبدالعزيز الذى لعب دوراً مزدوجاً «منصور الخائن - وعزالدين ضابط المخابرات» يقف فى مكانه، والراحل فريد شوقى ورجال المخابرات العامة المصرية أخذوا أماكنهم، على الجانب الآخر يقف رجال الموساد، الكل فى انتظار إتمام صفقة تبادل الأسرى، ثلاثة طيارين إسرائيليين ومنصور، مقابل تسليم عزالدين، اللوكيشن بمصطلح السينما، ومسرح العمليات بالمفهوم العسكرى أصبح جاهزاً، والكل فى انتظار ظهور الفنان إبراهيم الشامى الذى لعب دور الشيخ «مساعد الطوبجى» والد الجاسوس منصور.

وبصوته المميز سأل المخرج على عبدالخالق، جاهزين؟ تمام جاهزين.. اتفضل يا أستاذ، التصوير نهار خارجى، والراحل سعيد شيمى مدير التصوير ضبط كاميراته، والصوت جاهز، والصمت خيم على الموقع، بعد لحظات أطلق المخرج صيحته: أكشن، بنصور يا أساتذة اتفضلوا.

<>

دارت الكاميرا دورتها على الوجوه جميعاً، لكنها توقفت لحظات أمام وجه الفنان إبراهيم الشامى، فهذه اللحظات التى يقف فيها تمثل عمره الإنساني والفنى كله، هو بعد لحظات سيطلق خمس كلمات تُعد درساً في الوطنية، ودستوراً للبشرية، ورسالة للإنسانية، يقول فيها أن الأوطان لا تعيش إلا بالأمانة، وأن الأوطان لا تضيع إلا بالخيانة، وقف الرجل فى مكانه ومرسوم على وجهه تجاعيد زمن عاشه بقناعاته وأفكاره، ملامحه تبدو قاسية، لون بشرته مرسوم بلون الشمس، وفى ذهنه تدوى هتافات الطلبة فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى، وهم تعلو حناجرهم فى شوارع المحروسة هاتفين «الاستقلال التام أو الموت الزؤام» وكان هو طفلاً صغيراً يجرى خلفهم، ويهتف بهتافهم حتى يباغتهم جنود الإنجليز بطلقات الرصاص لتفرقتهم، اللوكيشن كله فى عالم وهو لوحده فى عالم آخر، هو يتذكر قبل أن تدور الكاميرا سفره إلى فلسطين عام 48 لينضم للمقاومة، يتذكر انضمامه لمسرح جماعة الإخوان المسلمين الذى تأسس فى منتصف الثلاثينيات، ثم انضمامه إلى المسرح العسكرى.. كل ذلك دار فى ذهنه - كإنسان - قبل أن يؤدى مشهده فى الفيلم كفنان، فهو الآن يستعد لمشهد الختام فى الفيلم، حيث يلعب دور أب الخائن الجاسوس منصور، رست المركبة التى تقل ابنه منصور على ضفاف القناة، وبسعادة انطلق الابن يحتضن الأب، بعد نجاته من الإعدام، وبدم بارد احتضن الأب ابنه، وهو فى يده خنجر مسموم سدده بهدود وبثقة وقناعة فى أحشاء ابنه، منتصراً للشرف والأمانة والوطنية على مشاعر الأبوة.. قتل الشيخ مساعد ابنه وهو واقف صلباً بين رجال العدو، حتى يعرف من لا يريد أن يعرف أن خيانة الوطن ليست بعدها خيانة، وأن عقابها يجب أن يكون القتل، فمن يخون بيته، ومن يبيع أرضه، ليس له إلا الموت، فهل يدرك بعض الخونة -أو كلهم- فى سيناء وغير سيناء مغزى رسالة الشيخ «مساعد الطوبجى» التى وجهها للعالم كله، وهو يقتل ابنه، حتى يعيش وطنه؟

لا أظن أنهم قد استقبلوا الرسالة، فلو كانوا استقبلوها ما كنا كل يوم استقبلنا مصاباً وودعنا شهيداً، لقد أراد صُناع العمل بخمس كلمات «بإيدى أطهرك من الخيانة يا ولدى» أن يقولوا لنا أن الوطن باق، ونحن زائلون، فلا تخونوه.. ولا تهينوه.. ولا تبيعوه.. ومن يخون أو يهين أو يبيع.. اقتلوه.

<>

فى سلسلة حوارات «أبى.. الذى لا يعرفه أحد» ذهبت إلى عالم الفنان الراحل إبراهيم الشامى، وأنا أتذكر دوره العبقرى فى فيلم «إعدام ميت» أتذكره ونحن نشم رائحة الخيانة الكريهة لتراب الوطن تهاجمنا كثيراً، اتصلت بابنته «أسماء».. طلبت أن يكون اللقاء فى شقته فى شارع المعز لدين الله الفاطمى فى قلب القاهرة العتيقة.. اعتذرت بهدوء، لصعوبة الوصول إلى هناك، خاصة وهى تسكن الآن على أطراف المدينة، اتفقنا على الموعد والمكان، وفى الموعد وصلت حيث تعيش فى القاهرة الجديدة، قلت لها فى بداية الكلام: كنت أعرف أن شقة الحسين كان الراحل يرفض مغادرتها رغم ضغطكم عليه، ليخرج بعيداً عن زحام وسط البلد، قالت وهى تبتسم: رفض أن يتركها حتى رحيله، وقال لإخوتي الكبار: إذا تركت هذا المكان سأموت، كان يرى فيها عمره، وحياته، وأحلامه، وأيامه، وذكرياته الحلوة، وأظن أن ارتباطه لم يكن بالشقة، بقدر ارتباطه بالمكان، وهو كان يرى مصر فى هذه المنطقة الحسين، والأزهر، والعتبة، وأحياء القاهرة القديمة، والمسرح القومى قريب من المكان، والمسرح هو عشقه الأول والأخير، قلت لها دعينى أتوقف هنا، هل حبه للمسرح هو الذى دفعه للالتحاق بمسرح جماعة الإخوان المسلمين فى بداية ظهورها للحياة السياسية؟

قالت: هو لم يكن وحده فى ذلك الزمن الذى انضم لفرقة الإخوان، لكن سبقه عدد كبير من نجوم المسرح وقتها، كان من بينهم «جورج أبيض وعزيزة أمير، وفاطمة رشدى، وعباس فارس، وفتوح نشاطى، ومحمود المليجى» وهؤلاء العباقرة كانوا صُناع إبداع وفن ومسرح وليس رجال سياسة، وكان الإنسان فيهم -وهو فى مطلع شبابه- يريد أن يقدم موهبته، ويريد أن يغير العالم للأفضل بفنه، وكانت الفرق المسرحية وقتها محدودة، وحسب ما يقول لنا التاريخ فإن حسن البنا كلف أخاه عبدالرحمن البنا بتكوين فرقة مسرحية، وهنا نلاحظ أن الفرقة ضمت جورج أبيض وهو ليس مسلماً، أقصد من كلامى أن الأساس كان فيها هو الفن وليس السياسة.

قلت لها: لكن بعض الأوراق تقول إن أباك سافر إلى فلسطين ضمن كتائب الإخوان التى أرسلتها إلى هناك في حرب 48، قالت: يجب هنا أن نفرق بين أمرين، الأمر الأول هو أن يكون أبى انضم إلى جماعة الإخوان كتيار سياسى، وبين أن تسافر لتحارب ضد الصهاينة عام 48، أبى.. منذ طفولته وهو يرفض الاحتلال، وكان فكره وعمله واتجاهه كله يصب فى محاربة المحتل سواء هنا فى مصر أيام الاحتلال الإنجليزى أو سفره إلى فلسطين عام 1948، ثم سكتت قليلاً وكأنها تتذكر شيئاً ما، ثم قالت: يجب أن نعرف -وأظن الكثير يعرف- أن تلك الجماعة عندما تم تأسيسها كحركة دينية دعوية تدعو إلى الأخلاق والفضيلة في المجتمع ولم يتم تسييس أهدافها، يومها هذا التوجه جعل شباباً كثيرين وقتها ينضمون لها، وأنا أذكر مثلاً أن المفكر الراحل السيد ياسين، وغيره من الشخصيات انضموا لها كتيار سياسى، هدفه محاربة الاحتلال، وفى مرحلة الشباب يتنقل الشباب من تيار إلى تيار، وكانت الحركة السياسية وقتها قوية، وأرضية العمل السياسى كانت متاحة، لدرجة أن حزب الوفد نفسه كتيار ليبرالى كان به توجهات سياسية وفكرية مختلفة، لكن ما أظنه وما أعتقده أن أى إنسان -فما بالك عندما يكون فناناً- كان سيرفض ويبتعد عن أي تيار سياسى يدعو للعنف أو للتخريب أو للقتل، فهذا أمر مرفوض، وأبى عندما سافر لمحاربة الصهاينة فى 48 سافر بصفته شاباً مصرياً بالدرجة الأولى، وكل ما كان يربطه بالإخوان وقتها هو عمله فى فريق المسرح فقط، هنا توقفت أسماء إبراهيم الشامى، وهى تعمل محامية، واستأذنت قليلاً ثم عادت لى بفنجان قهوة ولها بفنجان شاى، وعدت أنا للتاريخ قليلاً فوجدت أن فرقة الإخوان المسرحية كانت قد قدمت أول أعمالها المسرحية الغرامية (لاحظ نوعية العمل) وكانت تحت عنوان «جميل بثينة»، ونجحت وقتها نجاحاً باهراً، والدكتور شوقى قاسم فى رسالته للدكتوراه التى حملت عنوان «الإسلام والمسرح المصرى» يقول: إن تلك المسرحية نجحت لدرجة أنها وضعت جنباً إلى جنب مع مسرحية «مجنون ليلى» لأمير الشعراء أحمد شوقى، أما لماذا تحول فكر هذه الجماعة بهذه الصورة التى ظهرت مؤخراً، فهذا يحتاج دراسات موضوعية وبحثية هادئة.

<>

اسمه إبراهيم الشامى.. ولد فى 13 سبتمبر 1920 بقرية تسمى «أبوصير» فى محافظة الغربية بدلتا مصر، حصل على دبلوم المدارس الصناعية، والتحق للعمل فى سلاح الصيانة بالجيش، ثم شارك فى تأسيس المسرح العسكرى، تدرج فى الرتب حتى وصل إلى رتبة الصاغ «نقيب»، بعدها استقال من أجل التمثيل الذى كان يعشقه، التحق بمعهد الفنون المسرحية وحصل على وسام المعهد للتفوق، ورغم قلة أعماله السينمائية والتليفزيونية، إلا أن أدواره فى أفلام «الأرض» و«الزوجة الثانية» و«إعدام ميت» و«كتيبة الإعدام» تظل أدواراً مؤثرة فى وجدان الجمهور، له من الأبناء «جزاء» و«على» و«مجدى» و«محمود» و«إبراهيم» و«ناصر» و«أسماء».

<>

ذات صباح عام 1985 دخلت زوجته عليه حجرة مكتبه، وجدته يراجع دوره فى مسلسل «غوايش» ذائع الصيت الذى لعب بطولته معه صفاء أبوالسعود ونبيل الحلفاوى وفاروق الفيشاوى، وكان فى نفس الوقت يحضر نفسه للسفر فى ذلك الصباح إلى تونس لاستكمال التصوير هناك، قالت الزوجة: صباح الخير، رد: صباح الخير، قالت: ابنك محمود جاء ليودعك للسفر إلى اليونان لقضاء شهر العسل، ابتسم وقال لها: بالسلامة.. أنا فى طريقى لتونس.. وهو إلى أثينا، ودخل الابن

ودع أباه ومعه زوجته، وقال الأب له: بالتوفيق يا ولدى.. كلنا على سفر.. إن التقينا نلتقى على خير، وإن افترقنا نفترق على خير ثم سكت.

الزوجة واقفة اقشعر جسدها من كلماته، وقالت له: لماذا تقول ذلك يا إبراهيم؟ واصل سكوته.. ثم قال لها: شنطة سفرى جاهزة؟ قالت: نعم.. وبعدما غادر الابن بساعة أو أكثر غادر الأب مطار القاهرة فى طريقه، والابن من قبله إلى طريقه على وعد باللقاء، ولكن الوعد لم يتحقق، فلقد «مات» الابن وهو عائد من سفره بعدما تم اختطاف الطائرة فى عملية إرهابية خسيسة، تتذكر الابنة هذه الأيام معى وتقول: يومها عاد أبى من تونس قبل أخى بـ48 ساعة، فلقد تأخرت طائرته.. وعندما علمنا بالخبر الصادم شعرنا بفداحة المصاب الذى أصابنا، يومها تماسك أبى وذهب إلى مطار القاهرة بنفسه مع إخوتى والأهل والأصدقاء واستقبل الجثمان وتوجه به إلى المقابر لتوديعه إلى مثواه الأخير، يومها عاد أبى إلى المنزل ولم يبك ولم تظهر عليه أمامنا ملامح حزنه، ظل متماسكاً وقوياً، رغم إحساسنا أنه يتمزق من الداخل.

ثم سكتت قليلاً وهى تحاول إزالة بصيص دمعة دائرة فى عيونها وهى تتذكر هذه الأيام ثم قالت: كنت صغيرة فى السن وقتها، لكننى رأيت أبى وهو عائد من الجنازة، ويدخل فوراً إلى الصالة التى بها جهاز التليفزيون ويقوم بتشغيله، وقتها وقفنا جميعاً فى حالة ذهول، قالت أمى وهى تبكى: أبوكم بداخله حزن يكفى العالم كله، لكنه يحاول أن يتماسك أمامكم حتى لا تنهاروا من الصدمة، وحتى لا يترك الحادث آثاراً نفسية سيئة عليكم، من هذا المشهد تأكدت من قوة أبى الإيمانية وقدرته الإنسانية على احتواء واستقبال المواقف الصعبة.

<>

قلت لها: كيف التقى بوالدتك؟ ردت بعدما ظهرت ابتسامة على وجهها أزاحت حالة الحزن قليلاً: كان زواجاً تقليدياً، لكنه فى نفس الوقت عن حب، كانت أمى تحب أبى بطريقة جنونية، لدرجة أنها حزنت على رحيله أكثر من حزنها على أخى، تعرف عليها مبكراً، فهى من العائلة وكانت مؤمنة جداً به، واهتمت هى بتربية الأولاد، وتركت له حرية العمل والقراءة والسفر والسهر فى المسرح ومن قبل ذلك غيابه بسبب عمله بالقوات المسلحة. لقد تحملت أمى عبء تربية وتعليم الأولاد حباً فى أبى، وحتى تتركه يؤدى رسالته الفنية، لكن فى نفس الوقت كان أبى يتابع معنا دروسنا واختياراتنا لمستقبلنا، ولم يكن يريد لنا الاتجاه للتمثيل، لأنه كان يدرك مشقة طريق الفن، وصعوبة العمل فيه.

<>

قلت لها: كانت ملامح وجهه شديدة الصرامة، ويبدو أنه رجل قاسٍ؟ هل كان ذلك بالفعل؟ تضحك وتقول: بالعكس كان بداخله كمية حنان لو وزعت على العالم كله لنجحت فى احتواء قسوة ذلك العالم، كانت ملامحه -خاصة فى التمثيل- لا تعبر عما بداخله من تسامح وعطف وحب للآخرين، فأبى كان حالة من الإحساس والمشاعر وهذا لم يكن ظاهراً أمام المشاهد، وكم كنت أتمنى أن يراه جمهوره وهو يعامل أولاده أو زوجته أو حتى الجيران، وكنت أرى قمة عطفه وهو يقف أمام والدته التى كان يحبها بشدة، وعاشت معه حتى رحيلها، كان يقف أمامها وكأنه طفل من شدة حبه واحترامه وعطفه عليها وهى فى نهاية العمر.

<>

- اقبضوا على الراجل ده؟

........

- ومن رجليه!

كانت هذه الكلمات القليلة هى ختام ملحمة يوسف شاهين فيلم «الأرض»، نطق بها وبكل قسوة السلطة ضد الفرد أو المواطن الفنان إبراهيم الشامى مأمور المركز الذى هجم بقواته على أرض محمد أبوسويلم، وبعدما تعاملت قوته مع أهل القرية الذين جاءوا لإنقاذ محصول الأرض، وقف المأمور «الذى يمثل السلطة» وألقى بيده بإحدى وسائل القوة والبطش التى تمثل القيد، ووضع فى قدمى محمد أبوسويلم الذى حاول جاهداً التمسك بالأرض، وحاولت السلطة فى نفس الوقت انتزاعه بالقوة منها، ولقد نجح الفنان إبراهيم الشامى بهذا المشهد أن يلخص لنا سطوة السلطة، مثلما نجح محمود المليجى فى أن يلخص لنا أن الأرض دونها هو الموت، وعلى ملامح وجهيهما نجحت الراحلة فاطمة قنديل والموسيقار على إسماعيل أن يرسما لنا بكلمات ولحن عبقرى أن الأرض لو عطشانة.. ليس أمامنا إلا أن نرويها بالدم.. وتبقى السلطة ما بقيت كما رسمها إبرهيم الشامى عنيفة الفعل، متوحشة فى الفكر، لا ترسل لنا إلا رسالة «القبض» لتقبض على أحلام البسطاء والفقراء والشرفاء الذين لا يسيرون على خطاها، وهى -أى السلطة- متاح لها الاختيار ما بين أن تجرنا خلفها بكل غلظة وقسوة من اليدين أو الرجلين فالنهاية واحدة.

<>

ومن عند هذا المشهد عدت للابنة التى كانت تعد لى مجموعة صور للأب، وقلت لها: أيامه الأخيرة كيف كانت؟ ردت: لم يمرض كثيراً، وأذكر أنه اشتكى من ضيق بالصدر وسعال خفيف، ذهبنا به للمستشفى وبعد فحوص وتحاليل اكتشفنا أنه مصاب بتليف بالكبد دون أن نعرف، ومنذ هذا التوقيت بدأنا التعامل مع المرض.. وظل فى المستشفى بعض الأيام.. وفى الساعة التى كتبها الله له.. لقى وجه رب كريم.. ومات، وكانت وصيته أن تخرج جنازته من المسرح القومى.. وبالفعل ذهبت الجنازة من المستشفى إلى وسط البلد حتى وصلنا إلى المسرح القومى ودخلنا الجنازة إلى خشبته، ثم خرجت من هناك لمقابر الأسرة.

<>

ومات الفنان إبراهيم الشامى، بعدما قدم رحلة عطاء فنية متميزة، حاول خلالها أن يصنع لنفسه ولبلده وأمته شيئاً يرضيه، ولقد نجح بما لديه من صدق وقناعة وموهبة فى أن يفعل ذلك، والذى شاهد مسرحية «دماء على ستار الكعبة» يجده فى مشهد بينه وبين القديرة سميحة أيوب يقول لها:

- حلمت بأنى عود العمر يضحك بيننا

- فالحزن علمنى الكآبة

رحل الفنان إبراهيم الشامى وهو يدرك أن الحلم يُعلّم العمر كيف يفرح بالحياة، وأن الحزن -أى حزن- لا يعلمنى إلا الكآبة، وأن الأوطان لا تنهض إلا بالأمانة، ولا تسقط إلا بالخيانة وأن الكلمة شرف.. وشرف المبدع هو الأمانة.