رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"الشاذلى".. مهندس حرب أكتوبر

بوابة الوفد الإلكترونية

تأتى ذكرى السادس من أكتوبر هذا العام مختلفة عن أي من الأعوام الأربعين الماضية فالشعب منقسم والجيش أصبح فى المواجهة ، وتعالت الأصوات مابين مؤيد ومعارض ولكن كلنا نتفق إنها ذكرى الانتصار وعودة الكرامة لشعب مصر.

وتعد ذكرى ملحمة العبور فرصة لاسترجاع الماضي والحديث عن قادة الحرب الذين صنعوا النصر وتعرض اسمهم للتغييب طوال الـ 39 عاماً الماضية واهدار حقوقهم بعد أن تم الترويج طوال عصر مبارك بأنه هو فقط بطل حرب أكتوبر المجيدة فهو صاحب أول ضربة جوية متناسياً دور "العقل المدبر" لحرب أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلى.
مولده ونشاته
ولد سعد الدين الشاذلى بقرية "شبراتنا" مركز بسيون بمحافظة الغربية فى الأول من أبريل 1922  نشأ فى أسرة تقدس القيم لذلك فقد اتصف منذ نعومة أظافره بالانضباط والروح الوطنية وعشقه للحياة العسكرية  تلقى تعليمه بالمدارس الحكومية فى محافظة الغربية ثم حقق حلمه فى الالتحاق بالكلية الحربية الملكية فى فبراير عام 1939 وتخرج برتبه الملازم فى يوليو عام 1940 عن عمر يناهز 18 عاما .
بدايته العسكرية
التحق بعد تخرجه من الكلية الحربية الملكية بسلاح المشاة ليخدم فى إحدى الوحدات العاملة فى الصحراء الغربية ويشارك من خلالها فى الحرب العالمية الثانية ثم لينتدب للخدمة فى الحرس الملكى لمدة ست سنوات فى الفترة من عام 1943 وحتى عام 1949 واستقرت خلالها حياته الأسرية حيث تزوج عام 1944 ورزق بثلاث بنات .
تميز طوال خدمته العسكرية بأخلاق الفارس خلقا ومظهرا فكان محافظ على ليقاته البدنية بنفس القدر الذى يحافظ فيه على الإلمام بالعلوم العسكرية والاستراتيجية .
انضم لحركة الضباط الأحرار فى عام 1951 ،هو أحد مؤسسي قوات المظلات بعد حصوله على دورة متقدمة فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1954 وتتدرج فى مناصبها القيادية إلى أن تولى قيادة الوحدات الخاصة عام 1967 وقد شارك فى حروب مصر المتعاقبة ومنها اكتسب الخبرة فقد حارب فى حرب فلسطين عام 1948  ضمن سارية حرس ملكى أرسلها القصر إلى فلسطين وشارك فى معارك حرب العدوان الثلاثى عام 1956 كمقاتل وقائد لإحدى وحدات المظلات كما كان أول قائد مصري يكلف بقيادة وحدته للعمل فى قوات حفظ السلام فى الكنغو عام 1960 ،وقاد إحدى الوحدات الرئيسية التى شاركت فى دعم مصر لثورة اليمن .
سطوع نجمه
أثبت الشاذلي نفسه في نكسة 1967 عندما كان برتبة لواء ويقود وحدة من القوات المصرية الخاصة مجموع أفرادها حوالي ١٥٠٠ فرد والمعروفة بمجموعة الشاذلي في مهمة لحراسة وسط سيناء ووسط أسوأ هزيمة شهدها الجيش المصري في العصر الحديث وانقطاع الاتصالات مع القيادة المصرية وكنتيجه لفقدان الاتصال بين الشاذلي وبين قيادة الجيش في سيناء، فقد اتخذ الشاذلي قرارا جريئا فعبر بقواته الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيو وتمركز بقواته داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بحوالي خمسة كيلومترات وبقي هناك يومين إلى أن تم الاتصال بالقيادة العامة المصرية التي أصدرت إليه الأوامر بالانسحاب فورا فاستجاب لتلك الأوامر وبدأ انسحابه ليلا وقبل غروب يوم 8 يونيو في ظروف غاية في الصعوبة، باعتباره كان يسير في أرض يسيطر العدو تمامًا عليها، ومن دون أي دعم جوي، وبالحدود الدنيا من المؤن، استطاع بحرفية نادرة أن يقطع أراضي سيناء كاملة من الشرق إلى الشط الغربي لقناة السويس (حوالي 200 كم). وقد نجح في العوده بقواته ومعداته إلى الجيش المصري سالما، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% إلى 20%. فكان آخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء.
عين اللواء "الشاذلى" مع اشتعال حرب الاستنزاف قائدا لمنطقة البحر الأحمر العسكرية من أجل التصدي للأعمال العدائية فى هذا القطاع الساحلي الممتد والذى حاول العدو تهديده .
بداية التخطيط لحرب أكتوبر المجيدة
اختاره الرئيس الراحل محمد انور السادات رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة فى أعقاب ثورة التصحيح فى مايو 1971 ليتولى هذه المسئولية الصعبة فى مرحلة من أدق المراحل فى تاريخ مصر المعاصر وعلى مدى 29 شهرا تولى فيها الفريق الشاذلى مسئوليته كرئيس أركان حرب القوات المسلحة فقد أفسح المجالات للتعاون والتنسيق من أجل الإعداد لمعركة التحرير الكبرى وفى نفس السياق أطلق العنان للتطوير والتطبيق العملى للأفكار الجيدة من أجل سد الفجوة التكنولجية فيما نملكه من أسلحة ومعدات وما يستخدمه الطرف الأخر و كانت تلك التطبيقات علامات بارزة فى آداء القوات المسلحة فى العمليات الحقيقية .
و يذكر للفريق الشاذلى جهده عند التنفيذ الفعلى لحرب أكتوبر المجيدة وكان أول مسؤول من القيادة العامة يزور جبهة القتال ويعبر الضفة الشرقية للقناة يوم الثامن من أكتوبر يشد من إزر القادة و الجنود ويهنئهم بالنصر وفى نفس الوقت يتحقق من تفهم القوات للخطوات التالية و يستجيب لأي مطالب عسكرية تؤدى لتحقيق الهدف .
ذلك لأنه كان يؤمن أن التلاحم بين القادة والجنود هو الطريق لتحقيق النصر وأن مكان القائد هو الميدان وسط  مرؤسيه وجنوده .
من أشهر ما قال عن الجندي المصري " العسكري المصري إذا أُعطى الفرصة وخصصت له المهمة التى فى حدود إمكانياته  يعتبر من أكفأ وأشجع المقاتلين".
" إن الجندي لا يهتم بما يسمع فهو يعلم بغريزته أنه ليس كل ما يقال حقيقة ، ولكنه يرى ويحس بما يدور حوله . لمن السذاجة أن يطلب القائد من جنوده التقشف بينما هو يعيش عيشه مرفهة ، أنهم سيسمعون ، وأدبا سيسكتون" .
الماَذن العالية
تحدث الفريق الشاذلى في مذكراته عن حرب أكتوبر عن خطة (المآذن العالية) قائلا "إن ضعف دفاعنا الجوي يمنعنا من أن نقوم بعملية هجومية كبيرة، ولكن في استطاعتنا أن نقوم بعملية محدودة بحيث نعبر القناة وندمر خط بارليف، ونحتل من 10 ل 12 كم شرق القناة.".
وتغير اسم الخطة بعد ذلك إلى (بدر) وأدخلت عليها تعديلات والإضافات إلا أن جوهرها ظل ثابتًا، وهو القيام بعملية ضد إسرائيل في حدود إمكانات القوات المسلحة.
شن الجيش المصري  بحلول السادس من اكتوبر 1973 هجوما كاسحا على الكيان الصهيوني بطول جبهة قناة السويس، ونفذ الجيش المصري خطة الهجوم بدقة ونجاح ساحقين.
ويعبر الشاذلي عن ذلك في مذكراته قائلا: "في أول 24 ساعة قتال لم يصدر من القيادة العامة أي أمر لأي وحدة فرعية.. قواتنا كانت تؤدي مهامها بمنتهى الكفاءة واليسر كانها تؤدي طابور تدريب تكتيكى ".
ثغرة الدفرسوار
كثر الحديث عن ثغرة الدفرسوار التي أحدثتها فرقة صهيونية بقيادة شارون بين الجيشين الثاني في الإسماعيلية والثالث في السويس، كما تعددت الاَراء حولها.

فالبعض يرى أنها لم تكن لها قيمة عسكريا، ويصفها بأنها ثغرة تليفزيونية هدفت إسرائيل من ورائها لتحقيق نصر إعلامي، ويرى هذا الفريق أن العدو الصهيوني هو من تضرر منها، وأن القوات الصهيونية التي قامت بإحداث الثغرة كانت محاصرة من قبل القوات المصرية.
وأبرز أنصار هذا السيناريو المشيرعبد الغني الجمسي

الذي شغل منصب رئيس أركان القوات المسلحة بعد "الشاذلي" ثم أصبح وزيرا للحربية عام 1974، والرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي ذكر في مناسبات عديدة أنه كان قادرا على تصفية الثغرة وسحق القوات الصهيونية المهاجمة، وأن صدور قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار هو الذي منعه من ذلك.
يقول الشاذلي، في مذكراته، أن الثغرة لم تكن حدثا دعائياً، ولم تكن القوات الصهيونية محاصرة من قبل القوات المصرية بل أن الجيش الثالث هو من ظل محاصراً في السويس لمدة تزيد عن الثلاثة أشهر إلى أن تم التوصل إلى فك الحصار في تسوية سلمية، ولولا بسالة القوات المسلحة والمقاومة الشعبية لنجح العدو الصهيوني في السيطرة على مدينتي الإسماعيلية والسويس، وطريق السويس القاهرة، ويعلم الله كيف كانت العواقب ستكون لوحدث هذا.
يؤيده في ذلك أمين هويدي، الذي تولى رئاسة المخابرات العامة ووزارة الحربية بعد نكسة 1967، حيث يقول في مذكراته بعنوان (الفرص الضائعة): لا يجوز أن نسمي ما قام به العدو من اختراق لثغرة الدفرسوار أنه مجرد معركة تليفزيونية. فعلاوة على ما في هذا الأسلوب من استخفاف بالرأي العام، فهو أيضا تهديد لقواتنا المسلحة وتغطية لسلبياتها بما يسمح للسوس بأن ينخر في عظامها.
خروجه من الجيش
تم تسريح الفريق الشاذلى من الجيش فى 13 ديسمبر 1973م وفى قمة عمله العسكرى بعد حرب أكتوبر بواسطة الرئيس أنور السادات وتعيينه سفيراً لمصر فى إنجلترا ثم البرتغال.
حقيقة خلافه مع السادات ومبارك
انتقد الشاذلى بشدة معاهدة كامب ديفيد  فى عام 1978  وعارضها علانية مما جعله يتخذ القرار بترك منصبه ويذهب إلى الجزائر كلاجئ سياسى.

كتب الفريق الشاذلى فى المنفى مذكراته عن الحرب والتى اتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغماً عن جميع النصائح من المحيطين أثناء سير العمليات على الجبهة أدت إلى التسبب فى الثغرة وتضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة وتدمير حائط الصواريخ وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الصهيوني.
كما اتهم فى تلك المذكرات الرئيس السادات بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة فى مفاوضات فض الاشتباك الأولى وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس السادات بإساءة استعمال سلطاته وهو الكتاب الذى أدى إلى محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانونى وتجريده من حقوقه السياسية.
"عودته لمصر وانتقام مبارك منه "
عاد الشاذلي عام 1992م إلى مصر بعد 14 عاماً قضاها فى المنفى بالجزائر وقبض عليه فور وصوله مطار القاهرة وصودرت منه جميع الأوسمة والنياشين وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن دون محاكمة رغم أن القانون المصرى ينص على أن الأحكام القضائية الصادرة غيابياً لابد أن تخضع لمحاكمة أخرى.
وجهت للفريق للشاذلى تهمتان: التهمة الأولى هى نشر كتاب بدون موافقة مسبقة عليه، واعترف "الشاذلى" بارتكابها والتهمة الثانية فهى إفشاء أسرار عسكرية فى كتابه، وأنكر الشاذلى صحة هذه التهمة الأخيرة بشدة، بدعوى أن تلك الأسرار المزعومة كانت أسرارًا حكومية وليست أسرارًا عسكرية.
وأثناء تواجده بالسجن، نجح فريق المحامين المدافع عنه فى الحصول على حكم قضائى صادر من أعلى محكمة مدنية وينص على أن الإدانة العسكرية السابقة غير قانونية وأن الحكم العسكرى الصادر ضده يعتبر مخالفاً للدستور.
وأمرت المحكمة بالإفراج الفورى عنه، رغم ذلك، لم ينفذ هذا الحكم الأخير وقضى سنة ونصف السنة فى السجن، وخرج بعدها ليعيش بعيدًا عن أى ظهور رسمى.
وفاته
تُوفي الفريق سعد الدين الشاذلي يوم الخميس 10 فبراير 2011 م، بالمركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة، عن عمر بلغ 88 عامًا قضاها في خدمة وطنه بكل كفاءة وأمانة وإخلاص، وقد جاءت وفاته في خضم ثورة 2011 في مصر، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض، وقد شيّع في جنازة عسكرية وشعبية مهيبة بعد صلاة الجمعة، وكانت جنازته في نفس اليوم الذي أعلن فيه عمر سليمان تنحي الرئيس حسني مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية.
أرسل مبارك برقية عزاء وكتب فيها "أعتذر على عدم الحضور لوجودى خارج القاهرة" بتوقيع محمد حسنى مبارك بدون الرئيس لأن برقية العزاء أرسلت بعد التنحى.
تكريمه جاء متاخرا
أعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبعد أسبوعين من وفاته نجمة سيناء لأسرة الشاذلي، وهي الوسام الذي قام السادات بتجريده منه، كما قام الرئيس المعزول محمد مرسي بمنح اسم سعد الدين الشاذلي قلادة النيل في 3 أكتوبر 2012 وقد تسلّمتها عنه أسرته.