رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"6أكتوبر"..ملحمة تاريخية صنعها خير أجناد الأرض

بوابة الوفد الإلكترونية

البسالة، الشجاعة، الروح القتالية، التضحية، الرغبة فى الشهادة، الاستماتة فى الدفاع عن الأرض، الاشتياق لنسائم الحرية، هذه هى التركيبة السحرية التى تشكل منها الجندى المصرى،

يحملون أرواحهم على أيديهم مُهدين الوطن إياها بابتسامة شهيد يرى مكانته فى الجنة منذ لحظة سقوط أول قطرة دم له، مقبلين على التضحية بأنفسهم إيمانا منهم بأن مصر يجب أن تبقى الدرع الحامى للعروبة، تاركين خلفهم أمهات على قدر تأوههن من الفقدان على قدر فرحتهن بالنصر و بشهادة أبنائهن متخذة من لقب "أم الشهيد" شهادة فخر و اعتزاز، بل وسام إلهى منحها الله إياه، لن ننتهى من صفاتهم ووصف شجاعتهم كفى قول رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم " خير أجناد الأرض".
يقول شارون فى مناظرته الشهيرة مع اللواء سمير فرج التى عقدت فى إنجلترا عام 1975 أن عنصر المفاجأة الحقيقى له فى حرب 6 أكتوبر 1973 لم تكن الضربة الجوية أو تحطيم خط بارليف أو حتى عبور القناة، فهذا أيضا لم يكن متوقعا و لكنه لم يشكل مفاجأة، بينما تكمن المفاجأة الحقيقية فى الجندى المصرى الجديد، حيث أن الجندى المصرى الذى قابله فى نكسة 5 يونيو 1967 لم يكن هو من قابله فى حرب أكتوبر المجيدة، سواء على المستوى النفسى أو المستوى التكتيكيى و الفنى أو المستوى التعليمى.
و يقول فى ذلك اللواء أركان حرب عبد الغفار حجازى مساعد وزير الدافع سابقا فى الكتاب الصادر عن وزارة الدفاع فى الذكرى ال25 لحرب أكتوبر، أن تدريب الجيش المصرى قبل نكسة 1967 لم يكن يتعدى مستوى كتيبة أو لواء، ونظرا لتطور العقيدة القتالية، فإن الجندى المصرى كان يتدرب على أساليب جديدة وأسلحة جديدة، و كان حينها يتم تشكيل قوات الصاعقة والمظلات لأول مرة، كما أن فى هذه الفترة كان جزءا كبيرا من القادة الكبار و الصغار فى دورات تدريبية طويلة فى الخارج.
أما عقب النكسة كان أهم ما تعرض له الجندى المصرى هو الهزيمة النفسية، فالكل يشعر بمرارة الهزيمة، يصرخ بداخلهم صوت الكرامة مطالبا بالثأر، الكل يستحى مواجهة أهله بالحقيقة المرة التى رآها، الحقيقة التى تجرع قسوتها الشعب المصرى بأسره، الكل خائف من المواجهة يود لو أن يقتل نفسه أو يفجر نفسه ليتخلص من العار، و يدلى اللواء عبد الغفار حجازى بشهادته بأن الجنود المتواجدين فى سيناء آنذاك كان معظمهم جند الاحتياط، فكيف لهم أن يحاربوا و هم لا يملكوا سوى الأسلحة القديمة المخزنة؟، و كيف لهم أن يحاربوا بسلاح لم يتدربوا عليه سوى ساعات قبل بدء المعركة؟، ومع كل هذه الظروف شهد الإسرائيليون فى كتبهم عن نكسة 67 ببسالة الجندى المصرى، و الروح القتالية الغير عادية، و الاستماتة فى الدفاع عن تراب بلده، رافضا التضحية بشبر من أرضها و الذى بدا واضحا فى  رفح و فى ممر متلا وفى معركة أبو عجيلة.
و لكن لم تستسلم القيادة المصرية بعد 67 و لم ترفع الراية البيضاء، بينما بدأت تفكر بشكل متطور وأكثر إيجابية ، فشرعوا فى بناء الجيش مرة أخرى على أسس صحيحة، فبدأوا فى تسليحه و تزويده بأحدث الأسلحة، و تم المزج بين الجنود الأميين و ذوى التعليم المتوسط و ذوى التعليم العالى ليصبحوا جميعا كيان واحد منصهر فى بوتقة واحدة لا فرق فيها بين غنى أو فقير، متعلم أو أمى، هذا إلى جانب رفع مستوى حياتهم الإجتماعية القاسى الذى كانوا يعيشونه، و لكن أهم ما كان يواجه القادة فى هذه الفترة هو ضرورة عودة ثقة الجنود بأنفسهم و رفع روحهم المعنوية و الذى جاء بشكل تدريجى.
و يؤكد اللواء حجازى أن القدرة على استيعاب المعدات الجديدة و التدريب عليها كان يتم بسرعة لا مثيل لها، فكل جندى كان يسعى لأن يكون أول من يعبر القناة و معه سلاحه الجديد واثقا فى نفسه و فى سلاحه و فى قادته، و سادت هذه الروح الجنود كما سادت بين الضباط من مختلف التخصصات و الرتب، فالكل فى حالة نهم إلى الثأر المبارك.
و ظهر الجندى المصرى الجديد فى حرب الاستنزاف، بل إنه المارد المصرى الذى أحال الضفة الشرقية للقناة إلى جهنم بنيران المدفعية و الأسلحة الصغيرة بدون اشتباك مباشر مع العدو، إلى جانب عمل القوات الجوية و البحرية فى ظل حماية قوات الدفاع الجوى فى قتال شرس و تدريب حى تمثل فى تسلسل واقعى للتدريب، إذ بدأت المهام بإعطاء الفرصة للجنود للسباحة فى القناة ليلا، ثم العبور و العودة بدون أسلحة و ذخائر، ثم تطور الأمر إلى العبور فى دوريات عبر القناة و العودة، و زاد التقدم فى التدريبات ليصل إلى العبور و عمل كمائن و خطف أسرى من الضفة الشرقية، و تبعها زيادة العمل من دوريات صغيرة إلى عمليات تصل إلى حجم الكتيبة، ثم التقدم خطوة أكبر و هى دخول دوريات الصاعقة

ليتم تدريبها فى عمق سيناء و تعود و معها عناصر الاستطلاع و المخابرات، و بعد كل هذه المشقة و هذه التدريبات بلغت روح الجندى المصرى المعنوية أقصاها، و أصبح حلم العبور يطاردهم جميعا، فى اشتياق إلى الحرب و تحقيق الحرية و استرداد الكرامة، و بذلك تكون قيادة القوات المسلحة قد نجحت فى أهم عائق أمامها فى إعادة بناء الجيش، و هو إعادة بناء الجندى المصرى ذاته.
و جاء يوم الحسم الحقيقى 6 أكتوبر 1973 ليظهر جندى العبور فى ثوبه الجديد، ثوبه الحقيقى، كانت خيوطه حمراء من دم الشهداء، و سوداء كنيران البارود، و بيضاء بالنصر على الأعداء، ليرفعوا علم مصر فوق خط بارليف و فوق سيناء بأكملها، حتى أنتجت كل الأسلحة ملحمة تاريخية يقف لها التاريخ إجلالا و تقديرا، فجندى المشاة و المدفعية و المدرعات لا يمكن أن نغفل فيها تدريب العناصر الأساسية من الأسلحة المقاتلة مثل المهندسين، الذين غيروا إيقاع الحرب و توقيتاتها بفتحهم الثغرات فى خط بارليف لتسمح بعبور الكبارى و المعديات و المناورة بها.
و ماذا عن ذلك الجندى الذى تسلل فى عمق العدو و أنشأ نقاطا للملاحظة، و يراقب و يبلغ عن تحركات العدو فى سيناء معرضا بذلك حياته لأشد الأخطار، فهو جندى الاستطلاع و المخابرات الجسور، أما جندى المشاه فحدث عنه ولا حرج، صلابة لا حدود لها، يخرج حاملا معدات و ذخيرة و أسلحة بعشرات الكيلوجرامات  عبر القناة، متسلقا حبال حائط خط بارليف، ثم مندفعا نحو العمق ليدمر أقوى الدبابات المعادية بأسلحته الصغيرة المضادة للدبابات.
أما رجال المدرعات فهم لم ينتظروا تجهيز الكبارى و المعديات لعبورهم، بل انطلقوا نحو صعود السواتر الترابية من الضفة الغربية فى خطة محكمة يحمون بها رجال المشاة فى لحظة العبور، مانعين بذلك اقتراب احتياطات العدو من العمق، و معهم رجال المدفعية بصواريخهم المضادة للدبابات من الغرب والشرق، و لا نغفل الضربة الجوية التى أفقدت العدو توازنه، إذ خرج الطيارون بطائراتهم يمحون آثار العدوان بالضرب على أرض مطاراتهم، و كذلك القوات البحرية التى كانت تحمى سفن و شواطئ مصر فى قواعدها و فى مرورها و فى أثناء عمليات الإغارة أو الإشتباكات، و كان من أبرز ما قاموا به هو تدمير "المدمرة إيلات" فى 1967، مما أحدث إنقلابا فى نظريات القتال البحرى رأسا على عقب.
و لن تكتمل الصورة إلا بالحديث عن رجال الدفاع الجوى و الذين قاتلوا مع زملائهم فى التشكيلات البرية وتم تدريبهم المتصل على المدافع المضادة للطائرات لحماية زملائهم من أى عدوان جوى، و تطور سلاحهم و من ثم تدريبهم على أحدث معدات الدفاع الجوى من الصواريخ و الرادارات، إلى أن حققوا معجزة تحدث عنها العالم بأسره، و هى حائط الصواريخ المصرى، كل هذا جاء بالعرق و المجهود و الكفاح و التدريب المستمر و الصبر حتى يأتى الوقت المناسب لتحقيق الهدف المنشود.
هكذا شكل القوات و القادة و الجنود المصريين ملحمة تاريخية لن تتكرر فى التاريخ، فاستحقوا أن تؤخذ لهم "صورة" كما تغنى لهم العندليب الأسمر، بل و أن نأخذهم "بالأحضان" كما تغنى العندليب أيضا، و لكننا اليوم نقول لهم " تسلم الأيادى"، بينما نقول رسالة للعدو  "الرصاصة لا تزال فى جيبى".