رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عمارة الإيموبيليا.. الحياة فى قاهرة الأربعينيات

عمارة الإيموبيليا..
عمارة الإيموبيليا.. الحياة فى قاهرة الأربعينيات

أنور وجدى غاوى مشاكل.. أم كلثوم بخيلة.. وربع جنيه بقشيش الشيخ الشعراوى.

البيوت حواديت وحكايات، تبتلع فى جوفها وخلف أبواب شققها المغلقة حيوات بشر بأسرارهم ويومياتهم، البيوت ليست حوائط وجدراناً تفصل الأجساد والقلوب عن بعضها البعض، بل هى رفيق الأيام والسنين والشاهد الصامت على الذكريات والأحداث ولحظات السعادة والتعاسة التى يعيشها سكانها فى حياتهم الخاصة.

وعمارة الإيموبيليا هى واحدة من أكبر وأقدم صناديق الأسرار التاريخية لنجوم السياسة والفكر والفن طوال عمرها المديد الذى يتجاوز السبعين عاماً.

 تلك البناية الشاهقة والكائنة فى شارع شريف بمنطقة وسط البلد، والتى كلما اقتربت خطواتك منها تشعر برهبة وشموخ الحجر ومراقبته بامتياز على الحياة المخملية لقاهرة الاربعينيات والخمسينات من القرن الماضي، وما دار فى سكون الليل من حب حقيقى وطبائع بشر بعيدة عن التصنع وخارج شاشات السينما وأمام كاميرا الحياة بين سكان العمارة من نجوم ونجمات يتصدرهم النجم الكبير أنور وجدى وزوجته ليلى مراد، والذى كان أكثر السكان شجارًا ويختلق المشاكل كل فترة، إما بسبب تعطل المصاعد نتيجة الانقطاع الكهربائى خاصة أيام الحرب العالمية الثانية والأعوام التى تلتها، وأما بسبب إطفاء غلايات المياه التى كانت تمد الشقق بالمياه الساخنة وبالبخار للتدفئة أيام الشتاء، وهناك أيضاً الملحن محمد فوزى وزوجته مديحة يسرى والممثلة اليهودية الفاتنة كاميليا والتى كان يزورها ليلاً فى شقتها فى الدور الثامن الملك فاروق متخفياً وبدون حرس شخصى بحجة زيارة رجل السراى اللواء أحمد باشا كامل، حيث كان يسكن بجوارها ولم يكن يغادر فاروق الإيموبيليا إلا فى الصباح مع تلك الفتاة التى زرعها الموساد للتجسس على فاروق ونقل أخباره بعد معرفتهم بولعه وشغفه بها، حسبما جاء فى كتاب «عمارة الإيموبيليا» للصحفى الكبير محمود معروف.

البداية تجيء مع صاحب العمارة وأحد وجهاء العصر الملكى فى مصر، القطب الاقتصادى الكبير «أحمد عبود» باشا صاحب الشركات الضخمة الشهيرة الذى كانت تقدر ثروته وقتها بـ30 مليون دولار أمريكى وكان رئيساً للنادى الأهلى وكان يجتمع باللاعبين فى مدخل العمارة الذى تتوسطه حديقة كان فيها نافورة وكان يسكن فى إحدى شققها بالطابق الثانى وفى نفس الطابق كان هناك مكتب لإدارة شركاته.

بدأ الاقتصادى الشهير «أحمد عبود» باشا فى 30 أبريل عام 1938 بوضع حجر الاساس لتلك العمارة المعجزة حيث تعد عمارة الإيموبيليا أضخم عمارة عرفتها محافظة القاهرة إذ تأتى بعدها عمارة يعقوبيان وعمارة اللواء.

حيث تبلغ مساحتها 5444 متراً مربعاً كما تعد أول عمارة تأخذ الشكل الانسيابى وتتجرد من التفاصيل الزخرفية الكلاسيكية التى كانت تتمتع بها المبانى فى ذلك الوقت وقد أطلق عليها هرم مصر الرابع حيث إنها تتميز بأربع واجهات، وتكلف بناؤها مليوناً و200 ألف جنيه مصرى وتم الانتهاء من العمل فيها عام 1940 وكانت أول عمارة بها جراج تحت الأرض يسع حوالى مائة سيارة، بالإضافة إلى نظام تدفئة خاص، حيث كان يتم وضع نفايات الشقق فى مواسير ضخمة تصل إلى بدروم العمارة حيث تحرق وتمد كافة الشقق بوسائل تدفئة عبر مجموعة مواسير ضخمة موجودة حتى الآن لكن النظام نفسه توقف، أما عملية التنظيف فكانت تتم عن طريق عربات المطافئ التى كانت تقوم بغسلها مرتين فى الشهر للحفاظ على جمالها ورونقها، وزينت ممرات العمارة برخام عالى الجودة والنقاء صممته وركبته شركة إنجليزية.

وتتكون البناية من برجين أحدهما بحرى ويتكون من 11 طابقًا والآخر قبلى ويرتفع لنحو 13 طابقا ويضم البرجان 370 شقة وقد تضافرت فى بنائها عدة شركات حيث طرح مشروع تشييدها فى مسابقة معمارية وتقدم لهذا المشروع أكثر من 13 متسابقاً وتمت دراسة المشاريع لأكثر من شهر كامل ومنحت الجائزة الأولى لماكس أدرعى وجاستون روسيو بلغت قيمتها 600 جنيه، أما الجائزة الثانية فكانت للمهندس أنطوان نحاس الذى قام ببناء العديد من المبانى والهيئات فى مصر.

بابتسامة ودودة ومرحبة استقبلنا اللواء «محمود مغاورى» رئيس مجلس إدارة شركة الشمس للبناء والتعمير والمالكة الحالية لعمارة الإيموبيليا الشهيرة ملقياً الضوء على بعض أسرار عمارة الإيموبيليا الشهيرة قائلاً: بعد ثورة 1952 جاءت التأميمات الاشتراكية فى الستينيات وشملت العديد من الأصول الخاصة وكان من نصيب شركة الشمس عمارة الإيموبيليا وعدد من العمارات التاريخية فى وسط البد لإدارتها من جانب الدولة حيث تقوم الشركة بإدارة إيرادات العمارة وتحصيل الإيجارات ورفع الدعاوى القضائية على البعض لاسترداد الشقق التى توفى أصحابها وبالتالى تعود ملكيتها مرة اخرى لشركة الشمس مالكة العمارة حالياً.

يضيف اللواء «محمود مغاورى» قائلاً: سأخبرك بسر غريب ربما لا يعرفه أحد، فرغم فخامة البناية فإنه أثناء بدء تأجير الشركة المالكة لشقق العمارة لم يتقدم أحد وكان السبب الرئيسى أن تكاليف الإقامة بعمارة الإيموبيليا كانت باهظة جدًا حيث تراوح الإيجار حسب مساحة الشقة من 6 إلى 9 إلى 12 جنيهاً وهى مبالغ إيجارية عالية جدا بقيمة النقود فى تلك الفترة التى لم يكن يتجاوز فيها سعر إيجار شقة بمساحة 140 مترا جنيهين أو ثلاثة ولذلك لجأ ملاك العمارة إلى نشر مجموعة من الإعلانات فى بعض الصحف المصرية والأجنبية لتشجيع الناس على السكن بها من خلال التركيز على عدد المصاعد الموجود بها والذى يقدر بنحو 27 مصعدًا كانت تقسم إلى ثلاث فئات بريمو للسكان وسوكندو للخدم، أما الفئة الثالثة فكانت للأثاث كما تناول الإعلان قوة أساسات البناية التى

لا تؤثر فيها الهزات الأرضية وبالإضافة إلى ذلك فقد تم تقديم عرض يتضمن إعفاء الساكن من دفع إيجار العمارة لمدة ثلاثة شهور تبدأ من لحظة توقيع عقد وبسبب هذه الدعاية قام معظم أهل الفن بتأجير شقق بها منهم نجيب الريحانى ومحمد فوزى وأنور وجدى وليلى مراد ومحمود المليجى ومحمد عبدالوهاب وماجدة الصباحى وكاميليا ومحمد عبدالوهاب بالإضافة إلى عدد من السياسيين وإبراهيم باشا عبدالهادى رئيس وزراء مصر السابق وغيرهم من أمثال محمد خيرى.

عند مدخل البرج البحرى للعمارة تجد لوحة نحاسية معلقة مكتوبا عليها بخط بارز وجميل باللغتين العربية والإنجليزية: فى هذه العمارة بالدور الثالث كان يعيش الفنان الكبير نجيب الريحانى من عام 1938 إلى عام 1949، والتى أغلقتها ابنته منذ رحيله، ولقد سكن نجيب الريحانى الشقة رقم 321 فى العمارة وحتى وفاته وشهدت إحدى مصاعدها حواره الشهير مع الفنانة الجميلة ليلى مراد حيث قال لها إنه يتمنى أن يمثل معها قبل أن يموت وعلى الفور أبلغت ليلى مراد رغبة الريحانى لزوجها انور وجدى ليصنع الثلاثى معاً واحداً من أجمل كلاسيكيات السينما المصرية فيلم «غزل البنات» ويشاركهم فى تمثيله جيرانهم فى عمارة الإيموبيليا الشهيرة الموسيقار محمد عبدالوهاب ويوسف وهبى.

عم «سباق» هو أقدم بواب لعمارة الإيموبيليا على قيد الحياة، عمل فى العمارة عندما جاء من قريته الصعيدية بنى مزار وهو فى الثامنة عشرة من عمره كعامل مصعد ولم يغادر العمارة حتى الآن على الرغم من بلوغه سن المعاش، يحكى عم سباق للوفد عشقه للعمارة وسكانها قائلاً: أعمل فى الإيموبيليا منذ عام 1974 ولم أغادرها حتى الآن، وكان أول مرتب لى اثنا عشر جنيهاً والنصف وكان مبلغا محترما فى ذلك الوقت، ولقد عاصرت عم عوض محمد حسن رحمه الله وهو من السودان ومن أقدم بوابين العمارة والتى عمل بها منذ نشأتها، وعاصر كل سكان العمارة من النجوم وحكى لى بعض نوادرهم فقد رفض مرة بقشيش من كوكب الشرق أم كلثوم قيمته خمسة قروش أثناء زيارتها لطبيبها الشهير إبراهيم عبود طبيب العيون وكان ذلك عام 1956، بينما كانت السيدة نيللى بنت فؤاد باشا سراج الدين تعطى خمسين قرشاً وأحياناً جنيهاً كاملاً مما اعتبره عم عوض وبالمقارنة بين بقشيش أم كلثوم وغيرها من سكان العمارة بخل من الست أم كلثوم!

وعن ذكريات عم سباق مع سكان العمارة يقول بسعادة: احتفظ بربع جنيه اعطاه لى الشيخ الشعراوى رحمه الله عليه «بقشيش»، واعتبرته بركة من الشيخ والذى كان يأتى أيضاً للدكتور إبراهيم عبود لعلاج عينيه وبمجرد ما يشاهده المارة داخل إلى العمارة يبدأ مئات المارة فى انتظاره وتحيته عند مغادرته العمارة، لقد كان كريماً وبشوشاً ويتعامل بتواضع كبير معنا، أيضاً كان يسكن المطرب الشهير عبدالعزيز محمود، صاحب أغانى «يا تاكسى الغرام»، و«منديل الحلو يا منديلو»، وكان يقوم بالغناء لنا، وما زالت الشقة تحمل يافطة أفلام عبدالعزيز محمود، وتملكها ابنته، وكان الفنان محمد فوزى يسكن فى الطابق السابع مع زوجته هداية ويملكها الآن ابنه الدكتور منير بعد وفاة والدته السيدة هداية التى كانت تزورها باستمرار الفنانة مديحة يسرى الزوجة السابقة لمحمد فوزى، وفى العمارة أيضاً شركة أفلام الفنانة ماجدة الصباحى، كما كانت تقيم الفنانة ماجدة الخطيب فى العمارة حتى فترة قريبة قبل وفاتها وفى الطابق الرابع.. أغادر عم سباق وعمارة الإيموبيليا وفى قلبى شجن وحنين على عمر جميل عاشته ليالى القاهرة التى كانت حتى مطلع الستينيات من القرن الماضى تلقب بباريس الشرق.