عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عائلة اليهودية تحول أقدم ستوديو في مصر لمخزن ملابس

بوابة الوفد الإلكترونية

نزع بلاطتين من المكان ووضعهما بجوار قلبه وبكى، ليبدأ بعد فترة من الذهول أشرف محيى الدين فهمي الشهير بـ«أشرف بيلا» وولده شهاب، عملية جلاء مريرة وحزينة لمساحة ستمائة وخمسين مترا كانت فضاء أقدم استوديو تصوير فوتوغرافي في مصر والعالم العربي عرف باسم صاحبه المجري «بيلا» الذي أسسه عام 1890 في احدى العمارات الجميلة بشارع قصر النيل.

الرحيل عن الاستوديو جاء بأمر من عائلة شوشة اليهودية المعروفة والمالكة لأكثر من أربعة عشر عمارة أخرى في منطقة وسط البلد بخلاف العمارة التي يوجد بها الاستوديو بعدما صدر قانون في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك يبيح لليهود استرداد أملاكهم التي أممها الرئيس جمال عبدالناصر في فترة الخمسينيات فقانون الايجار القديم يسمح لوالد أشرف بالبقاء في الاستوديو ولكن بعد وفاته على الحفيد أشرف أن يغادر الاستوديو ويترك وراءه تاريخ الجد والأب الممتد لأكثر من مائة عام.

بصوت خفيض ملىء بالشجن يروي الرجل الستيني أشرف بيلا لـ«الوفد» التي التقت به في استوديو صغير بمنطقة الدقي حدوتة استوديو بيلا قائلاً: لا أبالغ إذا قلت انني ولدت وتربيت في الاستوديو وعشت سنوات عمري بين ماكينات التصوير وغرف استوديو بيلا السبعة بجدرانها المرتفعة المميزة، ولقد ورثت الاستوديو عن والدي رحمه الله محيي الدين فهمي الذي ورثه عن جدي فهمي باشا علام، والبداية عندما حدث خلاف بين الانجليز والمجر عام 1925 قام الانجليز بطرد المجر من مصر فباع الخواجة بيلا حصته لرجل لبناني شاركه جدي فهمي باشا علام ثم بعد فترة ترك الشريك اللبناني الاستوديو ليملكه جدي منفرداً وللحفاظ على تاريخ الاستوديو الذي يعد وبحق دفتر أحوال المصريين لسنوات طويلة ممتدة لأكثر من قرن كان الاستوديو شاهد عيان على أفراحهم ومناسباتهم وطريقة ملابسهم وكل مظاهر حيواتهم المعاشة، لذلك لم يفكر جدي في تغيير اسم (بيلا)، لأن تاريخ الاستديو مرتبط باسمه، والأكثر من ذلك أن اسم الشهرة الخاص بي أصبح (أشرف بيلا)، كما أن اسم الاستوديو يجذب السائحين الأجانب، خاصة المجريين الذين يأتون للاستوديو ليسألوا عن الخواجة (بيلا)، معتقدين أن صاحب الاستوديو مجري الجنسية.

يتابع أشرف بيلا سرد حدوتة استوديو بيلا قائلاً: حينما تعرضت لمحنة الطرد من استوديو بيلا بعد أن عرضت على الورثة مبلغ 800 ألف جنيه ايجار وألف وخمسمائة جنيه ايجار شهري فوجئت بأن الورثة يطلبون مني 2 مليون ونصف المليون وايجار شهرى يتجاوز الخمسة آلاف جنيه وبالطبع لم استطيع الدفع فعرض على الفنان أشرف عبدالباقي أن يشاركني في الاستوديو لكي ننقذ الاستوديو ولكن تعرض لمشاكل قضائية خاصة بمسرح مصر جعلت التعاون يتوقف.

ملوك، رجال سياسة، فنانون، موظفون وأفندية بعائلاتهم.. الكل يأتي لاستوديو بيلا أملاً في تسجيل لحظات من حيواتهم حميمة ومختلفة، يتفرس الطفل أشرف بيلا في الوجوه، يعرف أفضل لحظات القنص بالكاميرا يحكي عن سنوات عمره في مدرسة استوديو بيلا قائلاً: الاستديو شهد تغير الأحوال وأشكال الأناقة أيضًا، فبداية من «الطربوش»، إلى العِمامة، ثم البدلة و«المنشّة» وأخيرًا الملابس بشكلها الحالي، حتى أن طريقة جلوس النساء والرجال اختلفت تمامًا؛ ففي الثلاثينيات وما قبلها، كان الرجل يجلس، بينما تقف زوجته لجانبه، وعقب تلك الحقبة انعكس الوضع وأصبح «لازم الست تقعد والراجل يقف».

يتابع أشرف بيلا بعد لحظات صمت قصيرة قائلاً: استوديو عمره قرن وأكثر ولأنه هو الأقدم في مصر فقد أصبح الملوك والباشاوات والرؤساء من زبائنه، كان يحضر مندوبا من قصر عابدين للاتفاق على حضور الخواجة بيلا لتصوير أحد أفراد العائلة المالكة في القصر، وقام جدي بتصوير موكب للملك فؤاد وكان إلى جواره حسين رشدي باشا، كما قام بتصوير اللواء إسماعيل صدقي باشا واللواء أحمد شفيق باشا، ووسيل باشا حكمدار العاصمة، والتقط صورة للملك فاروق في طفولته وهو راكب عربة صغيرة وكان جدي يفرش بساط أحمر داكن عند مدخل العمارة وحتى الوصول الى الاستوديو ، حينما تأتي شخصية سياسية هامة ، كما قام والدي بتصوير الرئيس جمال عبد الناصر وأحداث ثورة يوليو 1952، وجنازة عبد الناصر، والتقط صورا عديدة للرئيس الراحل أنور السادات وزوجته السيدة جيهان السادات. أما أبرز النجوم الذين نعتز بتصويرهم في الاستوديو وقمنا بعمل تست كاميرا لهم علي الكسار، فريد

شوقي، ميرفت أمين، مديحة كامل، لبلبة، هند رستم، ماجدة الصباحي، سميرة أحمد، ونور الشريف، ويحيى الفخراني، ونعيمة عاكف وغيرهم الكثير، بالإضافة إلى كل نجوم الجيل الجديد مثل أحمد السقا ومنى زكي ومي عز الدين وتامر هجرس. فقد اعتاد المخرجون الكبار مثل يوسف شاهين، والسيد راضي، وجلال الشرقاوي، وخالد يوسف وغيرهم على إرسال الوجوه الجديدة لنا لنقوم بتصويرهم، وعمل اختبار تصوير لهم.

أما المجد الشخصي لأشرف بيلا وحرصة على كل مقتنيات الاستوديو التي حملها في قلبه قبل ان يخزنها في احدى الشقق على أمل العودة مرة اخرى الى العمارة التي كان فيها الاستوديو فيقول : طوال الـ119 سنة حافظنا على شكل الاستوديو وديكوره القديم، كما احتفظ بكل الكاميرات ومعدات التصوير القديمة، والفلاش الماغنسيوم، وأفلام التصوير المصنوعة من الزجاج، ويواكب الاستوديو أيضًا كل ما هو حديث ومعاصر في عالم التصوير، حيث نستخدم أحدث آلات التصوير الديجيتال ذات الجودة العالية ، والدي لم يعلمني بطريقة تقليدية مهنة التصوير بل جعلني أعيش حياتي أتابع وأفهم ثم بدأت أمسك الكاميرا وانا في المرحلة الاعدادية لكي اصور زملائي في المدرسة واقوم بعملية التحميض بنفسي ، ثم أتفق معي والدي ان اي صورة سأقوم بتصويرها سوف احصل على اجرها وكانت الفنانة لوسي هي عميلي الاول والتي صورتها وانا عمري لم يتجاوز السادسة عشر ونزلت كغلاف لمجلة الكواكب ، لأبدأ الرحلة والصداقة الممتعة مع عدسة الكاميرا فقمت بعمل تست اختبار امام الكاميرا لعشرات الفنانين وتربطني بهم صداقات طيبة .

وعن كواليس تصوير وجه الفنان وهل الكاميرا تحب وتكره من يقف أمامها يقول اشرف بيلا: التصوير إحساس وفن ودراسة في نفسية الشخصية التي تقوم بتصويرها حتى تستطيع ان تخرج أفضل ما فيها من مشاعر سواء مبهجة او حزينة، فعلى سبيل المثال الفنان الكبير فريد شوقى من الفنانين اللى كل زوايا وجهه مظبوطة فى التصوير، وسعاد حسنى من الوجوه اللى بترتحلها الكاميرا، على عكس فنانين اكثر جمالا لكن ليس لهم زوايا تصوير، اما الفنان احمد زكي فهو حالة من العبقرية الإنسانية امام الكاميرا التي كانت تعشقه بامتياز، ولكن يبقى أهم أسس التصوير السليم هى معرفة الهدف من الصورة، والزوايا والاضاءة المناسبة للوجه، والتى تختلف بحسب شكل الشعر و الطول و لون البشرة.

أخيراً يودعني بنبرة متفائلة قاطعا على نفسه وعد العودة من جديد الى منطقة وسط البلد لكي يشع استوديو بيلا بفتريناته الزجاجية المتفردة الممتلئة بأهل مصر من فنانين وسياسين وموظفين ، أما أنا فادعو جميع من وقف أمام كاميرات أستوديو بيلا ان ينقذوا جزءا عزيزا وغاليا من تاريخ مصر المحروسة وان يدفعوا المبلغ الذي طلبه الورثة لكي يعود استوديو بيلا الى موطنه الأصلي من جديد يلتقط اللحظات الخاصة من حيوات المصريين.