رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رمضان.. وسط الأحزان!

بوابة الوفد الإلكترونية

الغلاء يجتاح الأسواق.. والمصريون عاجزون عن توفير احتياجات الشهر الكريم

انتهاء ظاهرة تخزين السلع فى المنازل.. وأسعار الياميش نار

الحكومة تفشل فى السيطرة على وحوش التجارة.. والفقراء يدفعون الثمن

 

اعتادت الأسرة المصرية أن تعيش حالة طوارئ استعداداً لشهر رمضان الكريم. ولكن هذه الحالة تبدلت مع موجة «غليان الأسواق» والارتفاعات غير المسبوقة فى أسعار السلع الغذائية والتى باتت كموجات «تسونامى» المدمرة لميزانية أى بيت على اختلاف المستويات الاقتصادية وفروق الدخل.

الطوارئ زمان كانت تتمثل فى نشاط حركة الادخار والتخزين لنيل أكبر قدر من الرفاهية الغذائية فى شهر الصوم كنوع من الاحتفاء الذى اعتادت عليه الأسرة المصرية فى كل موسم، فتكثر الوجبات الدسمة وتعمر موائد الإفطار بما لذ وطاب من اللحوم والطيور والحلويات وطبعا الياميش والمكسرات، كل حسب مقدرته. أما الطوارئ التى تفرضها الأسعار الخرافية للسلع هذه الأيام فتتعلق بخطط مواجهة «الجوع».

الأسعار فى ارتفاع مستمر لا يتوقف، وتوعد التجار المواطنين بارتفاعات أخرى مع قدوم رمضان وكأنهم لم يشبعوا من امتصاص دم الغلابة وتفريغ جيوبهم فبات الهدف «تجويع الناس» وليس مجرد تحقيق الربح. يحدث ذلك فى ظل فشل واضح للحكومة فى السيطرة على الأسواق وترك المواطن الفقير ومحدود ومتوسط الدخل فريسة بين أنياب وحوش التجارة.

غابت الفرحة عن عيون الناس وخاصمت الضحكة وجوه من احترقوا بلهب الأسعار، لم يفلت موظف صاحب دخل شهرى ثابت ولا أرزقى يعيش يوماً بيوم وخلت الأسواق إلا من قلة يقلبون فى أردأ البضائع وأرخصها حتى اتجه الغلابة إلى أسواق الأكل الكسر وخاصمت موائدهم اللحوم والدواجن والحلوى والفواكه. اختفت مشاهد الزحام التى اعتدنا عليها فى مثل هذه الأيام من كل عام. ليأتى رمضان والأمعاء خاوية والجيوب خالية والناس يشكون الفقر والحاجة وقلة الحيلة بعد أن أجهز الغلاء على الفقير والمعدم والموظف والذى يعيش باليومية.

إحدى الموظفات قالت فى انفعال شديد «كانوا يحسدوننا على المرتب الشهرى، حالياً لا يكفى يومين فى الشهر، وكنت أستطيع عمل جمعية بـ100 جنيه فى الشهر وأقبض ألف على رمضان أشترى لحمة ياميش يكفينى الشهر كله وأعمل كنافة وحلويات طول رمضان، وهذا ليس بعيداً وكنا نفرح فى رمضان الآن لا نستطيع ادخار أى شىء، فالمرتب لا يكفى عيش حاف والدروس أهلكتنا وعندى أولاد فى ابتدائى وإعدادى أخذوا الدروس الخصوصية فى كل المواد، وتقول زميلتها فاطمة موظفة بوزارة التعليم: راتبى أنا وزوجى لم ينفعنا حتى فى تدبير مبلغ لنشترى احتياجاتنا فى رمضان وقررنا ألا نشترى ياميش منذ عامين، وكان أقل من هذا العام الذى ارتفعت فيه الأسعار بشكل جنونى وقمر الدين بـ50 جنيهاً حتى البلح أقل نوع بـ20 جنيهاً وسىء وكل حاجة متخزنة والتجار من جشعهم يبيعوا البضاعة المخزنة من العام الماضى بأسعار هذا العام ويقولوا الدولار زاد وماحدش بيحاسبهم.

أما «نبيلة» فقد وقفت أمام منافذ البيع بأحد المجمعات الاستهلاكية لتشترى 2 كيلو لحم لرمضان بعد أن سمعت عن طرح السلع بأسعار مخفضة بها لكنها وجدت اللحمة سيئة جداً وبـ80 جنيهاً. وأكدت أنها موظفة ومضطرة لعمل عزومة لعريس ابنتها وأهله فى أول يوم رمضان لكنها وبعد هذه الأسعار قررت إلغاء العزومة لأى سبب وهمى.

 

تحت الخط

«عفاف».. «ربة بيت» تقول: الحمد لله على كل شىء، لكن بصراحة الغلاء الذى نراه هذه الأيام لم نره من قبل وكنا زمان نشترى السمن البلدى فى شهر طوبة ونخزن لرمضان ونشترى البط ونقوم بتسمينه استعداداً لرمضان، والأرز كنا نشتريه بالشوال وكذلك البلح نشتريه من الساحل، كذلك ونعمل ميزانية ونشترى أقل شىء 5 كيلو لحمة، أما هذه الأيام لم نر مثلها أبداً.

وتضيف: لا أعلم سبباً للزيادة المستمرة فى الأسعار كيلو السكر لا ينزل سعره عن 10 جنيهات والزيت بـ 17 جنيهاً وبالعافية، لكن معظم المحلات تبيعه بـ22 جنيهاً، أما الأرز بـ 6 جنيهات وفيه كسر كتير.

وأضافت: لدى 4 أبناء وزوجى أرزقى على باب الله يعنى مش عارفة أشيل حاجة وليس لدينا بطاقة، الأهم من ذلك أن اللبن غالى وصل 10 جنيهات عندنا وأقل علبة زبادى بـ 3 جنيهات والعيال لا تحب الفول على السحور، بل تطلب الزبادى ولا أعرف ماذا سأفعل؟

 

حرب نفسية

فى الشوارع والحارات بالأحياء الشعبية حالة فتور لم نعتد عليها فى مثل هذه الأوقات أو على حد تعبير الحاج صلاح «سد نفس»، فالفقراء لا يعرفون الفرحة مع الجوع وكأنهم يجلسون فى انتظار من يتربص بهم من تجار جشعين ينهشون فى لحمهم ولا يرحمون صراخ من مزق الجوع أمعاءهم وحرموا طيبات الطعام ولم تدخل اللحوم بيوتهم من زمن حتى نسى الجميع طعمها. وقال الرجل ساخراً: الحمد لله أنه شهر الصيام لكن والله كنا بنفرح زمان وكانت اللحمة تباع بالكوم فى المدبح ومن معه ثلاثة قروش كان يأكل اللحم، وأنا رجل شاهدت الكثير من الحلو والمر، لكن بصراحة الحالة صعبة والناس مش عارفة تعيش. كنت صنايعى لكن كبرت وصحتى تعبت والمرض هلكنى زوجتى هى التى تعمل وربنا بيرزقنا، لكن الدواء يستهلك كل ما تكسبه وهو أيضاً فى ارتفاع مستمر، وهناك أنواع زادت أكتر من 200%، فكيف نستعد لرمضان، أقل شىء الزبادى الذى لا يستغنى عنه كبار السن تحديداً فى الصيام أصبح بـ 250 قرشاً وستصل لثلاثة جنيهات فى رمضان، حتى الفول المدمس البائع يبيع المغرفة بـ2 جنيه لا يشبع منها طفل صغير.

 

يوم بيوم

بوجه راضٍ تحدث إلينا الأسطى محمود النجار رغم مرارة الكلمات فى حلقه وقال: عندما سألتنى زوجتى هنعمل إيه فى رمضان قلت لها يعنى أجيب منين بكره تفرج كل شىء غالى قلت لها أن تقتصد وكفاية 2 كيلو بلح من الرخيص لكن كله غالى وطبعاً أصلا نحن لا نشترى الياميش ولا نعرف شكل المكسرات أصلاً دى بتاعة الناس المستريحة، لكن الأرزقية والصنايعية يا دوب عايشين بستر ربنا، وأقسم الرجل أن السوق نايم ولا أحد يشترى شيئاً حتى إصلاح الموبيليا لم يعد الناس معهم شىء ليدفعوا، وقال ارتفاع أسعار الخامات والخشب قتل النجارين وخاصة الغلابة أمثالنا.

أما «سميرة» فهى سيدة شابة تعمل فى جمعية خيرية لتربى طفلتها بعد أن تخلى أبوها عن الإنفاق عليها، كما أنها ترعى أمها المريضة، وعندما سألتها عن تدبير أمورها فى شهر الصيام، فقالت: كل شىء غالى نحن لا نستعد، نحن نعيش على الهامش أصلاً لا أحد يشعر بنا ولا يعرف كيف نأكل أو نشترى الدواء أو نربى صغارنا حتى مصاريف المحامى

الذى يمكن أن يأتى لى بحق ابنتى لا أملكها، لذا فآخر ما يمكن أن يشغل بالى هو الطعام، وفى رمضان أفطر أى شىء إن شالله رغيف حاف. وامتنعت أصلاً عن الذهاب إلى السوق ولم أذهب.. أقل طبخة تتكلف شغل شهر والأسعار ترتفع ولا تنخفض أبداً حتى الخضراوات بـ 7 جنيهات والطماطم لما رخصت أصبحت بـ 8 جنيهات، فكيف أستعد لرمضان ومن أين لى بثمن شراء حتى ربع كيلو لحمة.. وأردفت قائلة بحزن ويأس بالغ: بنتى بتصعب علىَّ، خاصة أنها بتصوم رغم أنها طفلة ونفسى تفطر حاجات كويسة زى اللى بتشوفها قدام التليفزيون فى برامج الطبخ وتقولى نفسى فيها يا ماما أقولها حاضر وأنا قلبى بيتقطع وبيعملوا أصناف ومكسرات وكل يوم فراخ ولحمة وصوانى وكده حرام يراعوا الفقير شوية.

 

بلاها طبيخ

عندما سألت «أم أحمد» عن تدبير مصروفات رمضان نظرت حولها كأنما تدارى دموعها، ثم قامت وأخرجت من أسفل السرير الوحيد بالغرفة التى تعيش بها مع أطفالها «حلتين» من الألومنيوم القديم وكشفت الغطاء فوقهما قالت «انظرى الحلل فاضية وعليها أتربة لأننا لم نطهُ منذ شهور، ثم نظرت السيدة إلى حجرتها كأنما تكتشفها للمرة الأولى. وقالت: لا أدرى كيف عشنا كل هذا العمر فى هذه المعاناة تأتى علينا المواسم والأعياد، فلا نفرح ولا نأكل كما يأكل الناس نبحث دائماً عن «الفتافيت» والرخيص حتى الدجاج لا نأكل منه سوى الأجنحة. وفى رمضان أو غير رمضان مقضينها «شوية فول بقوطة أو حتة جبنة، ولما ربنا يكرم كنا نشترى عضم اللحمة نعمل عليه شوربة، ربيت أولادى بالعافية وليس لنا معاش، ورغم ذلك كانت هناك أيام نذوق فيها طعم الفرحة مثل رمضان ولكن على قدنا يعنى لا عمرنا اشترينا ياميش ولا نعرف شكله لكن كنا نشتى البلح وقمر الدين ويعنى ممكن نحوش ونعمل فرختين مرة فى الشهر حالياً، هذه الأمور أصبحت أحلاماً لا نستطيع تحقيقها.

< سألتها:="" هناك="" سلع="" فى="" المنافذ="" الحكومية="" بأسعار="" أرخص="" إلى="" حد="" ما="" حتى="" البلح="" والسمن="" والزيت="" واللحوم="" فلماذا="" لا="" تقبلون="">

- ابتسمت أم أحمد وقالت: والله لو بجنيه برضه ما نقدرش عليها وهناك من ينتظرونها بالطوابير ومنهم تجار ودلالات حدث هذا مع السكر والزيت.

الحال الذى تحدث عنه «سامى» أرزقى لا يختلف كثيراً، فعندما سألناه عن استعدادات رمضان قال: فعلاً نحن نعيش حالة طوارئ هذه الأيام، ولكن ليس بغرض أن نأكل لحم وفراخ ونشترى ياميش ونقيم العزومات فى رمضان، ولكن طوارئ لنتجنب المجاعة التى سنواجهها إذا ما استمرت الأسعار على هذا الجنون الذى فرم الفقير والغنى. وأقسم الرجل أن زوجته ذهبت لشراء بلح رمضان فوجدته بـ 20 جنيهاً، وطبعا ليس لنا أن نفكر فى المشمشية والقراصيا، وهذه الأشياء الغريبة وقالت لى حتى على الأقل نشترى سمن للكنافة وكيلو لحمة لأول يوم ولكنها عادت دون أن تشترى شيئاً.. وقالت: «لما ييجى رمضان يحلها ربنا.

وأضاف «سامى»: لدينا أربعة أولاد، كيف سنعيش وفى رمضان الأزمة أكبر، لأننا نحتاج إلى السحور وأصبح مكلفاً جداً والألبان تضاعفت أسعارها جداً، وأصبح كيلو اللبن بـ10 جنيهات وأقل علبة زبادى بـ3 جنيهات ولا تكفى طفلاً. والمعارض التى تقيمها الحكومة «مضروبة» وكل حاجة سعرها غالى زى المحلات. وذهبنا إليها فى مدينة ناصر العام الماضى واكتشفنا الخدعة. ولم نشتر شيئاً.

فى نفس الاتجاه يشير عبدالعزيز السيد «موظف» إلى الغلاء الذى حرم الناس بكل طبقاتهم من الاستعداد لرمضان وقال: لحد السنتين اللى فاتوا كنت أشترى شوال البلح وأفرق على الحبايب والأقارب. لكن السنة دى يا دوب نشترى 3 أو 4 كيلو من الأصناف الرخيصة. وكنا نتفق على العزومات طول الشهر حالياً والسنة دى تحديداً لم نجرؤ على دعوة أحد للإفطار، لأننا لا نعرف كيف ندبر فطورنا وأنا موظف ويصل دخلى لأكثر من 2000 جنيه، فما بال الغلابة والمعدمين. لابد من إعادة النظر فى أوضاع المواطنين وتشديد الرقابة على الأسعار لأن كده حرام. وأضاف الرجل: لدينا عاملة ومثلها كثيرات تشقى لإطعام أبنائها وتعليمهم لكنها لا تقبل أن يساعدها أحد وجدناها هذا العام توصينا على شنطة رمضان لو كنا نعرف لها سبيلاً وهذا مؤشر خطر، هناك الكثير من الموظفين والعمال أصحاب الرواتب يسألون عن الصدقة وشنطة رمضان!!