رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستريح».. «نصاب» يسرق أموال «طماع» ‎

بوابة الوفد الإلكترونية

«المستريح».. سبوبة سريعة لتحقيق الربح لجأ إليها بعض الأشخاص فى مركز إدفو، وفى عدد من المحافظات كان آخرها الإسكندرية والشرقية، وتمكنوا من اصطياد ضحاياهم ما بين طلاب جامعيين وموظفين وفلاحين وغيرهم، وذلك بالاستعانة بأفراد لديهم خبرة فى الدعاية والإقناع وغيرها من مظاهر الثراء ليقنعوا ضحاياهم بالوقوع فى الشرك.

وزاد الأمر جذبا للضحايا حينما ادعى البعض من هؤلاء النصابين أنهم على علاقة قوية ببعض الأجهزة الأمنية، فسرد أحدهم بحسب حديث الأهالى الذين تحدثوا لـ«الوفد»، أن أحد ضباط الشرطة جاء للقبض على مصطفى البنك وأمام الأهالى قام المستريح بإجراء مكالمة هاتفية لأحد الأشخاص الذى تحدث مع الضابط وبعدها أصبح البنك حرًا طليقًا، وبعد انتشار هذه الرواية بين الأهالى اقتنع الكثيرون أنه ذو علاقات أمنية قوية حقا.

ولكن بعد إلقاء القبض على ثلاثة منهم وهروب الرابع ويدعى حصاوى اشتعلت الحرب داخل قرية الشرفا بمركز ادفو بمحافظة أسوان، فقد تعرض الأهالى لعملية نصب ممنهجة لجمع ملايين الجنيهات منهم بحجة تشغيلها ليكتشفوا بعد ذلك أنهم فقدوا كل شيء.

وتعود تفاصيل الكارثة إلى عدة أشهر سابقة حينما انتشر بين أهالى قرية البصيلة بمركز ادفو خبر عن وجود شخص يقوم بشراء المواشى بأغلى من ثمنها الحقيقى بنسبة 100% بنظام «الوعدة» وهى استلام أموالهم بعد 21 يوما من شراء المواشى، وعلى الفور توجه عدد كبير من أهالى محافظة أسوان والمحافظات المجاورة لبيع المواشي الخاصة بهم إلى الشخص المعروف بمصطفى البنك، ومرت الأيام دون الحصول على شيء، وحينما توجهوا للسؤال عن أموالهم لم يجدوا البنك فبدأت البلاغات تتوالى ضده ليتبين للأهالى أنهم راحوا ضحية عملية نصب كبرى استولى خلالها «مستريح المواشي» على حوالى 250 مليون جنيه.

وما كادت هذه القضية تهدأ حتى تفجرت أنباء عن عدد آخر من «المستريحين» الذين استولوا على أموال الأهالى كان آخرهم شخص مشهور بحصاوى والذى جمع الملايين من الأهالى مقابل وعد بصرف 50% كأرباح، وهرب حصاوى بالأموال إلى الجيزة وحولها إلى سبائك ذهبية وألقت قوات الأمن القبض عليه وبحوزته 10 كيلو جرامات من الذهب، وهو ما دفع الأهالى الغاضبين إلى إحراق منزله وممتلكاته.

وتواصلت «الوفد» مع بعض الضحايا وكانت البداية مع عادل زين، رجل فى الأربعين من عمره،  قال إن سمعة المستريح فى أدفو كانت «نار على علم» من ناحية حسن الخلق والعلاقات الاجتماعية فضلا عن ثرائه الفاحش الذى جعله اطمأن مثل كثير من الضحايا لمصير أمواله.

«أنا أساسا من سوهاج ومقيم فى القاهرة وأصحابى فى البلد اللى قالولى عليه».. يستكمل الضحية حديثه بنبرة صوت حزينة، قائلا « إن ما تداوله رواد السوشيال بشأن جميع النصابين الهاربين من مركز أدفو «فوق االخيال» عن الأمانة والصدق وجميع الأهالى يتحدثون عنهم بالخير دومًا.

ويستكمل الضحية حديثه قائلاً إنه أعطى المستريح «البنك» عجلين وقيمهما له بـ 59 ألف جنيه، على أن تعود له القيمة النقدية 100 ألف جنيه وبعد مرور أيام قليلة فوجيء بقضية البنك على المواقع الإخبارية ما أصابه بحالة من الجنون، وتواصل مع أقاربه فى بلدته وأصدقائه ولكن فوجيء بأنهم تعرضوا أيضا لعملية نصب.

«حقيقى أنا ندمان.. والمفروض الواحد ميضحكش عليه بالطريقة دي».. يستكمل الضحية حديثه موجهًا نصائحه للمواطنين بعدم الانسياق وراء خرفات الكسب السريع سواء عن طريق «الوعدة» أو غيرها.

يوسف أحمد إبراهيم، أحد الضحايا، الذين وقعوا فى فخ النصب والاحتيال على يد المستريح الحصاوى، قال إن عددًا كبيرًا من أهالى البصيلية يتحدثون عن أخلاقه الحميدة وإنه مصدر ثقة للعديد من المواطنين الذين تعاملوا معه ولذلك قرر هو خوض التجربه معه.

ذهب يوسف إلى الحصاوى فى منزله ووجد العشرات من المواطنين هناك قائلا: «لما شوفت منظر الناس هناك واللمة اطمنت طبعا وإن الراجل فعلًا مصدر ثقة».

وعن هوية الحاضرين وعما إذا كانوا أشخاصا يريدون الكسب السريع مثله أم من أصدقاء المستريح أو أقاربه رد الضحية قائلًا إنه لا يعلم عن هويتهم شيئًا واعتقد فقط أنهم مثله جاءوا لاستثمار أموالهم.

بداية التجربة مع حصاوى كانت بـ 9 آلاف جنيه حسبما قال يوسف، وبعد أيام قلائل عادت له الأموال 15 ألف جنيه ما جعله يشعر بفرحة شديدة لنجاح تجربة الكسب السريع وصدق حديث الأهالى عنه، وبعدها قرر إعطاءه 25 ألف جنيه دفعة واحدة ليستردها 60 ألفا ولكن وقع الضحية فى الفخ هذه المرة.

وتساءل الضحية عن مصدر مساندة هؤلاء النصابين الذين مكنهم من النصب والاحتيال على عدد كبير من المواطنين، وعن سر ارتداء معاونى النصابين ساعات ذهبية، فهل كانت وسيلة التواصل بين جميع النصابين أو وسيلة تواصل بينهم وبين أشخاص خارجين عن المحافظة؟، تساؤلات عديدة لا يعلمون عنها شيئًا خاصة الروايات التى تحكى عنهم وإنهم «واصلين» على حد وصفهم.

جرائم

قالت دينا المقدم، خبيرة قانونية، إن التهمة التى تنتظر هؤلاء المتهمين المعروفين إعلاميا بـ «المستريح» هى النصب على المواطنين وفقًا للمادة 336 من قانون العقوبات، وعقب انتهاء التحقيقات يُحال إلى محكمة الجنح.

وأضافت أن المادة 336 من قانون العقوبات تنص على أن يُعاقب بالحبس 3 سنوات كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أى متاع منقول وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمى أو تسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال، أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور، وإما بالتصرف فى مال ثابت أو منقول ليس ملكًا له، وليس له حق التصرف فيه، وإما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة.

وأكدت الخبيرة القانونية أن هذه العقوبة لم تعد رادعة لابد من تحولها من جنحة إلى جناية وأن تغلظ هذه العقوبة لتصل للمؤبد، كما يجب أن يعى المواطن العادى الطامع فى ربح دون شقاء مدى الضرر الذى يوقعه على نفسه وعلى الدولة، وتابعت: «المواطن نفسه هو من يسمح لهؤلاء النصابين بالتمادى والاستمرار فى ارتكاب جرائمهم».

أما فيما يخص استعادة الأموال ردت الخبيرة القانونية قائلة «نادرا ما يحدث ذلك فى مثل هذه الحالات» ولكن يمكن بالطبع اذا ما كان المتهم قد أخفاها أو حجبها، مشيرة إلى أن مقولة أن القانون لا يحمى المغفلين خاطئة، لا يوجد مغفل يعطى المال لأحدهم وهو يعلم أن طرق الربح غير مشروعة، ولهذا علينا أن ننتهى من وصفهم بالضحايا، ليس ضحية بل طامع فى ربح دون عمل.

اضطراب نفسي

فيما تتعجب الدكتورة منى حمدى، خبير علم

النفس والصحة النفسية من هؤلاء الجهلاء الذين يتلاعبون بمن هم على قدر من التعليم والوعى والثقافة، مشيرة إلى أنه فى واقعة مستريحين أسوان نجد أن غالبية الضحايا يتقاربون معه فى مستواه الاجتماعى والتعليمى أو الثقافى، أناس بسطاء، فالنصب والاحتيال لا يفرق بين متعلم أو مثقف وجاهل فقوانين الطبيعة البشرية تحل اللغز وتوضح العلة.

ونوهت استشارى علم النفس إلى أن أول قوانين الطبيعة البشرية وفق علم النفس والدراسات العلمية هو اللاعقلانية وتحكم العاطفة والانفعال فى أغلب تصرفات البشر وبدرجات كل وفق سماته الشخصية وعقليته الخاصة، وأضافت: إذا ما سيطرت على إنسان مشاعر أو عاطفة معينة فإن العقل يعمل وفق اللامنطق واللاعقلانية ويسير تفكير الانسان وفق مبدأ الانحياز الانتقائى لكل ما يؤيد الفكرة العاطفية فلا ينتبه لكل ما يشير إلى احتيال النصاب وكذبه، لكن ينتبه فقط وبقوة لكل ما يؤكد العاطفة المسيطرة وهى هنا قدرة النصاب على منحه حلم الكسب الوفير وفى أقصر وقت وبلا أدنى جهد، وأشارت إلى أن مصطلح المستريح قد ينطبق على النصاب الذى يضحك على عقول الناس عبر مبدأ «اربح وأنت مستريح» وهنا يؤيد العقل الفكرة النابعة من العاطفة أو الانفعال وتتوقف مراكز التفكير المنطقى.

وأشارت استشارى علم النفس إلى أن كل من النصاب والضحية يقع تحت درجة من درجات تأثير «دانينج كروجر» وهى ظاهرة نفسية قدمها علم النفس ليفسر الثقة الزائدة عند بعض ضعاف العقول وانعدامها عند ذوى القدرة العقلية، فالأول وهو النصاب باعتقاده فى ذكائه الخارق وظنه أنه لن يقع والآخر وهو الضحية فى سوء تقديره لقدراته بأنه أقل ذكاء وقدرة من النصاب فيسلم له زمام الأمر لتحقيق أحلامه التى تتركز هنا فى الكسب السريع المبالغ فيه ودون أدنى جهد.

وعرفت الدكتورة منى حمدى، النصاب بالشخص السيكوباتى المنمق الذى لا يعترف بقوانين ولا يتبع مبادئ، ولديه أدواته لإحداث التأثير وسيطرة على الضحية وتغييب عقله فيتاجر بآماله وأحلامه ويظهر تمسكه كذباً  بمبادئ وقيم يعرف قدرها لدى الضحية وافتقاره لها كادعاء العلم أمام جاهل أو ادعاء الغنى أمام فقير أو السلطة والمنصب لدى شخص متواضع المكانة الاجتماعية، ويحاول أن يتخذ من السبل ما يدعم قدرته وقوته وثراءه فى الملبس والمظهر والسلوك ومظاهر الثراء والقدرة والذكاء حتى يجعل الضحية تشعر بالدونية وانخفاض القدر والقدرة أمامه مستغلا ميل بعض ضعاف التركيبة السيكلوجية للانقياد للاقوى والأغنى كما يكسب الضحية الإحساس بالأمان بمظاهر استغناءه عن المال أو ما يطلبه من الضحية. وتابعت: كل من النصاب والضحية وفق علم النفس مضطرب، فالنصاب شخصية سيكوباتية الضحية شخصية اعتمادية وهى نوعان من اضطرابات الشخصية.. وكلاهما خاضع لمتلازمة حلم الثراء السريع والكسب السهل المستريح، فالضحية  الاعتمادية يجد ضالته وحل العقدة فى تسليم أمره والغاء عقله الذى أُجهد من طول التمنى لشخص قوى وإن كانت قوة كاذبة ظاهرية سطحية، والنصاب يجد ضالته فى التلذذ بالفهلوة والتذاكى عليه تعويضًا عن تاريخ طويل من الفشل والإحباط والنبذ من الآخرين وخاصة الأشخاص ذوى التأثير فى حياته؛ الوالدين، الأسرة، وما يليهم من شخصيات وعلاقات ذات أثر فى حياة الإنسان.

ثم نجد النصاب يستخدم بعض الوسائل لعمق التأثير النفسى فى ضحاياه من قبيل اسمه (مصطفى البنك) والمستريح قديما فالكلمات لها وقع على العقل فالكلمات تكتسب تأثيرها من المعنى والشعور والسياق المرتبط بها والمترسخ فى ثقافة المجتمع وهذا التأثير يمر على العقل الباطن دون أن يمرر  لا شعوريا على مناطق الوعى والمنطق فتؤثر نفسياً  لصالح مستخدمها، فوفق علم النفس قد يسيل لعاب الإنسان لسماع كلمة أكل دون أن يراه ودون أن يكون جائعًا فما حال أنه جائع، والضحية هنا جائع مال وخاصة فى ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية. ثم قد يتسايل البعض كيف استطاع نصاب التحايل على متعلمين وأصحاب وظائف وهو أقل منهم تعليما، يرد علم النفس أن النصاب يعرف أن سيطرة الرغبة والعاطفة تلغى المنطق وعلميًا سيطرة فكرة معينة انفعالية عاطفية وجدانية على الانسان بالفعل كما ذكرنا آنفًا توقف مراكز التفكير المنطقى والعقلانى وبالتالى لا ينفع مستوى تعليم ولا ثقافة عند لعب النصاب بأحلام وآمال الناس، كما أن المصرى بطبعه مازال يميل للخرافات والأساطير والدجل والشعوذة أى سيطرة التفكير الخرافى اللامنطقى وبالذات فى الشخصيات الاعتمادية وأصحاب الذكاء المتواضع الذين نالوا شهادة تعليمية لكنهم لم يتعلموا شيئا.