رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فاتن حمامة حاضرة بقوة في الوجدان العربي

الفنانة فاتن حمامة
الفنانة فاتن حمامة

رغم مضي أكثر من عامين على رحيل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، فهي مازالت بحق حاضرة في الوجدان المصري والعربي ككل وهي حقيقة محسوسة سواء على مستوى النخب الثقافية أو رجل الشارع.
فان كانت فاتن حمامة قد رحلت بالجسد يوم السابع عشر من يناير عام 2015 فهي باقية في عيون وقلوب الكثيرين كأيقونة ثقافية لعصر الرومانسية المصرية بقلبها الدافيء وحسنها الذي يستريح بمجدها وأناقة في غير تبرج.
هي صاحبة الوجه البشوش وابتسامة تحمل طعما من ندى يكتم افصاحا خجولا.. وتر هاجع في الروح..غمغمة الأحلام.. الشرود يحيط بأسرارها رغم الطمأنينة الساحرة وخصلات الحنين على وجهها.. نسمة من أرض الكنانة لم تخش هجوم اليأس على الثقافة المصرية في لحظات بدا فيها أن قوى الظلام قد تمكنت وأوغلت في التمكين.
ولئن حق وصف فاتن حمامة التي ولدت يوم السابع والعشرين من شهر مايو عام 1931 في مدينة المنصورة بأنها كانت "الرومانسية تمشي على قدمين" فواقع الحال أن الرومانسية المصرية تجلت ثقافيا في أوجه عديدة على مستوى الأدب والفن وطرحت العديد من الأفكار في الحياة المصرية والعربية.
وعلى سبيل المثال فإن "مدرسة الديوان" في الشعر التي كان من اعلامها عباس محمود العقاد وابراهيم عبد القادر والمازني وعبد الرحمن شكري اكدت على ضرورة ان تعبر القصيدة عن ذات صاحبها بعد ان القصيدة القديمة تبتعد كثيرا عن ذات قائلها.
ومازالت "افلام الأبيض والأسود" لفاتن حمامة تشكل واحة رومانسية لكل من يشده الحنين لعصر الرومانسية ويذوب شوقا لمرحلة ذهبية في الفن المصري امتزجت فيها ملامح الجمال الهاديء لفاتن حمامة بألحان واوتار وانغام واغاني عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد فوزي.
وهذا الزمن مازال يشد بالحنين اكثر من جيل من المصريين الآن حتى ان بعضهم يبحث في افلام فاتن حمامة عن اشياء شخصية تخصه في مرحلة من عمره و"يختلي بالذاكرة وقد يحاورها بحميمية" فيما يتوزع مابين المسرات والأسى وهو يستعيد مشاهد من حياته ويستبطن لحظات كثيفة مترعة بالأفراح والأحزان معا.
إنه "زمن فاتن حمامة" الذي ينساب على الشاشة كعطر الأحباب ورائحة باقية ونفاذة في القلب تستدعي قصص حب وعالما بأكمله من وجوه تشكل كل منها قصة اقوى من الزمن والنسيان.. وهذه هي "شرعية فاتن حمامة وقوتها في الوجدان المصري والعربي وهكذا يمكن وصفها بلا مبالغة بأنها "من المقومات الوجدانية لأجيال من المصريين والعرب ككل من المحيط الى الخليج".
وفي سديم الضوضاء والصخب في الظاهر ربما لمداراة الصمت الموحش في الأعماق في الباطن هناك من يعود دوما لفاتن حمامة كرمز لعصر وصوت يسيل بعذوبة مصرية مع رقة اللفتات والهمسات وصدق العينين وهي ذاتها ايقونة ثقافية مصرية برؤيتها الراقية للحياة وعشقها للوحات كبار الفنانين وحرصها على اقتناء بعض هذه اللوحات ..انها فاتن حمامة التي منحتها الجامعة الأمريكية في بيروت الدكتوراه الفخرية في منتصف عام 2013 .
وواقع الحال أن "سيدة الشاشة العربية ونسيم الابداع في الفن السابع" انتهزت - كما لاحظ معلقون ونقاد حينئذ - مناسبة تكريمها من الجامعة الأمريكية في بيروت لتوجيه رسائل للثقافة والمثقفين المصريين في لحظة فارقة في تاريخ المجتمع المصري مؤكدة على ان الابداع سينتصر رغم الهجمات التي تتعرض لها الثقافة والفن والأدب.
وإلى جانب فاتن حمامة كأيقونة ثقافية لعصر الرومانسية المصرية - كان من الدال ان تمنح الجامعة الأمريكية في بيروت الدكتوراه الفخرية التكريمية للمفكر الأمريكي وعالم اللغويات الشهير نعوم تشومسكي وعالم الفضاء شارل عشي ورجل الأعمال اللبناني الأصل راي عيراني الذي عرف بأنشطته الخيرية.
وكانت فاتن حمامة قد تسلمت شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1999 كما حصلت عبر مسيرتها الفنية على وسام الأرز من لبنان ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب والجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001 .
وفاتن حمامة التي التحقت بالمعهد العالي للتمثيل عام 1946 قدمت روائع للفن السابع المصري مثل "ملاك الرحمة" و"كرسي الاعتراف" و"اليتيمتين" و"ست البيت" و"لك يوم ياظالم" و"بابا امين" و"الأستاذة فاطمة" و"صراع في الوادي" و"المنزل رقم 13" و"لاوقت للحب" و"موعد مع الحياة" و"امبراطورية ميم" و"اريد حلا".
وبطلة فيلم "يوم حلو ويوم مر" قامت ببطولة عدة افلام تعتمد على روايات من عيون الأدب المصري والعالمي مثل "دعاء الكروان" عن رواية لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين و"لاتطفيء الشمس" عن قصة لاحسان عبد القدوس ولاوقت للحب" و"الحرام" عن ابداعات للدكتور يوسف ادريس وفيلم "نهر الحب" الذي اعتمد على رواية عملاق الأدب الروسي ليو تولستوي الشهيرة "آنا كارنينا".
وينقل عنها هؤلاء الذين اسعدهم الحظ بمعرفتها انها كانت ذواقة للأدب والنكتة الراقية ومن المعجبات بالأديب النوبلي المصري نجيب محفوظ بتعليقاته الساخرة وقدرته الفذة على التقاط المفارقات في شتى المواقف بذكاء القلب وفطنة الوجدان مثلما نظرت بالتقدير لسيد القصة القصيرة المصرية الدكتور يوسف ادريس الذي كان كيانا من ذكاء وحماس ملهم للآخرين.
وفاتن حمامة مثقفة بلا ادعاء وعاشقة للحرية كحق اصيل للانسان بقدر ماهي زاد وعتاد في رحلة الباحثين عن الحق والخير والجمال وكانت هذه الفنانة العظيمة قد اعربت عن المها غير مرة حيال الانقسامات بين المصريين عقب ثورة 25 يناير 2011 .
واعتبرت بطلة مسلسل "ضمير ابلة حكمت" ان التعليم سبيل لاغنى عنه لتحسين الأوضاع وخاصة بالنسبة للمرأة كما اكدت على اهمية "ادب الحوار" حتى في البرامج التلفزيونية مستنكرة "ظاهرة مقاطعة الضيف باستمرار او ان يتكلم الجميع في وقت واحد".
وايقونة الرومانسية المصرية في عصرها الذهبي التي تحب اللون الأبيض وعشقت اللون الأخضر كانت ترى ان الحياة الشخصية ملك للفنان لايجوز النبش فيها او ممارسة التلفيق بدعوى الاجتهاد.
وفيما حقق مسلسلها التلفزيوني "وجه القمر" عام 2000 واحدة من اعلى نسب المشاهدة فان فاتن حمامة شاركت في عضوية العديد من لجان تحكيم المهرجانات السينمائية في موسكو وكان والبندقية والقاهرة والاسكندرية وطهران وجاكارتا .
ولعل التكريم الحقيقي لفاتن حمامة يتمثل في انتاج اعمال درامية تليق ببلد عرف"الفن السابع" قبل اكثر من 100 عام فيما حفرت فاتن حمامة علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية التي كانت ومازالت رافدا من اهم روافد تشكيل ثقافة المصريين والعرب ككل.
وفاتن حمامة التي دخلت عالم الفن السابع منذ ان كانت طفلة

في السابعة من عمرها المديد باتت جزءا من ثقافة رجل الشارع المصري الذي عادة مايصلي الفجر في "الحسين" ويعشق صوت الشيخ محمد رفعت في تلاوة القرآن وبعد ان يعود لمنزله من عمله يتابع مباريات كرة القدم ويهوى مشاهدة فيلم من افلام فاتن حمامة وهو يشعر بالفقد والحنين لزمنها الجميل.
انه زمن نجيب محفوظ وام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعباس محمود العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف شاهين ويوسف ادريس ومحمد حسنين هيكل وجمال حمدان وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وسيد مكاوي وعبد الكريم صقر وصالح سليم وعمر الشريف وصلاح ابو سيف وعشرات الأسماء الأخرى من اصحاب القامات العالية في المجالات الابداعية المتعددة التي صنعت عن جدارة "القوة المصرية الناعمة" وصورة مصر كما يحبها المصريون ويهواها العالم.
وفي ثنايا الزمن وطبقات المشهد المصري بعمقه الثقافي تتجلى اطياف فاتن حمامة كظاهرة فنية اثرت بعمق في ثقافة الجماعة الوطنية المصرية والوان الحياة بأرض الكنانة وبأفلام كانت دوما تعبر عن الضمير المصري الرافض للأفكار الظلامية والقهر والتخلف بقدر ماتعبر عن رقي الحرية وارتقاء الطموح.
ولن يغيب مغزى ماقالته فاتن حمامة بشأن تكريمها في الجامعة الأمريكية ببيروت:"اشعر بسعادة قصوى اليوم اكثر من اي وقت مضى" موضحة حينئذ ان هذا التكريم يأتي فيما "يتعرض الفن والثقافة واي شيء يتعلق بالآدب لهجوم كبير".
واضافت "ولذا فهذه الشهادة لاتسعدني انا فقط بل تسعد كل المثقفين والفنانين في مصر والعالم العربي" منوهة بأن ابرز مايشعرها بالانجاز في مسيرتها الفنية "تلك الأعمال الاجتماعية التي حملت صرخة المرأة في وجه الرجل المتسلط".
وإذا كان الدكتور بيتر دورمان رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت قد ذكر ان اسم فاتن حمامة يستحضر عناوين راسخة في البال فان "سيدة الشاشة العربية" اعربت عن اعجابها بالسينما الجديدة في مصر والشباب الذين ينتجون اعمالا جيدة رغم قلة المال مؤكدة في الوقت ذاته على ان "السينما قادرة دوما على التغيير".
ولأنها ايقونة للرومانسية على مستوى العالم العربي فقد حق للكاتب اللبناني سمير عطاالله ان يقول ان فاتن حمامة "سيدة اوضحت ماذا تعني لي الحياة" وسيدة " ادخلت السكينة والعزاء لأجيال من العرب".
واعاد عطا الله للأذهان ان "الشعراء وضعوا القصائد لتغنيها ام كلثوم وعبد الوهاب كما وضع الروائيون القصص لتناسب شخصية فاتن حمامة وكل دور مثلته كانت فيه اسطورة صغيرة من صوت حنين وعينين كعيون المها عند العرب".
وفي عام 1996 وبمناسبة الاحتفال بمئوية السينما المصرية اختير 18 فيلما من افلامها ضمن افضل 150 فيلما مصريا بينما اختارت لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة في عام 2007 ثمانية من افلامها ضمن قائمة افضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
وقال سمير عطاالله:"شكلت فاتن جزءا من مشاعري في طفولتي ويفاعتي وكان في صوتها تعزية لي ولم يخطر لي مرة انها ممثلة وهذه شاشة بل كنت اشعر انها تخرج من الشاشة لتواسي جميع الحضور الدامع لدمعها المتحرق للظلم اللاحق بعذوبتها المتأهب للدفاع عنها يتيمة او مهجورة او زوجة تكابد قهر النهار وضنك الليل".
وحق له ايضا ان ينوه "بالنموذج الانساني الطيب الذي زرعته فاتن حمامة في الأفئدة لأنها كانت صورة عذبة علقت في ذاكرة مئات الآلاف من البشر في جميع بلاد العرب" مؤكدا على انها "سيدة الشاشة العربية وهو اللقب الذي لم يعط الى سواها من قبل او من بعد وهي ايضا الفنانة التي تبلسم آلام الناس".
تماما كما حق للجامعة الأمريكية في بيروت ان تصف فاتن حمامة على لسان رئيسها البروفيسور بيتر دورمان بأنها "رمز واسطورة فيما استحوذ اداؤها الطبيعي على الشاشة على قلوب الجماهير لأكثر من 70 عاما".
وفاتن حمامة التي استهلت مسيرتها على الشاشة الكبيرة بفيلم "يوم سعيد" عام 1940 كانت وجه السعد على السينما المصرية ..نسمة من حنان وحنين..عذبة المناهل وصاحبة الرسائل للثقافة والمثقفين في مصر والعالم العربي.
فاتن حمامة الحاضرة رغم الغياب: شكرا لمن شيدت لنا عالما فاتنا جذابا وعلمتنا الافتتان بكل ماهو جميل وباق..شكرا لمن اسهمت بابداعها في صنع زمن جميل لايبارح القلب !..وسلام على زهرة العشق البريء ونبض احلامنا البريئة