عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هجرة الأطباء.. سرطان في جسد المنظومة الصحية

بوابة الوفد الإلكترونية

ضعف الرواتب والاعتداءات والحبس الاحتياطى جرح غائر

منى مينا: نصف أعداد المقيدين بالنقابة يعملون بالخارج

المرتبات وبدل العدوى والمسئولية الطبية أزمات تبحث عن حلول

 

المنظومة الصحية فى مصر، حينما نشاهدها من الخارج ستجدها تشبه إنساناً يتمتع بكامل صحته ولياقته البدنية، فلديها عدد كبير من المستشفيات والتجهيزات بأحدث الأجهزة الطبية وجميع المواطنين يحصلون على كامل الرعاية ومع ذلك فهى من الداخل تعانى من سرطان ينهش فى مفاصلها كشفته نقابة الأطباء فى تقرير صادم أكد زيادة معدلات استقالة الأطباء من القطاع الحكومى، ­­التى وصلت إلى حوالى 11 ألفاً و500 طبيب فى الثلاث سنوات الأخيرة.

بدأت معاناة الأطباء فى عام 2016 حينما استقال حوالى 1044 طبيباً، ثم بدأت المضاعفات تظهر بصورة أكبر مع مرور الوقت لتصل فى عام 2017 إلى 2549 طبيباً، و2018 تزايدت إلى 2612، وفى 2019 استقال 3507 أطباء، أما فى2020 فقد استقال 2968 طبيباً، ثم 2021 استقال 4127 طبيباً.. التقارير تؤكد أن عدد الأطباء فى عام 2019 وصل إلى 212 ألف طبيب يعمل منهم داخل القطاع الحكومى 82 ألف فقط ليصل عدد مقدمى الخدمة الطبية إلى 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن وهى نسبة ضئيلة مقارنة بالمعدل العالمى 23 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن.

العجيب فى قصة هروب الأطباء للخارج هو زيادة أعداد المقبولين بكليات الطب وفى نفس الوقت نقص الأعداد فى سوق العمل فبعد نهاية فترة التكليف يزداد عدد المهاجرين عاماً بعد عام ورجح البعض أن الأسباب وراء الهجرة هو ضعف الرواتب فى مصر وهو ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى، فيما ترى نقابة الأطباء أن شباب الأطباء يخشون الحبس الاحتياطى نتيجة الشكاوى التى تقدم ضدهم بسبب عملهم، كما صرح الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى والقائم بأعمال وزير الصحة، أنه بحلول عام 2030 سيكون هناك عزوف عن مهنة الطب.

«الوفد» رصدت آراء الأطباء حول أسباب الهجرة واستطلعت آراء أعضاء نقابة الأطباء حول دوافع الهجرة ويزايدها فى السنوات الأخيرة.

إنجى أحمد، طبيبة أخصائية جهاز هضمى أكدت أنها تركت مصر بعد أن أنهت فترة التكليف خاصًا أن المنظمة الصحية فى مصر غير آمنة ولا يوجد بها إمكانيات تساعد على التطوير والتدريب، فراتب الطبيب 2700 جنيه وهذا لا يتناسب مع متطلبات الحياة وتكاليفها، فالطبيب مطالب بالعمل 14 ساعة يومياً، فالطبيب صاحب أهم مهنة مطالب بالعمل ثم النوم للاستيقاظ فى اليوم التالى لاستكمال عمله ولا يحق له أن يمارس حياته بصورة طبيعية كباقى البشر فلا يسمح له بالجلوس مع عائلته خاصة مع وباء كورونا فى السنوات الماضية وكان ضغط العمل متزايد ودون أية مميزات تذكر.

وتكمل إنجى قائلة: «أعمل حالياً بألمانيا وعلى الرغم من أن موجة التضخم العالمية أثرت على مستوى الحياة إلا أن هناك مميزات يتمتع بها الطبيب فى الخارج، حيث يحصل الطبيب المتخصص على راتب 6 آلاف يورو وقد يزيد إلى 10 آلاف وأهم المشكلات التى تقابل الطبيب بعد السفر إلى أوروبا هى اللغة لأن معظم أوروبا تقوم باختبار لغة للطبيب ويجب أن يتخطى مستوى «B2» إلى جانب اختبار لطرق تعامله مع المرضى.

وأضافت أنجى أن التحصيل العلمى فى ألمانيا يختلف كثيراً عن مصر من حيث الخبرات والأبحاث الجديدة باستمرار علاوة على التعامل المختلف بين المرضى فى مصر وألمانيا، ففى مصر الطبيب دائماً فى موضع المتهم أمام أهل المريض بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات والتى تجبر الطبيب عن التغاضى عن محاسبة المريض بسبب الظروف الاقتصادية السيئة.

أما محمد منصور، طبيب باطنة وكلى مقيم بألمانيا تحدث لـ«الوفد» قائلاً: «فى الحقيقة هناك اختلاف بين مصر واوروبا فلا أخفى شعور السعادة بعد معالجة المريض فى مصر وأنت ترى ظروف المادية الصعبة وتشبثه بالطبيب وبعد الشفاء وهو يدعو له من قلبه إحساس رائع ولا تجده فى الخارج ولكن المشاعر وحدها لا تكفى».

ويكمل منصور قائلاً: «الأزمة ليست مصر وحدها بل معظم الأطباء العرب يهربون للخارج ولك أن تعلم بأن الطبيب فى بلجيكا يتقاضى 278 ألف دولار سنوياً وهولندا 254 ألف دولار وكندا 213 ألفاً كل تلك المبالغ يضاف إليها خبرة علمية فى حين راتب الطبيب السنوى فى مصر لا يتجاوز 30 ألف جنيه ويقدر عالمياً بـ140 دولاراً شهرياً، فبالتالى الطبيب لا بد أن يحصل على راتب يكفيه لأنه يتعامل مع عورات المريض ويعرف أسراره وبالتالى إن لم يكن لديه ما يكفيه، فسيضطر إلى النصب على المرضى.

وأشار منصور إلى أن كل معارضى فكرة سفر الأطباء عليهم أن يبحثوا كيف تقدمت الدول الكبرى فى مجال الطب وهو عن طريق سفر أطبائهم للخارج لاكتساب الخبرات ليعودوا إلى بلادهم لينقلوا للطلاب ما تعلموه بالخارج ولا توجد دولة فى العالم ليس لديها عجز فى الأطباء والتمريض ولكن هناك تعويضات أخرى لجذب الأطباء كالمرتبات المجزية لو الأبحاث العلمية المتقدمة فالهجرة بمميزاتها فلها عيوب أيضاً منها أنك فى بعض الدول لن تحصل على الجنسية أو حينما يقرر الطبيب العودة لمصر فهو يبدأ من جديد لأنه غير معروف على مستوى المرضى فخلاف أنك تبدأ أنت وأبنائك حياة جديدة فى بلدك وكأنك غريب.

خالد سمير، أمين صندوق نقابة الأطباء السابق، أشار إلى أن هناك عوامل رئيسية تدفع الأطباء إلى الهجرة وعلينا أن نقارنها بمصر منها أن الطبيب فى أوروبا يعمل 8 ساعات فقط فى اليوم ويحصل على مرتب يكفيه ليعيش حياة آدمية تغنية عن فتح عيادة خارجية على العكس فى مصر فالطبيب يعمل ضعف عدد ساعات العمل ويتقاضى 45 جنيه فى النوبتجية ومطالب بعمل دراسات عليا تكلفة 9 آلاف جنيه سنوياً، كما أن بدل العدوى 19 جنيهاً وهو لا يتناسب مع المخاطر التى يتعرض لها الطبيب حيث فقدت المنظومة الصحية 633 طبيباً خلال جائحة كورونا علاوة على وجود قصور فى المنظومة الصحية

منها على سبيل المثال نقص أسرة الرعاية الصحية.

وأضاف خالد أن هناك عوامل أخرى تدفع الطبيب إلى الهجرة منها الاعتداءات المستمرة على الأطباء سواء كانت بدنية أو لفظية ولا توجد عقوبات على المعتدين لأن هناك مبررات جاهزة دائماً وهى حالة أهل المريض النفسية، وإلصاق التهم دائماً بالطبيب ووصفه بالمهمل وهو وصف غير حقيقى تماماً، فان لأطباء المصريون اثبتوا نجاحهم داخل الوطن العربى وأوروبا ومع ذلك لم يجدوا تكريماً بل فرضت عليهم عقوبات باعتبارهم دائماً مخطئين.

وأشار خالد إلى ضرورة وضع ضوابط لممارسة مهنة الطبيب منها تجديد الترخيص لمدة خمس سنوات، أسوة بالدول الأخرى التى تشترط ممارسة المهنة لمدة عام من أجل التقييم، ففى مصر يحصل الطبيب على ترخيص دائم من وزارة الصحة حتى إن لم يعمل فى مهنة الطب هنا نجد أن النقابة ليس لها أى دور رقابى، لأنها لا تمتلك أدوات التنظيم أو الحق القانونى لذلك نجد الكثير من الأطباء غير مقيدين بالنقابة على العكس فى الخارج فكل من يعمل طبيب عليه أن يتقدم إلى النقابة العامة للأطباء.

سألنا الدكتورة منى مينا عن موقف النقابة عن مطالب الأطباء والتحذيرات من الهجرة، فأجابت بأن نقابة الأطباء على مدار سنوات وهى تحذر من تلك الظاهرة وتنادى بالاستجابة لمطالب الأطباء وننحن نعلم أن الوضع المادى سيئ ولكن هناك أشياء أخرى لا تتعلق بالناحية المادية ولكن لا نجد أى استجابة على الرغم من أن تلك المطالب ستمنح الاطباء مكاسب سريعة منها تشديد عقوبة التعدى على الأطباء أو قانون المسئولية الطبية فلا يوجد طبيب يتعمد الضرر بالمريض ولا يعقل أن تكون عقوبة الطبيب الحبس فى حين أن معظم الدول العربية العقوبة المادية فقط هى التى توقع على الطبيب المخطئ إن ثبت خطؤه.

وأشارت منى إلى أن معاقبة الطبيب المخطئ لا يعاقب بطريقة علمية وطالبنا بتشكيل لجنة للوقوف على خطأ الطبيب من عدمه كما أن مشكلة الدراسات العليا والتى نبلغ حوالى 9 آلاف جنيه وطالبنا أن تتحملها الوزارة وضربت منى مينا مثالاً بشخص لديه طفل يرغب فى شراء ملابس غالية فالطبيعى أن الأب سيقول لا توجد مدخرات ولكن إن كان الأمر يتعلق بعملية جراحية ستوفر المبلغ من أجل إنقاذه. وأضافت منى أن الأطباء أنه لا توجد إحصائية دقيقة بعدد المقيدين بالنقابة ولكن هناك حوالى 300 ألف طبيب منهم حوالى 50 ألف متوفٍ و50 ألفاً آخرين تجاوزوا سن المعاش برغم عملهم بالمستشفيات الخاصة أما العدد المتبقى فنصفه خارج البلاد والعدد المتبقى 100 ألف منهم 60 ألفاً بوزارة الصحة والباقى موزع على المستشفيات الخاصة والعسكرية لذلك طالبنا بأن يقوم الطبيب بالتوقيع على استمارة سفر من أجل الوقوف على إحصائية دقيقة.

وكشفت منى مينا عن كارثة أخرى وهى هجرة معظم أوائل الدفعات إلى الخارج وهؤلاء يعتبرون من الأطباء المميزين خاصة فى تخصصات مطلوبة بشدة وهؤلاء مع مرور الوقت سيصبحون من خبراء المهنة، وهناك حالات كثيرة استقالات من المهنة بسبب التجاوزات التى يتعرضون لها. وأشادت منى بالدكتور خالد عبدالغفار فى تعامله مع أزمات الأطباء حيث أكدت أنه يتعامل مع المشكلات بمنطق ومنظور علمى كما أن هناك تعاوناً مستمراً بينه بين الأطباء لحل مشكلاتهم.

كان الدكتور ياسر الهضيبى، عضو مجلس الشيوخ، ونائب رئيس حزب الوفد قد اقترح زيادة أعداد المقبولين بكليات الطب وغيرها من الكليات الطبية، ومعالجة مشكلة تدنى الأجور والتى تأتى على رأس عوامل الطرد، وزيادة بدل العدوى خاصة فى قسم العناية المركزة، وتوفير أماكن إقامة مناسبة وآمنة للأطباء بالمستشفيات، مع وضع قوانين رادعة لحمايتهم أثناء تأدية عملهم من خلال تغليظ عقوبة الاعتداء على المنشأة الطبية والأطباء بالإضافة إلى تفعيل قانون رقم 14 لسنة 2014 الذى ينص على تحمل وزارة الصحة لتكاليف الدراسات العليا، فى ظل التكلفة الكبيرة التى يتكبدها الأطباء فى إتمام الدراسات العليا.