رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأيدى الناعمة تطلق رصاص الثأر

بوابة الوفد الإلكترونية

سقوط 3 سيدات فى جريمة ثأرية يخترق الأعراف فى قنا

«ليلى» تحلق رأسها وتحمل رشاشاً وتقتل 12 شخصاً

 

لأول مرة فى تاريخ مصر تدخل المرأة على خط الثأر، إما قاتلة وإما مقتولة؛ حيث تمنع موروثات مجتمعية وشعبية قتل النساء أخذاً بالثأر.

شهدت محافظة قنا، الخميس الماضى، كارثة ثأرية خطيرة تنبئ بتطورات مجتمعية تكشف اختلاف مفهوم الثأر فى الصعيد ليكون من بين ضحاياه ثلاث سيدات مرة واحدة.

تفردت المحافظة فى قضية الثأر، فقد شهدت إحدى قراها من قبل إقدام سيدة تدعى «ليلى» على الثأر لإخوتها الثلاثة، خاصة أن جميع أطفال العائلة صغار، ولا يوجد رجال لأخذ الثأر، فحلقت شعرها، وتخفت فى ملابس الرجال، وحملت مدفعاً رشاشاً متنقلة ما بين الكهوف والزراعات لتحصد أرواح 12 شخصاً من خصومها مرة واحدة.

المرأة فى الصعيد اقتحمت بركان الثأر الذى لا تُخمد ناره لتزيد الكارثة اشتعالاً، وتنذر باتساع دائرة الثأر، وتأجج نار الفتنة فى الجنوب.

شهدت محافظة قنا، مؤخراً، دخول النساء فى الثقافة الثأرية للمرة الأولى فى تاريخ مصر، حيث سقطت ثلاث نساء، فى حادث ثأرى بقرية الحجيرات شمال المحافظة، ما أودى بحياة عبدالحميد عبدالرحيم جاد، 33 عاماً، وحليمة طايع محمود، 40 عاماً، وآيات جاد عبدالرحيم، 37 عاماً، وموزة حلمى، 25 عاماً، وإصابة علاء عبدالخير أحمد، 45 عاماً، وسوما جاد عبدالرحيم، 40 عاماً، بعد إصابتهم، بـ150 طلقة نارية من أسلحة ثقيلة، وفقاً للطبيب الشرعى داخل مستشفى قنا، مؤكداً أنهم لقوا حتفهم نتيجة طلقات عشوائية فى أماكن متفرقة.

ووفقاً لمراقبين، فإن الحادث الذى وقع إثر قيام مجهولين بإطلاق نيران بنادقهم الآلية على ركاب سيارة خاصة على مشارف القرية، سقط ضمن ضحاياه نساء بين القتلى، وهو أمر ربما يحدث لأول مرة، حيث تمنع موروثات مجتمعية وشعبية قتل النساء فى حوادث الأخذ بالثأر، قبل أن تخترق هذه الحادثة جميع الأعراف وتُنبئ بتطورات مجتمعية خطيرة.

ومن جانبه، أكد مصدر أمنى فى مديرية أمن قنا، أن الدافع والسبب وراء هذه الجريمة البشعة هو خصومة ثأرية بين عائلتى سليمان، وعائلة جاد بقرية الحجيرات، حيث توجد خصومة ثأرية بين العائلتين منذ سنوات طويلة.

وتابع المصدر، أن الأجهزة الأمنية تكثف من جهودها لضبط المتهمين والجناة، لتقديمهم للعدالة، حيث فرضت أكمنة أمنية ثابتة، ومتحركة لضبط الجناة، وفحص المشتبه بهم والمترددين على المحافظة.

وقال محمد عبدالموجود، 36 عاماً، أحد أهالى قنا، إن محافظات الصعيد بأكملها لم تعرف شيئاً من قبل عن دخول السيدات فى الصراعات القبلية بين القبائل، والعائلات، وأن ذلك شىء جديد على المحافظة.

وأضاف «عبدالموجود»، أن إطلاق أعيرة نارية تجاه السيدات، وقتلهن، بسبب خصومة ثأرية، أمر غير معتاد، وغير متعارف عليه وسط العائلات المختلفة سواء كانت عائلات صغيرة أو كبيرة.

وترى الباحثة المصرية الدكتورة خديجة فيصل مهدى، أن الثأر ظاهرة تأبى أن تختفى من المجتمع المصرى، خاصة محافظات الصعيد وهى ظاهرة تتسبب فى مقتل العشرات وإصابة المئات، وتشريد آلاف الأسر، كما أنها تهدد السلم، وتقف عائقاً أمام التنمية بالمنطقة.

وأضافت «المهدى»، أن ثمّة عوامل كثيرة تتسبب فى تنامى الظاهرة من أبرزها الفقر والجهل وغياب دور الدولة، وهذه العوامل الثلاثة هى الأرض الخصبة لنمو هذه العادة.

ويؤكد الباحث المصرى فتحى عبدالسميع، أن الثأر بات تأصيلاً ثقافياً وتاريخياً، لافتاً إلى أن تراث الثأر يحمل ما لا حصر له من الحكايات غير المعروفة، ويلقى تمجيداً من قبل الكثيرين.

وأوضح أن الواقعة تشغل مساحة هائلة فى حياة سكان قنا، حيث يتحول الأفراد إلى مؤرخين ورواة شعبيين لا يتوقفون أبداً عن تناقل الخبر، بل يحيطونه بالكثير من التفاصيل والتصورات والتخمينات والمتابعات لسير أبطال الواقعة من الطرفين واستدعاء كل ما له علاقة بالثأر فى ذاكرة الجميع.

ودخلت قرية الحجيرات ضمن قائمة القرى التى تشهد ارتفاعاً فى معدل جريمة الثأر فى محافظة قنا، حيث بلغ عدد حوادث الثأر فى القرية 500 قضية ثأر، والتى يسكنها حوالى 40 ألف نسمة، وتبلغ مساحتها 1500 فدان، وتنقسم إلى 6 نجوع، وتغلب عليها زراعة القصب.

عوامل كثيرة ساعدت فى أن تكون القرية أرضاً خصبة للتناحر والخصومات الثأرية التى ارتفعت معدلاتها فى السنوات الأخيرة، عقب اندلاع ثورة 25 يناير، والتى صاحبها حمل العائلات الأسلحة النارية، وشراؤها، واستخدامها فى المشاجرات التى تقع داخل القرية، حتى على أبسط الأمور، لتترك مئات الخصومات الثأرية الموجودة بين عائلات القرية التى تحولت شوارعها إلى أرض للمشاجرات اليومية، وتشبعت أرضها بدماء الشباب تحت وطأة الثأر.

 وتعد قنا من أكثر محافظات الصعيد، التى يتربع فيها الثأر من شمالها إلى جنوبها، وفقاً للتقارير الأمنية الراصدة للحالة الأمنية فى المحافظة، من ضمنها الخلافات بين العائلات والقبائل، التى أكدت وجود 62 خلافاً ثأرياً، وفق لجنة المصالحات فى المحافظة.

بداية الثأر فى الصعيد

واختلف المؤرخون حول موطن نشأة وانتشار ظاهرة الثأر التى تنتشر فى بعض البلدان العربية، مثل مصر واليمن، فمنهم من أرجعها إلى العصر الفرعونى، ومنهم من أعادها إلى موسم الهجرة العربية إلى مصر والتى جرت فى أعقاب الفتح الإسلامى.

واعتمد المؤرخون الذين أرجعوا ظاهرة الثأر إلى عصور الفراعنة فى تأكيد ذلك على أسطورة إيزيس وأوزوريس، وكيف دفعت إيزيس ابنها حورس للأخذ بثأر أبيه من عمه.

وأرجع البعض بداية الثأر فى الصعيد، حينما توافدت القبائل العربية أثناء الفتح الإسلامى لمصر من شبه الجزيرة العربية وبلاد المغرب العربى، ومنها قبائل قنا من العرب والأشراف والهوارة، ونقلت معها هذا الموروث من أيام الجاهلية بجميع معتقداته.

وإذا كانت ثقافة الثأر تدين بالكثير لتلك الحكايات المجهولة بالمعنى الواسع لمفهوم الحكاية والتى نحتاج بالفعل لاشتباك المبدعين أو المدونين معها، إلا أن ثقافة الثأر ترتكز أيضاً على تراث عام شفاهى ومدون له بعده التاريخى الموغل فى القدم، وله حياته الفعالة لا فى مجتمع الصعيد المصرى وحده، بل فى الثقافة العربية بشكل عام، فلقد لعبت الموروثات الشعبية دوراً فى ترسيخ عادة (أخذ الثأر)، خاصة فى المناطق التى تعج بالصراعات والعصبيات القبلية مثل قنا.

دور المرأة فى الثأر

رغم أن المرأة على مدار العصور، لم تكن هدفاً فى عمليات الثأر، لكنها تلعب دور الحارس على تلك التقاليد، وعلى رأسها الثأر، فالمرأة تكاد توهب حياتها بالكامل للثأر لأب

أو زوج أو أخ أو ابن قتل غدراً، وتتصدى لأى محاولة من أفراد أسرتها للتهرب من «الدم»، وكثيراً ما تقدم على «حلق شعرها» بالكامل، فهى تستحث الرجال على أخذ الثأر.

ولم يقف دور المرأة فى صعيد مصر، عند حد التحريض فقط، بل إنها فى بعض الأحيان تحمل السلاح، وهو ما حدث بالفعل فى إحدى قرى محافظة قنا، حيث أقسمت امرأة تدعى «ليلى»، على الثأر لإخوتها الثلاثة الذين قتلوا غدراً، خاصة أن أبناءها وأبناء إخوتها ما زالوا أطفالاً، وحلقت شعرها، وارتدت ملابس الرجال، وحملت مدفعاً رشاشاً، وانتقلت للإقامة فى الكهوف ووسط زراعات القصب، وظلت تراقب أعداءها سنوات طويلة، حتى علمت أن قاتلى إخوتها يستقلون سيارة ميكروباص لتأدية واجب العزاء بإحدى القرى، فانتظرتهم عند مدخل القرية، وأوقفت السيارة وطلبت من السائق النزول لأنه ليس من نفس العائلة، وحصدت 12 شخصاً من خصومها.‏

ومن أبرز حوادث الثأر التى حدثت فى الصعيد منذ عام 2011

- مذبحة البدارى 2013:

بمدافع الـ«أر بى جى» والجرينوف أُريقت دماء عشرة أشخاص من عائلتى العواشير والشعابية، إثر تجدد خصومة ثأرية.

- مذبحة العسيرات 2013:

بدأت أحداث الخصومة فى العام 1950، واستمر نزيف الدم يتجدد حتى خلف 200 قتيل، آخرهم أربعة قتلى من عائلات العسيرات بأبنوب بعد تجدد الخصومة عام 2013.

- الطراخنة والحمادنة 2008:

فى معركة الطراخنة والحمادنة الثأرية قتل شخصان وأصيب ثلاثة من عائلة واحدة، صبيحة يوم العيد، إثر اشتعال الخلاف بين القبيلتين.

- الحجيرات قنا 2010 و2017:

اندلعت أحداث عنف فى قرية الحجيرات، فى العام 2010، صاحبها إطلاق نار عشوائى، من قبل أفراد من عائلة العمارنة على عائلة عبدالمطلب، سقط خلالها سبعة قتلى، وتجدد فيضان الدم، بإطلاق النيران على سيارة خاصة، ليسقط أربعة أشخاص بينهم ثلاث سيدات.

مذبحة بيت علام 2001:

غرق فى دماء مذبحة قرية بيت علام 23 قتيلاً من عائلة واحدة.

يذكر أن الصعايدة يرفضون قبول الدية عوضاً عن الثأر، ويعتبرون ذلك عاراً، وهى عادة قديمة، حيث يختار المطالب بالدم طريقة من بين أربع طرق لتقديم الكفن.

الطريقة الأولى، وهى الأكثر شيوعاً، وتتمثل فى تقديم القاتل كفنه مدوناً عليه تاريخ الصلح واسم مقدمه، ويكون مطوياً على هيئة مستطيل، ويتم نحر الذبائح إعلاناً عن نهاية الخصومة وسقوط الثأر.

الطريقة الثانية، وهى التى تجبر القاتل على حمل «الكفن» ويكون حافى القدمين وحليق الرأس، كما تجبره على السير على قدميه مسافة 3 كيلومترات، ويزوجونه من فتاة من أهل القتيل، حتى تكون نهاية الدفن فى مقابرهم.

والطريقة الثالثة، تجبر القاتل على لبس الجلباب الأسود، ويكون حافى القدمين، وحليق الرأس، ومجرور الرقبة، ويقيم القاتل عند أهل القتيل لخدمتهم دون الاختلاط أو الزواج منهم.

أما الطريقة الرابعة فهى تجبر القاتل على تقديم «الكفن» مرتدياً الجلباب الأسود المقلوب، ومجروراً من رقبته، وحافى القدمين، وهذه المدرسة تقوم بإعدال الجلباب الأسود للقاتل حين يقف أمام أهل القتيل.

نائبة أبوتشت: تنمية الصعيد الحل الأساسى للقضاء على جرائم الثأر

وأكدت النائبة سحر صدقى، عن دائرة أبوتشت بمحافظة قنا، أن حادثة قتل ثلاث نساء فى عملية الثأر فى قرية الحجيرات، هى حادثة طارئة، متوقعة عدم تكرارها، نتيجة الأعراف والتقاليد التى تمنع أخذ الثأر من سيدة أو طفل، مؤكدة أن الحادث لا يعبر عن عادات وتقاليد الصعيد، وربما تكون نتيجة العصبية والانفعال.

وترى «صدقى»، أن غياب الوعى الثقافى عن المجتمع وترسيخ المعتقدات التى تدعو إلى العنف وتأجيج الصراع وراء تلك الحوادث البشعة، لافتة إلى أن الثقافة لها دور كبير فى نشر الوعى بتفعيل المبادرات التى تدعو لنبذ العنف، مشددة على أهمية تكاتف مؤسسات الدولة سواء الأمنية والثقافية والدينية، ما يساعد على انخفاض معدلات الجريمة فى المجتمعات المغلقة.

وأوضحت أنها ستتبنى فى المرحلة القادمة دعوات لتغيير مفاهيم ومعتقدات الثأر، التى وصفتها بأنها لا تبنى أوطاناً، كما أنها تكون دائماً وأبداً العائق الحقيقى أمام التنمية فى أى مكان، مشيرة إلى أن عمليات الثأر كان لها الأثر فى عدم تقدم الصعيد حتى الآن. وتؤكد النائبة أن وضع الصعيد على الخريطة الاستثمارية للدولة سوف يكون عاملاً مساعداً للقضاء على جرائم الثأر.