رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"الفاجومي".. صوت البسطاء"

بوابة الوفد الإلكترونية

جمع بين رهافة المبدع وبساطة الفلاح، وعبرت قصائده الجذابة عن الشارع المصري بكل تفاصيله رغم تعرضها للمحاصرة ومحاولات الإسكات.

وظَّف العامية أداة لحمل أدبه وهمومه فسطر بها أوجه الحياة المصرية سابكا بها شعرا زجليا جميلا عكس آلام وآمال الجماهير، واستطاع على بساطته أن يستوعب واقع مصر الأليم مؤلفا أغاني وأشعارا ترفض الظلم وتأبى الضيم.. إنه الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم أو "الفاجومي".
عندما نتحدث عن نجم، نتذكر على الفور "مصر يما يا بهية يا أم طرحة وجلابية.. الزمن شاب وانتي شابة هو رايح وانتي جاية".. كلمات شدى بها المصريون عبر عقود.. كتب في محبوبته مصر العديد من القصائد، وحفر بكلماته البسيطة وتلقائيتة مكانة خاصة في القلوب، فمزج السخرية بهموم الطبقات الكادحة وقسوة القمع والسجن، فكانت كلماته كطلقات الرصاص في وجه الأوضاع التي يرفضها، ليكون واحداً من الشخصيات القليلة التي لم تتقن فن "الحسابات"، فدفع  ضريبة صراحته ومواقفه وقضى حوالي 18 عاماً في ظلام السجون جزاء له على جرأته وانتقادته اللاذعة للأوضاع السياسية والاجتماعية لهذا البلد.
هو الغائب الحاضر.. وأحد أبرز شعراء العامية، الذي وافته المنية فجر اليوم الثلاثاء.
الراحل الكبير امتلك وصفته الخاصة في مزج هموم الفقراء بالكثير من السخرية والصدق والحماسة ليكون من أهم الشعراء التي عبرت عن هذة الطبقة.. مات وهو يحلم بمجتمع أكثر عدلاً ورأفة لا تدهس فيها بلا رحمة أحلام البسطاء.
كانت بداياته الشعرية من خلال تأثره ببيرم التونسي واستلهامه من الأمثال الشعبية المصرية وجماهير الريف المصري.
ولد نجم لأم فلاحة وأب شرطي (محمد عزت نجم)، لعائلة لها 17 ابنا، عاش منهم ستة فقط، بسبب سوء الرعاية الصحية.
كان نجم منتقداً لكل شيء، فكانت علاقته بأرباب السلطة علاقة متوترة أغلب الوقت، وعلى الرغم من حبه الشديد للزعيم الراحل عبدالناصر إلا أنه لم يتوان عن انتقاده وانتقاد أداء حكومته خاصة بعد هزيمة يونيو 1967.
ولم يهلل نجم لعبدالناصر في عز مجده ليسجن بعض السنوات عقاباً له على "بجاحته" كما ردد البعض حينها، وبرغم ذلك بكاه سراً وكتب قصيدة ينعيه فيها بعض وفاته.
وأكد نجم بنفسه في أحد لقاءاته التلفزيونية، أن الرئيس الراحل جال عبدالناصر عندما سمع قصيدة "الحمدلله خبطنا تحت بطاطنا"، وتساءل ناصر "أنا المقصود بعبد الجبار؟"، رد من حوله بالإيجاب، فقال لهم: "هاتوه" فعوقب بالسجن وقتئذ.
ولم يكن حظه أفضل حالا في علاقته بالرئيس السادات الذي حوّله لمحكمة عسكرية بتهمة "تأليف الشعر"، بعد تأليفه قصيدة "البتاع" المهاجمة للسادات ليسجن 11 عاماً.
وانتقد الرئيس المخلوع مبارك في العديد من القصائد المباشرة وغير المباشرة، وكان من أهمها قصيدة "الورد اللي فتح في جناين مصر" والتي وثق بها ثورة 25 يناير، وبقصيدتة "الجدع جدع والجبان جبان" والتي كانت تهتز بها أرجاء ميدان التحرير لتعبر عن ثورة حقيقية.
وبتعبيرات ساخرة عبر نجم عن آرائه حول ما يحدث في الساحة المصرية وانتقاده لحكم الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي، واستمر انتقاده له حتى تم عزله في 30 يونيو الماضي.
لم ينفصل نجم يومًا عن الهموم السياسية والاقتصادية

لهذا البلد، فعبر عن البسطاء بمعانتهم وأحلامهم البسيطة وكانت هزيمة يونيو 1967 وقودا لقصائد نارية كتبها ليغنيها ويلحنها صديق عمره الشيخ إمام لتتفجر غضبا وألما، وفي نفس الوقت عزيمة وإصرارا وتأكيدا على ضرورة عودة الأرض ورد الاعتبار.
شكل مع الشيخ إمام ثنائيا نادرا ما يتكرر فكانا أحد أبرز الظواهر الشعرية السياسية بأغانيهما الثورية التي كلفتهما سنوات في المعتقلات، ودفعا أثمانًا لأجل التعبير عن الروح الاحتجاجية لهذا البلد، حيث اعتقلا سويا عدة مرات حتى اعتادا الزنزانات وتغنيا بها.
التقى نجم بالشيخ إمام في بداية الستينيات ليجمعهما مسكن مشترك في حارة حوش آدم بالقاهرة ليصبح هذا المسكن ملتقى للمثقفين والمناضلين، وانضم إليهما لاحقا محمد علي الذي كان يضبط إيقاع الأغنيات التي يغنيها إمام على عوده دون زخارف لتشبه في بساطتها الموسيقية حياة الانسان المصري البسيط.
وتهكم نجم الذي تربع على "عرش العامية المصرية" بأسى على التهم الموجهة إليه في قصيدته "بيانات على تذكرة مسجون" التي قال فيها "الإسم: صابر، التهمة: مصري".
تلقى نجم تعليمه في "الكتاب" كعامة المصريين، وتزوج مرات عدة أشهرها الكاتبة صافياز كاظم والفنانة عزة بلبلع وممثلة المسرح الجزائرية صونيا ميكيو وأميمة عبد الوهاب زوجته الحالية ولديه 3 أحفاد، وهو والد الناشطة السياسية نوارة.
عرف نجم بلقب "الفاجومي" وهي كلمة عامية مصرية تصف الشخص الذي يعتمد النقد اللاذع وسيلة للتعبير، وقال عنه الشاعر الفرنسي لويس أراجون: "إن فيه قوة تسقط الأسوار"، وأسماه الدكتور علي الراعي "الشاعر البندقية"، كما أطلق عليه الرئيس الراحل أنور السادات"الشاعر البذيء".
في عام 2007 اختارته المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر التابع للأم المتحدة سفيراً للفقراء، وقد حصل نجم مؤخراً على جائزة الأمير كلاوس الهولندية "تقديراً لمساهماته وأشعاره باللهجة العامية المصرية التي ألهمت ثلاثة أجيال من المصريين والعرب وتأكيدها على الحرية والعدالة الاجتماعية"، لكن القدر لم يمهله تسلم جائزته في العاشر من ديسمبر الجاري.
توفي نجم وشيع إلى مثواه الأخير بعد الصلاة عليه من مسجد الحسين، عن عمر يناهز 84 عاما.